; بناء العقيدة عند الإخوان (۲) الإمام البنا ورسالة العقائد | مجلة المجتمع

العنوان بناء العقيدة عند الإخوان (۲) الإمام البنا ورسالة العقائد

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 22-أغسطس-1995

مشاهدات 59

نشر في العدد 1163

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 22-أغسطس-1995

بقلم: د. محمد العربي (ه)

  • الإسلام قدر العقل وحثه على التفكير لكنه وضعه في مجاله الصحيح

هذا.. ولم يكتف الإمام البنا –رحمه الله– بما ذكره في رسالة التعاليم من أصول وقواعد تتصل بالعقيدة، ينبغي على كل مسلم يريد الانضمام إلى جماعته والانتظام في سلكها أن يفقهها، وأن يوقن بها، ويبايع عليها، ثم يترجم هذه البيعة إلى عمل يبرهن عن صحة الالتزام بذلك، ومنه تعريف المسلمين جميعًا بهذه العقيدة ودعوتهم إليها، لم يكتف الإمام البنا بذلك، وإنما أنشأ رسالة خاصة بالعقيدة تعرف بـ«العقائد»، ودونك ما جاء في هذه الرسالة:
•    مقدمات: وفيها تكلم عن:
١-تعريف العقائد.
٢-الناس في درجات الاعتقاد، وجعل الناس بالنسبة إلى قوة العقيدة وضعفها أقسامًا كثيرة، بحسب وضوح الأدلة. 
وتمكُّنها من نفوس كل قسم، وبعد أن ضرب مثالًا لذلك عقب فقال: «إذا علمت هذا، فاعلم أن الناس أمام العقائد الدينية أقسام كذلك: منهم مَن تلقاها تلقينًا، واعتقدها عادة، وهذا لا يُؤْمن عليه من أن يتشكك إذا عُرضت له الشبهات، ومنهم مَنْ نظر، وفكَّر فازداد إيمانه، وقوي يقينه، ومنهم مَنْ أدام النظر، وأعمل الفكر، واستعان بطاعة الله تعالى وامتثال أمره، وإحسان عبادته، فأشرقت مصابيح الهداية في قلبه، فرأى بنور بصيرته ما أكمل إيمانه، وأتم يقينه، وثبّت فؤاده: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱهتَدَواْ زَادَهُم هُدى وَءَاتَاٰهُم تَقوَاهُم﴾ (محمد: ١٧)  وإنما ضربنا لك هذا المثل لترقى بنفسك من مواطن التقليد في التوحيد، وتُعمِل الفكرة في تَفهُّم عقيدتك، وتستعين بطاعة مولاك في معرفة أصول دينك، حتى تصل إلى مراتب الرجال، وتترقى في مدارج الكمال: 
وقد رشَّحوك لأمرٍ لو فطنت له.....فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
٣- تقدير الإسلام للعقل، وحثه على التفكير والنظر، وساق أدلة من كتاب الله وسنة رسوله على هذا التقدير، وعقّب بقوله: 
«ومن هنا تعلم أن الإسلام لم يحجر على الأفكار، ولم يحبس العقول، وإن أرشدها إلى التزام جدِّها، وعرَّفها قلة علمها، وندبها إلى الاستزادة من معارفها» فقال تعالى: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلعِلمِ إِلَّا قَلِيلٗا﴾ (سورة الإسراء: آية ٨٥). وقال تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (سورة  طه: آية ١١٤)
٤-أقسام العقائد الإسلامية: وقسّمها إلى أربعة أقسام رئيسية هي: الإلهيات – النبوات – الروحانيات، وتبحث فيما يتعلق بالعالم غير المادي: كالملائكة عليهم السلام، والجن، والروح – والسمعيات تبحث فيما يتعلق بالحياة البرزخية، والحياة الأخروية: 
كأحوال القبر وعلامات القيامة، والبعث، والموقف، والحساب، والجزاء مخالفًا بذلك طريقة علماء الكلام، حيث جعلوا العقيدة ثلاثة أقسام فقط هي: الإلهيات – النبوات – السمعيات.
القسم الأول: الإلهيات:
وبدأها بالحديث عن «ذات الله تعالى والعقل البشري» مبينًا أن ذات الله أكبر وأجل وأعظم من أن تحيط بها العقول البشرية أو تدركها الأفكار الإنسانية، مستدلًا على ذلك بالأدلة الواقعية في محيط الإنسان، والأدلة الشرعية أو النقلية، ثم أجاب عما عساه يجول في النفس من أن ذلك حجر على حرية الفكر، وجمود في البحث وتضييق على العقل بقوله: 
