العنوان د. عبد الرحمن السميط- رئيس جمعية العون المباشر لـ المجتمع
الكاتب منيف العنزي
تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-2001
مشاهدات 10
نشر في العدد 1440
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 27-فبراير-2001
د. عبد الرحمن السميط- رئيس جمعية العون المباشر لـ المجتمع:
تأثرت بشخصية المنصر ديفيد لفنكستون الذي كان يكره المسلمين والعرب بشدة
بدأنا في إفريقيا بمسجد واحد وانتهينا إلى إسلام مليونين ونصف المليون وثني
ندين في نجاح عملياتنا بإفريقيا إلى الأساليب الإدارية الحديثة للمنظمات التنصيرية!
إدارة العمل الخيري بأسلوب الدراويش، أمر خاطئ.. وإزالة المنكرات تكون من القلوب أولًا
أتفرغ حاليًّا لتطوير أساليب الدعوة في إفريقيا.. ولا بد من الزيارات المتكررة للقبائل
بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل ثلة من المخلصين انبعث نور من الأمل أنار قرى وبلدات في مجاهل إفريقيا السمراء.. حمل أحد هذه المشاعل رجل أفنى حياته، وأنكر ذاته، وتفرغ للدعوة والإغاثة في بلاد تلك القارة التي لجأ إليها الصحابة- رضوان الله تعالى عليهم- في بداية الدعوة الإسلامية، فكان أن أسلم النجاشي ملك الحبشة، وفي هذه الأيام ومنذ انطلاقة عمل د. السميط في إفريقيا أسلم أكثر من مليونين ونصف المليون وثني، خلال رحلة استغرقت ۲۱ عامًا، ومازالت مستمرة.
حديثنا مع الداعية الدكتور عبد الرحمن السميط- رئيس جمعية العون المباشر لجنة مسلمي إفريقيا، الذي عاد لتوه من جولة جديدة للدعوة إلى الله في أدغال إفريقيا يدور حول تلك الرحلة الممتدة من حياته.
● بداية يسأل الكثيرون عن صحتك...ونريد أن نطمئنهم عليك؟
● الحمد لله ، أنا- الآن- بخير بفضل من الله بعد أن أجريت لي عملية في المملكة العربية السعودية بعد أن أصابتني جلطة في القلب وأجريت لي عملية ثانية لجلطة أخرى، لكنها كانت أخف من الأولى، الحمد لله الآن أشعر بتحسن على الرغم من كثرة الأعراض مثل: السكر والضغط، وبعض المشكلات في الكلى وأحب أن أطمئن المحبين والسائلين عني بأنني أفضل حالًا من ذي قبل، وهذا فضل ومنة من الله تعالى عليّ.
بدايتي في إفريقيا
● يتردد هذا السؤال دائمًا على لسان المتابعين لنشاطكم كيف كانت حياة الدكتور السميط قبل أن يتجه إلى إفريقيا؟ وكيف كانت البداية؟
● حياة طبيعية جدًّا، فأنا طبيب متخصص في الجهاز الهضمي، وكنت أمارس عملي كغيري من زملاء المهنة، ولكن الله أراد لي الخير فساق لنا امرأة فاضلة تبرعت لبناء مسجد، وكان طلبها أن يبنى في الكويت لكنها اقتنعت بأن بناءه في الخارج أفضل، ومن هنا ذهبنا لبناء المسجد وكان الإخوة الذين ذهبوا لبناء المسجد سعيدين بوظائفهم، وأعمالهم، وهكذا أراد الله سبحانه وتعالى لنا الخير، فكانت الزيارة كالصاعقة التي أيقظتنا من سبات عميق، بعد أن رأينا إخواننا في إفريقيا، وبالأخص في مالاوي، حيث الفقر والجوع والمرض والتخلف، تلك كانت البداية «بدايتي في إفريقيا».
تأثرت بديفيد !
● هل تأثرتم بشخصية ما كانت السبب وراء هذا العمل والمجهود برغم رفاهية الحياة التي كنتم تعيشونها؟
● إن سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- من أقوال وأفعال هي المحرك والدافع لكل المسلمين الراغبين في العمل الإسلامي، وبشكل خاص العمل الخيري ولقد كنت أحد هؤلاء المسلمين- إن شاء الله.
أما أسلوب العمل المهني فقد تأثرت بشخصية أحد المنصرين، ويسمى الدكتور ديفيد لفنكستون، وهو من أسكتلندا، وكان يكره العرب والمسلمين كرهًا شديدًا جدًّا، ولا تستطيع أن تقرأ صفحة واحدة من مذكراته دون أن تشعر بهذا الشعور الذي كان يحمله تجاه المسلمين، ذهب هذا المنصر إلى إفريقيا وعاش فيها، وهلك هناك ونقل جثمانه إلى كنيسة ويستمنستر في لندن حيث دفن هناك مع العظماء عندهم.
