; تعاون استراتيجي غير معلن بين تركيا و«إسرائيل» يستهدف ضرب الحركة الإسلامية في الشرق الأوسط | مجلة المجتمع

العنوان تعاون استراتيجي غير معلن بين تركيا و«إسرائيل» يستهدف ضرب الحركة الإسلامية في الشرق الأوسط

الكاتب محمد العباسي

تاريخ النشر الثلاثاء 15-نوفمبر-1994

مشاهدات 9

نشر في العدد 1125

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 15-نوفمبر-1994

  • استدعاء رئيس الاستخبارات التركية في طائرة خاصة وبشكل سرى لحضور القمة الاستخباراتية الثلاثية .
  • عرفات يطلب من تركيا مراقبة الطلاب الفلسطينيين الدارسين فيها لارتباطهم بحماس.
  • تعاون تركى مصري مشترك لمواجهة الإرهاب والأصولية والتعاون في القضايا الدولية.
  • الرفاه الإسلامي يعتبر زيارة تشيللر «لإسرائيل» خيانة للشعب التركي والمسلمين

على الرغم من أنه لم يتم رسميًّا الإعلان عن اتفاقية للتعاون الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل كما كان متوقعًا أثناء زيارة تانسو تشيللر رئيسة الوزراء التركية إلى إسرائيل، يومي ٣ و٤ نوفمبر تشرين ثان الحالي في إطار جولتها الشرق أوسطية والتي شملت المغرب وليبيا وإسرائيل، وغزة ومصر. 

والاتفاقيات التي وقعها الجانبان ومحتواها تساوى اتفاقية للتعاون الاستراتيجي غير معلنة وذلك في تقييم الكاتب الصحفي التركي واليهودي في نفس الوقت سامي كوهين وذلك في مقال كتبه يوم5/11/1994م بصحيفة «ملليت» حيث شهد بذلك شاهد من أهلها.

كما أن أهم نتائج زيارة إسرائيل، ومصر الاتفاق على التعاون لمواجهة كافة أنواع الإرهاب الدولي بما فيها الأصولية، حيث تم تصنيفها دوليًّا بهذا المعنى رغم عدم صحة ذلك فالاتفاقية الأمنية بين تركيا وإسرائيل، سيتم بمقتضاها العمل المشترك لمواجهة الإرهاب وتجارة المخدرات؛ هذا ما تم التوقيع عليه رسميًّا وتم إعلانه إعلاميًّا.

أدلة الاتفاق السرى

إلا أن هناك العديد من الاتفاقيات السرية غير المعلنة بين الجانبين وهي ما أدت إلى ظهور خلافات في وجهات النظر بين تشيللر ووزير خارجيتها ممتاز سويسال الذي يعتبر من أشد المعارضين لسياسة التقارب مع إسرائيل، كما أن الاجتماع الثلاثي بين رؤساء أجهزة الاستخبارات التركية الميت، والإسرائيلية «الموسادة» والأمريكية «والسي أي إيه»، والذي حضرته تانسو تشيللر يوم4/11/1994م والذي لم يكن في جدول الأعمال أصلًا، ولذلك تم استدعاء سونماز کوکسال رئيس جهاز الاستخبارات التركية على عجل إلى «إسرائيل» حيث طار في طائرة خاصة بشكل سري من أنقرة لحضور الاجتماع وعاد فورًا إلى تركيا فإن هذا الاجتماع يشير إلى أهمية ما تم الاتفاق عليه خاصة وأن ممتاز سويسال وزير الخارجية التركي رفض حضور اللقاء مبررًا ذلك بأنه ليس في جدول الأعمال، إلا أن فولكان فورال مساعد مستشار الخارجية حضر اللقاء خاصة وأنه كان مستشار تشيلر السابق.

وتقرر في الاجتماع مواجهة الإرهاب في المنطقة والعمل المشترك بين الأجهزة الثلاث لمواجهة الإرهاب الأصولي الإسلامي على حد من وصف صحيفة حريث التركية يوم5/11/1994م والذي وصفت تشيللر نتائجه بأنها مهمة.