«وليس ذلك حجرًا على حرية الفكر، ولا جمودًا في البحث، ولا تضييقًا على العقل، ولكنه عصمة له من الردى في مهاوي الضلالة، وإبعاد له عن معالجة أبحاث لم تتوفر له وسائل بحثها، ولا تحتمل قوته مهما عظمت علاجها» إلى أن قال: «فاحصر همتك في إدراك عظمة ربك بالتفكر في مخلوقاته، والتمسك بلوازم صفاته، وثني بالكلام على أسماء الله تبارك وتعالى» مبينًا أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين، كما جاء بها الحديث، وذكره بكل رواياته، ثم كشف عن معاني بعض هذه الأسماء الكريمة. وتطرق إلى الأسماء الزائدة عن التسعة والتسعين، وإن جاءت بعض الأحاديث بها: كالحنّان، والمنّان والبديع... إلخ، وأنها كثيرة، ونقل كلام القاضي ابن العربي في ذلك فقال: 
«قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي حاكيًا عن بعض أهل العلم: إنه جمع من الكتاب والسنة من أسمائه تعالى ألف اسم».
كما نقل كلام الشوكاني، فقال:
«وأشار إلى ذلك الشوكاني في «تحفة الذاكرين»، ثم قال: «وانهض ما ورد في إحصائها الحديث المذكور، وقف الكفاية». 
وتكلم عن الأحاديث التي وردت فيها ألفاظ على أنها أسماء الله تعالى، وقرينة الحال، وأصل الوضع يدل على غير ذلك، مثل حديث مسلم، وقد رواه أبو هريرة أن النبي الله قال: « لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال : أنا الدَّهْرُ » ومثل ما ذكره جلال السيوطي في الجامع الصغير عن الرافعي، وحسّنه من حديث عائشة –رضي الله عنها– : «دعوه يئن فإن الأنين اسم من أسماء الله تعالى يرتاح إليه المريض»
وعقب بقوله: «فكل هذه لا يراد منها ظواهرها، وحقيقة الإطلاق، بل المقصود في الأول مثلًا: فإن الله هو المسبب لحوادث الدهر، فلا يصح أن ينسب إلى الدهر شيء، 
ولا أن يسب ويذم، وفي الثاني: فإن الأنين أثر قهر الله تعالى يرتاح إليه المريض، وهكذا في المعاني التي تدل عليها قرائن الأحوال». 
ثم عرض لقضية إطلاق اسم أو وصف على الله لم يرد به الشرع بقصد اتخاذه اسمًا لله تعالى، وإن كان يشعر بالكمال من وجهة نظر جمهور علماء المسلمين، واختار رأيهم القائل بالتوقف، فقال: «واعلم أن جمهور المسلمين على أنّه لا يصح أن نطلق على الله –تبارك وتعالى– اسمًا، أو وصفًا، لم يرد به الشرع، بقصد اتخاذه اسمًا له تعالى، وإن كان يشعر بالكمال، فلا يصح أن نقول: 
مهندس الكون الأعظم، ولا أن نقول مثلًا: المدير العام لشئون الخلق، على أن تكون هذه أسماء أو صفات له تعالى يُصطلح عليها ويتفق على إطلاقها عليه تعالى، ولكنها إن جاءت في عرض الكلام لبيان تصرفه تعالى من باب التقريب للأفهام فلا بأس، والأولى العدول عن ذلك، تأدبًا مع الحق تبارك وتعالى». 
وتناول بعد ذلك العلمية والوصفية في هذه الأسماء، وخواص الأسماء الحسنى مُنبِّهًا إلى زعم مرفوض، وسبب الرفض. 
فقال: «يذكر البعض أن لكل اسم من أسماء الله تعالى خواص، وأسرار تتعلق به على إفاضة منها أو إيجاز، وقد يتغالى البعض فيتجاوز هذا القدر إلى زعم أن لكل اسم خادمًا روحانيًا يخدم من يواظب على الذكر به، وهكذا» فصوَّر هذا الأمر المرفوض، ثم بيَّن سبب هذا الرفض بقوله: «والذي أعلمه في هذا، ﴿وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ﴾ (يوسف: ٧٦) أن أسماء الله تعالى ألفاظ مشرقة، لها فضل على سائر الكلام، وفيها بركة، وفي ذكرها ثواب عظيم، وأن الإنسان إذا واظب على ذكر الله تعالى طَهُرت نفسه وصفت روحه، ولا سيِّما إذا كان ذكره بحضور قلب، وفهم للمعنى، أما إذا زاد على ذلك فلم يرد في كتاب ولا سنة، وقد نهينا عن الغلو في دين الله تعالى والزيادة فيه، وحسبنا الاقتصار على ما ورد».
وعرض لاسم الله الأعظم ذاكرًا طائفة من الأحاديث في ذلك، ثم عقب عليها بقوله: 
«فأنت ترى في هذه الأحاديث وفي غيرها أنها لم تعيِّن الاسم الأعظم بالذات، وأن العلماء مختلفون في تعيينه، لاختلافهم في ترجيح الأحاديث بعضها على بعض، حتى اختلفوا على نحو الأربعين قولًا» 

والذي نأخذه من هذه الأحاديث الشريفة، ومن أقوال الثقات من رجال الملة: أن الاسم الأعظم دعاءٌ مُركبٌ من عدة أسماء من أسمائه تعالى، إذا دعا به الإنسان –مع توفّر شروط الدعاء المطلوبة شرعًا– استجاب الله له، وقد صرحت الأحاديث الشريفة في عدة مواضع، ثم ساق دعوة في هذا الصدد وأبطلها بقوله: «وإذا تقرر هذا فما يدَّعيه بعضُ الناس من أنه سرٌ من الأسرار يُمْنح لبعض الأفراد فيفتحون به المغلقات، ويخرقون به العادات، ويكون لهم من الخواص ما ليس لغيرهم من الناس، أمرٌ زائد على ما ورد عن الله ورسوله، وإذا احتج هؤلاء البعض بالآية الكريمة، وهي قوله تعالى: ﴿قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ﴾ (النمل: ٤٠) على القول  إن معنى: ﴿عنده علم من الكتاب﴾ إنه اسم الله الأعظم، نقول لهم، قد صرح المفسِّرون أن ذلك المدعو به كان: يا حي يا قيُّوم، أو الله لا إله إلا هو الحيُّ القيوم، وادعى بعضهم أنه سرياني لفظه: «أهيا شراهيا..» وهي دعوى بغير دليل، فلم يخرج الأمر عما ورد في الأحاديث الصحيحة، وخلاصة البحث: إن بعض الناس ولعوا بالمعميات، وادعاء الخصوصيات، والزيادة في المأثورات، فقالوا: ما لم يرد في كتاب ولا سُنَّة، وقد نُهينا عن ذلك نهيًا شديدًا، فلنقف مع المأثور.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 6

183

الثلاثاء 21-أبريل-1970

الحركة الإسلامية في الهند

نشر في العدد 11

85

الثلاثاء 26-مايو-1970

مناقشات حول الحركة الإسلامية