العنوان تطوير التعليم الإسلامي في روسيا والحراك ضد التطرف
الكاتب أحمد عبدالله
تاريخ النشر الأحد 01-مارس-2015
مشاهدات 13
نشر في العدد 2081
نشر في الصفحة 48
الأحد 01-مارس-2015
في المؤسسات الإسلامية الرسمية يرتفع صوت الخلاف ووجد
الشباب أنفسهم أمام الاتهام والتشكيك ووضْع العديد منهم تحت المراقبة سواء من
القائمين على المؤسسات الدينية أو من المؤسسات الأمنية
لم تتغير حدة القلق لدى الأجهزة الأمنية الروسية من سفر
الشباب المسلم إلى يومنا هذا.. وتربط هذه الأجهزة بين الترويج للإرهاب داخل البلد
ودراسة بعض الشباب في مؤسسات التعليم الإسلامي الأجنبية
سؤال مطروح: كيفية الخروج من عنق الزجاجة لتمكين الطلاب
من علم شرعي قوي وبرنامج تعليمي وظروف تساهم في تخريج طلاب بعيدين عن الفكر
المتطرف؟
لا تزال
آثار السنوات العجاف التي شهدتها الساحة الإسلامية في حقبة الاتحاد السوفييتي
واضحة إلى يومنا هذا، بالرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمان على انهياره.
التعليم
الإسلامي في روسيا يترنح منذ دخول الدولة في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي، ولم
يصل - إلى اليوم - إلى تحقيق طموحات الطلاب الباحثين عن العلم الشرعي المتخصص، ولم
يصل كذلك لطموحات الدولة الروسية والقائمين على الشأن الإسلامي؛ نتيجة الصعوبات
والتحديات التي تشهدها الساحة الروسية والساحة العالمية سواء بسواء أمام ظاهرة
التطرف.
أسئلة كثيرة
تُطرح منذ سنوات حول كيفية الخروج من عنق الزجاجة، لتمكين الطلاب من علم شرعي قوي،
وبرنامج تعليمي وظروف تساهم في تخريج طلاب بعيدين عن الفكر المتطرف؟
فرصة للسفر إلى الخارج
مع بداية
التسعينيات وانفتاح الدولة الروسية على العالم الخارجي، وظهور الحرية في المجتمع،
ودخول مئات المؤسسات الأجنبية؛ إسلامية وغير إسلامية، للعمل داخل روسيا، ظهرت
إمكانية جديدة أمام المواطنين الروس للحصول على مواصلة التعليم في الدول الأجنبية،
تسابق المواطنون المحرومون من السفر إلى خارج البلد، وعرضت المؤسسات الإسلامية
خدماتها لتوفير تعليم مجاني ومنح دراسية للمسلمين في الجامعات الإسلامية المعروفة،
من بينها الأزهر الشريف، والجامعات الإسلامية في المملكة العربية السعودية، وكذلك
المؤسسات التعليمية في سورية.
للأسف
الشديد رجع العديد من هؤلاء بأفكار جديدة غريبة عن المجتمع والفكر العام السائد،
فجرى التركيز على المظاهر مثل اللحية واللباس، وظهرت أفكار القطيعة مع المجتمع
"الكافر"، والانعزالية والتصادم مع الواقع، إضافة إلى كل هذا فإن
العائدين من الشباب بشهادات علم شرعي وجد نفسه أمام جدران سميكة من المعوقات من
قبل من نَصَّبُوا أنفسهم "مفتين" في الإدارات الدينية المشرفة على الشأن
الديني بين المسلمين، حيث كان هؤلاء "المفتون" الفاقدون لأقل قدر من
مبادئ العلم الشرعي يخافون من فقدان مناصبهم أمام شباب متعلم تحصَّل على شهادات في
مؤسسات تعليمية معترف بمستواها الرفيع في تخريج العلماء والدعاة.
كل ذلك ساهم
في ردود أفعال عكسية، ظهرت في نفور من المؤسسات الإسلامية الرسمية، وبدأ يرتفع صوت
الخلاف، وتوسعت الهوة، ووجد الشباب أنفسهم أمام الاتهام والتشكيك، ووضع العديد
منهم تحت المراقبة؛ سواء من القائمين على المؤسسات الدينية، أو من المؤسسات
الأمنية.
قلق لدى الأجهزة الأمنية
لم تتغير
حدة القلق لدى الأجهزة الأمنية الروسية من سفر الشباب المسلم إلى يومنا هذا، وتربط
هذه الأجهزة بين الترويج للإرهاب داخل البلد ودراسة بعض الشباب في مؤسسات التعليم
الإسلامي الأجنبية، وترى أن انتشار التيارات الراديكالية يتم بواسطة خريجي تلك
المعاهد الدينية الأجنبية.
وقد جرت في
السنوات الأخيرة محاولات لسن قوانين تنظم عملية الدراسة في الخارج، وحصلت مناقشات
طويلة للبحث عن الطريقة المثلى لرفع مستوى التعليم الديني في روسيا، والتقليل من أخطار
القادمين من الخارج وتأطيرهم بعد عودتهم ليندمجوا مرة أخرى في المجتمع بعيداً عن
التأثير الخارجي.
من جهته،
وفي جلسة اللجنة القومية لمناهضة الإرهاب يوم 14 أكتوبر، تحدث مدير هيئة الأمن
الفدرالية الروسية، "ألكساندر بورتنيكوف"، عن عمليات تجنيد المواطنين
الروس من قبل منظمات إرهابية دولية، فقال: "إن عدد المواطنين الروس الذين يتم
إعدادهم في مراكز التعليم الإسلامي الأجنبية كدعاة، كبيرٌ جداً، وإن هؤلاء ما أن
يعودوا إلى الوطن حتى يشرعوا في ترويج أفكار دينية هدامة".
في حين حذر
نائب المدعي العام في روسيا الاتحادية "فيكتور جرين" مما أسماه بـ"الغزو"
من قبل تيارات إسلامية غير معهودة في روسيا، قائلاً: "إن عمليات الغزو التي
كان يقوم بها دعاة أجانب في تسعينيات القرن الماضي تتم الآن، أكثر وأكثر، بواسطة
شبابنا الذين يسافرون إلى الخارج لتلقي التعليم الديني".
رأي القائمين على الشأن الديني
لا شك أن
للأجهزة الأمنية أسبابها لهذا النوع من الخوف، فالأحداث التي شهدتها منطقة القوقاز
ولا تزال، ومشاركة العديد من الروس في المجموعات المسلحة الراديكالية في سورية
والعراق، تؤكد شرعية هذا الخوف، لكن المسألة المختلف فيها: هل المسألة حقيقة تتعلق
بنوع الدراسة التي يتلقاها الطالب في تلك الدول الأجنبية، أم أن المسألة شخصية
وتتعلق بكل فرد على حدة؟ هذا ما أكده نائب رئيس الإدارة الروحية لمسلمي الجزء
الأوروبي من روسيا "د. فريد أسدوللين"، قائلاً: "إن المؤسسات
التعليمية في البلدان العربية لها مكانتها العلمية الرفيعة، وتوفر المعارف في
ميدان الفقه الإسلامي، أما أن يعود الخريج، أو لا يعود، بأفكار التطرف، فتلك مسألة
تتوقف على كل إنسان بعينه، وليس على الدولة، أو الجامعة، التي تلقى فيها علومه
الدينية".
ويستبعد "أسدوللين"
وجود ارتباط مباشر بين تلقي العلوم والراديكالية، ويوضح قائلاً: "ثمة كثيرون
تعلموا في بلدان إسلامية، وأنا منهم، ولكننا لم نصبح راديكاليين، لا أنا، ولا أحد
من معارفي".
ويضيف "أسدوللين"
أن "الكثير يتوقف على عمر من يسافر إلى الخارج قصد الدراسة، فإذا كان لا يزال
في مقتبل العمر فثمة خطر من احتمال تقبله الأفكار المتطرفة، أما إذا تجاوز هذه
السن، فلا خطر من ذلك".
محاولات للحل
لم تتوقف
منذ سنوات محاولات البحث عن بدائل سواء في المؤسسات التعليمية الدينية في روسيا أو
من خلال التوافق مع المؤسسات التعليمية في الخارج، بحيث يكون الطالب تحت المراقبة
والتواصل المباشر معه، لكن الوصول إلى حل كامل وشامل أمر صعب، البعض يقترح أن
يتحصل الطالب على أساسيات المعارف الإسلامية في روسيا قبل التوجه إلى الخارج، وهو
الرأي الذي طرحه مفتي تتارستان "كامل سميجوللين"، بقوله: "إن
الطلاب، قبل أن يسافروا إلى السعودية، وإلى الخارج لتحصيل العلوم الدينية، لا بد
أن يتلقوا المعارف الأساسية عن الإسلام في وطنهم، وإلا سيتشربون كل شيء كالإسفنج،
حقاً كان أم باطلاً، غالباً ما يصعب على الذين لا ينتبهون لذلك الاندماج في بيئتنا
ومجتمعنا بعد أن يعودوا إلى الوطن".
في حين يرى
آخرون أن إيجاد ارتباط مباشر بين نزوع الشباب المسلم نحو الراديكالية والدراسة في
الخارج ليس بالأمر السهل، كما أن عملية ضبط الشباب وفرض أسلوب معين للاعتراف بالشهادة
ليس ممكناً، فيمكن أن يتم مع المبتعثين من قبل الإدارات الدينية والراغبين في
العمل في المساجد التابعة لها، ولكن لا يمكن أن يفرض هذا النظام على غير الراغبين
أو غير المرتبطين بها، إضافة إلى أن منع الشاب من السفر أمر غير ممكن لما يتمتع به
الناس من حرية في التنقل واختيار كل شخص مكان دراسته بحرية، وما يكفله الدستور
الروسي لمواطنيه حول حرية التنقل.
من ناحية
أخرى، يرى المستشرق "أليكسي مالاشينكو"، المتخصص في الجماعات الإسلامية،
أن المشكلة تكمن في اختلاف تعريفنا للراديكالية، وأن البعض يصنف كل ما قد يصدر من
تأويلات للإسلام تغاير ما هو مألوف بالتأويلات الراديكالية، ويلفت الخبير إلى أن
ما يسمى بـ"الإسلام التقليدي، والإسلام غير التقليدي، لا يفصل بينهما سور
صيني، فالأفكار تنتقل من طرف إلى آخر، وإسلامنا (في روسيا) أكثر قرباً للحالة
الطقسية، بينما الإسلام "الجديد" يسعى لتقديم أجوبة عن المسائل المعاصرة
المتعلقة مثلاً بطبيعة السلطة، والدولة، والعدالة الاجتماعية".
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
المدارس الخاصة وضرورة خضوعها لأهداف السياسة الوطنية في التربية
نشر في العدد 116
20
الثلاثاء 05-سبتمبر-1972