ولكن كيف دارت المناقشات في الاجتماع وما هي النقاط التي تم الاتفاق عليها؟ سادات أرجيه الكاتب الصحفى المقرب من تشيللر كتب من القدس يقول يوم 5/ 11/ 1994م في صحيفة محريت، بأن الجانب الإسرائيلي اقترح التعاون مع الولايات المتحدة وتركيا للعمل ضد إيران على أساس أنها تدعم من أسماهم الراديكاليين الإسلاميين والذين يشكلون أهم العقبات أمام السلام في المنطقة خاصة «حماس» الجهاد الإسلامي، وحزب الله، ولذلك يجب تشكيل لجنة دائمة لإقامة ميكانيزم للتشاور الدائم بين تركيا وإسرائيل، لوضع الخطط المناسبة لمواجهة ذلك وأضاف شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي أثناء الاجتماع إلى ضرورة ضم مصر والدول الأوربية علاوة على الولايات المتحدة لهذا العمل، وقال أرجيه أنه يفهم من كلمات بيريز أن الاتفاق الجديد سيتخذ إيران هدفًا واضحًا.

ولم يخف بيريز ما اتفق عليه مع تشيللر حيث قال وفقًا لما ذكرته صحيفة صباح يوم 5/ 11/ 1994م أنه اتفق مع تشيللر على مواجهة الإرهاب والأصولية بشكل مشترك وأوضح أنه أصبح من الضروري مواجهة الأعمال الوحشية والمتطرفين الدينيين الذين يعملون تحت اسم الدين وليست المواجهة ضد الأديان.

تركيا ترفض العمل ضد إيران

وعلاوة على ذلك اعتبر بارشين يتانتش في صحيفة ملليت يوم 5/ 11/ 1994م أن الاجتماع الثلاثي بين أجهزة الاستخبارات يعتبر تحذيرًا ضد سوريا أيضًا ولكن سادات أرجيه قال بأن تشيللر لم توافق بحرارة على اقتراح مواجهة إيران ولكنها ردت بكلمات غامضة مثل فلنناقش النواقص فنحن نريد التعاون، ولكن لا يجب أن يكون هذا التعاون موجهًا للإسلام، وهو ما اعتبره أرجيه تناقضًا .

وإذا كانت تشيللر فضلت عدم الحديث بشكل واضح في المناقشة فإن ممتاز سويسال وزير الخارجية كان قد اقترح تشكيل لجنة أكاديمية لدراسة الموضوع وليس لجنة أمنية حيث أعلن بأن إيران وإذا كانت تعتبر وفقًا التقييم الإسرائيلي العدو الأول لها، فإنها لا تعتبر كذلك بالنسبة لتركيا التي لا تخشى على تصدير الثورة إليها كما أن العلويين في تركيا يدعمون العلمانية ويشكلون العنصر الأساسي في الأحزاب اليسارية ولا يمكن أن يتأثروا بالأفكار الشيعية لإيران مثلهم مثل المسلمين السنة من الأتراك.

إلا أن الإسرائيليين لم يقبلوا اقتراح سويسال وفهموا من حديث تشيللر القليل الكلمات في الموضوع حساسية الموقف خاصة وأنها لا تريد إعطاء فرصة للرفاه الإسلامي لإثبات عدائها للإسلام، وتقرر تحويل الموضوع للفنيين أي لرجال الاستخبارات لعمل اللازم دون توريط السياسيين الذين تحكمهم المصالح الحزبية والأصوات الانتخابية ومراعاة خصوصية كل بلد على حدة، خاصة في ظل وجود سويسال وزير الخارجية التركي المعروف بعدائه لإسرائيل، والذي سبب عدة مشاكل مع رئيسة الوزراء التركية.

وعمومًا فإن شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي كان قد قال بأن في العالم الإسلامي طريقين: أولهما إيران التي تدخل الدين في كل شيء، وثانيهما تركيا التي حدثت الدين وتدافع عن القيم العصرية والمساواة بين الرجل والمرأة والعلمانية، ولذلك ندعو من أجل نجاح تركيا التي أعطت لنا أملًا على حد قول بيريز

خطة المواجهة

المعلومات المتوفرة لدى «المجتمع» من المصادر التركية تؤكد بأنه تم الاتفاق على العمل المشترك بين أجهزة الأمن والاستخبارات في كل من تركيا وإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط وذلك بدعم من أجهزة الأمن المصرية وتقديم المعلومات والخبرات الأمنية لكل من الجزائر وتونس، والاستفادة من التجربة المغربية في مجال المواجهة الصامتة وعمليات الاحتواء بدون إسالة دماء أو إحداث ضجيج مع تبني أحد مشروعات اقتصادية عملاقة تستهدف امتصاص العاطلين عن العمل من الشباب وربطهم بعجلة المصالح بهدف التقليل من حجم العناصر الشابة في الحركات الإسلامية، وكذلك الاستفادة من التجربة الليبية في مواجهة الحركة الإسلامية من خلال الحصول على معلومات كافية عن الاستراتيجية الليبية والتكنيك الأمني الذي نفذه القذافي من خلال القنوات التركية.

 حيث كان القذافي قد أكد في مباحثاته مع يف تشيللر يوم 1/ 11/ 1994معلى نجاح سياسته في مواجهة الحركة الإسلامية وسألها عن الأوضاع في تركيا، في إشارة واضحة بإمكانية تعاونه مع الاستخبارات التركية في هذا المجال، وذلك كرسالة لإسرائيل بإمكانية التعاون المشترك بهدف الدخول في دائرة التسوية إلا أن إسرائيل، رفضت ذلك باعتبار أن القذافي شخصًا لا يوثق به.ورغم أن تركيا وافقت على التعاون مع إسرائيل لمواجهة الحركة الإسلامية أيًّا كان المسمى الذي سيتم التحرك خلاله فإن الأخيرة رفضت وبشكل قطعي الإشارة إلى حزب العمال الكردي الـ PKK في مجال التعاون الأمني رغم طلب تركيا رسميًّا منها التعاون لمواجهة الحزب الانفصالي والذي يستخدم السلاح لتحقيق كل أهدافه، إلا أن إسرائيل، ردت بأنه كفانا أعداء واكتفوا بالقول بأنه سيتم التعاون لمواجهة كافة أنواع الإرهاب داخل وخارج الحدود.

الدور المصري والفلسطيني

كما أكدت تشيللر بأنها ناقشت مع الرئيس المصري حسني مبارك يوم 6/ 11/ 1994م الدور التركي في المنطقة وتم الاتفاق على ضرورة التعاون المشترك لمواجهة الإرهاب، وكذلك حماية الوحدة الترابية للعراق وإقامة مشروعات تعمير مشتركة في غزة والتحرك في القضايا الدولية

وفق اتفاقيات مسبقة. وأكدت المصادر لـ «المجتمع» أنه تم الاتفاق بين تشيللر وعرفات على التعاون الأمني المشترك أيضًا وتقديم معلومات كافية عن الطلاب الفلسطينيين المقيمين بتركيا للدراسة، وذلك في إطار ضبط الأمور الأمنية خاصة وأن المعلومات التي لدى الإدارة الفلسطينية تشير إلى أن الطلاب الفلسطينيين بالخارج أصبحوا أكثر ميلًا نحو حماس وأنهم يستخدمون تركيا كنقطة اتصال مع إيران وبعض الدول الأخرى التي تدعمهم، كما أنهم ينالون رعاية من حزب الرفاه ومن الحركة الإسلامية في تركيا.

زعامة تركيا للمنطقة

وحول مشروع البنية الإقليمية التي تقترحها تركيا تحت اسم مؤتمر الأمن والتعاون الشرق أوسطي أشارت المعلومات وكافة التعليقات السياسية إلى أن إسرائيل، قبلت زعامة تركيا لهذه البنية على أساس صعوبة قبول دول المنطقة للقيادة الإسرائيلية، وذلك لأسباب نفسية وتاريخية ودينية بينما تشكل تركيا حلقة وصل بين التوجهات الغربية العلمانية من خلال الطبقة السياسية الحاكمة والاتجاهات الشعبية الإسلامية حيث يمكن تبرير القيادة التركية تحت زعم اشتراك شعبها مع الشعوب العربية في الإسلام، وهذه حقيقة تقرر توظيفها لصالح تفويت مخطط تولي أنقرة القيادة بديلًا عن مصر التي تحكم نخبتها السياسية عوامل داخلية تجعلها محدودة الولاء للغرب عكس النخبة التركية التي شبت عن الطرق وأصبحت وكيلًا مضمون الولاء للمصالح الغربية في المنطقة.

الأخطاء السياسية

وارتكبت السيدة تشيللو أثناء الزيارة بعض الأخطاء السياسية في نظر سويسال وإن كان لم يصفها بأنها أخطاء بل قال بأنها تؤدي إلى عدم الارتياح حيث قالت بأنها سعيدة بزيارة الأراضي الموعودة كأول رئيسة وزراء تركية وقرأت بعض الآيات من التوراة التي تؤكد بأن فلسطين هي أرض الميعاد وهو الأمر الذي أثار سويسال واعتبره يخل بالتوازن المطلوب أثناء الزيارة، ولذلك اقترح على رئيسة الوزراء القيام بزيارة القدس الشرقية والالتقاء بفيصل الحسيني ممثل عرفات ورفض الفلسطينيون دخول 6 جنود إسرائيليين كانوا مرافقين لتشيللر، وكذلك رفضوا دخول الصحفيين الإسرائيليين وهو ما أدى إلى ردود فعل عنيفة من اليمين الإسرائيلي حيث طالب بنيامين نتنياهو زعيم تكتل الليكود وبإغلاق البيت الشرقي مقر الحسيني مشيرًا بأنه تحت السيادة الإسرائيلية وأنه لن يتم التنازل عن ذرة تراب واحدة لأحد.وتمت هذه الزيارة بناء على اقتراح سويسال الذي تصدر صفوف الزوار لمقر الحسيني يوم 5/11/1994 والتي أبدى إسحاق رابين وشيمون بيريز عدم ارتياحهما لحدوثها دون أن تؤثر على النتائج الإيجابية لزيارة تشيللر لإسرائيل.

وبالطبع في إطار التوازن قامت تشيللر بزيارة حائط المبكي والمسجد الأقصى وفي تعليقها على رد الفعل الإسرائيلي لزيارة مقر الحسين قالت تشيللر: لم أفعل شيئًا ولم نخل بسياسة التوازن وإذا كان ممتاز سويسال وزير الخارجية التركي قد أكد على أنه غير مستريح للزيارة لأنها خرجت من جدول الأعمال «لقاء أجهزة الاستخبارات كلمات تشيللر إلخ»فإن عبد الله جول نائب رئيس حزب الرفاه ورئيس لجنة الشؤون الخارجية أكد في تصريحات صحيفة بأن رحلة تشيللر إلى إسرائيل، تعتبر خيانة للشعب التركي والمسلمين كما هاجم الزيارة، أما نجم الدين أريكان فقال أثناء كلمته في الذكرى الـ 25 لتأسيس مللي جوريش يوم6/11/1994 بأن  رئيس الوزراء الإسرائيلي قال لرئيسة الوزراء التركية «أهلًا وسهلًا في القدس العاصمة الأبدية «لإسرائيل» ، فردت قائلة: «أهلًا وسهلًا» وتابع أريكان قائلًا: أليست مدينة القدس إسلامية منذ ١٤٠٠ سنة؟ 

ووصف رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإسرائيليين بأنهما من الإرهابيين ولا يجب منحهما هذا القدر من الأهمية.وعمومًا فإن أهم نتائج الزيارة هو الاتفاق على مواجهة الحركة الإسلامية في الشرق الأوسط على أساس أنها من العوامل المعرقلة لعجلة التسوية السلمية وكذلك إعطاء تركيا مهمة قيادة البنية الإقليمية الجديدة، وأيضًا التعاون الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل في منطقة واسعة من العالم الإسلامي تمتد من آسيا الوسطى حتى شاطئ الأطلسي حيث تم توقيع معاهدات في الميادين الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية ستعيد لتركيا دورها الاستراتيجي الذي كانت قد فقدته عند الغرب مع نهاية الحرب الباردة، وبالتالي دعمها لطبع المنطقة بطابعها العلماني حيث سيدعم الجميع تصدير الثورة العلمانية التركية لكافة الدول الإسلامية دون أن يكون في ذلك خطر على الأمن القومي الإسلامي 

الرابط المختصر :