العنوان بلا حدود.. تكليف الفاشلين.. بقضايا المسلمين
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 13-يوليو-1993
مشاهدات 14
نشر في العدد 1057
نشر في الصفحة 29
الثلاثاء 13-يوليو-1993
«معظم السياسيين الغربيين الذين يكلفون بمتابعة قضايا المسلمين من قبل الأمم المتحدة أثبتوا فشلا في حياتهم السياسية وعادة ما يصلون بالقضايا الإسلامية إلى طريق مسدود»
لقد فعلنا كل ما هو غير صحيح تجاه البوسنة والهرسك منذ البداية، هذا ما نقلته الإيکونومیست البريطانية في الثالث والعشرين من أبريل الماضي على لسان مسؤول كبير في الأمم المتحدة، ولم يكن هذا التصريح لكل ما هو غير صحيح من قبل الأمم المتحدة تجاه قضية البوسنة والهرسك وحدها بصفتها قضية تمس المسلمين عامة ومسلمي البوسنة الأوروبيين بصفة خاصة، ولكن كان هذا سلوك الأمم المتحدة تجاه قضايا المسلمين التي تبنتها وأشرفت عليها - أو فرضت
نفسها عليها – جميعا وأهمها قضايا فلسطين وأفغانستان والصومال وقبرص وأخيرا البوسنة والهرسك، ولعل أبرز التصرفات غير الصحيحة التي تقوم بها الأمم المتحدة تجاه حل هذه القضايا أو تعقيدها بمفهوم أدق هو تكليف شخصيات سياسية فاشلة بمتابعتها وتحمل مسؤوليتها للوصول بها في النهاية إلى محطة الفشل أو اللا حل أو تعقيد ما هو میسور منها، وإذا تمكنت أي شخصية مكلفة بحل قضية إسلامية أن تثبت نجاحاً وجدارة في مهمتها لأي سبب كان فإنه سرعان ما يتم تبديلها في الحال والاستعانة بشخصية أخرى تؤدي الدور الفاشل المطلوب، وليس أدل على ذلك من إقالة الأمم المتحدة ممثلة في سكرتيرها العام بطرس غالي في مارس الماضي لمبعوثها إلى الصومال محمد سحنون السياسي الجزائري المحنك، لأن الرجل باختصار تمكن خلال فترة وجيزة من فهم المعضلة الصومالية وسعى لمعالجتها وجمع شتات الفصائل المتناحرة وسعى لإيقاف نزيف الدماء في البلاد، وحينما بدأت بوادر النجاح تظهر في الأفق اتهم بطرس غالي الرجل بتجاوز صلاحياته وافتعل له ما أدى إلى استقالته أو إقالته ليصل الوضع في الصومال بعد ذلك إلى ما وصل إليه الآن من حالة التردي والقهر التي لا توصف.
أما الأمير صدر الدين أغاخان الذي كلف من قبل الأمم المتحدة بعد خروج السوفييت من أفغانستان عام ۱۹۸۹ بإعادة توطين المهاجرين فقد أثبت فشلا ذريعا في مهمته أضافه إلى رصيده السابق، وقد التقيت معه في باكستان في لقاءات صحفية عامة أكثر من مرة أثناء تكليفه بأداء هذه المهمة من قبل الأمم المتحدة، فوجدت أن القضية لديه ليست أكثر من وجاهة ورسميات.
فالرجل لديه ما يشغله من قضايا أهم من قضايا اللاجئين بداية من الاهتمام بسيارته الفيراري الحمراء التي أقام لها مزاداً عالميا في باريس، وانتهاء بمزارع الحيوانات المختلفة التي يهواها، ولذلك لم يسع الرجل خلال زياراته التي قام بها إلى باكستان في ذلك الوقت بزيارة مخيمات المهاجرين الذين كلف بإعادة توطينهم.
وانتهت مهمته بتبديد إدارته لعشرات الملايين من الدولارات التي رصدتها بعض الدول الغنية لهذا الغرض، وذهب المشروع أدراج الرياح ولازال أكثر من مليوني أفغاني في المهجر حتى بعد تحرير بلادهم، وقد طالبت اليابان ودول أخرى ممن ساهمت في المشروع التحقيق في موضوع الأموال التي رصدت وبددت لكن طلبها نسي مع نسيان الأفغان الذين لازالوا بلا مأوى.
أما أبرز الصور التي تؤكد على استمرار الأمم المتحدة في مساعيها الخاصة بإجهاض وتعقيد قضايا المسلمين التي تتبناها وتكليف شخصيات بها أثبتت فشلها في حياتها السياسية السابقة، فليس أدل على ذلك من تكليف سايروس فانس وزير خارجية أمريكا الأسبق واللورد أوين الوزير البريطاني الأسبق الذي عينته المجموعة الأوروبية ويعمل بتنسيق مع الأمم المتحدة بحل مشكلة البوسنة والهرسك، فحياة كلا الرجلين ليست سوى سلسلة من الإخفاقات والفشل السياسي كل في موطنه.
أما المستر فانس الذي شارك أوين في وضع الخطة الشهيرة فانس – أوين فقد وصفه المراقبون بأنه سياسي مسكين نادرا ما سجل أي نجاح في وزارة الخارجية الأمريكية أثناء توليه منصبه في أواخر السبعينات. ولعل هذا ما جعل الأمم المتحدة تكلفه بقضية البوسنة ليضيفها إلى رصيد إخفاقاته، لكن الرجل الذي يبلغ السادسة والسبعين حينما وجد الفشل يحيط به من كل جانب أعلن في الثاني من أبريل الماضي استقالته من مهمته لأنه يريد أن يقضي مزيداً من الوقت مع عائلته، وليتفرغ لرعاية كلابه وقططه كعادة الغربيين تاركا وراءه بحيرات من الدماء يغرق فيها الملايين من مسلمي البوسنة مع أسرهم التي تعيش حياة الضياع والتمزق بفضل خطته العجيبة التي وضعها مع المستر أوين.
أما ديفيد أوين ذلك الطبيب البريطاني الذي ولد عام 1938 فقد حفل تاريخه السياسي بالاضطراب والإخفاقات والقرارات الخاطئة بداية من دخوله الحياة السياسية البريطانية عام ١٩٦٦ وحتى فشل وانهيار وتلاشي الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي كان رئيسا له عام ١٩٨٣، ولعل الخريطة العجيبة التي وضعها للبوسنة وظل يقاتل في سبيلها حتى بعدما قبرها الصرب تعكس شخصيته وأسلوب تفكيره العجيب ورغم رفع سايروس فانس للراية البيضاء واستقالته في أبريل الماضي فإن اللورد أوين يتوقع أن يستمر في مهمته حتى العام القادم أي حتى آخر نقطة دماء مسلم بسنوي.
إن فشل هؤلاء في بلادهم مردوده على شعوبهم التي عادة ما تعرفهم ولا تتيح لهم فرصة طويلة للبقاء في مناصبهم، أما تكليفهم بقضايا المسلمين من خلال سجلاتهم الفاشلة فهو تدمير للشعوب الإسلامية التي يكلفون بقضاياها. وتدمير لكيان الأمة وجسدها ومع ذلك لم يظهر أي صوت إسلامي يبدي اعتراضه على هذا أو ذاك. فهل وصلت المهانة بالأمة إلى هذا الحد الذي تترك فيه هؤلاء الفاشلين يحددون مصائر شعوبها؟ تحت مسميات الأمم المتحدة أو المجموعة الأوروبية أو الشريك الكامل.. أي مرارة نتجرع.. وأي مهانة نذوق.. وأي عصر نعيش؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالملك سلمان: السعودية تقف بكل إمكاناتها وراء القضايا الإسلامية
نشر في العدد 2105
742
الأربعاء 01-مارس-2017