العنوان تجربتي في التحرك بالقرآن
الكاتب سمية رمضان
تاريخ النشر السبت 23-أكتوبر-2004
مشاهدات 16
نشر في العدد 1624
نشر في الصفحة 60
السبت 23-أكتوبر-2004
هي دعوة عملية للتعامل مع القرآن العظيم بشكل تطبيقي وبنظرة تغير كل شيء في حياتنا لما يحب الله ويرضى، دعوة لنعيش جنة الدنيا دعوة للتعامل مع آيات القرآن الكريم بشكل عملي تطبيقي فلا نكتفي بمجرد تلاوته ثم حبس آياته بعد ذلك بين دفتي المصحف دعوة لإخراج الآيات لتثير القلب فينبض بها، فتتحرك بها الجوارح.
أي: نتحرك بالقرآن، فعندها سيكون كتاب الله ربيعًا للقلب وذهابًا للهم وجلاء للحزن، سنتكلم عن تجربة حية واقعية اشتركت فيها مجموعة من النساء تم توجيههن وتدريبهن على كيفية التطبيق العملي لآيات القرآن الكريم، وكانت نتائج هذه التجربة ناجحة جدًا وذلك من واقع روايات النساء أنفسهن وكيفية تعاملهن مع الآيات.
المسبحات:
جاءت مجموعة من النساء والفتيات للقائي والتعرف عن قرب على كيفية التحرك بالقرآن شرحت لهن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثال الواضح للتطبيق العملي والحركي للقرآن، وعلينا أن نخرج آيات الله من صفحات القرآن لتتحرك بها جوارحنا في الدنيا فنعمرها كما يحب الله ويرضى، فبعد أن نتعلم تلاوة الآية وكيفية قراءتها قراءة صحيحة علينا أن نتعرف على تفسيرها وأسباب نزولها وهل هي من الناسخ أو المنسوخ؟ ثم نتعرف قدر الإمكان على كيفية حركة رسولنا صلى الله عليه وسلم بهذه الآية الكريمة في أقواله وأفعاله، وبعد ذلك أسأل نفسي: ماذا تريد منِّي هذه الآية المنزلة من لدن حكيم خبير أن أفعل؟!
قالت إحداهن: إن هذا أمر صعب وطويل الأمد إلى أن أصل إلى نتيجة، ويعلم الخالق سبحانه هل سأستطيع أن أصل إلى هذه النتيجة أم لا؟!
قلت لها: يا أختاه.. إنها حركة تلقائية بالقرآن الكريم وهو ليس بالأمر الجديد، فالقرآن قد نزله الله سبحانه على نبيه، وعلينا أن نقوم بتطبيقه والتحرك به. فتملأ الدنيا بالأخلاق الحسنة، فنرث الأرض بوعده سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (النور: 55).
وعمومًا لماذا نكثر من الحديث ولماذا لا نقوم سويًا بتطبيق آية من كتاب الله بشكل عملي؟ واتفقنا على ذلك وأخترنا آية. وبعد أن تم تفسيرها لهن بادرت بقولي: لن أشرح لكن كيفية التحرك التطبيقي العملي بها، بل سأترك لكن ذلك، ولكن لي رجاء: حاولن ترديدها باستمرار واستشعرن معناها، يقول تعالى: ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ (الإسراء: 44).
اجعلنها في قلوبكن وليس فقط على ألسنتكن، بين الحين والآخر كيف يمكنني التحرك العملي بجوارحي كما تحرك لساني بهذه الآية المباركة؟
وتركت كل أخت مع نفسها، بل مع الآية الكريمة.
بعد عدة أيام وفي الموعد المحدد للقاء، كُن قبلي حضورًا.. ونظرات كل واحدة منهن تريد أن تقول شيئًا مهمًا، قلت لهن بابتسامة وحب وود كبير: كيف كانت صحبتكن
للآية الكريمة؟
بدأت إحداهن الحديث بحماس شديد وقالت: إني متزوجة، ولدي أولاد صغار، وليس عندي خادمة، زوجي يذهب إلى العمل ويتأخر كثيرًا الكبار من أولادي في مدارسهم والصغار معي في المنزل، ومنذ الصباح الباكر وحتى المساء المتأخر وأنا في عمل متواصل لا يكاد ينتهي حتى يبدأ بمسؤوليات كبيرة جدًّا، الكل يريد والكل يطلب وأنا أعطي وأعطي بلا حدود حتى جاءني الشيطان بوساوسه التي كادت أن تعصف بي: من تكونين أنت؟ ما أنت سوى خادمة، بل الخادمة أفضل منك؟ فهي لها راتب ولها حدود للعطاء لا يطلب أحد منها أن تتخطاها» أخذ يتردد في نفسي هذا الخاطر فزهدت في عطائي.. وإن أجبرت عليه، أؤدي هذا العطاء بفتور شديد.
ولكن رفقًا بي وبأهل بيتي أكرمني الله بتحركي بالآية الكريمة المتفق عليها، ففي يوم كثير العمل جلست على الأريكة ومعنوياتي منخفضة جدًّا وسألت نفسي: بأي الأعمال سأبدأ يومي؟ وكنت أردد الآية كما طلب مني، كانت نظرة خاطفة منِّي على الطاولة وقد علاها التراب، سألت نفسي سبحان الله؟ هل هذه الطاولة تسبح فكان رد الآية: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ (الإسراء: 44).
ترى كيف تسبح؟ سألت نفسي فجاءني الرد سريعًا: ﴿وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ (الإسراء:44).
قمت بحركة لا إرادية وأمسكت بمنديل وأخذت أمسح التراب من على الطاولة المسبحة، فقد شعرت بقرب بيني وبينها فكلانا يسبح ثم هرعت إلى المكتبة أزيل عنها التراب وهذا وذاك وهذه وتلك، وأنا في مطبخي قلت: سبحان ربي وكأني أشعر بدولاب المطبخ يسبح والحائط والغاز كذلك حتى الطعام الذي أقوم بإعداده لا بد وأنه يسبح كذلك، فلماذا لا أسبح أنا؟ وبدأت ترنيمة رائعة عجيبة الكل مسبح لله معظم له، وأدركت أنه عند استشعارنا لهذه الحقائق تكون الحياة أسعد كثيرًا، وكانت المفاجأة أن أعمالي أخذت وقتًا أقصر بكثير عن ذي قبل، وتذكرت السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها عندما ذهبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب منه خادمًا يكون لها مساعدًا في أعمالها فدلها على ما هو خير من الخادم وهو التسبيح، كنت أتصور أن ذلك فقط ليهون عليها أو ليشد من أزرها، ولم أكن أتخيل أبدًا أن التسبيح يُعين على الأعمال ويهون على الإنسان مشقتها فيؤدي ذلك إلى إنجازها في وقت أقصر، فالمسلم -بعد تجربتي- يكون في حال تسبيحه في وضع نفسي رائع يخفف عنه الكثير من العنت والتعب، ومن يومها وأنا أنصح صديقاتي وأخواتي بل وكل صاحب مهنة بالتسبيح.
واستشعار تسبيح المسبحين حتى يكون العمل على أكمل ما يكون مع تآلف وسعادة.
قلت: سبحان الله.. هذا -يا حبيبتي- هو عين التحرك بالقرآن، إنك لم تكتفِي بتلاوة الآية الكريمة، ولكنكِ جعلتيها في قلبك، فتحركت بها حواسك وجوارحك، وهذا هو التحرك العملي الفعلي للحواس والجوارح بآيات القرآن الكريم.
بادرت فتاة جامعية بالحديث وقالت: اسمعوا لي.. فما حدث معي كان أغرب فأنا طالبة بكلية الطب ودائمًا ما يشرح لي أساتذتي صنع الله العجيب في الإنسان، وكنت أتعجب دومًا من بديع صنع الخالق وأهتف متعجبة: سبحان الله ولم أكن أعلم أن شكري لنعم الله لا بد أن يترجم بشكل عملي حيث إن هذه النعم يجب أن تتحرك في اتجاه واحد وهو مرضاة الخالق، حتى أنار الله قلبي وفكري بعد أن صاحبت معي قول الحق: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ (الإسراء: 44) كنت أرددها في صحوي ونومي بلساني حتى تغلغل إلى قلبي حب هذه الآية الكريمة، وفي يوم كعادتي كنت أمسك بجهاز التحكم عن بعد «الريموت كنترول» لأعرض على شاشة التلفاز فيلمًا سينمائيًا، وبالفعل بدأ عرض الفيلم، مناظر تلو المناظر وكأنها تقصد جرح مشاعري كمسلمة، تردد في نفسي أن جهاز التلفاز هذا لا بد وأنه من المسبحين يا الله.. هكذا هتفت: هل هذا معقول؟ فالآية تقول: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ (الإسراء: 44).
أصابني الارتباك وقد وقع في يقيني أنه من المسبحين ومن يسبح؟ ربي، أي أنه يحبه ويعظمه وقد سخره سبحانه للتسبيح، وسخره لنا ليبلونا أينا أحسن عملًا، تضاءلت في مكاني ورددت مرة أخرى: من المسبحين؟ فكيف تجرأت على إيذائه بعرض ما يغضب الله على شاشته؟ وتصورت وكأن جهاز التلفاز يمتعض من ذلك بل ومنِّي أيضًا وبالتأكيد سيشهد عليَّ عند الله ويشكوني إليه سبحانه، بمجرد ورود هذا الخاطر تحركت أناملي بشكل لا إرادي إلى أزرار جهاز التحكم وغيرت القناة شاكرة للآية الكريمة فضلها عليَّ فقد ساعدتني على التخلص من أمر الأفلام والمسلسلات غير المسؤولة التي تعرض أحيانًا على شاشة التلفاز، ومنذ هذه اللحظة أخذت على نفسي عهدًا ألا أؤذي هذا الجهاز أبدًا وألا أعرض عليه إلا ما يرضي الله.
لا تتخيلوا مدى راحتي النفسية لهذا القرار فقد رد الله علي عمري الذي كنت أهدر أوقاته ذات اليمين وذات الشمال وتعرفت على كيفية شكر نعم الله بشكل عملي، فيدي إن فعلت ما يرضي الله فهذا شكرها، وعيني إن لم تنظر إلا لما يرضي الله فهذا شكرها، وقدمي التي لا تمشي إلا إلى الأماكن التي تُرضي الخالق فهذا شكرها، فتعاون كل من اللسان والحواس والجوارح في تسبيح الله وشكر نعمائه.
وهتفت ثالثة: أما أنا فقد أنجاني الله سبحانه بسبب تحركي بهذه الآية الكريمة بترك كبيرة من الكبائر، نظرنا إليها جميعًا مدهوشات، قالت: نعم والله فإن فضل الآية القرآنية علي كان كبيرًا، فقد كانت السبب الرئيس لأن أطلق الغيبة بلا رجعة إن شاء الله، وبدأت في سرد قصتها في مصاحبة الآية الكريمة: يوميًّا أتصل بأمي لأطمئن عليها ويتطرق الحديث إلى فلانة وفلانة القريب والبعيد، وبالطبع أم مع ابنتها فكلانا يأخذ راحته في الحديث تمامًا، وكأن الرقيب الذي يستنسخ حديثنا لم يعد له وجود، وفجأة وقع في خاطري أن الهاتف الذي أمسك به يسبح: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ (الإسراء: 44) بالطبع فإنه لا يرضى عن حديثا الذي يجري فقطعت الحديث الدائر بيني وبين أمي وبدأت أحكي لها موضوع التحرك بالقرآن، وما اتفقنا عليه بشأن الآية الكريمة، وقصصت عليها ما خطر على بالي من تسبيح الهاتف بين يدي، فكم تأذى هذا الهاتف الخاضع المستسلم لله المسبح له معظمًا. من حديثنا، وشعرت عند ذلك أنني قد تحركت تحركًا عمليًّا معظمة لقول الباري: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ (الإسراء: 44) حيث حولت موضوع الحديث مع أمي بعيدًا عن الغيبة، ودار بدلًا من ذلك حديث جميل عن قيام الليل وصلاة الفجر وانتهت المكالمة، ولكن بسلامة صدر، فقد كنت أشعر بشد عصبي بسبب شعوري بالإثم في كل مرة أتكلم فيها الهاتف، وتأتي بقصد أم بدون قصد ما يسمى بالغيبة، ومن يومها وأنا أستخدم جهاز الهاتف فيما يرضي الله بل إنني أقوم بتنظيفه والعناية به وبكل ما حوله من أشياء، فقد شعرت بترابط عجيب بيني وبينه... فالتسبيح يجمعنا لرب واحد.
