الثلاثاء 21-نوفمبر-1989
مازالت قضية الحجاب في فرنسا، والتي
أثارها فصل طالبات محجبات من أصل مغربي من فصولهن تتفاعل في الأوساط الثقافية
والسياسية، وقد اتخذت منها اتحادات وجمعيات وهيئات إسلامية بفرنسا موقفًا مؤيدًا
لوزير التربية الفرنسي ليونيل جوسيان، الذي طالب بالسماح للمحجبات بالدراسة في
المدارس الفرنسية، ومعارضًا لكل الذين هاجموا الحجاب وتجاوزوه إلى الهجوم على
الإسلام عمومًا، والتشهير بموقفه من المرأة، واعتباره دينًا متخلفًا يحجر على
النساء حريتهن.
وقد كان الاتحاد الوطني لطلبة
الكويت- فرع فرنسا في مقدمة المنتقدين لعملية منع الفتيات المسلمات من ارتداء
الحجاب أثناء حضورهن الدراسة في المدارس الفرنسية، وقد أصدر بيانًا أوضح فيه
بالخصوص أن مسألة منع الفتيات من الدخول للفصول الدراسية بسبب إصرارهن على تغطية
رؤوسهن بالحجاب هي مسألة المسلمين جميعًا، ولكن يبدو من الواضح أن المسلم ليس لديه
حقوق هنا «يعني في فرنسا»، ولا يستطيع التمتع بحريته، وتأمل الاتحاد الوطني
لطلبة الكويت في ختام بيانه عما إذا كان الحجاب يمنع تطور العلم أم أنها حملة
صليبية جديدة ضد المسلمين.
خمسون من أعضاء المجلس النيابي
الفرنسي المنتمين للحزب الاشتراكي الحاكم وجهوا رسالة مفتوحة لوزير التربية ليونل
جوسبان، يعارضون فيها موقفه من قضية الحجاب، ويدافعون عن اللاييكية التي يعتبرونها
مكسبًا لا يمكن التفريط فيه بأية حال من الأحوال.
مجموعة من المثقفين أمضوا نداء وجهوه
لكل مدرسي فرنسا بعنوان «أيها الأساتذة لا تستسلموا!».
حتى بعض العرب المقيمين في فرنسا
والمناهضين للحجاب أدلوا بدلوهم، فعارضوا وضع الحجاب، واعتبروه مهينًا للمرأة في
العصر الحاضر.
وحتى يطلع قراؤنا على الضجة القائمة
حول هذا الموضوع، نورد لهم بعض المقتطفات من مقالات أوردتها مجلة فرنسية، ونترك
لهم أن يعلقوا عليها بأنفسهم.
جاء في نداء تحت عنوان «أيها
الأساتذة لا تستسلموا» وقعه عدد من المثقفين الفرنسيين، وهو موجه لوزير التربية
الفرنسي ما يلي:
«السيد الوزير» إنك
تقول من الأفضل أن نهدئ الخواطر دون أن نقدم ما يريده المتعصبون، وهكذا تقولون قد
أنقذتم الأمن المدرسي والأمن الاجتماعي بواسطة تنازلات جزئية وأقفلتم الباب
نهائيًّا في الأمور الأساسية».
إنك تقول يا سيادة الوزير: إن الرفض
مرفوض.. ورغم تأثرنا بطيبتك نجيبك بأن المنع مسموح.
إن التفاوض مثلما تقومون به معلنين
أن مثل هذه الدبلوماسية لا تفعل سوى أنها تقوي أولئك الذين تريد تطويقهم- وإذا ما
طالبوا في الغد بإبعاد سبينوزا وفولتير وبودلير ورمبوا من دراسة أطفالهم،
واعتبروهم كسلمان رشدي، فكيف نرد طلبهم؟ هل نفعل ذلك بالرفض؟ تقولون: «لنستقبل كل
الأطفال» نعم، ولكن ذلك لا يعني أبدًا أن ندخل معهم دين آبائهم كما هو.
