العنوان بعد نصف قرن عالم سكران!.. سكران! يقوده قلة من العقلاء
الكاتب أحد القراء
تاريخ النشر الثلاثاء 25-مايو-1971
مشاهدات 16
نشر في العدد 61
نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 25-مايو-1971
بعد نصف قرن
عالم سكران!.. سكران! يقوده قلة من العقلاء
* سلطان الشركات المنتجة للخمور.. يخفي مخاطر الخمر من أجل الربح!
* تعاطي الخمور ضعف شخصي.. يستعين على الحياة بالهروب منها!
* الفجوة الخطيرة بين المعرفة العلمية.. والسلوك العلمي!
تحقيق علمي عن الخمر
بقلم: م.ع. ج
عرف الإنسان الخمور منذ أقدم العصور، واستخلصها من مواد متباينة التركيب، واستخدمها ليتخلص مؤقتًا من مضاعفات نفسية ومشاكل اجتماعية، جاهلًا بأضرارها، ظانًا أن في ظلالها الراحة والاستقرار.
إن كان للبشر ممن لم يبلغهم هدى الإسلام، أو ممن لم يعيشوا قفزة العلم الهائلة من عذر، بحكم جهلهم بأضرار الخمور، فما عذرهم اليوم والعلم يهب ليجلو لهم في غير لبس الكثير من مضارها، بحيث يقرر هذا العلم- والذي أصبح إله الكثيرين المعبود-أن أضرار الخمور من الشمول بحيث لا ينجو منها نسيج أو عضو أو جهاز في الجسم، بل وإن العلم الحديث- على ما هو عليه من تقدم- ليقف واجمًا عن أن يسبر أغوار هذا السم، ويلح في طلب المزيد من اكتشاف أضراره حتى يمكن تفسير الظواهر الحيوية الجسمية، الصحية منها والمرضية، تفسيرًا أكثر واقعية وأقرب إلى المنطق والمعقول.
وقبل الخوض في الحديث عن مضار الخمور لا بد من بعض الملاحظات:-
1- إن الحديث عن الخمور هنا علمي بحت، بعيدًا عن رأي الإسلام فيها، حتى إذا انتهى القارئ الكريم من قراءة هذا الحديث أمكنه أن يستخلص بنفسه الحكمة الربانية من تحريمها.
2- إن الذي يؤخر اكتشاف المزيد من أضرار الخمور هو النفوذ الواسع الذي تتمتع به شركات إنتاج الخمور، نفوذ يحد من عدد الباحثين في هذا المجال، ويحد من دائرة عملهم، لأن البحث في مضار الخمور مجازفة تعرض صاحبها لطائلة سلطان الشركات الجائرة.
3- لا بد من التغاضي هنا عن كثير من الحقائق الكيماوية والأسماء الغريبة، واللجوء إلى الاختصار بما يتناسب ومدارك أبسط الناس تحاشيًا لأي تعقيدات.
4- سيكون الحديث هنا مقتصرًا على الكحول الميثيلي لأنه الأكثر شيوعًا، ويكفي القول بأن الكحول الميثيلي مثلًا عالي السمومية، فإن كمية 125 سم3 تكفي لأن يفقد متناولها بصره، أما الكحولات الأخرى فهي نادرة الاستعمال.
5- إن المضار التي سنأتي على ذكرها ما هي إلا أشهر ما يعرف عنها، فأضرارها؛ والذي يحتوي على غذر الحقيقية، لا تزال سرًا لم يقتحم العلم أسواره، وعليه فلا يجوز لمسلم أن يتسرع في الحكم، فيعزي تحريمها إلى هذه المضار منفردة- ولو أن بعضها يكفي لتحريمها- فالخمرة كما في الحديث النبوي الشريف إنما حرمت لذاتها.
6- إن أكثر دول العالم تقدمًا في مجال الخدمات الصحية تسن من التشريعات وتتخذ من الإجراءات ما تراه مناسبًا للحد من انتشار هذا السم الزعاف، فالسويد مثلًا- وهي أكثر دول العالم تقدمًا في ميدان الخدمات الصحية- تستورد الخمور وترفع ضريبتها بحيث تصل إلى نحو من خمسمائة في المئة، وفي أمريكا لا يسمح بشراء الخمور لمن لا يقل عمره عن 18 عامًا.