نعم، فقد تعلمت كيف يكون التحرك العملي بالقرآن عن طريق أفكارنا وأفعالنا وتعاملاتنا فتصبح آيات الله واضحة جلية في تحركاتنا وردود أفعالنا وتجاوبنا مع الأحداث.
أرادت أخت رابعة وهي منشرحة متهللة أن تشرح حكايتها وتجربتها مع صحبة الآية الكريمة، ولكن الوقت المتاح كان يلفظ أنفاسه الأخيرة كعمرنا والدنيا بأسرها.
لقد تركت الآية الكريمة ذكرى جميلة عند كل أخت، فأمر التحرك بالقرآن سهل بالفطرة المهم أن نضع هذا الأمر في حسابنا ونحن نتصرف ونحن نفكر ونحن نتعامل.
غادرت المكان، وكان في صحبتي أخت عزيزة أصرت أن تكون رفيقة دربي حتى وصولي إلى بيتي، وسمعت منها ما أثلج قلبي وأسعد نفسي، فقد قالت لي: لي ابن أخت عمره يزيد قليلًا على خمس سنوات، دائمًا يخط بالقلم على الطاولات والحوائط والأبواب، وحاولنا معه كثيرًا مرة باللطف ومرة بالضرب ومرة بالرفق بلا فائدة، وعندما كنت معكم جعلت في صحبتي قول الحق سبحانه: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ (الإسراء: 44) وكنت أرددها بلساني وكانت تتردد في نفسي وأنا في لهفة شديدة لأن تتحرك بها إحدى حواسي أو إحدى جوارحي، وفي إحدى المرات وجدت الصبي كما هو ممسكًا بالقلم ويخط على الطاولة الجديدة في كل الاتجاهات، جلست بهدوء أمامه وسألته: هل تدري أن هذه الطاولة تسبح؟! نظر إليَّ بدهشة شديدة فاغرًا فاه قائلًا: صدق؟! قلت له: نعم فإن الله الذي يعلم كل شيء قد أخبرنا بذلك، وهل تدري أنها قد اتسخت بسبب ما فعلت، بل لا بد وأنها في غضب ولا بد أنها تشكو ذلك إلى الله؟
نظر إليَّ ونظر إلى الطاولة ثم وضع إحدى أذنيه عليها، وقال: ولكني لا أسمع شيئًا، قلت له: نعم أدري. وقد قال الله ذلك أيضًا، قال إننا لا نفقه من هذا التسبيح شيئًا، مكث قليلًا في مكانه ثم سحب منديلًا. وبهدوء شديد بدأ في مسح الطاولة ثم بحماس وحركة سريعة ليزيل عن الطاولة أثر القلم ثم سحب منديلًا آخر. قلت له: سأساعدك هذه المرة، نظر إليَّ ببراءة شديدة وبامتنان شديد وأصر على أن يشاركني في إزالة ما اقترفت يداه.
وفي المساء وبعد رجوع والدته من عملها الذي تعمل به، ارتمى في أحضانها كالقط الوديع، ثم سألها: هل تدرين أن هذه الطاولة تسبح مشيرًا بيده الصغيرة إلى حيث مكان الطاولة، قالت له: نعم، وكل شيء يسبح بحمد الله، نظر إلي الصغير ونظر إلى كل مكان في الحجرة، ثم غط في نوم عميق، ومنذ تلك اللحظة وهو لا يخط بالقلم إلا على أوراق مخصصة لذلك، بل تسعدين وأنت تسمعينه يقول لأقرانه الصغار: لا تكسر هذا إنه يسبح، وضحكت كثيرًا وهو يقول لأخيه الأكبر: لا تضربني فإني أسبح، قلت: سبحان الله، طفل صغير بعد أن يتعلم بفطرته، يطلع من هم في محيطه على ما يشد انتباهه ولفت نظره.
وكم نحن في أمس الحاجة إلى المزيد من الآيات القرآنية لتتغير بها حياتنا عند تحركنا بها تحركًا حقيقيًا، فمن الأسباب الرئيسة لنزول القرآن أن يتغير الناس به بما أراد الله سبحانه فيكون بذلك صلاح الدنيا والآخرة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل