العنوان تساؤلات حول الفساد الكبير
الكاتب محمد فاروق منير
تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-2000
مشاهدات 21
نشر في العدد 1411
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 01-أغسطس-2000
يسود سورية اليوم ومن قبل وفاة الرئيس السابق شعار «محاربة الفساد» وتحت هذا الشعار تختبئ عدة قضايا قد يفوت القارئ الكثير منها. فعند كل انعطافة خطرة على تركيبة النظام الحاكم منذ ثلاثين عامًا تظهر هذه اللافتة «محاربة الفساد»، ظهرت في أواسط الثمانينيات لتغطية مشكلة الخلاف مع رفعت الأسد، ومحاولته افتراس السلطة خلال غيبوبة أخيه الراحل، وبعد عودة الصحة له ظهر الشعار ليغطي على الخلاف الداخلي بين الشقيقين، وعلى عملية الإبعاد، وأخذ الشعار دوره لسنة أو أكثر ثم اختفى وفي أوائل التسعينيات وحين رغب الرئيس الراحل بتسويق ولده باسل ظهر الشعار من جديد، وقاده مرشح الخلافة في حينها باسل لكن الموت عاجله قبل أن يتم مشواره ذاك.
وقبل وفاة الرئيس السابق بعام تقريبًا ظهر الشعار من جديد ليتواكب مع تسويق الخلافة لولده بشار، حيث بدأت الحملة برأس رئيس الوزراء السابق محمود الزعبي ومازالت تطول رؤوسًا جديدة.
لا شك في أن القريب والبعيد يسر لمثل ما يحدث في سورية من محاربة واستئصال للفساد، ولكن المتبصر فيما يجري يقف متسائلًا أمام نقاط عدة أهمها :
1- هل كان النظام القائم - والذي بيده مقاليد الأمور صغيرها وكبيرها اقتصادها وقوت شعبها - المحضن المناسب لتفريخ هذه الأفواج من المفسدين بحكم المرجعية المطلقة للحزب والدولة والجيش والأمن؟
٢- لماذا لم تظهر لافتة «محاربة الفساد» إلا في مناسبات محددة وتكون قوة الحملة وشدتها ومن تتناولهم حسب قوة المناسبة والأمور المراد تغطيتها؟ ففي قضية الخلاف مع رفعت وإقصائه لم تزد الحملة على تناول بعض المديرين والموظفين العاديين.. أما في حالة تسويق باسل، فقد كانت أشد أوارًا وطالت رؤوسًا كبيرة ثم توقفت فجأة بموته دون أن تستكمل مشوارها حيث ذهب مسببها.
أما المشروع الحالي فقد كان عنيفًا طال أكبر الرؤوس على ما يعتقد لتمرير مشكلة أكبر وهي خلافة الابن الثاني فهل سيؤول المشروع إلى ما آلت إليه المشاريع السابقة وكلها من صناعة النظام وقد اكتملت الخلافة؟.
٣- هل الذين تطولهم قوائم الفساد ويقال إن المدرجين على جداولها يصل عددهم إلى أربعمائة اسم هم كل المفسدين في الدولة وأجهزتها أم أنها عملية انتقائية تطول أناسًا وتتجاوز آخرين - تطول غير الراضين عن الخلافة وتتجاوز المؤيدين- وبصورة خاصة إذا علمنا أن الذي يعد الملفات ويوجه التهم ويقدم الأدلة والتقارير هي أجهزة الأمن المختلفة.
٤- الأسماء التي طالها التحقيق حتى الآن تؤشر إلى أن أكثر المستهدفين من عملية محاربة الفساد هي طائفة محددة، فهل انحصر الفساد في هذه الطائفة لنسبتها الكبيرة التي تزيد على «75%» أم لعدم وجود عناصرها داخل إطار أصحاب القرار في أجهزة الأمن المسؤولة عن توجيه الاتهام.
5- من المعروف لدى المواطن الذي يقود العمل المباشر اليومي في شتى مرافق الحياة أن أجهزة الأمن المختلفة وعناصرها المبثوثة على كل صعيد هي التي تمارس عملية الفساد والابتزاز في التجارة، والتموين ونقل الملكية، في البيع والشراء، في الصفقات الداخلية والخارجية، في تهريب العملة والممنوعات في تأمين جوازات السفر، وفي تأمين زيارة لسجين... إلخ، وتتلقى هذه العناصر الإتاوات عن كل عمل تقوم به، وقد تعود المواطن على التعامل بهذه الطريقة منذ وجد هذا النظام وهذه الأجهزة المتسلطة. وأكثر هؤلاء ينتمون إلى طائفة محددة لم تنل لائحة «محاربة الفساد» أيًا منهم.
٦ - اعتمدت الحركة التصحيحية التي قام بها الرئيس الراحل في 16\11\1970م بشكل رئيس على أبناء الريف من منطلق أن حزب البعث هو حزب العمال والفلاحين لكن المتتبع لأوضاع الريف السوري منذ ذلك التاريخ يلحظ أن النهضة التي ظهرت عليه اختصت مناطق معينة دون أخرى. فالقرى التي تمتد على طول الطريق الساحلي من الحدود اللبنانية جنوبًا وإلى الحدود التركية شمالًا، شملها تطور غير مسبوق حيث القصور الفخمة والطرق الممتازة والإنارة وجميع وسائل الرفاهية، أما بقية الريف فلم ينله من ذلك إلا الفتات اليسير. ولقد رأى العالم عبر التلفاز التطور الكبير الذي حصل على قرية «القرداحة» مسقط رأس الرئيس السابق وكيف تحولت من قرية عادية جدًا كسائر الريف السوري الفقير إلى بلدة تضاهي البلدات الأوروبية، فهل حصل مثل ذلك في كل الريف السوري؟ وهل لذلك علاقة بما يسمى «محاربة الفساد»؟
- يقول الدكتور فهد الفانك «الاقتصادي الأردني» في مقال في جريدة الرأي الأردنية في 24\5\2000م تحت عنوان: «اقتصاديات عربية»: «إن الموازنة السورية لعام ٢٠٠٠م تشتمل ولأول مرة على إيرادات النفط السوري التي تصل إلى ملياري دولار سنويًا.. أمًا موازنات السنوات الثلاثين الماضية فلم تدخلها إيرادات النفط التي كانت تذهب لرئاسة الجمهورية حيث لا يعرف أحد كيف تصرف». فهل لهذا الكلام صلة بمحاربة الفساد أم أنه غير وارد في الدولة الشمولية التي يختصر فيها الشعب بالحزب القائد والحزب القائد بشخص الحاكم الذي يوزع الثروات كيف يشاء؟
عملية «محاربة الفساد» إذن عملية انتقائية تستهدف فئة دون فتة وتطول أشخاصًا بأعينهم دون آخرين، ثم إنها تدور في إطار المفسدين الصغار الذين تقدر ثرواتهم بملايين الدولارات.. أما الفاسدون الكبار فلا أحد يحاسبهم.. لقد كان أجمل استخلاص للوضع كلام محمد حسنين هيكل: « والراجح أن أوضاع سورية – وضروراتها- تحتاج إلى ترتيبات للتغيير والتجديد أكبر من انتقال السلطة في إطار عائلي» «ص ٤٤٨ من كتاب كلام في السياسة».