العنوان تحية وعرفان لصوت الحق في مجلة «المجتمع»
الكاتب الشيخ مهلهل الياسمين
تاريخ النشر الثلاثاء 21-مارس-1995
مشاهدات 19
نشر في العدد 1142
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 21-مارس-1995
• على مدى ربع قرن وقفت المجتمع، شامخة أمام الشدائد والمصاعب فكانت منارة من منارات الحق ومعلمًا من معالم الثقافة الإسلامية الحقة
لسوف تشهد عقود القرن العشرين وبخاصة الأخيرة منها أن المجلات الثقافية حملت عبء إيقاظ الوعي في الناس وقدمت لهم الثقافة المتنوعة المتعددة الجوانب، فجعلتها تنتشر فوق مساحة كبيرة من الأرض لم يكن الكتاب يغطيها، وجعلتها تصل إلى عدد من الناس لم تكن لهم عناية بالكتاب؛ فالمجلات الثقافية المحترمة معلم من معالم الثقافة في هذا القرن الذي تعددت فيه المشاغل وكثرت فيه المشاكل، بحيث جعلت الكثيرين من الناس لا يتوفر لديهم الوقت أو الجهد لقراءة كتاب فسدت المجلات الثقافية هذا العجز، وسترت هذا القصور، وتقدمت في هذا الجانب على الكتاب، فصار المرء بمقدوره أن يقرأ في مجلة لا يأخذ منه إلا بضع دقائق مع جهد قليل، ليظل على وعي بمقتضيات الحياة ومتطلبات العصر.
ولقد تعددت المجلات الثقافية تبعًا لتعدد المجالات التي تبحثها وتعالج قضاياها، وبرزت من بين هذه المجلات مجلات ذات فكر إسلامي رصين تطل على الناس كل أسبوع أو كل شهر أو كل ثلاثة أشهر، تقدم للناس تفسيرًا لكل ما يشغلهم من هموم في ضوء تعاليم الإسلام وتوجههم إلى ما ينبغي أن يكون، وتدفع شبه المعاندين من أعداء الدين، وتنقي صفحة الفكر الإسلامي من الشوائب التي يحاول المغرضون تشويه وجه الإسلام بها، وتبين جوانب السمو والرقي في تعاليم الإسلام داعية إلى التمسك به، معلنة أن كل تقدم غير مستظل بدوحة الإسلام لا بقاء له، وليست له جذور يستند عليها.
والناظر في الساحة الإسلامية لا يكاد يجد بقعة من الأرض تخلو من مجلة إسلامية تصدرها مؤسسة رسمية أو هيئة شعبية أو في بعض الأحيان- أفراد معنيون بالإسلام وتعاليمه.
وكل هذه المجلات الإسلامية تحاول أن تقدم للقراء الاحتياجات التي ذكرناها، فمنها ما ينجح في تقديم كل هذه الاحتياجات ومنها ما يكتفي ببعضها، ومنها ما يقترب منها كثيرًا، ومنها ما يبتعد عنها قليلًا، ومنها ما يخاطب عامة الناس، ومنها ما يختص بالمثقفين المتخصصين الباحثين، وهذا يدلنا على أن الساحة الإسلامية لا تخلو في كثير من بقاعها من مجلة إسلامية تقدم للجمهور احتياجاته المتعددة في ضوء تعاليم الإسلام السمحة الصافية.
مجلة «المجتمع»
ومن بين هذه المجلات الإسلامية كلها تقف مجلة «المجتمع» التي تصدرها جمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت موقف الصدارة باعتبارها من أقدم المجلات الإسلامية التي تصدر بانتظام؛ إذ هي لم تتوقف إلا في فترة الغزو العراقي للكويت، وحين عادت الكويت محررة من العدوان عادت مجلة «المجتمع»، لتواصل رسالتها في دأب وقوة، وامتد انتشارها، وزاد توزيعها وكثر الإقبال عليها لما تتميز به من مصداقية في التناول، وتصد للمشاكل، وكشف ودحض للمؤامرات التي تحاك ضد الإسلام، ودعوة لنبذ روح العصبية، وطرح الأفكار العنصرية والاعتصام بحبل الله المتين، حيث القوة والنصر والتمكين.
وستظل- إن شاء الله- تؤدي رسالتها وتواصل مسيرتها آمادًا طويلة؛ لأنها تحمل أشواق المسلمين وترصد الأشواك المبثوثة في طرقات المسيرة الإسلامية، وتبصر بمواقعها وتبين طريقة التخلص منها، وكانت في كل ذلك تتسم بسمات ثلاث لا تحيد عنها مهما كانت المغريات أو اشتدت الظلمات.
السمة الأولى هي: الوسطية
تلك السمة التي وسمت بها الأمة الإسلامية في قول الله سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ (البقرة: 143) فكانت الأمة بهذا المنهج وسطًا بين الأمم، لا إفراط عندها ولا تفريط، ولا ضرر لديها ولا ضرار، ولا رؤية لجانب دون آخر، ولا توجه لأمر من أمور الإسلام دون غيره.
وقد أخذت مجلة «المجتمع»، هذه الوسطية طريقًا مرسومًا تسير عليه، فلم تمل لهوى، ولم تسكت عن حق، ولم تتوان في كشف الحقائق ولم تفرط في قضية من قضايا المسلمين، قربت ديارهم أم بعدت، وكانت في معالجة هذه الأمور تتخذ طريقًا وسطًا بعيدًا عن الاستفزاز المثير أو الاستخذاء الحقير.
لقد استطاعت مجلة «المجتمع» أن توازن بين احتياجات الناس الاجتماعية والسياسية والإيمانية والتربوية، وكذلك استطاعت أن تخاطب الناس على تفاوت أعمارهم؛ فالشباب يجد فيها بغيته، والشيخ الكبير لا يفقد طلبته والرجل يجد ما يريده والمرأة تجد ما تحبه مما يوافق الدين، ويؤدي إلى القوة والرأي السديد.
وكذلك من الوسطية التي تميزت بها أنها لم تغرق في الطرح السياسي دون غيره، أو تهمله وتهتم بغيره، لأن كلا الأمرين مجانب للصواب، فمنع السياسة عن الدين علمانية وحصر الدين في السياسة- كما يفعل البعض اليوم- صورة من صور العلمانية كذلك، وكان اهتمامها بالجوانب المختلفة في الحياة من منطلق الإسلام وسطية يصدق عليها قول الإمام ابن تيمية فيما قاله عن مذهب أهل السنة والجماعة، حيث قال: «وكذلك مذهب أهل السنة والجماعة وسط في كل شيء، كاللبن يخرج من بين فرث ودم خالصًا سائغًا للشاربين».
السمة الثانية هي: القدوة
فقد أدرك القائمون على أمر المجلة والكاتبون فيها أن مصداقيتهم عند الناس لن تتحقق إلا إذا كانوا هم بسلوكهم وتصرفاتهم وأعمالهم مطبقين لآرائهم وأقوالهم التي يذيعونها على صفحات المجلة، ولن يثق أحد بما تطالب به «المجتمع» أو تطرحه من أفكار وهو يرى تفاوتًا بين الرأي وصاحبه، والفكرة ومن ينادي بها، وكيف يتأتى ذلك والقائمون على أمر المجلة والكاتبون فيها يدركون قول الله ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 3)؛ لذا كبر عندهم أن ينادوا بآراء لا يكونون هم أول الملتزمين بها، فكانوا يطبقون قول عمر- رضي الله عنه- حين تولى الخلافة إذ قال لأهله: «أما إني سأدعو الناس إلى كذا وكذا، وإني لأقسم بالله العظيم لا أجد واحدًا منكم فعل ما نهيت عنه أو ترك ما أمرت به إلا جعلته نكالًا» فكانت المجلة أقوالًا وآراء لسلوك له بين الناس واقع مشهود، حيث يطبق العاملون فيها على أنفسهم ما ينادون به مدركين أنهم أول من يجب عليه التطبيق الفعلي للقول النظري، وهذا ما كان يفعله الرسول فحين أراد إبطال ما كان منتشرًا في الجاهلية من مفاسد قال: «وأول ربا أضعه ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وأول دم أسقطه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب»، من هنا شعر الناس بمصداقية ما تطرحه مجلة المجتمع من آراء وأفكار فتلقوها بالرضا والقبول، وحرصوا على متابعتها والاهتمام بأمرها.
السمة الثالثة هي: الرفق الرفق
في كل ما تتناوله المجلة أو تنادي به بدون شطط ولا استفزاز، ولا تجريح، ولا تلويح بما يضر أو يسيء، بل إنها تدعو إلى الحق في رفق وهدوء واستمرار؛ ذلك لأن الرسول قال: «ما دخل الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه»، وهذه السمة جعلت كذلك الكثيرين من الناس يقبلون عليها، حتى وإن خالفت آراءهم لما تتسم به من أدب في الخطاب وتهذيب في الآراء والأفكار.
وكان القائمون عليها والكاتبون فيها يدركون أن المجتمعات لا تتغير بين يوم وليلة ولا تتغير بالتشدد أو التهديد، وأن العادات المخالفة لروح الإسلام والقائمة في المجتمعات الإسلامية لن تتغير بين عشية وضحاها، فكان الرفق أسلوبهم، والهدوء والاستمرار دأبهم لأنهم يعلمون أن رسول الله حين دخل مكة فاتحا لم يمنع العراة الذين يطوفون بالبيت من الطواف وإنما منعهم في عام قابل حين كان أبو بكر الصديق أميرًا للحج، فأرسل في إثره علي بن أبي طالب ليقرأ في الموسم سورة براءة وليعلن بين الحجيج ألا يطوف بالبيت عريان.
فكانت هذه الطريقة معوانًا على التغلب على كثير من الصعوبات.
وبهذه السمات وقفت مجلة «المجتمع» قوية أمام كثير من الشدائد واستطاعت أن تتغلب على المصاعب ربع قرن من الزمان، ونأمل أن تستمر في عطائها وسماتها تلك سنوات وسنوات، تكون فيها أحد معالم الثقافة الإسلامية الحقة التي ترشد وتوجه وتقود.
هذا ما نحسبه فيها والقائمين عليها ولا نزكي على الله أحدًا، وإنما ذكرنا هذا على وجه العموم والأغلب، وإن كان هناك من خطأ فهو أمر بشري يربأ بأي مسلم أن يصر عليه، وإنما المسلم من عرف الصواب والخطأ فالتزم الصواب وترك الخطأ انصياعًا للحق وكلمته.
وفي الختام السمات كثيرة، ونسأل الله الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه المجلة، وأن يكثر صوابها، وأن يقلل خطاها وأن يجعلها نبراسًا مع أخواتها من المجلات الإسلامية للأمة جمعاء.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل