العنوان تطوير الجامعة بين الحقيقة والادعاء
الكاتب أحمد البغدادي
تاريخ النشر الثلاثاء 16-مايو-1989
مشاهدات 14
نشر في العدد 916
نشر في الصفحة 12
الثلاثاء 16-مايو-1989
د. عبد المحسن العبد الرازق - مدير جامعة الكويت -
*المشكلة الحقيقية للجامعة تتمثل في انعدام القيم، وقيام الإدارة الجامعية على أساس المزاجية
* الحكومة تتحمل جزءا من المسؤولية في تركها الحبل على الغارب لما يجرى في الجامعة.
شهد المجتمع الكويتي ولا يزال قضية
التطوير الإداري، والذي انتبهت إليها الجهات الرسمية بعد مرور أكثر من ربع قرن على
الاستقلال!، وعلى الرغم من الجهود المبذولة، واللجان المتفرعة؛ لدراسة هذا
الموضوع، إلا أن هذه الجهات لا تزال غير راغبة في مس المعضلة الحقيقية للتدهور
الإداري، والمتمثلة في العلاقة العضوية بين السياسة والإدارة. هذا وقد انتقلت عدوى
التطوير إلى جامعة الكويت باعتبارها جزءًا من المجتمع مع فارق جوهري يتصل بطبيعة
الجانب الأكاديمي، في ظل مسايرة التطور بدأت «القيادات» الإدارية في الجامعة بطرح
توجهاتها الخاصة بهذا الصدد، فاتجهت الى التركيز على البحث العلمي بزيادة المبالغ
المخصصة لأبحاث العلوم التطبيقية دون العلوم الإنسانية، كما وضعت الخطط لتطوير
الدراسات العليا بالعودة إلى منح شهادات الدكتوراة، والتي توقفت الجامعة عن منحها
منذ أمد قريب، ويعتقد «القياديون» أن تطوير الجامعة رهن بمثل هذه القضايا، وأن
الجامعة ستحصل على مكانة مرموقة بين الجامعات ذات السمعة العالمية بمجرد
صرف مبالغ نقدية ضخمة على أبحاث العلوم
التطبيقية، ومنح شهادات الدكتوراة، وبذلك سيتم تخليص الجامعة من السلبيات، التي
تأخذ بخناقها وتجرها إلى الأسفل عاما بعد عام، ولكن هل من الصحيح إمكانية تحقيق
ذلك، كما يأمل هؤلاء «القياديون»؟. إن الإجابة على هذا السؤال يحتاج إلى وضع الملح
في عمق الجرح، والتعرف على الحقيقة حول ما يحدث في جامعة الكويت.
لا بد من الاعتراف أولا أن جامعة
الكويت جامعة إقليمية متواضعة في إمكانياتها العلمية، بالرغم من ضخامة الميزانية،
ومن ثم فالاعتراف بشهادتها العلمية لا بد وأن يكون محدودا بطبيعة الحال، وعلى ذلك
فإن زيادة مخصصات البحث العلمي، ومنح شهادات الدكتوراة لن يجعل جامعة الكويت تجد
لها موضعا إلى جانب الجامعات ذات الشهرة الدولية، مثل: هارفارد ويیل وإکسفورد،
وغيرها من جامعات أمريكا وأوروبا، وحسب علمي أن شهادة البكالوريوس أو الليسانس،
التي تمنحها جامعة الكويت لا تجد لها قبولا لدى بعض الجامعات العربية!!.
إن المشكلة الحقيقية للجامعة تتمثل في
انعدام القيم، وقيام الإدارة الجامعية على أساس المزاجية والشللية والعلاقات
الشخصية، وكذلك عدم الالتزام باللوائح والقوانين المنظمة لعمل الجامعة بشقيه
الإداري والأكاديمي، وكل ذلك على حساب الجانب الأكاديمي، والذي يفترض أن تكون له
المكانة اللائقة والاحترام المناسبان، والمصيبة أن لا أحد يريد الاعتراف بذلك.
إذا نظرنا على سبيل المثال إلى الجانب
الإداري لوجدنا أن الجامعة بقيادة مديرها الحالي قد استحدثت فيها مناصب إدارية
عديدة غير قانونية، وليست ضرورية مثل مناصب مساعدي المدير ومعاونيهم، كذلك نجد أن
مساعد المدير لشؤون التخطيط ليس كويتيا، وكأن الكويت عاجزة عن توفير من يصلح لهذا
المنصب من الكويتيين.
ويلاحظ بالنسبة لمنصب معاون مساعد مدير
الجامعة أن الاختيار لملء هذا المنصب يتم على أساس العلاقات الشخصية، ومزاجية
مساعد المدير بالدرجة الأولى، وإلا كيف نفسر اختیار مدرس كمعاون وأستاذ أيضا
كمعاون مع اختلاف تخصصات كل من المساعدين للمدير بالنسبة للشؤون الأكاديمية
والعلمية!.
مما يدل على التدهور أيضا اختيار عضو
هيئة تدريس يحمل شهادة دكتوراة؛ ليكون رئيس تحرير مجلة «آفاق»، وما مجلة «آفاق»؟،
والمصيبة أن يحتفل بمرور عشر سنوات على إنشائها بصورة احتفال رسمي، وهو ما لم يحدث
بالنسبة للدوريات الأكاديمية!، كما لا يفوتني الإشارة إلى منصب دون الأمين العام
في الجامعة، والذي يحمل دكتوراة في
الكيمياء في حين أن متطلبات المنصب تحتاج إلى المؤهلات الإدارية، ثم بعد
هذا كله يتحدث «القياديون» عن السعي؛ لرفع المستوى الأكاديمي في الجامعة، وهم أنفسهم يعملون على تشتيت
الكفاءات العلمية الكويتية، وتضييع جهودها في المناصب الإدارية.
•لابد من تحديد صلاحيات العمداء، والحد من
تدخلهم في شؤون الأقسام العلمية واللجان التابعة لها.
وهناك أيضا منصب مدير مجلس النشر،
والمسؤول عن الإشراف على الدوريات العلمية في الجامعة، هل من الممكن أن نصدق أن
يتم انتداب أو تعيين دكتور كويتي في هذا المنصب كان يعمل أصلا في البلدية!، ولا
أريد التعليق على هذا الأمر.
أما قضية الشللية، وتخطي اللوائح والقوانين،
فسوف نعطي لها الأمثلة التالية:
قرار السيد مدير الجامعة رقم ٢٦٨
بتاريخ 1986/4/9 فيما يتصل بانتداب مدرس كويتي خارج الجامعة، هذا القرار يحتوي على
أربع مخالفات قانونية صريحة، ولدينا المستند الذي يثبت ذلك.
2-الرسالة التي وجهها أحد الدكاترة من قسم الهندسة
الكيميائية إلى السيد مدير الجامعة بتاريخ 23/۱۲/1989، والتي تتضمن اتهاما صريحا للسيد
مساعد مدير الجامعة للشؤون العلمية بالتدخل في قضايا تجديد العقود، وكونها تخضع
لمزاجية القائمين على الأمر.
٣–
قيام
السيد مدير الجامعة مؤخرا بالتوقيع على قرار تعيين أحد الدكاترة الكويتيين بعد
تخرجه على الرغم من توقيف بعثة هذا الدكتور قبل ستة أشهر على تخرجه، ووجود توصية
بسحب البعثة منه؛ بسبب مخالفته للائحة البعثات، الأمر الذي أحدث إشكالا عند التقدم
لتعيينه، وفجأة وبدون مقدمات تبين وجود رسالة رسمية تظهر بوضوح تدخل العمادة
والإدارة الجامعية بجهتها المختصة في هذا الأمر بشكل غير قانوني؛ حيث تم تجديد
بعثة هذا الدكتور بعد تخرجه بأثر رجعي دون مشاورة لجنة البعثات في القسم، الذي
ينتمي إليه، ولم يكلف السيد مدير الجامعة نفسه عناء حتى مجرد الاتصال برئيس القسم
العلمي؛ للتعرف على الأسباب التي تحول دون التعبين. ومن الطريف أن هذا القسم
العلمي يتواجد فيه عدد من الدكاترة الكويتيين، الذين كتبوا موضوعات أطروحاتهم
للدكتوراة، مما ليس له علاقة بالتخصص الأكاديمي لهذا القسم.
1– تدخل العمادة في إحدى الكليات والضغط على لجنة
التعيين في أحد الأقسام العلمية؛ لتعيين دكتور غير كويتي حديث التخرج، ويبلغ من
العمر خمسين سنة؛ حيث إنه من مواليد ۱۹۳۸، كما أن هذا القسم ليس بحاجة لتخصص
هذا الدكتور. والحمد لله أن العمادة لم تنجح في مسعاها؛ نظرا لصلابة موقف لجنة
التعيين.
من كل ما تقدم يتبين بوضوح أكذوبة
الادعاء بالحرص على تطوير الجامعة ومستواها الأكاديمي، وأما فيما يتصل بالأبحاث،
فإن الشللية والمزاجية تلعب دورًا كبيرًا؛ إذ إن انعدام القيم يؤدي إلى حقيقة
مؤلمة مفادها أن مقدار المبالغ النقدية المخصصة للأبحاث العلمية سيعتمد بالدرجة
الأولى على مدى قوة العلاقة الشخصية، التي تربط صاحب البحث بالمستويات القيادية
سواء في الكليات أو الإدارة الجامعية.
ما الحل؟ لا مفر من الاعتراف أن
الحكومة تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية في تركها الحبل على الغارب لما يجري في
الجامعة، وإذا كان بعض أعضاء هيئة التدريس يعلمون الكثير عن المخالفات، التي تحدث
داخل الجامعة، فمما لا شك فيه أن الحكومة تعلم الكثير، ولكن للأسف تتجاهل ما يحدث؛
نتيجة الانشغال بما تعتقده الحكومة أكثر أهمية من قضايا الجامعة والتعليم،
والحكومة قادرة على تصحيح الوضع من خلال إنشاء لجنة قانونية متخصصة دائمة الانعقاد
للنظر في مدى قانونية كل قرار يصدر من الجامعة على اختلاف مستوياتها، وألا يعمل
بالقرار إلا بعد إثبات قانونيته. بهذه الطريقة لن يجرؤ أحد على إصدار أي قرار غير
قانوني؛ لأن اللجنة ستكون له بالمرصاد.
كذلك لا بد من تحديد صلاحيات العمداء
والحد من تدخلهم في شؤون الأقسام العلمية واللجان التابعة لها، وأن تكون لهذه
اللجان سلطة إصدار القرارات، وليس مجرد التوصيات كما هو حاصل حاليا.
بدون هذا كله لن يكون ما ورد في هذا
المقال سوی کلمات ستذهب أدراج الرياح، ولن ينفعنا النياح، والندب على ما يحدث في
الجامعة حين يفوت الفوت.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل