; تحرير القدس بين الماضي والحاضر | مجلة المجتمع

العنوان تحرير القدس بين الماضي والحاضر

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 26-يونيو-1979

مشاهدات 14

نشر في العدد 451

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 26-يونيو-1979

كيف استرجع صلاح الدين الأيوبي القدس؟

إنه من المعروف بداهة عند علماء المسلمين أن المد الإسلامي لا يعرف التراجع أبدًا، بمعنى أن الإسلام إذا‏ دخل بلدًا ما _حاكمًا ودولة_ صار هذا البلد إسلاميًّا إلى الأبد، ولا يجوز أن تعود هذه الأراضي إلى غير الإسلام أو غير المسلمين ثانية. وإن ‏عادت فإنه فرض واجب على المسلمين أن يعيدوها إلى حاكمية الإسلام ثانية وإلا اعتبروا آثمين مقصرين، كل بحسب بعده وقربه واستطاعته والظروف المحيطة به، إلا أن الأمر يبقى فرضًا على المسلمين بعامة.

واستنادًا إلى هذه الحقيقة فإن جميع الأراضي التي اغتصبها أعداء الله تعالى من يهود ونصارى وملاحدة تنتظر دائمًا وأبدًا مثيلًا لصلاح الدين الأيوبي ويوسف بن تاشفين رحمهما الله تعالى يسير على طريقهما في الجهاد والتحرير، طريقهما الذي هو طريق الرسول- صلى الله عليه وسلم- والذي يتجاوز حدود القومية والجنسية والطائفية والمذهبية وغيرها من الحواجز المصطنعة الجاهلية التي محاها الإسلام الحنيف ‎السمح جميعًا بنوره الإلهي، وجعل البشر بعد ذلك سواسية لا فرق بين عربي أو أعجمي وإنما أكرمهم أتقاهم فقط.

واليوم هل يوجد نموذج لصلاح الدين أو لابن تاشفين يستطيع أن يحرر ما حرراه من أراض إسلامية، سواء أكانت في المشرق أو‏ في المغرب؟ وكيف يكون التحرير؟

 ‏وقبل أن نجيب على هذا السؤال ينبغي أن نعرف شيئًا عن صفات صلاح الدين الأيوبي وعن خطواته لاسترجاع القدس وغيرها من أراضي المسلمين خطوة خطوة. وبعدها تصبح الإجابة أمرًا يسيرًا.

من هو صلاح الدين؟

لا نستطيع هنا أن نتكلم عن صلاح الدين، لأن‏ هذ أمر يحتاج إلى مجلدات، لذلك سوف نكتفي بإلقاء بعض الأضواء على شخصيته الإسلامية العظيمة.

إنه مسلم أولًا ثم كردي، دخل وأسرته في خدمة نور الدين محمود زنكي- رحمه الله تعالى- فأخلصوا له جميعًا حتى كانوا يده التي يبطش بها وسيفه الذي يضرب به.

لقد تعلم صلاح الدين من أميره نور الدين محمود الإيمان العميق والفتوى والزهد والإخلاص والجهاد الخالص لله تعالى فنصره الله تعالى على الصليبيين وعلى أعداء المسلمين من المسلمين أنفسهم فكان بذلك نور الدين زنكي أول من حقق بشائر النصر على الصليبيين بعد أن ما استقروا في بلاد المسلمين أمدًا طويلًا.

بعض من صفات صلاح الدين:

كان صلاح الدين مؤمنًا حقيقيًّا‏ «غير مزيف» عميق الإيمان صوامًا قوامًا مجاهدًا كثير القراءة للقرآن الكريم والاستماع لحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولعلوم الدين، متقشفًا زاهدًا لا يعرف ترفًا ولا إسرافًا وتبذيرًا وإثمًا. إنه بإيجاز شديد كان عابد ليل وفارس نهار على هدى محمد- صلي الله عليه وسلم، إنه كان يعيش هموم المسلمين حقيقة وبإخلاص ليل نهار، وفي يقظته ونومه،‏ ولا يقدم عليها شيئًا أبدًا، لذلك فإنه لم يميز بين الناس على أساس لون أو لسان أو غنى أو غير ذلك وإنما كان الناس أمامه مسلمين أو غير مسلمين فقط.

هل كان طريق صلاح الدين سهلًا؟

لم يكن الطريق إلى التحرير مفروشًا بالياسمين أمام صلاح الدين، فهو أمام أعداء صليبيين عتاة أقاموا الممالك والإمارات في بلاد المسلمين واستقروا فيها وتمكنوا.

وبالإضافة إلى ذلك فهو أمام مسلمين متفرقين متخاصمين، ففي كل بلدة ملك أو أمير يضع بقاءه على الكرسي واستمرار حكمه في المقام الأول وليكن بعد ذلك الطوفان، وفي سبيل هذا الهدف الحقير يستحل خيانة المسلمين بالتعامل مع الصليبيين والتعاون معهم ضد جاره الملك المسلم.

هذا الواقع المر نراه في بلاد الشام وفي مصر الفاطمية الإسماعيلية واضحًا جليًّا.

صلاح الدين وأولى خطواته نحو القدس

نظر صلاح الدين في واقعه المر الأليم، فأدرك ببصيرة المسلم وفراسة المؤمن أن الصليبيين لا يطردهم مؤتمر يضم هؤلاء الأمراء والملوك يجتمعون ليسب بعضهم بعضًا أو ليتفقوا شكلًا على أنصاف حلول أو أرباع حلول سرعان ما ينقضونها قبل أن يبدأوا بتنفيذها.

وأدرك صلاح الدين أيضًا أن هؤلاء الملوك والأمراء لا يمكن أن يطلب منهم أن يرفعوا راية الجهاد المقدس، لأن طلبه هذا ليس إلا صرخة في واد، فهم‏ أدنى من هذا المستوى بكثير كثير‎.‏ بل إنهم لا يملكون أي إمكانية من إمكانات هذا الطلب العظيم الجليل وهل يجدي المرء أن يطلب المستحيل.

لذلك فإن صلاح الدين وضع نصب عينيه وكخطوة أولى لابد منها أن يبدأ طريقه إلى تحرير القدس وغيرها على جثث هؤلاء الحكام الخائرين الخائنين الخاسرين.

وبدأ خطوته الأولى فقضى على قلعة المرض والخور آنذاك وهي الدولة الفاطمية الإسماعيلية، ثم قضى على الممالك الخائرة في بلاد الشام مملكة مملكة.

لابد من الهدم قبل البناء

وبعد ذلك أقام على أنقاض هذه الرمم المتعفنة دولة فتية مسلمة مؤمنة شكلًا ومضمونًا.

صلاح الدين والتحرير الكامل

بعد خطوة صلاح الدين الأولى وقضائه على الأعداء الدخلاء الذين لا ينفع معهم إلا البتر والاستئصال صارت الجبهة الداخلية تتمتع بكل مقومات القوة والمنعة من إعداد إيماني معنوي وإعداد مادي.

بعد هذه الخطوة الأولى صارت الخطوة الثانية أي التحرير الكامل ممكنة ومعقولة ولا نقول سهلة يسيرة.. لقد بدأها صلاح الدين بإيمان وإصرار وما زال يضيق الحصار على الصليبيين على كثرتهم وقوتهم، ويقترب من القدس إلى أن نصره الله تعالى عليهم _ولا نقول انتصر_ ونال شرف تحريرها وإعادتها إلى دنيا الإسلام من جديد.

هذا طريق التحرير

هذا هو طريق التحرير.. إنه خطوتان: هدم ثم بناء. أو تطهير للجبهة الداخلية ثم الانطلاق للعدو الخارجي، وذلك لأننا لا نستطيع أن نبني بناء قويًّا متينًا على أنقاض متهدمة وأطلال بالية، وأي بناء كهذا مصيره الفشل الذريع المحقق. ولكن البناء الذي نقيمه بعد هدم الأطلال المهترئة وعلى أساس متين مكين فإنه بناء باق إلى أبد الأبدين بإذن الله تعالى.

وقد يقال: إنه سيكون في الهدم ضحايا أبرياء. فنقول: نعم سيكون هناك ضحايا أبرياء ولا حول ولا قوة إلا بالله فهذا أمر لا مفر منه ولا يقوم الخير إلا به فالبلاء بلاء عام يحصد البر والفاجر وحساب الاثنين موكول إلى الله تعالى.

هذا هو طريق التحرير في زمن صلاح الدين وفي زماننا هذا، وإلى أن يرث الله تعالى الأرض وما عليها. وأظنننا الآن نستطيع أن نعرف جواب سؤالنا الذي سألناه..

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الافتتاحية

نشر في العدد 1

1861

الثلاثاء 17-مارس-1970

حدث هذا الأسبوع - العدد 17

نشر في العدد 17

17

الثلاثاء 07-يوليو-1970