; لقلبك وعقلك.. العدد 13 | مجلة المجتمع

العنوان لقلبك وعقلك.. العدد 13

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 09-يونيو-1970

مشاهدات 28

نشر في العدد 13

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 09-يونيو-1970

في ظلال القرآن..

قال تعالى في سورة الحج:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 73- 74).

في هذه الآيات يعلن الله في صورة بيان عام شامل للخليقة عن ضعف من يدعونهم من دون الله، ويصور ضعفهم في صورة مزرية لا مبالغة فيها. ولكنها بطريقة عرضها تجسم الضعف المزري، فهي صورة من لا يقدرون على منازلة الذباب، ولا على استنقاذ ما يسلبهم إياه الذباب، وهم آلهة كما يدعي لهم المشركون! إنه إعلان عن ضعف الآلهة المدعاة، الآلهة كلها التي يتخذها الناس من دون الله، ومن بينها تلك الآلهة التي يستنصر بها الظالمون ويركن إليها الغاشمون، يعلن السياق عن هذا الضعف في صورة مثل معروض للأسماع والأبصار، مصور في مشهد شاخص متحرك، تتملاه العيون والقلوب.. مشهد يرسم الضعف المزري ويمثله أبرع تمثيل:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾.

إنه النداء العام «يا أيها الناس» فإذا تجمع الناس على النداء أعلنوا أنهم أمام مثل عام يضرب، هذا المثل يضع قاعدة ويقرر حقيقة؛ وهي أن كل من تدعون من دون الله من آلهة مدعاة، من أصنام وأوثان، ومن أشخاص وقيم وأوضاع تستنصرون بها من دون الله، ويستعينون بقوتها وتطلبون منها النصر والجاه، كلهم ﴿لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾، والذباب صغير حقير، ولكن هؤلاء لا يقدرون -ولو اجتمعوا وتساندوا- على خلق هذا الذباب الصغير الحقير.

وخلق الذباب مستحيل كخلق الجمل والفيل؛ لأنه يحتوي على ذلك السر المعجز.. سر الحياة، فيستوي في استحالة خلقه مع الجمل والفيل، ولكن الأسلوب القرآني المعجز يختار الذباب الصغير الحقير لأن العجز عن خلقه يلقي في الحس ظل الضعف أكثر مما يلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل! دون أن يخل هذا بالحقيقة في التعبير.

وهذا من بدائع الأسلوب القرآني العجيب.

ثم يخطو خطوة أوسع في إبراز الضعف المزري ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ فالآلهة المدعاة لا تملك استنقاذ شيء من الذباب حين يسلبها إياه، سواء كانت أصنامًا أو أوثانًا أو أشخاصًا.

وكم من عزيز يسلبه الذباب من الناس فلا يملكون رده، وقد اختير الذباب بالذات وهو ضعيف حقير، وهو في الوقت ذاته يحمل أخطر الأمراض ويسلب أغلى النفائس: يسلب العيون والجوارح، وقد يسلب الحياة والأرواح، إنه يحمل ميكروب السل والتيفود والدوسنتاريا والرمد، ويسلب ما لا سبيل إلى استنقاذه وهو الضعيف الحقير.

وهذه حقيقة أخرى يستخدمها الأسلوب القرآني المعجز، ولو قال: وإن تسلبهم السباع شيئًا لا يستنقذوه منها، لأوحى ذلك بالقوة بدل الضعف والسباع لا تسلب شيئًا أعظم مما يسلبه الذباب! ولكنه الأسلوب القرآني العجيب.

﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ إنه ضعف الآلهة المدعاة، وضعف الذباب الحقير: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ما قدروا الله حق قدره وهم يشركون به تلك الآلهة الكليلة العاجزة التي لا تخلق ذبابًا ولو تجمعت له، بل لا تستنقذ ما يسلبها الذباب إياه، ما قدروا الله حق قدره وهم يرون آثار قدرته وبدائع مخلوقاته، ثم يشركون به من لا يستطيعون خلق الذباب الحقير، ويدعون الله القوي العزيز.

