العنوان تبسيط الفقه.. اللقطة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 22-أغسطس-1972
مشاهدات 16
نشر في العدد 114
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 22-أغسطس-1972
يحترم الإسلام ملكية الأفراد للمال الحلال ويحافظ على هذه الملكية بكافة الوسائل، وله في ذلك تشريعات متنوعة، ووصايا جمة.
ومن هذه التشريعات ما يعرف في الفقه الإسلامي باسم اللقطة وهي مال ضل عن مالكه، فعثر عليه غيره، وسميت لقطة لأنها تلتقط وتؤخذ، هذا المال الضائع لم يرفع الإسلام يد مالكه عنه بمجرد ضياعه وغيابه، ولم يسقط حقه فيه وإن طال الأمد على غيبة منه، كما لم يطلق الإسلام يد واجده وملتقطه في تملكه باقيًا على حاله وإن زالت يده عنه، ويعلم الملتقط أن ما يأخذه من مال إنما هو أمانة في يديه يحفظها لصاحبها حتى يسلمها إليه.
بل لا يكتفي الإسلام منه أن يقوم بحفظها لحساب مالكها، منتظرًا معرفته وظهوره يومًا من الدهر، وإنما يوجب عليه أن يبحث عنه ليرد إليه ماله، وذلك بالإعلان عن اللقطة، والتعريف بها في مجامع الناس وأسواقهم، عسى أن يكون فيهم صاحبها أو من يبلغه خبرها، ولم يوجب ذلك يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا، بل سنة كاملة حتى يدركه اليأس من ظهور المالك، وبذلك تأخذ وضعًا جديدًا له أحكام سنذكرها.
بهذا التشريع الحكيم صان الإسلام الأموال وحماها لأربابها ما وجد إلى ذلك سبيلًا، وبهذا التشريع عمل على تربية المسلم على أخلاق العفة والأمانة والشعور بحقوق الآخرين والنصيحة لهم كافة، والاهتمام بأمورهم والسعي في مصلحتهم دون أن ينتظر مكافأة أو أجرًا إلا مثوبة الله ورضوانه.
أقسام اللقطة وحكم كل منها
المال الذي يضيع من صاحبه له ثلاثة أقسام لكل منها حكم يخصه:
أحدها: ما يعده أوساط الناس شيئًا تافهًا، لا تتبعه همتهم ولا يسألون عنه، كالرغيف والخرقة والتمرة وما لا خطر له، فهذا يملكه من التقطه، بمجرد الالتقاط، ويباح له الانتفاع به ولا يلزمه تعريفه للناس، لما رُوِي عن جابر قال:
«رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به».
ليس المراد بالعصا الثمينة ولا بالحبل حبل السفينة فإن ذلك مما يُسأل عنه أربابه.
لكن إن وجد، لأنه عين ماله ما لم يكن قد استهلكه، فإن كان استهلكه لم يلزمه دفع بدله لأن ملكه يأخذه والأشياء التي رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- في التقاطها لم يذكر فيها ضمانًا.
ويدخل في حكم هذا القسم الدابة التي تركها صاحبها ترك اليائس، لانقطاعها وضعفها أو لعجزه عن علفها فيملكها من أخذها، لأنه بتركه لها رغبة عنها قد خرجت عن ملكه وذاك يأخذها أنقذها من الهلاك.
وفي الحديث الذي رواه الشعبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسَيَّبوها فأخذها فأحياها فهي له».
الثاني، الضوالُّ من الحيوان التي تمتنع عن صغار السباع وتَرِدُ الماء كالإبل والبقر والخيل والبغال فهذه لا تلتقط، لما رُوِي عن زيد بن خالد أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ضالة الإبل فقال: «ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها».
فإذا التقطها ضمنها، ولا يزول الضمان إلا بدفعها للحاكم لأن له نظرًا في حفظ مال الغائب وهو مسؤول عن رعيته.
ومثل هذه الضوال ما يبقى في مكانه ولا يخشى عليه تلف ولا اختفاء كحجر طاحونة وخشب كبير.
الثالث: بقية الأموال من نقود ومتاع وصغار الحيوان، فهذه يجوز التقاطها لمن وثق من نفسه الأمانة والقدرة على تعريفها.
