; بوصلة التأثير | مجلة المجتمع

العنوان بوصلة التأثير

الكاتب د. علي الحمادي

تاريخ النشر السبت 10-مارس-2001

مشاهدات 11

نشر في العدد 1441

نشر في الصفحة 40

السبت 10-مارس-2001

 

من أراد صناعة التأثير ومن رغب أن يكون رقمًا صعبًا في هذه الحياة فلا بد له أن يحدد رؤيته لنفسه وطبيعة التأثير الذي يريد وما هو المجال الذي سيبرز فيه ويؤثر من خلاله، ثم ما هي أهدافه التي يسعى لتحقيقها ووسائله وبرامجه التفصيلية التي يمكن بها تحقيق تلك الأهداف.

هذه هي البداية الفاعلة للتأثير، إذ من لم يخطط لنفسه ولم يحدد اتجاهه ويوجه بوصلة حياته فسوف يتيه في دنياه، وتتشعب به المسالك، ويطول به الطريق، وربما يراوح في مكانه دون أن يشعر، وقد ينتهي بما بدأ به.

لقد كان رسول الله r واضحًا في رؤيته محددًا لها، وكان يُذكر الصحابة بها، ويشرحها لهم كلما سنحت له الفرصة.

أخرج الإمام مسلم عن ثوبان قال قال رسول الله r: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها. وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض» (أخرجه مسلم (2889) باختلاف يسير).

وعن سلمان الفارسي قال: "ضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي، ورسول الله قريب مني، فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى، ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: «أوقد رأيت ذلك يا سلمان، قال: قلت نعم، قال: أما الأولى فإن الله تعالى فتح علي بها اليمن، وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق» (رواه عبد الله بن عمر).

وعن عدي بن حاتم قال: قال لي رسول الله r: "يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيًا؟" قلت: بلى. قال: "أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟" قلت: بلى. قال: "فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك"، قلت: أجل والله وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل. ثم قال: "لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه. ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف. ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم"، قال: فأسلمت» (رواه عدي بن حاتم الطائي).

وعند تحديد بوصلة التأثير ينبغي لصناع التأثير ومهندسي الحياة مراعاة الأمور العشرة التالية:

1- اعلم أن الرؤية ما هي إلا صورتك في المستقبل أو ما تود أن تكون عليه في المستقبل. لذا لا بد من تحديدها بوضوح، إذ إن الكلام العام أو المائع أو المتشابه غير المحكم أو الزئبقي الذي يصعب ضبطه وتحديده وقياسه، كل ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يوصل صاحبه إلى مبتغاه. نحن بحاجة إلى رؤية دقيقة محددة محكمة، لا ندع فيها مجالًا كبيرًا للتحايل أو لسوء الفهم من قبلنا أو من قبل الآخرين، إذ إن كلمة واحدة قد تختلف الأفهام في فهمها.

قال المبرد: قال رجل لهشام بن عمرو الفوطي: كم تعد؟ قال: من واحد إلى ألف ألف قال: لم أرد هذا. قال: فما أردت؟، قال: كم تعد من السن؟، قال: اثنان وثلاثون سنًا، عشر من أعلى وستة عشر من أسفل ، قال: لم أرد هذا ، قال: فما أردت؟ ، قال: كم لك من السنين؟ ، قال: ما لي منها شيء كلها لله U، قال: فما سنك؟ ، قال: عظم ، قال: فابن كم أنت؟ ، قال: ابن اثنين أب وأم. ، قال: فكم أتى عليك؟ ، قال: لو أتى علي شيء لقتلني، قال: فكيف أقول؟، قال: قل كم مضى من عمرك؟

إن بعض الناس إذا أرادوا تحديد رؤيتهم لأنفسهم جاءوا بكلمات عامة غير واضحة ولا محددة، كأن تكون رؤيتهم لأنفسهم: أريد أن أكون عالماً أو مثقفاً كبيراً، أود أن أكون إعلامياً بارزاً، أو أرغب في أن أكون سياسياً محنكاً، أو غير ذلك. والصحيح أنه ينبغي أن تكون الرؤية أكثر تحديداً، فبدلاً من "أريد أن أكون عالماً كبيراً"، تكون الرؤية: "أريد أن أكون عالماً إسلامياً، متخصصاً في الفقه الإسلامي، وبالأخص فقه المعاملات، وأن تكون لدي عشرات المؤلفات والمقالات في هذا المجال، وأن أكون محاضراً متمكناً وخطيباً مؤثراً، ومستشاراً معتمداً لدى العديد من المؤسسات العلمية والمجامع الفقهية، وأن يمتد تأثيري ليشمل الجزيرة العربية".

2- حدد الأهداف التي توصلك إلى رؤيتك. و احرص على أن تكون لديك مؤشرات للنجاح «Critical Success Indicators» تتوافر فيها مواصفات خمس رئيسة يمكن جمعها في كلمة «SMART» أي «ذكي» وهي كما يلي:

   1- محددة وواضحة «Specific».

   2- مقاسة «Measurable».

   3- متفق عليها «Agreeable».

   4- واقعية «Realistic».

   5- محددة بوقت «Timed».

3- حدد أولوياتك بدقة، وتجنب أن تجعل كل أعمالك واهتماماتك أولويات فتميع أولوياتك وتذهب ريحها.

4. ركز على مجال واحد «أو مجالين» تتخصص فيه واحذر أن تشعب نفسك في مجالات كثيرة، ولا تجعل من نفسك سوبرمان وأنت لست كذلك.

5. ينبغي أن تتوافر في الرؤية التي ترسمها لنفسك الواقعية والطموح في آن واحد، فهي رؤية واقعية يمكن تحقيقها وليست خيالية، كما أن فيها قدراً من الطموح الذي يولد لديك التحدي ليدفعك إلى مزيد من الجد والاجتهاد.

6. ضع الوسائل والبرامج التي توصلك إلى الأهداف التي رسمتها لنفسك، مع ضرورة برمجتها زمنياً حتى لا يتمطط الوقت ويضيع سدى.

7. لا يكفي أن تكون لديك رؤية واضحة وأهداف ذكية، بل ينبغي أن يتبع ذلك برامج عملية واضحة يمكن بها تحقيق أهدافك التي بها يمكنك تحقيق رؤيتك، وهذا يتطلب توفير بعض المستلزمات الرئيسة لتحقيق الأهداف كتغيير الوظيفة أو الاستعانة بسكرتير أو سائق أو تقليل عدد ساعات النوم «من تسع ساعات إلى ست ساعات مثلاً» أو عدم النوم بعد صلاة الفجر أو إنشاء مؤسسة أو تعلم مهارة أو غيرها. كما يتطلب ذلك تغيير كثير من الأعمال النمطية والبرامج الروتينية، وفي هذا يقول أينشتاين: "من السذاجة أن نعمل نفس الشيء بنفس الطريقة ثم نتوقع نتائج مختلفة".

8- بعد تحديد رؤيتك وأهدافك بوضوح لا بد لك من كتابتها، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن «80%» من الذين يحددون أهدافهم ويكتبونها يتمكنون من تحقيقها، في حين أن «20%» فقط من الذين يحددون أهدافهم لكنهم لا يكتبونها يتمكنون من تحقيقها.

9- احفظ رؤيتك وأهدافك واجعلها في جيبك وأمامك وفي كل مكان، واقرأها باستمرار لتكون ماثلة في ذهنك غير غائبة.

10. استعن بالله دائماً وأبداً وتوكل عليه واسأله أن يحقق مرادك ويسهل أمرك وييسر سبيلك لتحقق رؤيتك ولتصل إلى أهدافك، واحذر أن تتوكل على جهدك وعلمك وقوتك، فالمخذول من وكل إلى نفسه. ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت". ويقول الإمام حسن البنا - يرحمه الله: "والله إني لا أخشى عليكم الدنيا مجتمعة ولكن أخشى عليكم أمرين اثنين: أن تنسوا الله فيكلكم إلى أنفسكم أو تنسوا أخوتكم فيصبح بأسكم بينكم شديداً.

الهوامش:

1. السيرة الحلبية، ج٢، ص ٦٣٤.

2. أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والخلفاء، ج٢، ص ٣٤٥.

3. أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، أخبار الظراف والمتماجنين، دار ابن حزم، بيروت، ۱۹۹۷، ص٧٨.

4. المرجع السابق، ص ٧٩.

5. رواه أبو داود عن أبي بكرة.

لا مكان للمسلمين بين أمم الأرض .. إلا بتحكيم شريعة الله

شريعة الإسلام هي التي أحيت الأمة وجعلت لها اسمًا ودورًا بين الأمم

محمد عبدالله الخطيب([2])

 

الرابط المختصر :