هذا الشخص كان واحدًا من الأسباب المهمة التي كانت ترمي بقفاز التحدي أمام عيني، إذ قرأت جميع كتبه تقريبًا، وتأثرت بحياته، وكنت أناقش نفسي: إذا كان هذا الشخص قد ضحى بحياته وأسرته في سبيل ما نعتقد أنه دين غير صحيح، فما بالي أنا الذي أدين بالإسلام الدين الصحيح لا أضحي مثله؟
من هنا بدأت حياتي مع إفريقيا بتحدي هذه الصعاب من إيصال كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله لكل من أقابله على الرغم من العقبات والأخطار التي أخذت منا الكثير، ولكن في سبيل الإسلام يهون كل شيء.
● ما مدى الاستفادة الدعوية من أساليب المنصرين في إفريقيا؟
● غالب عملنا يقوم على الاستفادة من خبرات الآخرين، سواء من المحبين للإسلام أو الكارهين له، وأنا أدين بنجاح عملنا في إفريقيا في البداية إلى أساليب المنظمات التنصيرية العاملة في إفريقيا، فلقد تعلمنا منها أساليب العمل المتنوعة، وأنا قارئ نهم لكل ما يكتبه المنصرون عن إفريقيا أو غيرها، وقارئ أيضًا للنظم الإدارية للمنظمات التنصيرية، وهذا ما مكننا من الدخول إلى إفريقيا، وقد أصبحت لدينا خبرة كبيرة عنها وعن أحوال أهلها ومواقعهم ونقاط ضعفهم، وقوتهم، واحتياجاتهم، مما سهل علينا مهمتنا هناك.
● كيف ترون لجنة مسلمي إفريقيا بعد تقاعد الدكتور عبد الرحمن السميط وهل هناك من ترون أنه يكمل المسيرة وبخطى النجاح نفسها؟
● أعتقد أن اللجنة- في الأساس- ليست قائمة على عبد الرحمن السميط، نعم إن أي فكرة ناجحة يقف وراءها شخص أو أكثر، ولكن بالنسبة لنا في اللجنة نعمل بشكل مؤسسي ولا نعتمد على أفراد، ومعظم الأمور يتخذ الإخوة في الإدارة بشأنها ما يلزم، وأنا شبه متفرغ لتطوير أساليب الدعوة في إفريقيا، والدراسات والأبحاث، فنحن يكمل بعضنا عمل بعض والإخوة فيهم الخير الكثير.
تطوير العمل الخيري
● هناك أكثر من فكرة لتطوير العمل الخيري كإنشاء الوقف والتوثيق الإعلامي للإنجازات والأنشطة، وأخيرًا كتابة المذكرات عن الدعوة في إفريقيا؟
● هذا صحيح، فالعمل الخيري لابد من أن يتطور ويتأقلم مع الأحداث ليواكب ويحقق التطلعات، وقد أنشأنا- منذ خمس سنوات- وقف الإغاثة وريعه لصالح المتضررين من الكوارث الطبيعية أو الحروب، ولدعم التنمية وإصلاح الأراضي الزراعية، وغيرها من الأعمال التي تعود بالنفع والفائدة على الفقراء والمساكين في القارة السمراء.
أما بالنسبة للتوثيق الإعلامي للعمل في إفريقيا فنحن نتمنى هذا منذ وقت طويل، ولكن مع الأسف الاستجابة من قبل المؤسسات القادرة على ذلك، وهي المؤسسات الحكومية فقط أقل مما نأمل فيه، وهذه دعوة لكل المؤسسات التي تستطيع أن تسهم في توثيق العمل بإفريقيا أن تقدم إلى اللجنة، وأن نعمل سويًّا على تحقيق لك لما فيه من مصلحة الإسلام والمسلمين.
أما بالنسبة لكتابة مذكراتي في إفريقيا سأتمنى أن أقوم بذلك، ولكن هذا يتطلب تفرغًا فكريًّا، وهذا التفرغ- مع الأسف الشديد- لا ستطيع أن أدفع ثمنه، إذ احتاج إلى أن أنعزل في مكان ثم أبدأ بالكتابة، ولكن إن شاء الله من خلال مجلة الكوثر التي تصدرها اللجنة أحاول ن أروي من هذه المذكرات ما أمكن.
الرحلة الأخيرة
● طال سفرك في المرة الأخيرة الجميع كان ينتظر آخر الأخبار، فكيف كانت هذه الرحلة؟ وماذا أنجزتم فيها؟
● في هذه الرحلة ذهبت إلى شمال كينيا وجنوب تشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ففي شمال كينيا بدأ العمل هناك عام ١٩٩٤م، والهدف منه دعوة قبيلة الغبرا، وهي قبيلة وثنية نصف مسلمة، وأحمد الله سبحانه وتعالى أن غالبية أفراد القبيلة قد دخلوا في الإسلام برغم الإمكانات القليلة المتوافرة لنا، فلا يوجد لدينا وسيلة مواصلات غير سيارة قديمة لا يمكن أن تمشي إلا بالدفع، وعمرها الآن خمس سنوات والطرق وعرة جدًّا هناك، إضافة إلى دراجة هوائية واحدة بالمقارنة بالمنصرين الذين يمتلكون طائرتين واحدة هليكوبتر، وأخرى صغيرة وعندهم نحو ٦٥ سيارة، وبرغم هذا استطعنا أن نكسب الأرض هناك.
وليس هناك من شك في أنه لو توافرت لنا. إمكانات أكبر لحققنا الكثير.
وخلال هذه السفرة الأخيرة أسلم أيضًا أكثر من ألفي شخص في خلال أسبوع واحد، وهناك برنامج معد مسبقًا لمتابعة المهتدين الجدد من قبل دعاة متفرغين يعلمونهم دينهم الجديد، إضافة إلى إرسالنا بعض الأفراد إلى المراكز الإسلامية في المنطقة، وتوزيع الكتب، ومتابعة السكان خلال المواسم الدينية في رمضان، وعيد الأضحى، هذا بالإضافة إلى عقد المؤتمرات للطلبة، والنساء. والرجال- كل على حدة- وكذلك القيام بالزيارات المتكررة للقبيلة للاطلاع على أحوال أفرادها- واحتياجاتهم من الأكل والملبس والمياه والتمريض، والتعليم وتحفيظ القرآن الكريم، وبناء المساجد.
أما في جنوب تشاد فقد حاولت الكنيسة إيجاد حالة شبيهة بجنوب السودان، إذ زرعت الكراهية ضد العرب والمسلمين حتى إن بعض القرى في الجنوب التشادي لا يمر بها مسلم إلا ويقتل.
ذهبنا إلى هناك (!) واستطعنا أن نصل إلى قلوب الناس، وبرغم العروض المادية والإغراءات التي عرضت عليهم إلا أنهم ركلوا هذه العروض كلها، وجاءوا إلى الإسلام، وأسلموا بل أسلم عدد من السلاطين وآلاف من المواطنين العاديين هناك، وأنا أعتقد أن الإسلام ينتشر هناك بشكل جيد على أيدي الدعاة من أبناء تشاد أنفسهم، وبدعم بسيط من قبلنا من خلال ستة مراكز إسلامية بنيناها هناك.
أما في إفريقيا الوسطى فلم يكن يمر يوم واحد إلا ويسلم ما بين ٢٠ إلى ٣٠ شخصًا- لكنهم- مع الأسف الشديد- يحتاجون إلى مؤسسات لرعايتهم كدور المهتدين والمراكز الإسلامية، والدورات وهذه فيها كلفة ونحن عاجزون عن استيعاب هذه الأعداد من المهتدين نظرًا للكلفة الباهظة ومحدودية إمكاناتنا المالية.
● ألا تطلبون المساعدة- إذن– من الدولة أو المنظمات الإسلامية؟
● كما يعلم الجميع فإن طاقة اللجنة محدودة، ولكن الحمد لله فإن ثلث ميزانيتنا من الكويت، والثلث الآخر من دول الخليج ودول أخرى ومن المحسنين، أما الثلث الأخير فمن المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، والحكومات الغربية والسوق الأوروبية المشتركة التي تدعمنا في إنشاء بعض المشاريع المحددة في إفريقيا.
وتقدر ميزانية اللجنة سنويًّا من جميع هذه الجهات بنحو عشرة ملايين دولار، وجميع مدارسنا في الصومال دفعت تكاليفها جهات وحكومات غربية، وهذا كمثال، ونحن نسعى إلى بناء جسور بين الحكومات الخليجية والحكومات الإفريقية، ونسأل الله أن نرى هذه الجسور قد امتدت وكثرت وزاد الارتباط بين الطرفين فنحن أقرب إلى إفريقيا من الغرب.
وأذكر في هذا المجال أنه عندما ذهبنا إلى قبيلة "البورانا" في إثيوبيا أخبرونا بأن أحد أجدادهم قد رأى رؤيا، وهي أنه سيأتي إنسان أسمر من الشرق ويدعو لشيء اسمه الإسلام كما سيأتي أناس بيض من الغرب وسيدعون إلى شيء اسمه النصرانية، فإذا حصل هذا فاتبعوا الإسلام!
خصائص الدعوة الناجحة
● للوصول إلى النجاح لابد من اتباع خطوات معينة وتوافر خصائص في الداعية، فما هذه الخطوات والخصائص في رأيكم؟
● النجاح في الدعوة وفي العمل الخيري يعتمد على عناصر عدة:
العنصر الأول: إخلاص النية، فلا أعتقد أن الشخص الذي ليس لديه إخلاص سوف ينجح... وقد ينجح لفترة بسيطة، لكنه سينكشف بعد ذلك.
فلا يعقل أن نقول للناس: ادفعوا ما قيمته "150 فلسًا- نصف دولار" لإنقاذ إنسان في! إفريقيا من الموت جوعًا ثم أبدل سيارة كل ستة شهور، أو أبني قصورًا أو أعيش حياة مترفة لا تتناسب مع ما أدعو إليه.
العنصر الثاني: يجب أن يكون عملنا باتباع كتاب الله تعالى، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- فلا يمكن أن ينجح عمل خيري إسلامي، ونحن نبتعد عن هذه الركائز الثابتة في حياتنا .
أما العنصر الثالث: فهو أن تنكر نفسك وتقدم التضحيات دون مقابل، وإذا كنت تفكر أن تقبض شيئًا فمن باب أولى أن تترك هذا المجال. وتتجه إلى مجال مادي فذلك أفضل لك، لأن العمل الخيري يحتاج إلى إنسان يبيع نفسه لله ويطلق الدنيا بالثلاثة لكي ينجح.
والعنصر الرابع- في رأيي : هو دراسة الأساليب الإدارية الحديث، وألا يُدار العمل الخيري بأسلوب الدراويش بل لابد من الأخذ من الإدارة الحديثة ما يتناسب مع ديننا وقيمنا وعاداتنا .
أما العنصر الخامس فأعتقد أنه أحد الأسباب المهمة في إسلام أكثر من مليونين ونصف المليون شخص خلال العشرين عامًا الماضية في إفريقيا، وهو أننا نواجه الناس بأسلوب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة "نحن نريد بالمكث ما يريده الآخرون بالحث".. نصبر على الخطأ، ونعالجه بالحكمة، في سبيل أن نزيله نهائيًّا من قلوب الناس، فإذا اقتلعت شجرة تعبد، أو كسرت وثنًا فما أسهل من عبادة شجرة أخرى، أو بناء وثن آخر، ولكن أزل وثنًا أو أقلع شجرة من قلوب الناس فسيقومون هم أنفسهم بإزالته من واقعهم، وقد علمني أحد الوثنيين درسًا عندما رأيته يعبد شجرة فقلت له: لو جاء شخص في الليل وأزال هذه الشجرة قال سأبحث عن شجرة أخرى مبروكة وأعبدها.
إذن القضية ليست في إزالة هذه المنكرات بأيدينا قبل أن نزيلها من قلوبهم.
في بلاد الأقزام
● نريد قصة تأثرتم بها خلال هذه الرحلة، أو حدثت في رحلات أخرى، لكنكم تخصون بها قراء مجلة المجتمع؟
● خلال سفرتي الأخيرة هذه ذهبت إلى منطقة الأقزام في إفريقيا الوسطى، ونحن نعمل هناك منذ 6 سنوات وجميع الوفود التي تزور هذه المناطق يزورونها عبر دعاتنا بالتنسيق مع مكاتبنا هناك وبسيارتنا.
ذهبت إلى هناك وحاولت أن أشرح الإسلام لمجموعة من الأقزام ولم يستجب لدعوتي أي شخص منهم وقد تأثر الإخوة الموجودون لذلك، وبعد قليل جاءني رئيس الدعاة هناك، وقال لي: تعال معي لتلقنهم الشهادتين قلت: لقد كنت معهم، ولم يسلم فرد واحد منهم فقال: لقد كلمتهم فقرروا جميعًا أن يسلموا فاستغربت لهذا الأمر، فكنت أعتقد أن خبرة ٢١ عامًا في الدعوة، وفي العمل بإفريقيا قد أهلتني للدعوة، فقلت له: ماذا قلت لهم؟ قال رئيس الدعاة أنت تدخل معهم في التفاصيل، وأنا أخبرتهم بأن الله واحد، وأنه هو المتحكم في الدنيا، وأنه القادر على كل شيء، وأنه الذي يرزقنا، وأنه الذي ينزل المطر، والذي يمرضنا ويشفينا، وهو الذي يميتنا ويحيينا .. أنت كنت تتكلم معهم في الصلاة، والصيام، والحج والشهادتين، وهم لا يستوعبون هذا الكلام... أعطهم ما يمكن أن يستوعبوه».
فتذكرت الكلمة المأثورة التي تقول: «خاطبوا الناس على قدر عقولهم»، فلا تحاول أن تنقل الطريقة التي تفكر بها في بلدك إلى إفريقيا والحمد لله دخل في الإسلام أعداد كبيرة منهم وقمنا ببناء مسجدين، وأرسلنا ثلاثة من قادة الأقزام إلى الحج، منهم قسيس أسلم سميناه عيسى، وقد ثارت ثورة الكنيسة عندما علمت بذلك فهي موجودة منذ 150 عامًا في إفريقيا الوسطى، ولم تبدأ العمل إلا بعد أن أسلم معظمهم إذ بدأت ببناء المستشفيات والمدارس وكنيسة لا تعالج إلا من يتنصر وترفض علاج من أسلم؟
وقد حاولت الكنيسة كذلك جذب المسلمين إليها فلم يستجب لها إلا مسلم واحد من هذه الأعداد الكبيرة الفقيرة.
ومن الطرائف أيضًا خلال سفرتي الأخيرة أن امرأة من الأقزام تجمع الخمر من شجر معروف عندهم رأت في الطريق غوريلا، فهربت خوفًا منها وتركت الجرة المليئة بالخمر، فأتت الغوريلا، وشربت ما بها من الخمر فسكرت ودخلت قرية المرأة وعاثت فسادًا بالقرية، وروعت السكان بسلوكها الغريب وشكلها المضحك والمخيف، فما كان إلا أن تصدى لها أحد المحاربين من الأقزام بسهم أطلقه من قصبة فيها سهم سام عبر النفخ بالفم فقتلها، مما يدل على طبيعة الأخطار التي قد يتعرض لها أي إنسان يجوب المناطق هناك.
وأعتقد أن هناك لذة في هذه المعاناة، فكم من مرة نمنا في الغابات وكم من مرة شربنا الماء الملوث وكم من مرة احتجنا للأكل، ولم نستطع أن نطلبه من أهل القرية حتى لا نبدو بمنظر الضعيف عندهم على الرغم من حاجتي الشخصية لأطعمة معينة بسبب مرض السكر... بل- عشرات المرات يطلق علينا فيها النار وأذكر أنني في أوائل الثمانينيات كنت في موزمبيق لزيارة إحدى القرى، وكان هناك عدد كبير من أفراد الجيش لحراستي، ففي أثناء طريق العودة انفجر لغم بالسيارة التي أمامنا فتناثر الجنود الحراس ما بين قتيل وجريح وحينها طلبت من سائق السيارة التي كنت فيها التوقف لمعالجة ونقل الجنود المصابين، فقال: بل علينا أن نزيد السرعة لأنه فخ منصوب لنا والمسلحون يختبئون خلف الأشجار ينتظرون أن تتوقف ليقتلوا الجميع.
لقد تأثرت كثيرًا من عدم استطاعتنا مساعدة أولئك المصابين، وهذا المنظر لا أنساه ما حييت.
● أخيرًا: يقول البعض إن الدعوة في إفريقيا ليست ذات قيمة لأن شعوب إفريقيا غير مؤثرة في العالم.. فبم ترد على هؤلاء؟
● إذا كنت تتكلم عن الوضع الحالي فهذا صحيح، ولكن حتى الشعب العربي غير فعال، هل تتذكر أن العرب والمسلمين كانوا يقودون العالم في يوم من الأيام ما المانع أن يقوم الشعب الإفريقي المسلم ولو بعد مائة عام بقيادة العالم من جديد أنا أعتقد أن الاستعمار والكنيسة، والعالم الغربي لم يعطوا الشعب الإفريقي المجال لأن ينمي قدراته الإدارية والقيادية، مما أدى إلى هذا التخلف، ولعل الله سبحانه وتعالى ييسر لإخواننا في الإسلام بإفريقيا بناء بلادهم وتطويرها بأسرع مما يتوقع الكثيرون، وما ذلك عليه بعزيز.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلمصلحـــون رحلــوا في مــارس.. الـشـايـــــع وزبـيـــــر ومـحـمـــــود
نشر في العدد 2177
31
الأربعاء 01-مارس-2023