العنوان تجديد الدين وإحياؤه
الكاتب الشيخ نادر النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1993
مشاهدات 13
نشر في العدد 1038
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 16-فبراير-1993
رسائل الإخاء
لا شك أن «الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» ولذلك حرص المصلحون على الربط بين القيادة والقاعدة بالثقة والانسجام، لأن الفوضى الفكرية واختلاف الكلمة تؤدي إلى ضعف الانسجام والاحترام ثم إلى جيوب المعارضة والنجوى وإشاعة النقد والفُرقة والتباغض، فأي سبب من أسباب الخلاف ولو دقَّ يؤدي إلى انقباض القلوب وعبوس الوجه والتشاؤم بدلًا من المصارحة والمكاشفة وتبين الحقائق كما في الحديث «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (أخرجه مسلم)
فأعظم وسيلة لتوحيد المسلمين هو الاتفاق على صيغة مشتركة أو أصول معتبرة يتم الرجوع والتحاكم إليها. فتحديد مصدر فكري ثابت للتلقِي من الوسائل والاحتياطات لضمان الخط الفكري والبناء التربوي للجيل المنشود ولوقايته من الفتن والعثرات، ولقد كثرت في عصرنا الحاضر المقالات الفكرية وأكثرها ما يستخدم أسلوب وعبارات التجديد في القوالب الفكرية والممارسات الدعوية والدين كما هو معلوم لا ينفي التجديد ويمنعه بل إن من طبيعة هذا الدين السعة والمرونة والشمول واستيعاب ما يطرأ على الحياة من تغيير أو تبديل أو تطور، فتجديد الدين هو السعي لإحيائه وبعثه وإعادته إلى نضارته الأولى ومحجته البيضاء التي كان عليها في القرون الفاضلة الأولى، ومن ضرورة ذلك حفظ نصوص الدين الأصلية صحيحة نقية حسب الضوابط والمعايير التي وضعت لذلك ومن مستلزماته أيضًا سلوك المناهج السليمة لفهم نصوص الدين من غير تكلف أو تعسف وتلقِي معانيها وفق قواعد العربية وبالرجوع إلى الأئمة الثقات دون حجر على مجتهد أو من بلغ مرتبة النظر في أدلة الأحكام، وغاية هذا التجديد هو جعل أحكام الدين نافذة ومهيمنة على أوجه الحياة والمسارعة لرأب الصدع وإعادة ما ينتقض من عراها، ومن توابعه وضع الحلول الإسلامية والاجتهاد لكل طارئ وتشريع الأحكام لكل حادث وتوسيع دائرة أحكام الدين لتشمل الصالح النافع متفقًا مع اتجاهات الدين ونصوصه ومقاصده الكلية.
وحتى طريقة عرض أحكام الدين ونصوصه على الناس تختلف ولا شك باختلاف الأزمان والبيئات والعقول والمدركات، وبخاصة فيما يتصل بالشئون الاجتماعية والسياسات المدنية، فلذلك اجتهد كل أهل زمان بالكشف والاستنباط والتدوين والكتابة وطريقة التأليف والعرض بما يتفق مع أسلوب عصرهم ومعارف زمانهم، وبحسب ما تعرضوا له من مشكلات ونوازل.
ومن خصائصه أيضًا تميز ما من الدين وما يلتبس به وتنقيته من الانحراف والبدع. حيث لم يتصدَّ للتجديد إلا من حاز على مواهب كثيرة وسجايا متعددة تؤهله لمهمة شبيهة بمهمة الأنبياء عليهم السلام في عصر الفترة «والعلماء ورثة الأنبياء» كالعقلية النافذة وقدم راسخة في العلوم الشرعية وجمع الكثير منها وحيازة ملَكَة نقدها وبيان صحيحها وسقيمها، والأهلية لقيادة الفكر في عصره وتجلية الإسلام مما يعلق به من الشوائب الدخيلة على مفاهيمه الأصلية وإعادته إلى منابعة الأولى من الكتاب والسنة، والتجديد يكون في المجال الفكري ببث الآراء النافعة وإفشاء العلم بالتدريس وتصنيف المصنفات أو في المجال العملي وتأليف الرجال وإصلاح الإمارة والحكم ومن لا يكون كذلك لا يكون مجددًا وإن كان عالمًا وأن تكون جهوده الإصلاحية ظاهرة في أهله وعصره ومن بعده .
أما فروض العصرانيين التي تزعم أن عصرنا الحاضر متقدم متطور وشهد تحولات وتغيرات كبيرة، وأن تعاليم الدين في كل عصر ترتبط بظروفه وأحواله مما يجعل بعضها لا يناسب عصرنا، حيث ينظرون إلى حقائق الدين نظرة نسبية بحسب المعارف المتاحة له وما كان يؤمن بأنه حق في عصر قد لا يكون حقًا في هذا العصر، والنظر إلى تعاليم الدين من خلال معارف العصر ونظرياته الحديثة المستقاة من علم الفلسفة وعلم الاجتماع الغربيين «كالتطور، والمذهب النِّسبِي، وعلم اجتماع المعرفة» ثم تقديس العقل وتأويل معطيات العقيدة بما يتماشى مع العقل ومنجزات الحضارة وإخضاع النصوص للواقع الزمنِي وإثبات صحة القرآن بالنظريات العلمية ووضع الأحاديث في غير موضعها ورد الحديث بالتشهي وتتبع رخص المذاهب وتجريح الفقهاء وذم كتبهم الصفراء وتمييع أحكام الدين وقلة الإلمام والاعتراف بأصول الفقه أو علل الأحكام وتطوير الفقه ليلائم الحاضر والإفتاء برأي الأكثرية أو بالشاذ الغريب.. إلخ من المجازفات التي بحاجة إلى تصدِّي العلماء لوضع النقاط على الحروف وللأخذ على أيدي السفهاء المتعدين على حدود الله وتبيان حقائق الدين جلية ملبية لتطور الأحوال سواء في الوسائل والأساليب حتى لا تخمد عواطف المؤمنين بين حيرة وتقصير ينتج عنهما الجمود والحرمان والله الموفق .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الهجرة جهَاد ونيّة • متى يتحول معنى الهجرة إلى عَمل في حَياة الإسلاميين؟ • الذكرى تجدد الدعوة إلى استئناف حياة إسلامية
نشر في العدد 232
11
الثلاثاء 14-يناير-1975