; تخرصات وافتراءات (2) | مجلة المجتمع

العنوان تخرصات وافتراءات (2)

الكاتب رشاد محمد البيومي

تاريخ النشر السبت 27-مارس-2010

مشاهدات 13

نشر في العدد 1895

نشر في الصفحة 42

السبت 27-مارس-2010

على مدار الزمن وعبر صفحات التاريخ هناك مواقف ومعالم تستخلص منها العبر .. ولا بد للعاقل أن يفيد منها ويحسن التعلم بما فيها من تجارب فهي الدروس التي لا تغفل ولا تهمل.. ومع توالي الأيام.. يشتد الصراع بين الحق والباطل حتى تقوم الساعة.. ودائمًا وأبدًا ما يواجه أصحاب الحق مكائد الباطل وألاعيب أصحابه..

واستعراضًا للتاريخ، فإن حملة لواء الإصلاح يتعرضون لما لم يتعرض له غيرهم.. ولكنهم صبروا وصابروا حتى أظهرهم الله ولو بعد مماتهم، بدءًا من الأنبياء والمرسلين وهم أكرم خلق الله على الله.. وانتهاء بأصحاب رسالات الإصلاح من كل نوع وحدب وصوب.

وشأن أصحاب الدعوات.. فقد تعرضت دعوتنا للكيد من الحساد والحاقدين والمعاندين.. ولما لم يجدوا سبيلا لدحض شوكتنا وإيقاف تقدمنا واختراق صفوفنا وشق وحدثنا لجؤوا إلى الدس والخديعة والوقيعة بنشر الشائعات والافتراءات...

اختلاف الأفراد

ويختلف أفراد الجماعة في تلقي تلك المدسوسات.. فذلك الذي خلص فهمه ووثق في نفسه وفي قيادته وفي إخوانه يتعامل مع تلك الشائعات المغرضة بفهم وإدراك ووعي ويلقيها خلف ظهره وهؤلاء هم الكثرة الغالبة.. وهناك من يتقبلها بحسن النية وتخدعه الفرية ويبتلع الطعم ويكرر مجترًا تلك الشائعات دون تريث أو إدراك لما وراءها، وقد يكون هناك بعض الدوافع النفسية والشخصية نتيجة لبعض التصرفات الفردية لبعض الأفراد، وقد ينتج عن ذلك بعض البلبلة.. ولو عاد الأخ إلى إخوانه واستوثق مما يسمع لزال عنه كل لبس أو غموض.

وأما الذين في قلوبهم مرض وفي نفوسهم غرض ممن ثقلت عليهم التبعة وآثروا السلامة بالبعد عن الطريق فقد تحالفوا مع الشيطان وتولوا كبر التهييج والإشارة على من كانوا معهم على الطريق يومًا وشاركوا أعداء الدعوة عن عمد وقصد.

ومما تقولوا به: تصنيف الإخوان بحسب تصوراتهم وبحسب ما ألقوه في مجتمعاتهم وفي صحبتهم وأقرانهم بأن منهم الصقور والحمائم.. والمحافظين والإصلاحيين، وكل تلك التخرصات والافتراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان والبعيدة كل البعد عن الحقيقة ...

ولعلي أقول لهؤلاء: إنه من الطبيعي أن يكون في البشر من تغلب عليه طبيعة التسامح واللين.. وهل هناك أطهر وأشرف من محضن رسول الله ﷺ الذي جمع بين أبي بكر وعمر بن الخطاب وكل منهما له صفته التي تفرقه عن الآخر.. ولكنهما أمام الحق سواء؟!

وهل المحافظ على قيم جماعته وأصول دعوته إلا مصلح؟ وهل المتسامح اللين الذي لا يعطي الدنية من نفسه إلا داعم لجماعته وفكرته؟ ولكن كما ذكرت آنفا.. فقد كبر على مرضى القلوب أن تكون على قلب رجل واحد رغم اختلاف الطبائع؛ فراحوا يرددون دون وعي أو إدراك هذا التردي الذي لا يدين إلا قائله و مردده...

ماهية التغيير

ونادي البعض بضرورة التغيير ونحن جميعا نؤيد هذا الكلام بمفهومه الصحيح وندعم ونسعى إليه جميعا في الداخل وفي الخارج.. ولكني توقفت هنا لأتساءل: ماذا نغير؟ وكيف نغير؟ هل نغير الفكر.. أم الوسيلة.. أم الأفراد؟

أما الفكر.. فهو المنهج الرباني الذي علمنا إياه رسولنا الكريم ﷺ وبلغنا عن ربه معنى الربانية والعبودية وقيم الفهم الواعي المدرك الصحيح والتجرد الذي يقدم المصلحة على النفس وما تشتهي، والإخلاص والإحسان الذي يعني أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

هذا هو فكرنا وهذه هي دعوتنا التي عاهدنا الله على نصرتها وبيع النفس والنفيس من أجل إعلاء رايتها وحمايتها... فهل لنا أن نغيرها؟ لا، وليس لنا أن نجتهد فيها بجهد بشري واجتهاد نفسي.. وأضيف مذكرًا ليس هناك من مبرر أو حجة تحت فلسفة التعامل مع الغير أو الآخر أن نتنازل عن قيمة من قيمنا أو أصل من أصولنا إرضاء للآخر أو مجاراة للظروف.. وأذكر هنا بقول الله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 109) وقوله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ (البقرة: 120).

وأما الوسيلة.. فإن الجماعة أخذت على عاتقها أن تبلغ رسالة ربها بكل وسيلة مشروعة وبكل طريقة لا شبهة فيها، مع العمل الجاد للاستفادة من كل جديد مستحدث وتنادي بأعلى الأصوات: أنا بحاجة ماسة إلى كل من يبتكر أية وسيلة أو أية فكرة من شأنها أن تؤدي إلى تحسين الأداء وتوصيل ما ننادي به دونما تفريط في أصل من أصولنا أو ثابت من ثوابتنا، كما ترحب بكل صاحب علم أو معرفة للاستفادة من مقدرته على تطوير وتحديث تلك الوسائل والنظم... كما نتمنى الفرصة التي تتيح لكل مجتهد أن يشارك باجتهاده وإبداعه، ولكني أتساءل هنا: هل من الضروري أن يتفلت الفرد دونما ارتباط بقاعدة انطلاقه وجماعته لتكون له القدرة على الابتكار والإبداع؟!

هكذا ينادي البعض!!

أما عن تغيير الأفراد.. فأحسب أن الإخوان على قدر كبير من البصيرة للحكم على الأفراد واختيار الشخص المناسب ليقود مسيرتهم ويتحمل المسؤولية المكلف بها.. فهم الذين يختارون طواعية (من خلال انتخابات نزيهة عن كل غرض) من يمثلهم ويحتسب عند الله نفسه ووقته وجهده في سبيل نصرة دينه.. والجماعة تكفل ذلك تعبدًا لله وتقربًا إليه.. ويكفي أن أقول: إن المسؤولية في الجماعة تكليف وليست تشريفًا.. وإن صاحب الفهم المتجرد يعمل في صف جماعته جنديًّا أو قائدًا بنفس الهمة والتجرد والإخلاص..

ويتقول البعض: إن بعضًا من قادة الجماعة يعيش أسيرًا للماضي.. ويا سبحان الله! فإني أرثي لمن يفكر هكذا.. فماضينا بحمد الله مشرف وهو أصل حاضرنا وهو المحرك لمستقبلنا والمؤسس له.. ماضينا مليء بكل معاني العزة والفخار في كل ميدان، وهو درس عملي لكل من أراد أن يتعلم التطبيق العملي لما تنادي به وتعمل به.

فكيف يطلبون منا أن نتخلى عن هذا الماضي التليد الذي حاربنا فيه الطاغوت والطغيان بكل أشكاله؟ فما لانت لنا قناة ولا طأطأت منا الهامات وتعلمنا في مدرسته كل طيب وكريم.. ومع هذا لا نقف عند الماضي، بل نتواصل مع كل حديث.. وجهاد لا ينقطع مع كل مخالف للحق.

ولا يحق لأحد أن يفسر أحداث الماضي ومواقفه باجتهاده الشخصي ولكنه التاريخ الموثق والرؤية المتجردة عن كل غرض.

تضحية وإيثار

وقال البعض: إن التذكير بمعاني الأخوة والحب في الله.. كلام رومانسي يدغدغ العواطف وهو بعيد عن الواقع.. ويؤسفني. أن أقول مقررا للقائل: لعلك يا من تقول هذا لم تشارك في معارك مع أعدى أعداء الله ورأيت كيف كان الفداء.. والتضحية والإيثار سمة الإخوان وصفتهم المميزة.. لعلك لم تر كيف كان الأخ يتحمل عن إخوانه الأذى الشديد الذي لا يمكن تخيله بنفس راضية وهمة عالية ويفتدي إخوانه ودعوته بكل غال ونفيس.

لعلك لم تتعلم أن الأخوة والحب هما الضياء الذي كان ينير في حلك الدجى عندما تتكالب الشياطين، هيهات لقلب لم يستشعر هذه المعاني أن يحس بها أو يدركها .. وهيهات لنفس لم تتطلع إلى معالي الأمور أن تتعرف على تلك المناقب السامية والمثل الرفيعة.

وطالب آخرون بأن تحل مشكلاتنا تحليلاً علميًّا وندرس كيف نتخطاها.. ونحن إذ نرحب بهذه الدعوة الطيبة الكريمة ونرجو أن تتحقق لها الآمال وأن يشارك الجميع بالعمل بها .. أطمئن الجميع بأن إخوانهم القائمين على الأمر هم عند حسن الظن وأنهم مؤهلون علميًّا بدرجات علمية عالية وأنهم على دراية بكل الوسائل العلمية قديمها وحديثها، وأن أي أمر يعرض يأخذ حقه من الدراسة والبحث، ولا يصدر الرأي إلا بعد تمحيص وتدقيق ولكنا نطلب الإفادة من كل صاحب جهد.. ولكن لا تنسوا أننا في سجن كبير.. حراسه نسوا كل المشكلات والقضايا التي تعصف بمقدرات الأمة ومتطلباتها وتفرغوا لنا حاشدين قوتهم وسطوتهم لمواجهتنا... يحصون علينا حركتنا ويضيقون علينا أرزاقنا ويحولون بيننا وبين كل أطياف المجتمع.. ومع هذا لن نستكين ونرجو أن تتيح لنا الأيام أن نكون بينكم بكل حرية في كل لحظة نبادلكم الرأي ونشارككم التضحية ونحن نؤمن أن مع العسر يسرًا.. ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 139).

فيا أصحاب الحق.. ويا سدنة الحرية .. يا حماة الدين لا تدعوا لصاحب غرض... أن يثير بينكم فتنة أو أن يحدث في صرحكم الشامع شرخًا.. ولا تغرنكم الترهات والتأويلات، أربأ بأحبابي أن يقعوا في حبائلها أو يصيبهم وحلها...

وأذكركم بما يلي:

إن من تمام المسؤولية أن يستشعر كل فرد في الجماعة أنه مسؤول مسؤولية كاملة عن أمن وسلامة جماعته..

ومقتضى هذا الأمر أن يحس الأخ من أعماق نفسه أن مسؤوليته لا تقل عن مسؤولية أي فرد في الجماعة أيا كان موقعه.. فهو في بيعة مع الله بمقتضاها أن يعمل على إبلاغ دعوته ودعم مسيرة العاملين معه بفكره وسلوكه والتزامه. 

2- ومن معالم المسؤولية أن يعرف كل منا واجباته وأن يحرص أن يؤديها على أكمل وأتم صورة، وأن يحرص كل منا أن يجتمع صفنا على الحق الذي لا فرية فيه والذي ارتضيناه، وأن نبتعد عن الفرقة والتشرذم والتشكك، وأن نتخلى عن سوء الظن وسوء النية.. وإياكم وفساد ذات البين فإنها الحالقة.

3- وثقوا أن الثقة هي محور العمل الصادق، الثقة في نصر الله أولا ثم الثقة في قيادتنا، الثقة التي بنيت على الأخوة الطاهرة والحب في الله ونقاء القلب وصفاء السريرة في بعضنا بعضًا.

4- النصيحة واجبة.. فالدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.. لكن للنصيحة آدابًا ومقومات علينا الالتزام بها.. بدلاً من التشهير في إعلام لا يتقي الله فيكم ويحرص على النيل من أخوتكم.

5- وأذكر إخواني المسؤولين أن يلتزموا مع إخوتهم دائمًا ذلك الأدب الرباني في كتاب الله ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: 159) والله لن يتركم أعمالكم..

6- دعوا حظ النفس جانبًا فهو مهلكة، ولا يغتر أحد فيظن أنه أعلم من الآخرين.. فإذا تقدم أحدكم برأي فليس من الضروري أن يؤخذ به.. وقد تكون هناك من المبررات ما يستدعي تأجيله أو عدم موافقته للواقع فلا يؤخذ به... وأخيرًا، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل