العنوان بين زيارة كونت برنادوت.. وكورت فالدهايم
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 04-سبتمبر-1973
مشاهدات 19
نشر في العدد 166
نشر في الصفحة 14
الثلاثاء 04-سبتمبر-1973
بين زيارة كونت برنادوت..
وكورت فالدهايم
اليهود قتلوا برنادوت نفسه
أما فالدهايم فقتلوا زيارته
قبل أكثر من ربع قرن زار الكنت برنادوت - وكان سلفًا من أسلاف كورت فالدهايم- منطقة النزاع العربية الإسرائيلية، وكان في نظر اليهود منحازًا لحقِّ العرب في فلسطين، وأحسَّ اليهود ما لهذا الرجل خطورة في صراعهم الدائر بين عصابتهم آنذاك وبين المناضلين العرب، فقرروا تصفيته جسديًا وكان لهم ذلك.
واليوم وبعد هذا التاريخ الطويل، والتغيرات السياسية العميقة في المنطقة يجئ الخلف كورت فالدهايم ليزور المنطقة، ويتصل بالمسئولين فيها ليطلع عن كثب على وجهة نظرهم، ويرى بعينيه مسرح المشكلة التي أضنته وأضنت موظفيه، وأسلافه وأسلافهم بالعمل المرهق المستمر،
وطبيعي أنَّ اليهود لن يستقبلوا كورت فالدهايم كما استقبلوا الكنت برنادوت، فالبرغم من أنَّ شعور اليهود تجاه الكنت برنادوت هو نفسه شعورهم تجاه كورت فالدهايم .. إلا أنَّ ربع قرن ونيف من الزمان غيَّرَ الكثير من وضع اليهود في بلاد العرب، وبدَّل سياستهم تجاه كبار المسئولين في الأمم المتحدة.
كان اليهود حين زار الكنت برنادوت فلسطين عبارة عن عصابات من المحاربين تسعى لتثبيت أقدامها في فلسطين، وطَرْدِ أهلها منها بكل سلاح ممكن، ولم يكن لديهم كيان، ولم تكن لهم دولة، وما كانوا يملكون غير مكرهم، ودهائهم، وأموالهم، ونفوذهم في الغرب والشرق، وطمعهم في فلسطين، وإصرارهم على جعلها وطنًا قوميًّا لهم كما وُعِدُوا من دولة الانتداب بريطانيا آنذاك.
واليوم اليهود لهم دولة يكاد العالم يجمع على حقهم فيها، ولقد اقتطعوا بقوة السلاح أجزاء أخرى من دول العرب المجاورة، واحتفظوا بها احتفاظ المنتصر بما حاز من غنائم نصره، وموقف العالم منهم هو موقف الذي يرجو، ويتوسل أن يعيدوا بعض ما اكتسبوه من معركتهم الأخيرة إلى جيرانهم العرب ليحفظوا - أى اليهود - للأمم المتحدة ماء وجهها، ولعلهم يستطيعون العيش بسلام مع هؤلاء الجيران.
في هذا الجو الجديد المختلف تمامًا يزور كورت فالدهايم منطقة النزاع .. يزورها وقد أخمد صوت الرصاص وضجيج المدافع، وبردت أعصاب المسئولين فيها.
فماذا نتوقع نحن من هذه الزيارة؟
وماذا يتوقع أعدائنا اليهود منها؟
نحن كالغريق الذي يتعلق بحبال من هواء طمعًا في نجاة، فلا يأس عندنا من أى محاولة، ولا كَلَلْ من متابعة المحادثات، واللقاءات، والمؤتمرات.
إن في داخل الامم المتحدة أو في خارجها في بلادنا أو خارج بلادنا أكثر طاقتنا اهتمامنا يستنفذ في هذه المجالات.
ولذلك فلا بأس من التفاؤل بهذه الزيارة وتعليق الآمال عليها ولا بأس من الجلوس مع كورت فالدهايم وطرح وجهات نظرنا له وبسط واقعنا أمامه– وبالرغم من أننا سنقول له كلاما معادا ومكررا سمعه ألف مرة في كل المناسبات الا اننا سنعيده عليه أينما حل، وفي أي وطن من أوطاننا الكثيرة نزل وربما نقول: ربما يكون منا شئ من الكرم في بعض من التنازل كي لا نكون سببا في زيادة تعقيد القضية وتصعيدها!!
أما اليهود فهم لا يتوقعون لهذه الزيارة أي نجاح بل ولا يريدون لها النجاح وهم يعتقدون ان كورت فالدهايم منحاز إلى العرب تماما كما كان كنت برنادوت ولكنهم لن يقتلوه بل سيقتلون زيارته والغرض الذي جاء من أجله لذلك فهم بدأوا من الان يعدون لهذه الزيارة كي تكون زيارة سياحية يطلعون فيها سكرتير الأمم المتحدة على معالم دولتهم ويفرجونه على منجزاتهم ويجعلون أقامته أياما سعيدة جدا وهانئة جدا وهذه عندهم وسيلة العصر الاجدى والانفع وهم– للأسف– أدرى الناس بحقائق العصر وأعرفهم بالرجال.
إن أمتنا تسير في طريق من أخطر ما سارت فيه أمة من الأمم هذا الطريق هو أن تنتظر وقوع الكارثة حتى إذا وقعت أصابنا التشنج واعترنا التوتر وصرنا نخبط خبط عشواء حتى إذا مضى الزمن وئيدا هادئا بردت أعصابنا شيئا فشيئا وأخذنا نتعود على أوضاعنا الجديدة وبدأنا نكيف حياتنا وفق هذه الأوضاع وصار من السهل علينا تقبل ما كنا نعتبره بالأمس مستحيلا.
ولقد ساعدنا على ذلك انشغالنا بخلافتنا الجانبية عن قضيتنا الكبرى وانقسامنا شيعا متنافرة و فقداننا للزعامة المخلصة وبعدنا عن الحق المبين حتى شعرنا بأن كل الطرق امامنا مسدودة وجميع الحلول تقودنا الى هزيمة اثر هزيمة.
ان هذا التخلف السحيق الذي تعيشه هذه الامة صادر من دواخل النفوس التي مردت على حب الدنيا وكراهية الموت وتاهت في ضلالات اعتقادية لا ترث إلى الخواء الروحي والتعلق بالتوافه. ان عودة حقه الى بناء الرجال بناء عقائديا مصدره دين هذه الأمة الذي أعزها وأورثنا الأرض نصرا من بعد نصر، هذه العودة كفيلة بالوقوف في وجهه الظلم والطغيان ظلم شعوب الأرض لنا وطغيان ساستهم علينا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل