العنوان محنة الزلزال.. ومواقف الرجال
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
مشاهدات 21
نشر في العدد 1022
نشر في الصفحة 19
الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
الزلزال الذي هز
أرض الكنانة هز قلوب المسلمين في كل أرجاء الدنيا وسارع الجميع في تقديم ما يمكن
تقديمه وبذل ما يمكن بذله، ورغم أن اجتماع مجلس الوزراء الذي كان منعقدًا أثناء
حدوث الزلزال كان يبحث بالدرجة الأولى موضوع سحق التيار الإسلامي، حسب تعبير وزير
الداخلية المصري الذي كان يتحدث لحظة حدوث الزلزال، إلا أنه بعد حدوث الزلزال
مباشرة، وفي الوقت الذي لم يتحرك فيه أحد بعد لمعالجة آثار الكارثة، كان الآلاف من
الإسلاميين من مهندسين وأطباء وعلماء وفنيين وطلاب ومن مختلف الفئات والطبقات يملأون
شوارع القاهرة والمحافظات الأخرى يواسون الناس ويقدمون لهم مساعدات بسيطة وعاجلة،
لكنها كانت أغلى ما قُدم في ذلك الوقت، وأعلنت نقابة الأطباء التي يسيطر عليها
الإسلاميون الاستنفار العام لأعضائها في كافة أنحاء القطر ووزعت من صندوق
مساعداتها معونات عاجلة لعائلات المتوفين والجرحى.
وشكلت نقابة
المهندسين بعد حدوث الزلزال مباشرة لجنة تضم ١٠ من كبار أساتذة الجامعات وقيادات
النقابة في مجالات الهندسة المدنية والمعمارية للإشراف على عمليات تقويم أحوال
المنشآت والعمل على معالجة آثار الأضرار التي لحقت بها، وقام آلاف المهندسين
الإسلاميين من أعضاء النقابة لعمل فرق عمل على مستوى القطر لفحص منازل الناس
مجانًا وبأقصى سرعة.
وحتى لا يسيطر
الخوف والفزع على قطاعات واسعة من الملايين التي خرجت إلى الشوارع خوفا من حدوث
حالات انهيار، سعت نقابة المهندسين لطمأنة الناس وأصدرت بيانًا أوضحت فيه أنه في
حال لم تظهر تشققات أو تصدعات في الأعمدة أو السلالم فإن البناية تكون آمنة
للاستخدام ولا خوف على ساكنيها، وأنه حتى إذا ظهرت شروخ في الجدران فإنها لا تهدد
أمان المبنى، فاطمأن ملايين الناس وعادوا إلى مساكنهم.
|
* الإسلاميون
والنقابات التابعة لهم كانوا أول من تحرك لتقديم المساعدات والإغاثة لمنكوبي
الزلزال |
كما انتشر الآلاف
لجمع التبرعات وتوزيعها على المتضررين مع وجبات طعام جاهزة في الوقت الذي لم تكن
الحكومة قد خطت خطوة واحدة بعد لمواجهة الكارثة.
وفي اليوم التالي
للزلزال كانت تقارير وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية تشير إلى الجهد
الخارق والمنظم الذي قام به الإسلاميون في مساعدة المنكوبين ومواساة المصابين، في
الوقت الذي لم يتحرك فيه غيرهم.
وتصدرت التقارير
عبارات: «التيار الإسلامي ينفرد بالجهود غير الحكومية الخاصة بإغاثة منكوبي
الزلزال»، «عناصر الإخوان المسلمين تطعم المتضررين وتعينهم ماديًّا»، «التجمعات
الإسلامية والنقابات الواقعة تحت أيدي الإسلاميين تقدم التبرعات والمساعدات لضحايا
الزلزال»، «لم يُر غير الإسلاميين يواسي المنكوبين في اليوم الأول للزلزال».
هذا الجهد المنظم
الذي جعل أكف الملايين ممن فزعوا وشردوا تلهث بالدعاء والشكر والثناء لهؤلاء الذين
هبوا لنجدة وطنهم في محنته دون إبطاء، وجعل وكالات الأنباء والصحافة العالمية تشيد
بهم، هؤلاء الذين كان وزير الداخلية يطالب بسحقهم، ما هو المقابل الذي قدمته الحكومة
لهم؟ لقد منعتهم من تقديم المساعدات للناس، ومن جمع التبرعات، ومن توزيع الطعام
على الجائعين أو الخيام على الذين يجلسون في العراء، وهددت بأن كل من يقوم بجمع
التبرعات أو توزيع المساعدات غير الجهات الحكومية المختصة سوف يعرض نفسه للمساءلة،
بل ألقت القبض على عشرات منهم واتهمتهم باستغلال ظروف الزلزال لصالح مآرب سياسية،
فنالت الحكومة سخط الناس وغضبهم وخرجت المظاهرات والاحتجاجات من الجوعى والذين
يجلسون في العراء أو الذين أخذت خيامهم لأن الإسلاميين هم الذين وزعوها وليست
الحكومة ليطالبوا بأدنى شيء وهو الطعام والإيواء.
كل هذا لأن
الحكومة شعرت بأن الإسلاميين أثبتوا بحق أنهم أحرص الناس على أوطانهم وعلى شعوبهم،
وأقدر الناس على تحمل المسؤولية والشعور بها وأداء أمانتها، وأنهم هم الرجال الذين
يحملون الأوطان وقت الأزمات، وأن الرجال هم رجال الأزمات لا رجال الكلمات، فسحبوا
البساط وخطفوا الأضواء من الجميع ولم يُر في الساحة غيرهم، فلم تجد الحكومة حيلة
سوى معاداتهم واتهامهم بالعمالة والإرهاب وتشويه صورتهم التي رأى الناس عكسها حتى
وهم يحملون وطنهم في نكبته ويقفون إلى جوار شعبهم في مصيبته، لكن أنَّى لهم وقد
أدرك الجميع بعد محنة الزلزال متى وأين وكيف يوجد الرجال؟!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل