; تركيا نحو الانتخابات المبكرة | مجلة المجتمع

العنوان تركيا نحو الانتخابات المبكرة

الكاتب د. سعيد الحاج

تاريخ النشر الثلاثاء 01-مايو-2018

مشاهدات 10

نشر في العدد 2119

نشر في الصفحة 48

الثلاثاء 01-مايو-2018

حالة العالم الإسلامي

«ضبابية» الأوضاع خلال الفترة الانتقالية جعلت من نوفمبر 2019م تاريخاً بعيداً يحتمل حصول تطورات داخلية أو خارجية

«الحزب الجيد» أكثر المتضررين من تبكير الانتخابات باعتباره حديث التأسيس ولم يستكمل بعد شروط المشاركة

إستراتيجية المعارضة بين التخندق خلف مرشح توافقي قوي أو ترشيح كل حزب لمرشح من بين صفوفه

«عبدالله جل» أعلن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية

 في أبريل 2017م أقرت تركيا باستفتاء شعبي على تعديلات دستورية تحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي بنسبة 51.4%، على أن يبدأ تطبيقه مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة في 3 نوفمبر 2019م.

ومنذ ذلك الحين تتداول الأوساط السياسية والإعلامية التركية فكرة تبكير الانتخابات للعام الحالي، باعتبار أن الفترة الانتقالية طويلة ومفتوحة على احتمالات عدة في الملفات الداخلية والسياسة الخارجية، في حين دأبت أوساط الحكومة وحزب العدالة والتنمية على نفي النية بذلك. بعد عدة تأكيدات على موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كما صاغها التعديل الدستوري على ألسنة عدة مسؤولين أتراك في مقدمتهم الرئيس «أردوغان»، والناطق باسم العدالة والتنمية «ماهر أونال»، فاجأ زعيم حزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية دولت بهجلي الجميع بدعوته لإجراء الانتخابات في أغسطس المقبل.

خلال أقل من 24 ساعة، اجتمع «أردوغان» مع «بهجلي» ثم مع رئيس الوزراء «بن علي يلدريم» وأعضاء اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية، مصدراً قراراً بالذهاب نحو الانتخابات المبكرة في الـ24 من يونيو المقبل، أي بعد حوالي 67 يوماً فقط من الإعلان.

وخلال أيام فقط، أقر البرلمان التركي قرار الانتخابات المبكرة، وبدأ الاستعداد لسن «قوانين المواءمة»؛ وهي القوانين الضرورية للانتقال من النظام البرلماني للرئاسي، ما وضع تركيا بشكل نظري وفعلي على سكة الانتخابات المبكرة.

في أسباب تبكير الانتخابات، يمكن القول: إن «ضبابية» الأوضاع خلال الفترة الانتقالية جعلت من نوفمبر 2019م تاريخاً بعيداً نسبياً يحتمل حصول (أو افتعال) تطورات داخلية أو خارجية يمكنها التأثير على الاقتصاد؛ وبالتالي على شعبية الرئيس والعدالة والتنمية على وجه الخصوص، الأبعاد الاقتصادية لأي تطورات محتملة هي ما تضعها الحكومة التركية ضمن أدوات الضغط على تركيا أو محاولات «تركيعها اقتصادياً» وفق ما صدر عن أنقرة، حيث تزامن قرار تبكير الانتخابات مع تدهور الليرة التركية أمام العملات الأجنبية.

التطورات الخارجية ليست أقل أهمية من تلك الداخلية في هذا السياق، فالضربة الثلاثية الموجهة لنظام «الأسد»، والقصف المتبادل بين إيران ودولة الاحتلال «الإسرائيلي»، واحتمالات التوتر بين روسيا وحلف «الناتو»، وأفكار استقدام لاعبين إضافيين أو قوات عربية للشمال السوري، كلها تطورات تعني تحديات إضافية محتملة لأنقرة وقواتها المتواجدة على الأراضي السورية؛ وبالتالي تعقيد موقفها بين حلفاء الأمس في واشنطن وشركاء اليوم في موسكو.

المتنافسون

بعد إقرار البرلمان التركي لموعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية (إضافة لانتخابات مخاتير الأحياء) في الرابع والعشرين من يونيو المقبل، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات عن قائمة الأحزاب التي استوفت شروط المشاركة فيها، وهي:

حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، وحزب الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي)، وحزب الحركة القومية (القومي التركي)، والحزب الجيد (حزب الخير وفق ترجمة أخرى) المنشق عن الحركة القومية، وحزب السعادة الإسلامي، وحزب الوطن (اليساري القومي)، وحزب الاتحاد الكبير (الإسلامي القومي)، والحزب الديمقراطي، وحزب تركيا المستقلة.

وتنتظر اللجنة العليا للانتخابات صدور قوانين المواءمة ومن ضمنها ما يتعلق بالانتخابات حتى تصدر برنامج الانتخابات وجدولها الزمني، بما يتضمن المواعيد النهائية لتقديم الأحزاب مرشحيها للرئاسة، وتقدُّم المرشحين المستقلين بطلبات المشاركة، وتقديم قوائم المرشحين للبرلمان، فضلاً عن مواعيد الحملات الانتخابية وكل تفاصيل العملية الانتخابية.

ويفترض أن تتقدم الأحزاب للجنة الانتخابات بمشاريع التحالف -إن وجدت- خلال 7 أيام فقط من إعلان اللجنة للجدول الزمني، بينما يتوقع أن تقبل طلبات مرشحي الرئاسة حتى 15 مايو المقبل، وقوائم مرشحي البرلمان حتى 22 منه، وفق توقعات وسائل الإعلام التركية بانتظار الإعلان الرسمي من قبل اللجنة.

وجدير بالقول: إن إعلان «أردوغان» قد حشر المعارضة زمنياً ووضعها أمام تحدّ صعب خلال أيام قليلة، على صعيد بلورة تحالفات قوية، أو استكمال عمليات الاستشارة الداخلية في كل حزب على حدة فيما يتعلق بمرشحي الرئاسة والبرلمان، أو توافق مختلف أحزاب المعارضة على مرشح واحد للرئاسة لمنافسة مرشح حزب العدالة القوي الرئيس الحالي «رجب طيب أردوغان».

ولعل أكثر المتضررين من تقديم موعد الانتخابات كان الحزب الجيد بقيادة وزيرة الداخلية الأسبق «ميرال أكشنار»، باعتباره حديث التأسيس ولم يستكمل بعد شروط المشاركة في الانتخابات، ويبدو أن الحزب قد عقد صفقة مع حزب الشعب الجمهوري الذي استقال منه 15 نائباً انضموا له ليصبح له 20 نائباً في البرلمان يشكلون «كتلة برلمانية» يحق لها المشاركة في الانتخابات، وهو ما كان؛ حيث ذكرته اللجنة العليا للانتخابات ضمن الأحزاب التي يحق لها المشاركة.

التوقعات

ما زال الوقت باكراً جداً للحديث عن توقعات دقيقة بخصوص المنافستين الانتخابيتين؛ الرئاسية والبرلمانية، حيث لم تبدأ الحملات الانتخابية، ولم تحدد الأحزاب المختلفة قوائم مرشحيها، فضلاً عن أن يكون هناك استطلاعات رأي تعكس واقع الناخب التركي.

حتى كتابة هذه السطور، ثمة مرشحان رئيسان فقط للانتخابات الرئاسية؛ هما الرئيس التركي «أردوغان» عن «تحالف الشعب» المتكون من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، و«ميرال أكشنار»، رئيس الحزب الجيد، بينما أعلن عدة أشخاص من حزب الشعب الجمهوري عن رغبتهم في الترشح، ولم تحسم الأحزاب الأخرى رأيها بعد.

السؤال الأبرز بالنسبة للمعارضة يتمحور حول إستراتيجيتها في الانتخابات الرئاسية، ما بين التخندق خلف مرشح توافقي قوي أو ترشيح كل حزب لمرشح من بين صفوفه، مع الإشارة إلى أن السيناريو الأول يبدو أوفر حظاً بكثير، مقارنة بالثاني الذي سيفتت أصواتها ويرفع من حظوظ الرئيس التركي صاحب الكاريزما والإنجازات والحضور القوي.

ومن بين الأسماء التي كانت  تتردد كمرشح توافقي محتمل الرئيس السابق «عبدالله جل»، لكنه خرج في مؤتمر صحفي وأعلن عدم ترشحه لفشل المعارضة في الاجتماع على مرشح واحد، وأوضح في مؤتمره أنه لم يكن يخطط لطرح نفسه في الانتخابات، وذكر أنه وصل إلى جميع المناصب في الدولة، ولا يطمح إلى منصب مرة أخرى، ولا توجد لديه رغبة في العودة للحياة السياسية.

وهناك اسم متداول هو مرشح الحزب الجيد «أكشنار»، خصوصاً إذا ما اتضح أن الصفقة بينه وبين حزب الشعب الجمهوري كانت أشمل من مجرد مساعدته على المشاركة في الانتخابات، حيث يراهن الأخير على سحب «المرأة الحديدية» من أصوات الحركة القومية تحديداً وبدرجة أقل من العدالة والتنمية.

الناطق باسم العدالة والتنمية «ماهر أونال» قال غداة الدعوة للانتخابات المبكرة: إن آخر استطلاع رأي أجراه الحزب يعطي لمرشحه «أردوغان» حوالي 55% من أصوات الناخبين، وهي نسبة تبدو مريحة جداً لـ«أردوغان» قبل بدء الحملة الانتخابية، وقد يكون ذلك أحد أسباب تبكير الانتخابات، وفق بعض المراقبين.

بيد أن الصورة لن تتضح بشكل كامل قبل اكتمال قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية وعرض برامجهم الانتخابية؛ ما سيتيح إمكانية التعرف على فرصهم وحضورهم في الشارع التركي؛ وبالتالي قدرتهم على المنافسة وفق استطلاعات الرأي التي ستجرى لاحقاً.

وأما الانتخابات البرلمانية فمن المبكر جداً جداً الحديث عن أي إمكانية لاستشراف النتائج إزاءها، في ظل تعقد المشهد الحزبي في البلاد بعد أزمات الحركة القومية، وتأسيس الحزب الجيد، وتراجع حزب الشعوب الديمقراطي؛ ما يحتم انتظار عدة أسابيع قبل اتضاح الرؤية بشكل تام، مع الإشارة إلى أن الانتخابات البرلمانية تفقد شيئاً من أهميتها وحساسيتها في ظل النظام الرئاسي الذي تتقدم فيه مؤسسة الرئاسة وانتخاباتها في الأهمية بطبيعة الحال.> 

الرابط المختصر :