العنوان بين المصلحة والسياسة الدولية
الكاتب منير شفيق
تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
مشاهدات 18
نشر في العدد 1317
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
أصبح القول إن المصلحة هي التي تقود السياسة الدولية شائعًا إلى حد بدت كل مناقشة له ضربًا من مناقشة البدهية، وغدًا التسليم بأن المصلحة هي القانون الحاكم في العلاقات الدولية طريقًا إلى تسويغ مختلف السياسات، حتى تلك المعادية لنا، فإذا ما نوقشت سياسة معينة جاء الجواب: «الجميع يقيم سياساته على أساس المصلحة»، ومن ثم لا مجال للوم أو العتاب أو النقد أو المعارضة، ونجم عن تأكيد هذه المقولة رسم سياسات تعتمد على إذكاء مصالح الآخرين عندنا لتغيير سياساتهم إزاء القضاياالعربية والإسلامية، بما في ذلك قضية فلسطين.
وقبل أن يصار إلى مناقشة «هذه الموضوعة» تجب الإشارة إلى أن الحديث عن المصلحة يتركز على المصلحة الاقتصادية، فهي الأساس الحاكم في سياسات الدول الكبرى، وقد ازداد التأكيد على ذلك بعد انتهاء الحرب الباردة، وانطلاق التوقعات التي تتحدث عن نظام عالمي جديد، أو عن العولمة بالخصوص في هذه الأيام، وقد ذهب البعض إلى حد القول إن الحكم الفيصل في مستقبل الدول والشعوب والمناطق والأقاليم، والقارات أصبح بيد الاقتصاد والقدرة الإنتاجية والعلمية والمالية بالطبع.
إن من يتابع بدقة وتمعن السياسات الدولية منذ مائتي عام على الأقل، بما في ذلك مرحلة الحرب الباردة، كما الرحلة الراهنة، سيجد أن موضوعة المصلحة الاقتصادية تتسم بالتبسيطية الشديدة، إلى حد التسطيح، فهي لا تستطيع أن تكون أداة لفهم السياسات الدولية وتحليلها، ومن ثم التعامل وإياها، أو القيام بتوقعات مستقبلية.
أما النظرة الأصح، فهي التي ترى أن الذي يقود السياسات الدولية، وعلى التحديد سياسة هذه الدولة الكبرى أو تلك، إنما هي الاستراتيجية الكلية التي ترسمها الدولة أو الدول، وتتأسس الاستراتيجية الكلية، من خلال مجموعة عوامل، من بينها المصلحة الاقتصادية، بل إن عامل المصلحة الاقتصادية هنا يقوم على أساس كلي شامل بعيد المدى، وليس على أساس المصالح الجزئية هنا أو هناك، وتتراوح مجموعة العوامل هذه بين عامل ميزان القوى العسكري، إلى العامل الجيوسياسي، إلى العامل المتعلق بالجوانب الحضارية والقومية والتاريخية، كما الديني والمذهبي، وإلى العامل المتعلق بالدور السياسي والنفوذ السياسي، ولا يستبعد الثقافي واللغوي هنا، وإلى العامل المتعلق بالوضع الدولي وسماته، في كل مرحلة، ولا سيما من جهة التكتلات والمنافسة والصراعات.
إن محصلة هذه العوامل المركبة والمتداخلة ترسم الاستراتيجية الكلية وهي التي تحدد التحالفات أو الحلفاء، والمحايدين والأصدقاء والأعداء وهي التي تحدد الأولويات، ثم من هنا يبدأ رسم السياسات، فإذا اعترضت مصلحة اقتصادية أنية، مهما بلغت ربحًا أو خسارة، هذه الأولويات، أو التحالفات، أخضعت فورًا لها، أي لهذه الأولويات، وهذا ما يفسر لماذا قاطعت أمريكا الصين عدة عقود بالرغم من الخسارة الاقتصادية، ولماذا تقاطع الآن إيران، وعدد من الدول الأخرى، بالرغم من الخسائر الاقتصادي وهذا ما يفسر كذلك، كيف تقوم تناقضات بين سياسة الدولة ومصالح الشركات التي تحكمها المصلحة الاقتصادية الآنية والمباشرة، ويفسر ما تتكبده الولايات المتحدة من خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة في علاقتها بالدولة العبرية.
إن فهم استراتيجية الدولة، هو الذي يسمح بفهم سياساتها، وليس حديث المصلحة الاقتصادية الآنية والمباشرة وتأويلها تأويلًا فجًا.
(1) كاتب ومفكر إسلامي فلسطيني.