; بيشاور: من قلعة للأفغان العرب إلى مركز للتهريب والمخدرات | مجلة المجتمع

العنوان بيشاور: من قلعة للأفغان العرب إلى مركز للتهريب والمخدرات

الكاتب مركز الدراسات الآسيوية

تاريخ النشر السبت 20-ديسمبر-2003

مشاهدات 39

نشر في العدد 1581

نشر في الصفحة 34

السبت 20-ديسمبر-2003

من زار مدينة بيشاور الباكستانية في الثمانينيات والتسعينيات ثم زارها في عام ألفين يدرك مدى التغير الذي عرفته هذه المدينة التي ما زالت مع هذا تعرف بعاصمة الإرهاب العالمي ومركزه، ومجرد سماع اسمها يترك حالة من الرعب والقلق لدى سامعه وحتى نتعرف أكثر على هذه المدينة وهل لاتزال تمثل ذاك البعبع الخطير قمنا بهذا التحقيق.

بيشاور والأفغان العرب

اشتهرت هذه المدينة في الثمانينيات وبداية التسعينيات بأنها قلعة الأفغان العرب والمتطوعين في صفوف المجاهدين الأفغان وقدمت لهم السلطات الباكستانية كل التسهيلات الرسمية فقد كانت توزع الإقامة لسنة كاملة دون أن يراجعها المتطوع نفسه إذ كان يكفي أن ينوب عنه من يقوم على خدمته.

كان التيار الغالب يعتبر من يقول إن أمريكا تدفع الأموال والأسلحة إلى المجاهدين من المثبطين والمرجفين بل ويتهم بالخيانة والغدر ولم يصدق أحد يومها أن أمريكا كانت تضع (۳۰۰) مليون دولار سنويًا في يد الاستخبارات الباكستانية لتقوم بتوزيعها كأموال وأسلحة على المنظمات الجهادية كل حسب حجمه وكان وجود المتطوعين العرب قد وصل إلى ذروته في مدينة يشاور بين عامي ۱۹۹۱/۱۹۸۹ خاصة بعد مقتل الشيخ عبد الله عزام إذ دفعت دماؤه إلى استنفار عربي هائل لمجموعات من المتطوعين العرب اندفعوا إلى هذه المدينة وتوزعوا عليها رفق انتماءاتهم الحزبية والمذهبية واستمر هذا الأمر حتى شهر أبريل من عام ١٩٩٣ حينما طالبت أمريكا السلطات الباكستانية بإبعاد المتطوعين العرب لأنه لم يعد لهم أهمية تذكر وتمكنت السلطات الباكستانية من إبعاد أكثر من ٦٠ منهم، بينما انقسم الوجود العربي بين راغب في البقاء في بيشاور للعمل بعيدًا عن أعين السلطات وراغب في الذهاب إلى مدن باكستانية أخرى أكثر أمانًا وأبعد عن تهمة الإرهاب وحمل السلاح وقد اتبعت السلطات الباكستانية سياسة الحرب النفسية وحرب الأعصاب ضد من تبقى منهم وذلك برفض تجديد تأشيرات الإقامة ومطالبة من انتهت تأشيراتهم بمغادرة البلاد وبممارسة الضغط على المؤسسات الخيرية بإخراج العرب واستبدال الأفغان والباكستانيين بهم وضاعفت السلطات من عمليات المطاردة والتطهير بعد تفجير السفارة المصرية في نوفمبر من عام ١٩٩٥ . وتحولت المطاردات إلى غرفة عمليات لإفراغ المنطقة من العرب.

وفي مايو من عام ١٩٩٦ اندلعت مواجهات بين بقايا المتطوعين العرب والسلطات الباكستانية في إحدى القلاع الحصينة للأفغان العرب وهي قرية بابي مخيم جلوزي» التي دفن فيها قادة المجاهدين العرب وعلى رأسهم الشيخ عبد الله عزام وأدت المعركة إلى مقتل ستة من المجاهدين العرب وتدمير الوحدات السكنية التي كان يسكنونها.

بيشاور بعد حوادث (۱۱) سبتمبر

وبعد حوادث (۱۱) سبتمبر شهدت مدينة بيشاور أكبر عملية مطاردة إذ أبعدت السلطات الباكستانية ما تبقى من المتطوعين العرب إما بتسليمهم إلى أمريكا لتسجنهم في جوانتانامو أو  بسجنهم أو مطالبتهم بالترحيل إلى بلادهم. وهكذا تمت تصفية المدينة من جميع الأفغان العرب بحيث لم يعد يقيم فيها إلا من منحته السلطات الباكستانية جنسيتها وأصبح باكستانيًا أو من ذاب بين المهاجرين الأفغان لغة وتقاليد. وأصبح من تبقى بـ مدينة بيشاور . حسب الباكستانيين والأفغان الذين كانوا يعرفون العرب - لا يمثلون سوى نسبة ٠.٠٥ وهذا يعني انعدام وجودهم في المدينة وخاصة بعد أن ضيق عليهم الخناق سواء بالكشف عن الاتصالات الهاتفية أو بزرع عملاء بين الأفغان وتوفير وسائل متطورة للكشف عن مواقعهم وإذا ما كانت هناك من بقايا فهم يترددون بين مدينةوأخرى.

وبعد أن قامت الحكومة الباكستانية بتفريغ أكبر مخيمات المهاجرين الأفغان في بيشاور بعد حوادث (۱۱) سبتمبر فقدت المجموعات العربية ملاجئها ومخابئها في وسط الأفغان وأصبحوا مكشوفين لأجهزة الأمن للقبض عليهم وترحيلهم إلى جوانتانامو أو يكون مصير المحظوظين منهم سجون بيشاور وما أدراك ما سجون بيشاور فلا يزال يقبع فيها العشرات من المتطوعين العرب الذين وجدوا أنفسهم داخل الزنازين بسبب الإقامة غير القانونية فغالبية العرب الموجودين اليوم في مدينة بيشاور من الطلاب العرب الوافدين من بلادهم للدراسة في جامعة بيشاور العريقة من فلسطين وسورية ولبنان والأردن وعددهم لا يتعدى الأصابع أما من تمكن من البقاء فهم من تجنسوا بالجنسيتين الباكستانية والأفغانية وتحولوا إلى مواطنين محليين لم يعد أحد يعرفهم لشدة شبههم بالسكان المحليين وتحدثهم باللغة المحلية.

ويلاحظ الزائر للمدينة أن هناك مواطنين من وإفريقيا خاصة نيجيريا لم يأت بهم إلى هذه البقعةمن العالم سوى البحث عن المال الوفير عبر عقد الصفقات مع تجار المخدرات وإرسال كميات منها إلى بلادهم وبلاد الغرب. وهذا يوضح أن ما كانت تعرف به المدينة في الماضي من نشاط المتطوعين العرب والجماعات المسلحة المختلفة قد تحول اليوم إلى جماعات إفريقية تزور المدينة وتقيم فيها لغرض التجارة في الحشيش وتهريب البضائع الممنوعة والحقيقة أن مشاهد المسلحين العرب وهم يتجولون في أحياء بيشاور الفقيرة والغنية وسياراتهم العسكرية وهم متجهون على متنها إلى أفغانستان للمشاركة في القتال أو الحصول على فرصة للإعداد والتدريب- قد غابت بعد الهجمة الأمريكية على أفغانستان في أكتوبر من عام ٢٠٠١.

أولوية أمنية وتقول المصادر المطلعة إن الحكومة الباكستانية ما زالت تعطي الأولوية الأمنية والاستخباراتية لهذه المدينة لاعتبارات مختلفة منها الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به المدينة ووقوعها في منطقة قد تتحول إلى منطقة نزاع بين باكستان وأفغانستان كما أن المنطقة عاصمة العرقيات البشتونية ومنها نشأت عدة ثورات استقلالية أو مناطقية أخمدتها الحكومة فيما بعد كما أن تحول المدينة إلى عاصمة الأفغان العرب ومركز الجهاد العالمي في الثمانينيات وإلى نهاية التسعينيات قد جعل السلطات تعطيها الأولوية في نشاطاتها الاستخباراتية مما دفع بقيادات القاعدة وطالبان وغيرهما إلى الابتعاد عنها وتفضيلهم مناطق أخرى من البلاد وكان جل قادة ونشطاء القاعدة وطالبان قد قبض عليهم في مدن باكستانية ولم يتم القبض عليهم في بيشاور.

وهذا لا يعني إطلاقًا أن المدينة لم تعد الموقع المفضل للجماعات العربية وللمتطوعين العرب إذا رفعت الحواجز الأمنية المنتشرة في المدينة والمئات من المخبرين وعناصر الأمن والمتخفين بين سكان المدينة وأسواقها فقرب المدينة واتصالها بمناطق القبائل وما تملكه من قواعد لوجستية وحمائية، والمعرفة الخاصة من قبل المتطوعين العرب لدروبها ومحلاتها تجعلها المكان المفضل.

وملخص القول أن بيشاور مرشحة لتشهد نشاطًا جديدًا للأجانب وخاصة الأفارقة والأوروبيين والآسيويين ولكنه هذه المرة نشاط التجارة في التهريب والمخدرات.

لقد رحل المتطوعون العرب وحل محلهم السماسرة والمهربون .

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل