العنوان تعليقًا على سلسلة «في فقه السياسة» الإسلام والسياسة والحكومة المعاصرة
الكاتب د. عصام العريان
تاريخ النشر السبت 05-مايو-2001
مشاهدات 17
نشر في العدد 1449
نشر في الصفحة 66
السبت 05-مايو-2001
كتب الدكتور بسطامي محمد خير، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة برمنجهام بإنجلترا، سلسلة قيمة تحت عنوان: «في فقه السياسة» «المجتمع ١٤٣٥- ١٤٣٩»، تناول فيها تطور العلوم السياسية الإسلامية، ومتى يكون الحكم إسلاميًا؟ والإسلام والحكومة المعاصرة، ونقد نظرية الوحش الأسطوري، ونظرية الدولة الحارس.
وقد أثارت السلسلة إعجابي، وتمنيت لو استمرت لسد خلل يصيب الحياة الفكرية والثقافية الإسلامية، إلا أن الكاتب توقف عندما كان ينبغي أن يستفيض.
أعدت قراءة ما كتب مرات مما دفعني لكتابة هذا التعليق، لعله يفتح الباب لتعليقات أخرى تكون محلًا للاتفاق والاختلاف، فما زال المسلمون بحاجة إلى دراسات متعمقة حول فقه السياسة.
وليسمح لي الدكتور بسطامي بالاختلاف معه حول ردوده على الفكرة الشائعة عن النصيب الضئيل للعلوم الإسلامية في الفكر الإسلامي ولعله اكتفى بالنقل عن أحد خصوم العمل السياسي الإسلامي المشهورين، وهو علي عبد الرازق، ليدلل على عدم صحة هذه المقولة، ولكني أحيله إلى كتابات الكثيرين من المفكرين والدعاة والعاملين في حلبة الحركة الإسلامية، بل والدارسين الأكاديميين، ولعله هو نفسه من بينهم.
وبعيدًا عن الصعاب التي أتفق معه حولها،
فإنني أشير إلى بعض الأسباب التي أدت إلى ضمور الفكر السياسي عند المسلمين:
- تحول الحكم الإسلامي عن الشورى.
- انتقال المعارضة الإسلامية إلى العنف والعمل السري والحركات الثورية.
- انفصال قاعدة المجتمع في الغالب الأعم عن الحكم، وكان الفقهاء في مجموعهم في صف الأمة التي غابت عن المشاركة.
- تركيز الكتابات الإسلامية القديمة حول السياسة على معالجة المشكلات الواقعية فقط دون البحث في أصول الحكم، وإيجاد نظرية في السياسة والحكم والإدارة.
- التدهور الكبير الذي لحق الخلافة الإسلامية ثم سقوطها.
- حداثة العلوم السياسية المتخصصة في البلاد الإسلامية المعاصرة، ونشأتها في الجامعات المدنية التي لا صلة لطلابها بالعلوم الإسلامية أصلًا.
- الحاجة إلى دراسات إسلامية معاصرة، عندما ظهرت الحركة الإسلامية المعاصرة، أعادت طرح صلة الإسلام بالسياسة بقوة، وأعادت الأمل في نفوس المسلمين لقيام دولة إسلامية تتبنى النظام الإسلامي في الحكم والإدارة، وجاهدت طويلًا في إحداث نقلة نوعية على الأصعدة كافة.
فعاد الحديث عن العلاقة بين الإسلام والسياسة، وتطور الحديث إلى قضايا الإسلام والحكم وطبيعة الحكومة الإسلامية.
ثم ظهرت الدراسات الأكاديمية حول نظرية الإسلام السياسية في الكليات الجامعية العصرية، ثم انتقلت مؤخرًا إلى الجامعات الإسلامية.
ولا نستطيع في هذه التعليقات أن نتتبع مساهمات الحركة الإسلامية في هذه العلوم، فهذا مجال الدراسات الأكاديمية والبحوث السياسية، إلا أنني أتوقف قليلًا أمام إسهامات رائدين من رواد العمل الإسلامي في القرن المنصرم هما الشهيد حسن البنا، وأبو الأعلى المودودي يرحمهما الله.
استمد حسن البنا -يرحمه الله- رؤيته للدولة والحكومة في الإسلام بعد أن وضعها على رأس أولويات حركته بسبب زوال الخلافة الإسلامية من مصادر ثلاثة:
- الأصول المرجعية الإسلامية: القرآن والسنة.
- إسهامات الفقهاء والمفكرين قبله وفي حياته.
- الواقع الذي عاشه واختلط به واندمج في قضاياه والذي كان يتبع الأسلوب الغربي في الحكم والإدارة.
ولقد قدم الصديق الأخ الدكتور إبراهيم البيومي غانم في رسالته للماجستير حول الفكر السياسي عند البنا، ونال بها درجة الماجستير بامتياز عام ۱۹۹۰م، تفصيلًا مطولًا عن هذا الموضوع لمن أراد الرجوع إليه.
وبالرجوع إلى ما كتبه الإمام البنا نجد نقطتين مهمتين:
الأولى: تسليم البنا بضرورة الاقتباس من التجارب المعاصرة في السياسة والحكم والإدارة، مع النقد الكامل لها من منظور إسلامي، فليس كل ما جاءنا من الحضارات الأخرى شر، كما أن الانسياق في تقليد ما أنتجته الأمم المعاصرة يفقدنا تميزنا الحضاري.
الثانية: تصوره لواجبات وشروط ومهام الحكومة الإسلامية، وهي تدلل بوضوح على أنها أكبر من مجرد دولة حارسة.
وفي النقطة الأولى يقول الإمام حول الأصل الفكري للمسألة: «وقد اتصلت هذه الأمم الإسلامية بغيرها من الأمم، ونقلت كثيرًا من الحضارات، ولكنها تغلبت بقوة إيمانها ومتانة نظامها عليها جميعًا، فعربتها أو كادت، واستطاعت أن تصبغها وأن تحملها على لغتها ودينها بما فيها من روعة وحيوية وجمال، ولم يمنعها أن تأخذ النافع من هذه الحضارات جميعًا من غير أن يؤثر ذلك في وحدتها الاجتماعية أو السياسية».
ولذلك صرح بصورة قاطعة وهو يتحدث في المؤتمر الخامس للإخوان المسلمين عام ۱۹۳۸م- ١٣٥٧هـ بالقول: «الواقع أيها الإخوان أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في:
- المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها.
- وعلى الشورى واستعداد السلطة من الأمة.
- وعلى مسؤولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال.
- وبيان حدود كل سلطة من السلطات.
هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم، فجلى البنا بذلك الموقف من نظام الحكم الدستوري عامة، والدستور المصري وقتها خاصة، وهو تطبيق عملي للأصل الذي سبق.
وفي القضية الثانية: يقول البنا حول طبيعة ومهام الحكومة عند حديثه حول ركن العمل من أركان بيعة الإخوان، محددًا مراحل العمل المطلوب من الأخ الصادق بعد إصلاح النفس وتكوين البيت وإرشاد المجتمع وتحرير الوطن «وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدي مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها، وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤيدين لفرائض الإسلام غير مجاهرين بمعصية، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس بأن تستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة، ولا عبرة بالشكل الذي تتخذه ولا بالنوع، ما كان موافقًا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي
ومن صفاتها: الشعور بالتبعية، والشفقة على الرعية، والعدالة بين الناس، والعفة عن المال العام، والاقتصاد فيه.
ومن واجباتها: صيانة الأمن وإنفاذ القانون، ونشر التعليم وإعداد القوة، وحفظ الصحة، ورعاية المنافع العامة، وتنمية الثروة وحراسة المال، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة».
ومن هذا النص يتبين أن دور الحكومة في رؤية البنا لا تقتصر على الحكومة الحارسة فقط، بل تتعدى ذلك بكثير، فلماذا كانت هذه الرؤية؟ وعلى أي أساس استندت؟ وما المهام التي تقوم بها الحكومة في ظل نظام إسلامي؟
يتبع
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالإفراط والتشدد في القضايا الفرعية.. عبث لا يحقق مقاصد الدين
نشر في العدد 1764
88
السبت 11-أغسطس-2007
«تحرير الإسلام» على المستوى الشعبي والرسمي ضرورة لإنقاذ الأوطان وتوحيد الأمة
نشر في العدد 1766
81
السبت 25-أغسطس-2007