 

من رياض النبوة

الشرك بالله

● عن أبي هريرة رضي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».

رواه مسلم، والموبقات أي المهلكات، وأولها الشرك بالله، والسحر، أما قذف المحصنات الغافلات المؤمنات أي غيبتهن وتجريحهن باللسان.

وأما انتقاد المتكشفات المتفسخات فهو من السنة؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: العنوهن فإنهن ملعونات، فشتان بين المؤمنة الغافلة، وبين الفاسقة السافرة؛ فالأولى محصنة أي عفيفة متزوجة، والطعن بها من الأمور المهلكة.

* عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت».

سبحان الله، أكبر الكبائر الإشراك بالله؛ لأنه فيه أقصى الجحود للخالق عز وجل، فهو الذي خلقنا، وهو الذي يسدي لنا النعم ظاهرها وباطنها، فالإشراك به نكران للجميل وعمى في القلب لا يعدله عمى آخر.

سبحانه الله مرة أخرى، عقوق الوالدين وشهادة الزور من أكبر الكبائر؛ لأن الإسلام يريد أن ينشئ علاقات الناس على التراحم، والتحاب والبر، فهذا هو أساس بناء المجتمع، كما أن شهادة الزور تفضي إلى الظلم والظلم صنو الشرك.

والإسلام ليس فقط علاقة بين العبد وربه؛ بل هو في الوقت ذاته نظام شامل للحياة، ومن هنا كانت أكبر الكبائر واحدة منها عن الشرك واثنتان عن العلاقات بين الناس.

نعم ما أحوجنا إلى تفهم دروس أحد والاستفادة من عبرها حتى تكون زادًا لنا في نزال أعدائنا، وأنوارًا تضيء لنا مسالك حياتنا، ولئن كانت معركة أحد قد أسفرت عن استشهاد عشرات من كرام الصحابة، وإدماء وجه الرسول المصطفى وجسده، فإن واحدًا من المؤمنين لم يستسلم أسيرًا للغزاة المشركين، ولم يقو الجيش الكافر المغير على اقتحام حمى المدينة، بل ولا المرابطة على مشارفها، وما تضعضع إيمان المؤمنين والمؤمنات ولا تزعزع يقينهم، وإنما كان القاتل إذا واتته ضربة مميتة يحس بعبير الجنة، ويستروح نسماتها، ويهتف مغتبطًا فزت ورب الكعبة، والذين أثخنتهم الجراح ظلوا على مضائهم في ملاحقة عدوهم ومطاردته، وحتى الأرامل والثكالى ما جزعن، وإنما صبرن واحتسبن، واستصغرن ما أصابهن في سبيل الوصول إلى مرضاة الله، والتمكين لدين الله.

فهل معركة تكون هذه ثمراتها، وتلك بركاتها وعاقبتها يتعلل بها المهزومون، ويعتذر بها الذين هم عن ذكر ربهم معرضون.

لا: إن الله سجل في كتابه الكريم العطاء الذي منَّ به على أهل أحد في أكثر من موضع فبشرهم بقوله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾. (آل عمران: 152).

وامتن عليهم بنعم السلام والفضل والرضوان فقال عز من قائل ﴿ َفَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (آل عمران: 174).

وحبب الله إليهم الصخر الذي سالت علیه دماؤهم الزكية التي ستكون إشارات رفعة لباذليها يوم يقضيى بين العباد ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ (الحديد: 19) ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ (الحشر: 2).

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لقلبك وعقلك

نشر في العدد 12

26

الثلاثاء 02-يونيو-1970

لقلبك وعقلك - العدد 11

نشر في العدد 11

28

الثلاثاء 26-مايو-1970

لقلبك وعقلك - العدد 14

نشر في العدد 14

31

الثلاثاء 16-يونيو-1970