العنوان بلا حدود: كارتر في سراييفو (١ من ٢)
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 10-يناير-1995
مشاهدات 16
نشر في العدد 1133
نشر في الصفحة 27
الثلاثاء 10-يناير-1995
سراييفو
وصلتُ إلى سراييفو قبل وصول الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر لها بأيَّام؛ حيث وصل إليها في الثامن عشر من ديسمبر الماضي، ومع اطلاعي على كثير من المآسي التي جرها وسطاء غربيون قبله على مسلمي البوسنة ابتداء من اللورد كارينجتون، ومرورا باللورد ديفيد اوين، وسايروس فانس وفرانسو میتران، وبطرس غالي، وشتوتنبرج، وعشرات آخرين غيرهم، مع كل هذه المآسي التي سببها هؤلاء لمسلمي البوسنة، فقد قُدَّرَ لي أن أكون شاهدًا على مهزلة زيارة الرئيس الأمريكي السابق كارتر للعاصمة المحاصرة سراييفو.
فعلى غرار مهامه الاستعراضية التي قام بها كارتر إلى دول وأقطار مختلفة تعاني من مشكلات وحروب واضطرابات مزمنة كان من آخرها كوريا وهاييتي، بدا الرجل الَّذي خرج مهزومًا من البيت الأبيض قبل أربعة عشر عامًا لدى نفسه وكأنه أصبح وسيط المهمات الدولية الصعبة، والمبعوث العالمي لإقرار السلام في العالم، وأنه سيفلح فيما أخفقت فيه حكومة بلاده والحكومات الغربية الأخرى او بمفهوم أدق بما تسببت فيه، وبدا وهم كامب ديفيد - تلك الاتفاقية التي ورط كارتر فيها السادات عام ۱۹۷۹م، وجَرَّت ذيول الخيبة على الأمة الإسلامية كلها من بعد- مسيطرًا على كارتر.
غير أن زيارته لسراييفو لم تكن سوى مسرحية هزلية من مهازل المجتمع الدولي الكبرى الَّتي يمارسها على مسرح البوسنة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وتكونت مسرحية كارتر في سراييفو من ستة فصول منها، ما عرض على المسرح ومنها، ما دار وراء الكواليس غير أني سأرويها بكل أحداثها ومرارتها كما حدثت معتمدًا على ما شاهدُته أو اطلعت عليه أو سمعته من مصادرَ موثوقةٍ.
أما الفصل الأول من المهزلة فقد جرت أحداثه في بليتز بولاية جورجيا الأمريكية حيث يعيش الرئيس الأسبق كارتر، ويكشف الستار عن وفد من صرب البوسنة أرسلهم رادوفان كارانيتش برسالة إلى كارتر يطلب فيها التوسطَ بين الصربِ والمسلمين لتحقيق السلام في البوسنة وضمن الرسالة خطة من ست نقاط ويبدو في المشهد بوركو ديورديفتش وهو أمريكي من أصل صربي والمحامي الأمريكي توم هانلي الَّذي توسط بين الجانبين وحدد موعدَ المقابلةِ مع كارتر، وهم يحدثونه عن الصرب المحبين للسلام.
بدأت أوداج كارتر بالانتفاخ وهو يتأملعبارات الإطراء والمديح الَّتي كالها له الأفاق كاراذيتش في الرسالة ثم هز رأسه معلنا موافقته على القيام بالمهمة التي عجز عنها من قبله من الوسطاء والمبعوثين، وفيما يبدو الوفد الصربي مبتهجًا بخديعة كارتر يبدو مسؤول حكومي أمريكي، وهو يعبر عن قلق الحكومة الأمريكية من عزم كارتر على القيام بهذه المهمة قائلا وهو يشير للصرب :«سوف يواجه كارتر مصاعب ومتاعب في هذه المنطقة الَّتي أصبح النفاق والخداع السياسي فنًا رفيعًا بهاء»، إلا أن كارتر يُلقى بالنصائح كلها عرض الحائط ويصر على استكمال الدور.
أما الفصل الثاني من المهزلة فيكشف الستار عنه في فرانكفورت؛ حيث وصل كارتر إلى هناك على متن طائرة عسكرية أمريكية وعَقَدَ جلسات مطولة مع المبعوثين الأمريكيين إلى البوسنة تشارلز ريدمان وتشارلز توماس؛ ليتعرف منهما على يوغسلافيا السابقة وما يدور فيها، وما أطراف النزاع، وجذور المشكلة، والحلول المطروحة والأفكار الكفيلة بتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة وبدا أن عقل كارتر وذهنه الذي بلغ السبعين عامًا، قد عجز عن استيعاب تعقيدات ثلاثة وثلاثين شهرًا من الأحداث والصراعات والاتفاقيات والأكاذيب وأساليب الخداع والسياسة الخرقاء الَّتي يمارسهاالغربُ في البوسنة.
وعلاوةً على ذلك فقد عجز جهاز الاستقبال لدى كارتر عن التمييزِ بين شخصيات أطراف النزاع في البوسنة فاختلطت عليه أسماء بيجوفيتش مع جانيتش مع داليتش مع سيلاجيتش مع كارانيتش مع كولييفيتش مع ديورديفينش مع ميلوسيفتش، ولم يستطع أن يستوعب أيهم من المسلمين وأيهم من الصرب وأيهم من الكروات، وبدا ريدمان وتوماس في قلق بالغ، لا لأن كارتر لم يستطع تمييز الاسماء أو استيعاب الأحداث فحسب؛ ولكن لأنه لا يستطيع نطق الأسماء بشكل صحيح، فبرق الرجلين إلى الإدارة الأمريكية بقلقهما فخرج الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية مايك ماكوري ليعلن أن المندوبين الأمريكيين قد أطلعا كارتر على الوضع في البوسنة، فيما أكدت ددي مايرز بأن مهمة كارتر من منطلق شخصي وليس انطلاقًا من تكليف رسمي من واشنطن وانتهى المبعوثين مع كارتر إلى التأكيد عليه بالاَّ يخرج عن إطار خطة مجموعة الاتصال وهي آخر خطط الغرب لتمزيق البوسنة، كذلك قررا مصاحبته في مهمته لشرح الأمور بشكل أفضل وتوجيه مسار الأحداث، ثم طارت بهم الطائرة العسكرية الأمريكية إلى زغرب عاصمة كرواتيا.
وينكشف الستار عن الفصلِ الثالثِ من مسرحية كارتر في سراييفو، عن الرئيس الأسبق كارتر مع المبعوثين الأمريكيين جالسين في مقر سفارة البوسنة والهرسك في زغرب يتحدثون مع رئيس وزراء البوسنة والهرسك حارس سيلاجيتش الَّذي كان في طريقه من سراييفو إلى باريس فتمَّ ترتيب لقائه مع كارتر في زغرب.
وبدا كارتر مغيبًا عن الوعي حينما أخذ في حضور الجميع يثني على أثاث بيت سيلاجيتش الجميل ويقول له أمام عدسات التليفزيون وجمع من المراسلين الصحفيين: إن بيتكَ جميل للغايةِ، معتقدا أن سيلاجيتش يعيش في كرواتيا، وأن سفارة البوسنة هي منزله وبدا أن الرجل لا يدري أهو في كرواتيا أم في البوسنة وأن من يتحدث معه هو رئيس وزراء البوسنة أم رئيس وزراء كرواتيا، مما جعل كثيرًا من الحضور يغصون في ضحكات مكتومة، فيما سعى ريدمان وتوماس لتدارك الأمر بلطف وإعادة شرح بعض الدروس السابقة لكارتر، وجعل رئيس وزراء البوسنة يشعر بالرثاء والإحباط من كارتر ومهمته حتى أن الصحفيين حينما سألوه في أعقاب اللقاء إن كان متشائما أو متفائلا من الزيارة فقال باسی: «لست أكثر تشاؤمًا أو تفاؤلًا.. ولا أعتقد أن هذه الزيارة يمكن أن تحقق أي تغييرات أو نتائج جذرية».
انتهى الفصل الثالث من المسرحية الهزلية: «كاتر في سراييفو»، وفي الأسبوع القادم نكمل باقي العرض.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلأمريكا.. لم تتغير واحترموا.. قراراتكم!! لماذا يرفع الحظر عن أمريكا؟
نشر في العدد 191
21
الثلاثاء 12-مارس-1974
للذين منحوا کسینجر صفات.. «خارقة»! - البيت الأبيض.. «بيت عنكبوت»
نشر في العدد 193
18
الثلاثاء 26-مارس-1974