; فتاوى المجتمع (العدد 607) | مجلة المجتمع

العنوان فتاوى المجتمع (العدد 607)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 08-فبراير-1983

مشاهدات 38

نشر في العدد 607

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 08-فبراير-1983

لم تظهر عليَّ علامات الرجولة فهل أنا مأمور بالتكاليف الشرعية؟

بلغت من العمر عشرين سنة، ولم تظهر على جسمي علامات الرجولة، من شعر وشارب، ولم احتلم كما تعلمت ذلك في مادة التربية الإسلامية في المرحلة الثانوية، وأنا أخجل من سؤال أهلي وأصحابي حتى لا تنتقص رجولتي. ماذا أفعل؟ وهل أنا في هذه الحالة مكلف بالتكاليف الشرعية المفروضة على البالغين؟

«محمد س ر – الرياض»

وبعد تحويل السؤال إلى فضيلة الشيخ أ.د محمد عبد القادر محمد أجاب بهذه الإجابة الوافية:

الحد الفاصل بين الصغير والكبير، أو بين الصغر والرجولة، هو البلوغ وقد عرفه الفقهاء بأنه: انتهاء حد الصغر

فما دام المرء غلامًا صغيرًا، لا يخاطب بالواجبات الدينية، ولا تفرض عليه الأحكام الشرعية ولا يكلف بشيء من أمور الدين على سبيل الوجوب والإلزام بقصد الثواب والعقاب لأنه لا يعقل ذلك كله تمامًا.

وإنما نأمره بالطهارة والصلاة، ونوجهه إلى آداب الدين، ونعلمه القرآن والنطق بالشهادتين وندربه على محاسن الإسلام نزجره عن القبائح، والمذكرات لتنشئته على الصلاح وتعويده آداب الإسلام، فيعتادها صغيرًا، ولا تثقل عليه إذا كبر وهذا كله على سبيل الندب لا الوجوب.

ويعتبر الصغير الذي لم ينطق بعد تبعًا لأبويه أو لأحدهما في الإسلام، ويعتبر مسلمًا بإسلام أحدهما أو كليهما ولا تنقطع تبعيته إلا بالبلوغ وهو عاقل أو بإسلامه بنفسه ويجب على أبيه أن ينفق عليه ما دام صغيرًا، لم يبلغ، ويمنع من التصرف في ماله، ويعتبر محجورًا عليه بسبب صغره حتى يبلغ.

فإذا بلغ، خوطب بأحكام الشرع، ووجبت عليه التكاليف، وسقطت نفقته من أبيه إلا أن يبلغ وهو عاجز عن الكسب، ودفع إليه ماله إذا ثبت رشده في الدين والتصرف في المال بعد البلوغ، على ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ (النساء:6)

غير أن البلوغ أمر خفي بل هو وصف اعتباري شرعي لا يدرك أوله بالمشاهدة، إلا من قبل البالغ نفسه، فاتخذ له الشارع إمارات تدل عليه، وتشير إلى تحقق وقوعه.

1) ومن هذه الإمارات ما هو قطعي في دلالته على البلوغ من غير خلاف بين الفقهاء، كإنزال المني من ذكر الرجل أو من قبل الأنثى يقظة بملابسات الجنس أو منامًا بالاحتلام ويعتبر الإنزال هو الأصل في الدلالة على البلوغ بأي سبب كان، فالاحتلام لا يعتبر إلا معه، والإحبال لا يتأتى به.

۲) ومن الإمارات القطعية على البلوغ أيضًا نبات الشعر الخشن حول ذكر الرجل، أو فرج المرأة، فيقول بعض الشافعية: إنه يقتفي الحكم بالبلوغ لأنه إمارة عليه، ووقته هو وقت الاحتلام دائمًا.

وهاتان الإمارتان يشترك فيهما الفتيان والفتيات الذكور والإناث. 

3) وهناك علامات قطعية على البلوغ تختص بها الإناث وهي: الحيض والحمل، ومن الإمارات ما لا يقطع في تحقق البلوغ، مثل: نبات شعر الإبط واللحية، وطرو الشارب، ونهود الثدي وثقل الصوت وإنغراق أرنبة الأنف ونتوء الحلقوم، فهذه كلها - كما يصرح بعض الفقهاء ومنهم الشافعية - ليست علامات قاطعة، لأن بعضها يتأخر عن البلوغ بكثير، وبعضها يتقدم عليه! بخلاف نبات العانة، ولهذا كانت موضع خلاف ونقاش بين الفقهاء. 

من أجل ذلك، اتفقت كلمة جمهور الفقهاء على أنه إذا بلغ الفتى أو الفتاة خمس عشرة سنة من العمر حكم ببلوغه شرعًا سواء أظهرت الإمارات المذكورة، كلها أو بعضها عليه أم لم تظهر، وعللوا ذلك بالآتي:

1- لقصر أعمار أهل زماننا، كما عبر الحصلفي من الحنفية.

2 - ولأنه العادة الغالبة على أهل الزمان والعادة إحدى الحجج الشرعية فيما لا نص فيه، ولعله لم يثبت عندهم الحديث الآتي أو لم تثبت الزيادة في آخره لأنهم استدلوا به من دونها.

3- لقول ابن عمر - رضي الله عنهما -:

عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني «أي لم يأذن لي في الخروج إلى الجهاد» وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني، ورآني بلغت.

وهذا الحديث رواه ابن حبان، وأصله في الصحيحين. وهو مذهب جمهور الفقهاء، حتى الصاحبين من الحنفية.

 وجنح الإمام أبو حنيفة إلى الاحتياط فقدر البلوغ - في معزل عن الأمارات، وفي حال اختفائها، كما في حال السؤال– إلى تقدير البلوغ بالسن بأقصاه في الغلام وهو ثماني عشرة سنة، وبأقصاه في الأنثى وهو سبع عشرة سنة.

 والحنفية رجحوا قول الصاحبين على قول الإمام لما ذكرنا، ورسموه بأرقى ألقاب الترجيح عندهم، فقالوا: «به يفتى» أي فلا يفتى بقول الإمام عندهم.

من هذا العرض المبسط لأمارات البلوغ وسن البلوغ، يتضح أن الفقه الإسلامي:

1) يركز - باتفاق أئمته - على الإنزال، باعتباره علامة قاطعة على البلوغ.

 ٢) يقرر أن سن البلوغ عند الجمهور هو سن الخامسة عشرة، فأيما غلام أو غلامة بلغ أو بلغت الخامسة عشرة استكمالًا بالتمديد، من السنين القمرية، اعتبر الغلام بالغًا شرعًا، واعتبرت الفتاة بالغة شرعًا.

وبالبلوغ يصح التكليف الشرعي، والخطاب الشرعي، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي: فيجب الإيمان وتجب الصلاة والصوم، ويرتفع الحجر عنه ما لم يكن سفيهًا، ويصح تصرفه في ماله في وجوه التعامل والمعاوضات، إذا كان رشيدًا.

 وعلى هذا يكون هذا السائل الذي بلغ من السن العشرين مكلفًا شرعًا باتفاق الفقهاء، حتى ابي حنيفة، وحتى الظاهرية، الذين أضافوا سنتين أو ثلاثًا على ما ذهب إليه الجمهور، وهو التمديد بالخمسة عشر. فإذا ترك فريضة أثم، وإذا ألم بمعصية حوسب أمام الله شأنه في ذلك شأن الرجال البالغين تمامًا، في وجوب التزام الأحكام الشرعية. 

أما إنه لم تنبت له لحية، أو لم يطر له شارب أو لم يحتلم فهذا لا تأثير له في الخطابات الشرعية، ولا في توجه التكليف إليه ما دام قد جاوز الخامسة عشرة، وبلغ سن العشرين. وهو مؤاخذ كلما ترك أي الواجبات الدينية.

 بل قد يكون مرد هذا التخلف في ظهور أمارات البلوغ، نقصًا في إفراز بعض الغدد وننصح له بمراجعة الأطباء المتخصصين في هذا الصدد، لأن هذه مسألة طبية لا دينية.

 ونوصي الأخ السائل الكريم، بأن لا يخجل من السؤال عما يشفيه مما يعانيه، ونذكره بأنه لا حياء في الدين، ونشكره على أنه عرض قضيته ملتمسًا لها بعض العلاج! ولو أن العلاج كله في الطب، ونحن أجبناه عما يترتب على تساهله في بعض الدينيات من المؤاخذة الدينية.

ومن قبل امتدح النبي - عليه صلوات الله وسلامه - نساء الأنصار، لأنهن لم يمنعهن الحياء من أن يسألن عن أمور دينهن.

وفي الصحيح أن أم سلمة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فغطت أم سليم وجهها «حياء» وقالت: يا رسول الله؟ وتحتلم المرأة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – تربت يمينك، فيم يشبهها ولدها؟

ونسأل المولى - جل وعز - أن يبصرنا في هذا الدين، وأن يقيض لأخينا السائل من الأطباء من يصف له الدواء الكامل الشافي، الذي ينفع الغلة، ويشفي العلة، ويفيض على نفسه برد العافية وبرد السلام.

ما هو الشرك؟

س 1: ما هو الشرك وما معناه؟ وهل يوجد شرك ظاهر وآخر خفي؟ ولماذا هو من أكبر الكبائر وكيف نشأ الشرك عند الناس؟

م. العوضي - الكويت

وقد أجاب الدكتور محمد حنيف العوضي الباحث في الموسوعة الفقهية على هذا السؤال بقوله: إن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم- وبعد

-يقول الله تعالى على لسان لقمان ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان:13) والحديث عن المثل العليا والكماليات.. دون ربط الموجودات بمصدر الوجود ومنبع الإشعاع ضرب من العبث الذي يفرض عدم الإيمان بواجب الوجود، وهذا الشطط والتجديف والانزلاق، لا يتمسك في بحثه عن الكماليات إلا بالظن، والظن لا يغني عن الحق شيئًا ﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (الأنعام:148) أجل.. الشرك خفيه وجليه ضد التوحيد وتمزق للذات، ومعناه إثبات «ند» وشركاء لله تعالى.. فيما هو خصائص الألوهية والربوبية باتخاذ شريك وثن لله تعالى في ذاته القدسية أو في صفاته العليا أو في أفعاله.

إن الحياة دون شرك، في السير على منهج الله الفطري.. إنها الحياة المطمئنة، لا يهتز فيها أبدًا للهموم. أما المشرك فمهزوز دومًا.. لماذا؟!

 لأن الشرك فوق هذا وذاك تجزئة للذات الإنسانية وتشتت في أفكارها وتمزق في أوصالها، وتفرق في آرائها.

والشرك جلي وخفي على أقسام:

 ۱ - عبادة غير واجب الوجود لذاته.. من حيوان أو أجرام أو قوى طبيعية أو اتخاذ البشر آلهة أو أنصاف آلهة..!

2- إشراك بعض المخلوقات في بعض صفات الله كالاعتقاد بالتثليث وأن الابن وروح القدس -كما زعم النصارى - لهما صفة الأبدية، والقدرة الإلهية والعلم الشامل أو أن للعادة الميتة صفة سرمدية.

3 - اتخاذ بعض الناس بعضهم أربابًا من دون الله «كما فعل اليهود والنصارى» ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ (التوبة:31).

- وإن قيل - كما قال عدي بن حاتم للرسول -صلى الله عليه وسلم- إن اليهود والنصارى لم يعبدوهما نقول -كما أجابهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: على إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا الحرام فاتبعوهم... فذلك عبادتهم إياهم.

إذ بدون المالك لهذا الوجود.. لا يأمر بأفعل ولا تفعل! ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ (الشورى:21).

4- اتباع الهوى والانقياد للنفس ضرب من الشرك «أرأيت من اتخذ إلهه هواه» (الجاثية: 23) وفي زمننا هذا الإله يعبد.

ومن دلائل وحدانية الله تعالى -وهو التوحيد المطلق- ثبات الكون واستقراره على نظام محكم دون أن يتسرب إليه فساد مما يشهد أنه يسير تحت إرادة واحدة كما يشهد ترابط الكون وتناسقه.. إنه تحت يد مالك واحد -سبحانه- وعدم وجود صراع بين أجزاء الكون... إلخ.

لهو خير شاهد على آلهة الفرد الصمد. إما عن نشأة الشرك وتبلوره عند الأمم فيبدو إنها قديمة قدم الزمن، ومما يجدر ذكره بهذا الصدد، إن أمر الشرك كما يتبادر للذهن لأول وهلة لم ينته بل حل محل أنواع الشرك القديمة -كعبادة الشمس والأجرام والنهر والحجر والشجر.. إلخ - والوثن الأكبر عبادة المال والنساء والجاه..

هذا الشرك كما بيناه باختصار وهو باب واسع والله أسأل الثبات والتوفيق على هدى الخالق سبحانه وتعالى.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 8

103

الثلاثاء 05-مايو-1970

محاجر العقيدة الإسلامية

نشر في العدد 414

30

الثلاثاء 03-أكتوبر-1978

للإيمان طريق للإصلاح