; تجارة الإقامة والاحتلال الجديد | مجلة المجتمع

العنوان تجارة الإقامة والاحتلال الجديد

الكاتب طارق الحمود

تاريخ النشر الأحد 15-ديسمبر-1991

مشاهدات 10

نشر في العدد 980

نشر في الصفحة 12

الأحد 15-ديسمبر-1991

فاتورة التقدير لا تكون على حساب أمن الوطن

في 26 فبراير الماضي، والكويت تستنشق أنفاس الحرية مع بزوغ فجر ذلك اليوم، كانت الأحلام تداعب الكثير من المواطنين حول المستقبل الذي يأملونه لبلادهم المولودة من جديد، والخارجة من رحم الخراب والدمار إلى معترك البناء والإعمار. ودون تلك الأحلام الجميلة، كانت كوابيس الخلل في كويت ما قبل الكارثة والتحرير ترعب الخاطر في أن تعود وتجد لها مكانًا في الكويت الجديدة. واليوم، ورغم الرغبة الشعبية والحكومية في صياغة مجتمع متوازن سكانيًا وفق الرؤى العلمية والعملية، إلا أن بوادر اختلال كبير في البنية السكانية تطل برأسها لتحذر بفشل كل الخطط والجهود لخلق ذلك التوازن السكاني، ولتكسر أحلامنا على صخور المصالح والمنافع الشخصية، وتعلن وفاتها على مسرح العجز الحكومي في تطبيق حازم للسياسة السكانية.


تهاون منذ البدء

لا نريد أن نبدأ الكتاب من خاتمته، فالحديث عن عودة الخلل في التركيبة السكانية يستلزم البحث عن مسبباته. ولنعد إلى بدايات التحرير لنجد أن كثيرًا من خطط العودة لم تكن مكتملة لدى الحكومة. وفي مقدمة تلك الخطط القاصرة كانت التقديرات المفقودة لمدى الحاجة إلى العمالة الوافدة التي تستدعيها عملية الإعمار. ونعلم أن الحكومة في نهايات فترة الاحتلال وبدايات التحرير كانت تحت ضغط كبير من الواجبات الثقيلة والضرورية، كملاحقة توفير سبل العيش لمواطنيها في الخارج والداخل، ومتابعة تلبية مستلزمات عملية التحرير وغيرها، إلا أن قضية إعادة ترتيب البيت الكويتي بعد التحرير، وعلى الأخص وضعية الساكنين في هذا البيت كمًا ونوعًا، تبقى قضية من أبرز القضايا التي كان يجدر التخطيط لها بدقة وتفصيل موضوعيين، حتى يمكن القول بأن عملية إعادة الإعمار ستنال حظها من النجاح.

وعندما نتحدث عن أي خلل سكاني يظهر اليوم أو سيظهر في المستقبل، ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن غياب الاستراتيجية المتكاملة منذ البدء يعني أن إضاءتنا للطريق الذي نسلكه هي إضاءة خافتة لا تحول دون تعثرنا بعقبات فيه، أو دون سقوطنا بحفر تكثر فيها المتاجرة بالوطن. والأخبار المنشورة عن تورط العديد من الأفراد والشركات والمؤسسات التجارية في تجارة الإقامة هو مظهر من المظاهر المرعبة التي تهدد بالخطر الماحق مقومات الأمن في هذا الوطن. ففي مطلع شهر أكتوبر الماضي، أحالت الإدارة العامة لشؤون الهجرة 72 شركة ومؤسسة مساهمة وفردية إلى النيابة العامة للتحقيق معها بتهمة المتاجرة في تأشيرات الدخول والإقامة للوافدين. وشمل التحقيق كذلك أفرادًا استصدروا أذونات دخول للخدم الذين يتركونهم في البلاد دون عمل بعد قبض مقابل مادي منهم. وقد تم إدراج العديد من المتعاملين بتجارة الإقامة في القائمة السوداء. كما يشير الخبر إلى أن أحد أصحاب البقالات قد ضُبط وبحوزته 150 إقامة قد أخرجها على ترخيص البقالة. وفي حينها ذكرت مصادر أمنية مطلعة أن هؤلاء المتاجرين بالإقامات قد استغلوا فترة عدم وجود أجهزة الكمبيوتر للتدقيق على تلك المعاملات في بدايات التحرير، وكأن الحاجة لم تكن متوقعة لوجود مثل تلك الأجهزة أو كأن الدولة لا تملك القدرة المالية لتوفيرها في تلك الفترة، مما يؤكد غياب الاستراتيجية السكانية منذ البدء.

 

أمن الوطن أهم من الاعتبارات السياسية

نعلم أن الكويت تشعر بوجوب مكافأة الدول التي ساندتها إبان الاحتلال، وترى أن أول صور المكافأة هو السماح لرعايا تلك الدول الذين كانوا في الكويت قبل الاحتلال بالعودة إليها، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية لرعايا آخرين من تلك الدول للمساهمة في عملية الإعمار. غير أن تسديد فاتورة التقدير للمواقف السياسية ينبغي ألا يكون بأي حال على حساب مصلحة وأمن الوطن، إذ لا مجال له على الإطلاق في هذا المقام، بل إن تلك الدول التي وقفت لتساند الكويت في محنتها ستتفهم أيضًا أن الأهداف النبيلة التي جعلتها تقف تلك المواقف المشرفة ستدفعها إلى تأييد خطوة الكويت في تنظيم التواجد السكاني كميًا وكيفيًا على أرضها، لأن المسألة تتعلق كذلك بالوجود والبقاء لدولة تريد أن تؤسس مجتمعًا متوازنًا يحفظ لها عناصر النمو في المستقبل.

 

نريد العدالة الحازمة

لسنا هنا ندعو إلى إخراج المقيمين الشرفاء من البلاد بحجة خلق بنية سكانية متوازنة، بل ندعو إلى الاستفادة من كل الطاقات الخيرة التي حفظت الود والوفاء لهذا الوطن. غير أن الحزم لا ينافي العدالة، وما أحوجنا إلى تطبيق الحزم في موضعه دون ظلم لأحد، بل لتأكيد سيادة القانون ومعاقبة المسيء وردع من يفكر بأن يملأ جيوبه من الدنانير الحرام على حساب أمن بلاده ووطنه. ونحن بانتظار ما تسفر عنه تحقيقات النيابة مع تجار الإقامات، ونأمل أن يلتقي الحزم والعدل في تطبيق القانون حتى نضع أقدامنا على الطريق الآمن، مستنيرين بأضواء الرؤية المتكاملة والواضحة لمجتمع يتسابق جميع أفراده إلى تحقيق رفعته وعزته.

 

الرابط المختصر :