; معالم على الطريق.. تغيير النفوس ضرورة . | مجلة المجتمع

العنوان معالم على الطريق.. تغيير النفوس ضرورة .

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 19-يوليو-2008

مشاهدات 17

نشر في العدد 1811

نشر في الصفحة 37

السبت 19-يوليو-2008

يمتاز الإنسان عن غيره من المخلوقات بأنه صاحب تفكير، وحامل عقل، فإذا عطل تفكيره وأهمل عقله، كان أشر من الحيوان وأدنى مخلوقات الله، كما أن حضارة الأمم ونهضة الشعوب تكون نتاج التفكير وثمرات العقول، فمن ضاع تفكيره وعطل عقله، تعطلت بالتالي حضارته وشلت بالتأكيد نهضته، وهذه سنة البشرية في الغابرة وحديث الأيام والليالي للحاضرين.

أشاب الصغير وأفنى الكبير               كر الليالي ومر العشي

إذا الليلة هرمت يومها                     أتي بعد ذلك يوم فتي

فإن للأيام والليالي أحاديث وإشارات وتصورات قد تكون أبلغ من ناطق، وأنصح من خطيب وأصدق من واعظ، فمن كان أصم وأعمى في واقعه سيظل في الحياة أعمى وأضل سبيلا، وهذه حال الأمم الخاملة والنائمة وستظل إذا لم يكن لها بصيرة كاشفة.

الحال باقية كما صورتها                   من عهد آدم ما بها تغيير

البؤس والنعماء على حاليهما            والحظ يعدل تارة ويجور

ومن القوي على الضعيف مسيطر     ومن الغني على الفقير امير

والنفس عاكفة على شهواتها             تأوي إلى أحقادها وتثور

هذا وقد نبهنا الله سبحانه إلى مفاتيح شخصية الإنسان الحضارية والتغييرية التي يملكها، ومن أهمها التفات الإنسان إلى إصلاح نفسه أولًا، وإنهاض روحه ثانيًا، وأن مشيئة الله في تغيير حال الشعوب إنما تجري وتنفذ من خلال حركة هؤلاء الأقوام أنفسهم، وتغيير اتجاههم وسلوكهم تغييرا شعوريًّا وعمليًّا، فإذا غيَّر القوم ما بأنفسهم اتجاهًا وعملًا غيَّر الله حالهم وفق ما غيَّروا هم أنفسهم، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69)

فالإنسان يملك زمام أمره، وقد جعله الله صالحًا للتأخر والتقدم والفلاح والبوار، ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (الشمس: 7 – 10) والله سبحانه وتعالى يضل من أضل نفسه، وعطل مواهبه وملكاته ولهذا قال تعالى ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال: 53).

يقول ليو تولستوي: «نعيش في عالم يفكر فيه كل الناس في تغيير العالم، لكن لا أحد يفكر في تغيير ذاته»، من السهل على أي إنسان أن يفكر في تغيير العالم. فهو بذلك يفكر في تغییر شيء خارج عنه، ولكنها مهمة صعبة تمامًا، فتخيل كل الأشياء التي يجب تغييرها ليتغير العالم أليس أسهل من ذلك أن يغير كل شخص نفسه ويغيِّر نظرته للعالم؟ قد يكون الخطأ الذي يراه في العالم كامنًا فيه، ألا يمكن فعلًا أن يكون الخطأ الذي يراه في العالم موجودًا في نظرته هو وليس في العالم نفسه؟

تلك هي الحقيقة التي توصلت إليها البشرية اليوم بعد تاريخها الطويل، فقد توقفنا مؤخرًا عن محاولاتنا الفاشلة لتغيير العالم، وبدأنا نحاول أن نغير ما بأنفسنا، لكن يجب أن يتم التغيير بناء على التفكير وليس فقط حبًّا في التغيير، فإذا أردت أن تصبح أفضل وأنجح مما أنت عليه الآن فعليك أن تدرك أن هذا لا يحدث بشكل تلقائي إذ لابد من البحث والتأمل والمراجعة المستمرة.

فهذا هو الاستثمار الذي تضعه في عملية التغيير فالفائدة الناتجة من الاستثمار في الأذهان خير ألف مرة من الفائدة الناتجة من الاستثمار في مناجم المعادن النفيسة، فالمعادن النفيسة تنضب وتفنى، ولكن الأذهان النفيسة تنتج أذهانًا على شاكلتها وأفضل منها، وتستمر في تنمية الأجيال القادمة، فالتفكير السليم هو أفضل هدية وميراث تتركه لمن يخلفك: لأنه

لا ينتهي.

ولهذا نبه القرآن على تغيير النفوس ورتب عليه تغيير الأحوال فقال، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْۗ﴾ (الرعد: 11) فهو يتعقبهم بالحفظة من أمره؛ لمراقبة ما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم. فيرتب عليه الله تصرفه بهم فإنه لا يغير نعمة أو بؤسًا ولا يغير عزًّا أو ذلة، ولا يغير مكانة أو مهانة، إلا أن يغيِّر الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم، وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم، ويجيء لاحقا له في الزمان بالقياس إليهم.

وإنها لحقيقة تلقي على البشرية تبعة ثقيلة، فقد شاء الله وجرت سنته أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر، وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم. ولله در القائل: «أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم»، فالجهاد الحقيقي هو في النفس التي بين جنبيك، إن انتصرت عليها كنت على غيرها أقدر، وإن عجزت أمامها كنت على سواها أعجز.

فالفارق الوحيد بين الإنسان الفاشل والناجح هو التفكير، قد يختلف الناس في حظوظهم وظروفهم لذا فهذه الأشياء لا تصلح مقياسًا للنجاح، أما التفكير فيملكه كل الناس بالتساوي منذ مولدهم. ولكن بعضهم يتجه به وجهة إيجابية فينجحون، ويتجه به آخرون وجهة سلبية فيفشلون، ونحن لسنا بدعا من هؤلاء وأولئك وما أصبح ينفع «كنا».. و«كانوا». 

قد كان جامعنا في الأرض قاطبة       بالعلم أعلام خصت بتفضيل

لم يغن كان، وكنا في الحياة ولا         يجدي سوى عمل يقضي بتبديل

فهل نعي كما وعت أوائلنا ونسمع قول ربنا سبحانه، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْۗ﴾ إذن فتغيير النفوس هو تغيير الأحوال، فهل نفقه ذلك؟ والله نسأل أن يوفق وأن يعين. آمين آمين.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل