; تبسيط الفقه البيع والتلاعب بالأسعار | مجلة المجتمع

العنوان تبسيط الفقه البيع والتلاعب بالأسعار

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 05-سبتمبر-1972

مشاهدات 18

نشر في العدد 116

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 05-سبتمبر-1972

خلق الله الناس على حالة يحتاج فيها بعضهم إلى بعض، فليس يملك كل فرد كل ما يهمه ويكفيه، بل يملك هذا بعض ما يستغنى عنه، ويحتاج إلى بعض ما يستغنى عنه الآخرون، فألهمهم الله أن يتبادلوا السلع والمنافع بالبيع والشراء وسائر هذه المعاملات حتى تستقيم الحياة، ويسير دولابها بالخير والإنتاج.  
وقد بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وللعرب أنواع من البيع والشراء والمبادلات، فأقرهم على بعضها، مما لا يتنافى ومبادئ الشريعة التي جاء بها ونهاهم عن البعض الآخر مما لا يتفق وأهدافها وتوجيهاتها، وهذا النهي يدور على معان منها: الإعانة على المعصية والغرور والاستغلال، والظلم لأحد المتعاقدين، ونحو ذلك. 
بيع الأشياء المحرمة حرام:
أ - فما جرت العادة بأن يُقتني لمعصية حذرها الإسلام، أو يكون الانتفاع المقصود به عند الناس نوعًا من المعصية، فبيعه والإتجار به حرام، كالخنزير والخمر والأطعمة والأشربة المحرمة بعامة، والأصنام والصلبان والتماثيل ونحوها، ذلك أن في إجازة بيعها والإتجار فيها تنويهًا بتلك المعاصي، وحملًا للناس عليها، أو تسهيلًا لهم في اتخاذها، وتقريبًا لهم منها،  وفي تحريم بيعها واقتنائها إهمال لها، وخمال لذكرها، وإبعاد للناس عن مباشرتها  ولذا قال عليه السلام: «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» متفق عليه وقال -صلى الله عليه وسلم- : «إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه» رواه أحمد وأبو داود.  
بيع الغرر محذور:
ب - وكل عقد للبيع فيـه ثغرة للتنازع، بسبب جهالة في المبيع أو غرر يؤدى إلى الخصومة بين الطرفين أو غبن أحدهما للآخر، فقد نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- سدًا للذريعة. 
وفي هذا جاء النهي عن بيع ما في صلب الفحل أو بطن الناقة أو الطير في الهواء أو السمك في الماء، وعن كل ما فيه غرر «أي جهالة وعدم تحديد للمعقود عليه»  
ومن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجد الناس في زمنه يبيعون الثمار في الحقول أو الحدائق قبل أن يبدو صلاحها، وبعد تعاقدهم يحدث أن تصيبها آفة سماوية، فتهلك الثمار، ويختصم البائع والمشتري، يقول البائع: قد بعت وتم البيع، ويقول المشتري، إنما بعت لي ثمرًا ولم أجده، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، إلا أن يشترط القطع في الحال، ونهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة،  وقال: أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يستحل أحدكم مال أخيه؟ «البخاري وغيره» 
وليس كل غرر ممنوعًا، فإن بعض ما يباع لا يخلو من غرر، كالذي يشتري دارًا مثلًا لا يستطيع أن يطلع على أساسها وداخل حيطانها، ولكن الممنوع هو الغرر الفاحش الذي يؤدي إلى الخصومة والنزاع أو إلى أكل أموال الناس بالباطل.  
فإذا كان الغرر يسيرًا - ومرد ذلك إلى العرف - لم يحرم البيع، وذلك كبيع المغيبات في الأرض كالجزر والفجل والبصل ونحوها، وكبيع المقاتي «مزارع القثاء والبطيخ ونحوها» كما هو مذهب مالك الذي يجيز بيع كل ما تدعو إليه الحاجة ويقل غرره بحيث يحتمل في العقود.  
التلاعب بالأسعار:
جـ - والإسلام يجب أن يطلق الحرية للسوق، ويتركها للقوانين الطبيعية تؤدى فيها دورها، وفقًا للعرض والطلب، ومن أجل ذلك نرى الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين غلا السعر على عهده، فقالوا: يا رسول الله سعر لنا، قال: «إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي وأبو يعلى. 
ونبي الإسلام يعلن بهذا الحديث أن التدخل في حرية الأفراد بدون ضرورة مظلمة يجب أن يلقى الله بريئًا من تبعتها.  
ولكن إذا تدخل في السوق عوامل غير طبيعية كاحتكار بعض التجار وتلاعبهم بالأسعار فمصلحة المجموع هنا مقدمة على حرية بعض الأفراد، فيباح التسعير استجابة لضرورة المجتمع أو حاجته، ووقاية له من المستغلين الجشعين، معاملة لهم بنقيض مقصودهم كما تُقرر القواعد والأصول.  
فليس معنى الحديث السابق حظر كل تسعير، ولو كان من ورائه رفع ضرر أو منع ظلم فاحش، بل قرر المحققون من العلماء أن التسعير: منه ما هو ظلم محرم، ومنه ما هو عدل جائز.  
فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم، فهو حرام. 
وإذا تضمن العدل بين الناس، مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل، فهو جائز، بل واجب.  
وفي القسم الأول جاء الحديث المذكور، فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر، إما لقلة الشيء أو لكثرة الخلق «إشارة إلى قانون العرض والطلب» فهذا إلى الله، فإلزام الناس أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق. 
أما الثاني فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها - مع ضرورة الناس إليها - إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، والتسعير هنا إلزام بالعدل الذي ألزمهم الله به، وفي هذا تراجع رسالة الحسبة لابن تيمية والطرق الحكمية لابن القيم. 
 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

تبسيط الفقه.. الغسل

نشر في العدد 66

29

الثلاثاء 29-يونيو-1971

مناقشة.. حول تبسيط الفقـه

نشر في العدد 66

17

الثلاثاء 29-يونيو-1971

تبسيط الفقه.. التيمم

نشر في العدد 67

36

الثلاثاء 06-يوليو-1971