7- إن الكحول من أكثر المواد الغذائية إنتاجًا للطاقة الحرارية، ولكن إنتاج هذه الطاقة في الجسم لا يخضع لحاجيات هذا الجسم، أو بمعنى آخر، إن احتراق الكحول في الجسم يسير على وتيرة واحدة حسب تركيز هذا الكحول في الدم، احتاج الجسم إلى هذه الطاقة المنبعثة أم لا، وهذا ما يميز هذا النوع من مصادر الحرارة عن المصادر الأخرى كالسكريات والدهون، ففي السكريات والدهون تخضع الحرارة الناتجة عن احتراقها لمتطلبات الجسم، فإذا احتاج الجسم إلى طاقة، أخذت هذه المواد في الاحتراق، وإذا فاض منها شيء عن حاجة الجسم، قام الجسم باختزانها إلى وقت الضرورة، الأمر الذي لا ينطبق على احتراق الكحول الآلي والعفوي دون مراعاة لحاجيات الجسم، وبذلك يسقط في أيدي أولئك المتشدقين والمتسولين على موائد العلم، الذين ينسبون إلى هذا السم هذه الحسنة التي يعود بها على الجسم بالفائدة، والتي لا تعدو أن تكون هذيانًا وتخرصات يدحضها العلم والطب.
وبعد هذه المقدمة، نعود إلى صلب حديثنا فنقول:-
يجري الكحول مع دم الإنسان بنسبة ثلاثة مليغرامات لكل مئة سنتيمتر مكعب، وهذه الكمية تتكفل بإنتاجها البكتيريا المعوية، وهي نسبة ضرورية لتنشيط كثير من العمليات الحيوية في الجسم، وتكاد تكون هذه النسبة ثابتة، ولا حاجة أبدًا إلى تناولها من أي مصدر آخر، لأن تناول الكحول مباشرة وبأي طريقة كانت، سيتبعه ارتفاع هذه النسبة في الدم مما ينتج عنه اضطرابات في العمليات الحيوية تنعكس آثارها على الحالة الصحية والسلوك العام والمظهر الخارجي.
دورة الكحول في الجسم
تقوم جدر المعدة بامتصاص نحو نصف الكمية التي تتناول عن طريق الفم، ومن الجدير بالملاحظة أنه لم يثبت طبيًا بعد أن جدار المعدة قادر على امتصاص أي مادة أخرى غير الكحول. أما النصف الآخر من الكحول فيتم امتصاصه في الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة وخاصة الإثنا عشر.
ولما كان الامتصاص يتم عن طريق الغشاء المبطن للمعدة، والذي يحتوي على غدد الإفرازات المعدية، فإن هذا النسيج يتهيج ويلتهب، مما يؤدي إلى فقدان الشهية، واضطراب في نوعية إفرازات غدد المعدة، فيزيد إفراز حامض الكلوردريك، ويقل إفراز الإنزيمات والخمائر، مع اضطرابات هضمية لاحقة مترتبة على قلة الإنزيمات وزيادة الحامض المشار إليهما سابقًا.
هذا الكحول الممتص عن طريق المعدة والأمعاء لا مناص من أن يمر بالكبد، الذي يبدأ في عملية شاقة ومرهقة لإبطال مفعول هذا الكحول وتحويله إلى مواد أقل ضررًا، فيدفع هذا العضو المسكين الثمن غاليًا باعتباره كبش الفداء، وحتى يكوِّن القارئ الكريم لنفسه فكرة عن مدى هذا الضرر نذكر أن 67% من مرضى إحدى العيادات في إحدى الجامعات الغربية كانوا بسبب الكبد ونتيجة تعاطي الخمور.
إن الكبد لا يستطيع أن يقوم بمهمته في إبطال مفعول الكحول دفعة واحدة، لاسيما إذا كانت كمية الكحول في الدم كبيرة، مما يؤدي إلى أن يصل الدم الملوث بالكحول إلى القلب، وهذا بدوره ينقله إلى بقية أجزاء الجسم، وفي هذه الحالة ينضم إلى الكبد الرئتان، فتقوم هاتان بدورهما في إفساد مفعول الكحول عن طريق التنفس، وعليه فالكبد والرئتان هما العضوان الحيويان الرئيسيان اللذان يقومان بدور الدفاع ضد هذا السم.
ولنتوقف قليلًا عند أهم الأجزاء التي تتضرر نتيجة تعاطي الخمور:
ففي الجهاز الهضمي:-
المعدة تلتهب جدارها فيفقد نتيجة ذلك من يتعاطى الخمور شهيته، وربما أصيب بالقيء والسبب هو تهيج جدار المعدة؛ مما يجعلها في ظروف لا تسمح لها باستقبال وخزن الطعام، فيتخلص من ذلك بالقيء، وربما تحول الالتهاب المزمن هذا لجدار المعدة إلى قرحة معدية، أما الخلل في إفرازات الغدد المعدية فقد سبقت الإشارة إليه، بل وربما تلفت نهائيًا هذه الغدد، ويذهب بعضهم إلى حد القول بأن القرحة المعدية الناتجة عن تعاطي الخمور أكثر قابلية للتحول إلى سرطان المعدة من القرح المعدية الناتجة عن أسباب أخرى.
الكبد: وهو أكثر الأعضاء الهضمية تضررًا بالكحول، فتموت خلايا نسيجه، وتتبدل بخلايا أخرى ومن طبيعة أخرى، ويتصلب العضو، ويعجز عن أن يؤدي وظائفه الحيوية المنوطة به، فإذا علمنا أن الكبد يمد الجسم بنحو من مئة إنزيم مختلفة «مما دعا العلماء إلى أن يطلقوا عليه مطبخ الجسم»، أدركنا الضرر الذي ينعكس على الجسم كله، إن الكبد السليم هو من الليونة بحيث لا تدركه يد الفاحص عند فحص البطن بواسطة اللمس، أما كبد مدمن الخمور فإنه سهل اللمس لأنه فقد قوامه الأصلي واستحال إلى عضو أكثر صلابة.
أما الأمعاء، وخاصة الإثنا عشر فتلتهب هي الأخرى، وربما تقرحت، ولما كانت إفرازات الكبد والبنكرياس تصب في هذا الجزء من الأمعاء، وإن إفرازات هذا الأخير (البنكرياس) لا بد لها حتى تكون نشيطة حيويًا من أن تتفاعل مع إفرازات الإثنا عشر، وإن إفرازات الأمعاء لا تتم في ظروف سليمة بسبب الالتهاب، فينتج عن هذا في مجموعة اضطرابات في عملية الهضم وعدم الانتفاع بصورة صحيحة من المتناول من الأغذية، أما بقية الأمعاء فتزداد حركتها، وتضطرب إفرازاتها، وبذلك يمر الغذاء خلالها بسرعة، بحيث لا تتمكن جدار الأمعاء من امتصاص المهضوم منه، بسبب سرعة الحركة من جهة وبسبب التهاب نفس جدار الأمعاء من جهة أخرى، وينتج عن ذلك الإسهال الذي يعاني منه المدمنون على الخمور وكذلك الضعف والهزال العام.
الكحول مادة مذيبة للدهون الجسمية، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الدهون التي تجري مع الدم، فيترسب شيء من هذه الدهون في الكبد بصورة رئيسية فيزيد الطين بلة، إذ إن هذه الدهون المترسبة حول خلايا الكبد تحجب الغذاء عن هذه الخلايا، وبالتالي موت هذه الخلايا الكبدية، وقد يترسب الدهن- بل وهو الغالب- في البنكرياس الذي يصاب عندها في نقص في وظائفه الحيوية، وربما أدى الأمر إلى الإصابة بمرض السكري، وإفرازات الكبد والبنكرياس- كما هو معلوم- هي التي تعمل على هضم النشويات والدهون والبروتينات بصورة رئيسية، إذا أدركنا ذلك حصلنا على سبب آخر من فقر الدم، مضافًا إلى فقد الشهية فعدم تناول الطعام، والقيء، واضطراب في الإفرازات الهضمية المختلفة، وحصيلة ذلك كله هو قلة المناعة الطبيعية للجسم ضد الأمراض والأوبئة فتسهل إصابته بها.
الدورة الدموية
وعند الحديث عن جهاز الدورة الدموية (القلب والأوعية الدموية) لا بد أولًا من رفض الفكرة الخاطئة القائلة بأن الكحول مادة منشطة للقلب، وعامل من عوامل زيادة تغذية نسيجه العضلي، فالحقائق العلمية لا تدحض هذا الرأي فحسب، بل وتقول بعكسه تمامًا، فالكحول يزيد من عمل القلب، ولكنه لا يزيد من تغذية نسيجه العضلي، بمعنى أنه لا يساعد على تمدد الشريانين التاجيين، وهذا ما يلحق ضررًا فاحشًا بنسيج القلب، لأن ازدياد عمل هذا العضو لا توازيه زيادة في تدفق الدم إلى نسيجه، مما يؤدي إلى أن يهزل هذا النسيج ويضعف القلب، أما زيادة عمل القلب فمرده إلى أن الكحول يسبب تمددًا في الأوعية الدموية السطحية للجسم، فتزداد بذلك سعتها ويحتقن فيها الدم، فينشط القلب ويزيد من عمله ليقابل هذا التمدد الطارئ في الأوعية أن احتقان الدم في الأوعية السطحية للجسم تظهر على صورة حمرة أو تورد تظهر خاصة في الوجه، ويعزو الجاهلون ذلك إلى أنه تحسن في الصحة ينتج عن تناول الكحول، بينما حقيقة ذلك أنها حمرة نتجت عن دم احتقن في هذه الأجزاء، ومن أجل هذا الدم المحتقن يزيد القلب من وظيفته ويجهد نفسه فتضعف قدرته. ولاحتقان الدم هذا نتيجة سيئة أخرى، وهي أنها تزيد من كمية الحرارة المفقودة من الجسم لاتساع السطح الملامس للعوامل الجوية مباشرة، ومن أجل هذا يشعر شارب الخمر دائمًا في فصل الشتاء بالبرودة التي تتسبب عنها نسبة عالية من الوفيات الناتجة عن تعاطي الخمور في فصل الشتاء.
الجهاز التنفسي
أما الجهاز التنفسي: فإن الكحول يعمل على مراكز التنفس العصبية ويقلل من نشاطها فيضطرب التنفس، ونتيجة ذلك تضطرب عمليات الأكسدة في الجسم، وبالتالي عمليات توليد الطاقة الجسدية، وليس من المستغرب أن يلغي مفعول الكحول وظائف مراكز التنفس ومن ثم الموت المترتب على ذلك، ومن النتائج التي تكثر مشاهدتها هو أن شيئًا من القيء الذي يتجمع في الفم يعرف طريقه إلى الرئتين، عندها قد تحدث الوفاة مباشرة بسبب الاختناق؛ أو في أحسن الحالات تحدث مضاعفات في التنفس تتناسب وكمية ونوعية هذا القيء الذي يتسرب إلى الرئتين.
الجهاز العصبي
وماذا عن تأثير الخمور على الجهاز العصبي؟؟
كون الجهاز العصبي غنيًا بالمواد الدهنية يجعله من أكثر الأجزاء الجسمية تأثرًا بتعاطي الخمور، فقد سبقت الإشارة إلى أن الكحول مذيب للدهون الجسمية.
إن سريان الكحول في الدم يؤدي إلى أن يصل هذا الكحول إلى كل جزء في الجسم كبر أو صغر، فإذا ما لامس الجهاز العصبي أحدث فيه شيئًا من التخدير، تقل نسبته أو تزيد حسب كمية الكحول، زمن مفعوله، وتعوُّد الجهاز العصبي على مثل هذه المادة، ومما ينتج عن ذلك:- فقد الإرادة والسيطرة على السلوك، وانعدام خاصية الفقد الذاتي، مع ما يبدو على الشارب من عدم اتزان في السلوك، وطيش في المعاملة، وترنح في المشية، وفقد لأبسط قوانين الذوق والأدب والاعتبارات الإنسانية، وسهولة الانقياد للتأثيرات الخارجية، صداع شديد في الرأس، وآلام في البطن، ورجفة في الأطراف... إلخ.
أما النسيان وفقد الذاكرة والبلادة الذهنية، فهي نتائج لفقد هذا الجهاز لشيء من قوامه وشكله وحجمه.
أما في العين: فيظهر جحوظ في العينين، وتمدد في البؤبؤ، وضعف في الانفعالات الانعكاسية، فلا تستجيب العين إلى المؤثرات الخارجية بالسرعة المطلوبة، مما يسبب الغالبية العظمى في حوادث المرور في البلاد التي يكثر فيها تعاطي الخمور، أما عن عمليات الإجرام بسبب تعاطي الخمور؛ فحدِّث عن ذلك ولا حرج، ففي غياب الذاكرة والعقل يصبح كل شيء ممكنًا.
أسئلة اعتراض وأجوبة دحض
بعد هذا الاستعراض السريع لشيء من أضرار الخمور ربما يخطر ببال الكثيرين بعض الأسئلة ومنها:-
- أضرار الخمور حقيقة مسلم بها، ولكن ألا يقابل ذلك منافع تتأتى عن تناولها؟؟
- هل تناول الخمور يعني بالضرورة ظهور كل هذه الأعراض والأضرار؟؟
- إن كانت للخمور كل هذه الأضرار، فلماذا يتعاطاها بعض من يعلمون أضرارها؟؟
-......؟
-......؟
للإجابة على السؤال الأول- وهو إمكانية وجود فوائد للخمور- نقول إنها كما أسلفنا مصدر من مصادر الطاقة الحرارية، ولكنها- كما رأينا- حرارة لا تخضع لاحتياجات الجسم، إذ لا يتحكم الجسم نفسه في عمليات احتراقها، ولا يستطيع هذا الجسم اختزان شيء مما يفيض عن حاجته منها ليستعمله عند الحاجة إليه؛ كما يحدث فعلًا في حالة السكريات والدهون، فمعدل احتراق الكحول واحد سواء في فصل الشتاء أو في فصل الصيف، وبذلك تفقد قيمتها العملية كمصدر من مصادر الطاقة الجسمية.
نسب إلى بعضهم قوله إن الخمور محفزة ومنشطة لكثير من العمليات الحيوية في الجسم وهذا قول مردود، وفيه من المغالطات ما يتنافى مع أبسط الحقائق، ذلك أن تنشيط مثل هذه التفاعلات الحيوية يتم على تركيزات منخفضة جدًا في الجسم، وقد تكفَّل بذلك من خلق هذا الجسم؛ والذي أحسن كل شيء خلقه، فبكتيريا الأمعاء هي التي توفر هذه النسبة الضرورية؛ في حين أن ارتفاع نسبة الكحول في الجسم يخلق جوًّا لم تألفه هذه الأنسجة، وبالتالي تكون النتيجة عكسية تمامًا، ويفتح الباب على مصراعيه لتأخذ الأضرار التي أشرنا إلى جزء منها طريقها إلى الأجزاء المختلفة في الجسم.
والقول بأنها مقوية للدم لا يعدو أن يكون أحد التجنيات التي كثيرًا ما تلصق بأبسط قواعد المنطق، إذ إن الخمور من جهة تفقد الشهية للأطعمة، فيقل المتناول تبعًا لذلك من المأكولات، ومن جهة أخرى فإن الخمور تسبب اضطرابًا في الأعضاء التي تؤثر على الهضم وفي عملية الهضم نفسها، فتكون النتيجة عدم الانتفاع بالأغذية المتناولة، وحتى المهضوم والممتص من الأغذية- بعد أن يتغلب على العقبات التي أسلفنا- والذي يسري في الدم، فإن تبادله على مستوى الخلية- وهي المطاف النهائي للتغذية- لا يتم في ظروف مواتية لتغير في ظروف البيئة أحدثه وجود الكحول.
أما حمرة الوجه أو التورد، فقد أسلفنا أنها عيب من عيوب الخمور وليست فائدة من فوائدها.
والادعاء بأن الخمر تساعد على هضم الطعام فهو قول فيه من البلادة الذهنية ما فيه، فكيف تساعد على الهضم وهي التي تسبب التهاب القناة الهضمية وتحدث حتى القيء واضطرابات في الإفرازات الهضمية في الكم والنوع؟؟
الفائدة التي يحس بها شارب الخمر هي التخلص المؤقت من هموم تنتابه، لأنه لا يعود يفكر، ولا يخضع لرقابة ما، وذلك لأن جهازه العصبي معطل عن القيام بوظائفه، فلا يحس بذاته الإنسانية المفكرة، فيحس بالنشوة، لأنه يعتد فقط بذاته الحيوانية، نعم هي ملجأ للهروب من المشاكل والاضطرابات التي يقع فيها الإنسان، ومن الأزمات الاجتماعية والنفسية التي تنغص عليه حياته. ولكن لنترك المجال لعلماء النفس أن يقولوا كلمتهم في هذا المجال، فعلم النفس الحديث يثبت أن هذا الهروب من تعقيدات الحياة ما هو إلا ظاهري في حقيقته، فإذا ما ثاب الشارب إلى رشده عاد إلى وضع أشد مما انتهى إليه قبل الشرب، فيضيف إلى نفسه بعمله هذا تعقيدات جديدة بالإضافة إلى الأضرار الجسمية، وهكذا يتبين أن ظلال جنة المشروبات المسكرة التي يظن الجاهلون أنها وارفة؛ ما هي إلا من وحي الشيطان، ولكن هل يؤدي تناول الخمور بالضرورة إلى ظهور كل هذه الأضرار الجسمية والنفسية؟؟ المدمن على الخمور لا بد أن يقع تحت نطاق ما سبقت الإشارة إليه، لأن وسطه الداخلي (السوائل والأنسجة التي تكون جسمه) عرضة دائمًا إلى التغيير بسبب الشرب، والأضرار عندها تتناسب مع حجم الكمية المتناولة، وسلامة الأعضاء الجسمية التي تقوم بإبطال مفعول الخمور، والمدة التي يتعرض فيها النسيج لتأثير الكحول، ثم تعود الجسم على هذه التغيرات بالنسبة لهذه المادة السامة.
أما لماذا يتعاطاها بعض العالمين بأضرار هذا السم؟
فجوابنا يتلخص في أن العلم شيء والعمل به شيء آخر، ويمكن للسائل أن يتوجه بسؤاله مباشرة إلى من يعنيهم الأمر، ويكفي أن نقول إنه بالخبرة الشخصية تأكد لنا أن المتفهمين لأضرارها؛ حتى في المعسكرات الغربية، يقلعون عنها، أما المتسولون على موائد العلم والمعرفة فهم ليسوا مجال بحثنا هنا.
عالم سكران مجنون العقلاء سادته!!
وفي ختام هذا الحديث نسوق إلى القارئ الكريم هذا الرأي، وهو ليس لعالم مسلم متزمت، قد يتهمه الناس بالتعصب والجمود لأنهم ألفوا حب المحاكاة، وإنما هو رأي لعلماء غربيين يضمنونه تنبؤاتهم إلى ما بعد خمسين سنة من الآن، والرأي يقول: بعد نحو من خمسين سنة سيكون الذين لا يتعاطون المخدرات المختلفة سادة العالم بجهاته الأربع!!! وفي تفسيرهم لذلك يقولون، إن الذين لا يتعاطون المسكرات سيكونون قلة، وهم الوحيدون الذين سيتمتعون برشادة الرأي ورجاحة العقل، فتؤول إليهم سيادة العالم بعد أن تنقلب الغالبية العظمى من سكانه إلى مجانين أو أشباه مجانين بسبب المسكرات المختلفة!!!
ما رأي المكابرين في صيحة النذير هذه؟؟؟
وبديهية أخرى يعرفها طلاب الطب، وهي أن الكحول هو من العوامل التي تسبب مباشرة أي مرض في الجسم؛ إذا استثنينا الأمراض المعدية، وحتى الأمراض المعدية لها علاقة مباشرة بالكحول، إذ عندما تضعف مقاومة جسم ما، يكون أيسر على الجراثيم والفطريات والفيروس أن تهاجمه.
ولا بد لنا من التنويه من أننا تجنبنا ذكر أسماء مرضية معينة تنتج عن تناول المشروبات الكحولية؛ التي تجرؤوا على الله وظلموا الحقيقة عندما أطلقوا عليها مشروبات روحية، تفاديًا للتعقيد، كذلك وتمشيًا مع نفس الهدف لم ندخل في تفصيلات عن أضرارها، ولكن للقارئ الكريم أن يستعين بذاكرته فيدرك أن أضرارها عامة شاملة؛ طالما أنها تجري مع الدورة الدموية، وهذه تنقلها إلى أي جزء في الجسم كبر أو صغر، قرب أو بعد، فتفسد الجو والبيئة التي تتم فيها العمليات الحيوية عادة، والله نسأل أن ينفعنا بما علمنا وألا يكلنا إلى أعمالنا، إنه نعم المولى ونعم النصير.
م. ع. ج
إسبانيا
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

برقية جمعية الإصلاح الاجتماعي إلى مؤتمر وزراء التربية العرب في ليبيا
نشر في العدد 3
105
الثلاثاء 31-مارس-1970