وإذا كانت هذه الأشياء بحيث يخاف عليها إذا تركها، فإذا كانت قريبًا من دار الحرب أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين أو كان حيوانًا في بريّة لا ماء فيها ولا مرعى أو أرض مسبعة فالواجب أن يأخذها حتى لا يهلك هذا المال على صاحبه، وبالتالي على جماعة المسلمين.
وإن لم يأمن نفسه عليها، فليس له أخذها، لما فيه من تضييع مال غيره، ويضمنها إن تلِفت، وهذا القسم الأخير ثلاثة أنواع:
1 - ما التقطه من حيوان يؤكل كشاة وعجل وأوز فيلزمه الأصلح من ثلاثة أمور:
أ - أن يذبحه ويأكله بقيمته.
ب - أو يبيعه ويحفظ ثمنه.
جـ - أو ينفق من ماله ليحفظه لمالكه بنية الرجوع عليه بما أنفق فإن تركه بلا اتفاق فتَلِفَ ضمنه لتفريطه.
فإن كانت هذه الثلاث سواء فعل أيها شاء.
2 - ما يخشى فساده من فاكهة وخضراوات ونحوها، فيلزمه الأفضل من ثلاثة أشياء، بيعه وحفظ ثمنه أو تجفيف ما يمكن تجفيفه كعنب ورطب، فإن استوت الثلاثة خُيّر أيضًا.
3 - باقي أنواع المال من نقود ومتاع ونحوها.
وفي هذه الأنواع الثلاثة يلزمه الإعلان عنها وتعريف الناس بها فور التقاطها، لأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها.
ويكون التعريف والإعلان في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات؛ لأن المقصود إشاعة ذكرها وإظهارها ليطلع عليها صاحبها ويمكن الآن استخدام الصحف والإذاعة فيما له خطر وقيمة كبيرة، وفي هذه الحال تكون الأجرة من نفس اللقطة.
والتعريف أن يقول: من ضاع منه نقود أو حيوان أو متاع، ولا يصفها، لأنه لا يُؤمَن أن يدَّعيها بعض من سمع صفتها فتضيع على مالكها.
ولا يعرفها داخل المسجد لما فيه من التشويش على المصلين وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك.
ولا يكفي التريث شهرًا أو شهرين ثم يدعه مللًا أو كسلًا، بل لا بد من التعريف سنة كاملة لأن السنة لا تتأخر عنها القوافل في البادية، ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد من الحر والبرد والاعتدال.
فإذا عرَّف سنة فلم تُعرَف دخلت في ملكه قهرًا عليه كالميراث غنيًّا كان أو فقيرًا، لكن لا يتصرف فيها حتى يعرف قدرها وجنسها وصفاتها ويستحب أن يُشهد عليها، ليحفظها من نفسه أن يطمع فيها، ومن ورثته إذا مات، وغرمائه إذا أفلس، ويذكر للشهود ما يذكر في التعريف فلا يذكر لهم صفاتها لئلا ينتشر ذلك، وإذا ملكها تصرف فيها بما يشاء بشرط ضمانها، فمتى جاء طالبها فوصفها وجب دفعها إليه بلا بينة ولا يمين.
والأصل في هذا كله حديث زيد بن خالد الجهني في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئِل عن لقطة الذهب والوَرِق -الفضة- (يعني صرة النقود التي تعثر عليها) فقال: «اعرف وكاءها وعِفَاصَها ثم عَرِّفْها سنة فإن لم تعرف ما ستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فادفعها إليه» وفي رواية مسلم: «فإن جاء صاحبها وتَعَرَّفَ عفاصَها وعددَها ووكاءَها فأعطها إياه وإلا فهي لك» ويدفعها إليه بنمائها المتصل كالسمن بالنسبة للشاه، وكذا المنفصل كالنتاج قبل سنة التعريف، أما بعدها فهو لواجدها، لأنه نماء ملكه، ولأنه يضمن النقص بعد الحلول، فالزيادة له، ليكون الغُرْمُ بالغُنْم.
وإن تلفت ونقصت في مدة حول التعريف ولم يفرط لم يضمن لأنها أمانة في يده كالوديعة، وبعد الحول يضمن مطلقًا فرط أو لا، لدخولها في ملكه فتَلَفُها من ماله.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
تقرير عما حققه بنك دبي الإسلامي من نجاح وتقدم البنوك الإسلامية اللاربوية ستعمر بلدان العالم الإسلامي
نشر في العدد 324
10
الثلاثاء 09-نوفمبر-1976