إنك بالسماح بوضع الوشاح الإسلامي
كواقع وهو علامة الخضوع النسائي، تفتح باب التسلط عليهن أمام الآباء والإخوة، وهذا
يعني النظام الأبوي الأكثر قسوة في العالم. وفي نهاية الأمر ليس احترام المساواة
بين الجنسين والحرية الشخصية هي التي لها الكلمة العليا في فرنسا.
فبجملة
واحدة جردت من السلاح آلاف الشباب المسلم الذين يناضلون هنا وهناك من أجل كرامتهم
ونصيرهم المؤكد ضد التسلط الأبوي، كانت المدرسة اللاييكية مدرسة الجمهورية، واليوم
ها هم قد خسروها».
وإن
الحياد لا يعني الموقف السلبي، ولا تعني الحرية التسامح السهل، فهل في الوقت الذي
بدأت تظهر فيه رغبة الديانات في القتال، يجب أن نفرط فيما كنتم
تسمونه «لاييكية النضال» من أجل المشاعر الطيبة، إن اللاييكية كانت ولا تزال
من ناحية مبدئية معركة مثلها مثل المدرسة الجمهورية.
وقد عرض النداء الآنف الذكر على بعض
المثقفين من أصل عربي وإسلامي، ولكنهم تغربوا بالكامل، فعلقوا عليه مخاطبين أبناء
جلدتهم بقولهم: «لا تتركوا الكلمة للمتعصبين» وأهم ما جاء في تعليقهم ما يلي: إن
أهم ما نريد التذكير به أن قضية الحجاب لا تطرح اليوم كمشكلة دينية ولكن كمشكلة
اجتماعية وسياسية: « إنها مشكلة وضع المرأة المسلمة في المجتمع اللاييكي»
إننا بسماحنا للأصوليين بوضع الحجاب تمكن الجزء الأكثر تخلفًا في المجموعة من دور
القيادة والتمثيل، ونضع القوى اللايكية التي تشكل النساء جزءًا منها في وضع صعب».
يبدو مما
ذكر سابقًا أن العلمانيين الذين يعززون موقفهم بالمستغربين العرب والمسلمين،
يحاولون من خلال وسائل الإعلام وبعض الصحف المعروفة بعدائها للإسلام، وبشتى الطرق
أن يؤلبوا الرأي العام الفرنسي على موقف وزير التربية الفرنسي الذي اتخذ موقفًا
يوم الأحد 22/10/89 بالسماح بدخول الحجاب الإسلامي المدارس الفرنسية، ويتآمر
العلمانيون ضد جوزيبي، وقد وصل بهم الأمر بأن طالبوه بالاستقالة، وقد تسبب هذا
الموضوع في انقسام في صفوف الحزب الاشتراكي الفرنسي، فوقف لوران فابيوس رئيس
البرلمان إلى جانب العلمانيين المعارضين لدخول الحجاب إلى المدارس الفرنسية، في
حين وقف رئيس الجمهورية فرنسوا ميتران ورئيس الوزراء ميشال روكار إلى جانب جوسيان،
وإذا كنا لا نستغرب من بعض الفرنسيين مواقفهم العدائية للإسلام والمسلمين؛ لأنهم
لم يتخلصوا بعد من الفكر الصليبي الاستعماري ومن فهمهم للماضي، فإن موقف بعض العرب
والمسلمين هو الذي يثير الاستهجان والأفكار، فلنستمع إلى أحدهم المدعو هيثم منا
والذي حاورته مجلة نوفال أبسرفاتور حول هذا الموضوع..
سؤال: من المعروف أن النساء حسب ما
جاء في القرآن لا يتساوين مع الرجال، وهن قاصرات على الدوام، ويجب عليهن الطاعة
والخضوع للرجال المطالبين «بضربهن عند اللزوم».
الجواب: لا شك في ذلك والآية التي
تشير إليها تبدأ بقاعدة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء:
34)، وهذا التفوق يقوم على أساسين: الأساس الأول مبدئي وهو أن الله أراد ذلك،
والثاني واقعي وهو أن الرجال يصرفون على العائلة، ولكني عرفت منذ صغرى أن هذا ليس
دائمًا صحيحًا، فبفضل مرتب والدتي عشت أنا وإخوتي الخمسة، فقد حكم على والدي
بالأشغال الشاقة المؤبدة لأسباب سياسية وعمري ١٥ سنةً.
في الحقيقة المسلمون في فرنسا وفي كل
مكان يجدون أنفسهم أمام مأزق ومشكل لا يمكنهم حله إذا هم طبقوا الأوامر القرآنية
الظرفية بحرفيتها «كما يريد الأصوليون»، فلماذا التوقف في وسط الطريق، مادام
القرآن لا يحدد عدد العبيد «الأرقاء» والإماء أسرى الحرب اللاتي يسمح للرجال
بأن يتزوجوهن، فلنعد كمسلمين حقيقيين عصر العبودية والتحارب من أجل تعمير بيوتنا
بالحريم».
هذا نموذج من أقوال هذا المارق ولا
داعي لأن نكشف تغریبه أكثر من خلال بقية أقواله التي تعرض فيها لما كان المستشرقون
قد سبقوه فيها، كقضية زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن دافعوا عن اللايكية
والاختلاط كقاسم أمين وعلي عبد الرزاق واضع كتاب الإسلام وأصول الحكم منذ عام ١٩٢٥.
إذن
الحملة على الإسلام في فرنسا بمناسبة هذه القضية مستعرة تقودها وسائل الإعلام
المتحاملة وشخصيات سياسية معروفة. وفي ليلة 12/11/89 دخل التلفزيون الفرنسي
هو الآخر هذه الحملة بعرضه ندوة حول قضية الحجاب، أشرك فيها عددًا من الشخصيات
الإسلامية والعربية وممثلين عن الديانات الأخرى ونوابًا فرنسيين، وحضر هذه الندوة
الطفلة فاطمة عشيون «وهي إحدى اللواتي أثرن هذه القضية بسبب إصرارها على عدم
نزع حجابها في المدرسة» مع والدها وعندما اتهم الأب بأنه يعرض ابنته لدعاية
إعلامية بسبب إلزامها بالحجاب أجاب قائلًا: «إن ابنتي تتقيد بالحجاب منذ
سنتين، وعندما استدعاها مدير المدرسة هذا العام وطلب منها نزعه كشرط لدخول المدرسة
رجعت مع أختها إلى المنزل، معربة عن رفضها، ولم أجبرها على ارتداء هذا الحجاب،
ونفى والد الطفلة انتماءه لأي من التنظيمات الدينية المتطرفة التي كانت ممثلة في
الندوة، وقال: نحن مسلمون، وأعيش في ضاحية كراي منذ عشرين عامًا، ولا يعرف عني أي
نشاط سياسي أو ديني.
والذي يبرز من خلال هذه المناقشات
الحامية؛ سواء على صفحات المجلات والجرائد الفرنسية، أو على شاشات التلفزيون
الفرنسي، هو أن الضغوط تتزايد على أولئك الساسة الذين وقفوا إلى جانب الحريات
الشخصية، وفي مقدمتهم الرئيس ميتران وزوجته دانيال التي قالت ما معناه: إذا
كانت ديمقراطيتنا لا تتسع لقضية كقضية الحجاب، فهي ليست بديمقراطية، ولا غرابة أن
يقول بعض الفرنسيين مثل هذا الكلام وهم يحتفلون بالعيد المئوي الثاني للثورة
الفرنسية التي يفخرون بأنها ثورة الحرية وأساس الديمقراطية.
ولكن السؤال هو: لماذا ينبري ساسة
آخرون لتسليط ضغوطهم على الحكومة الفرنسية الحالية. من أجل تغيير موقفها من هذه
القضية، ويحرضون عليها الرأي العام الداخلي، مشوهين الإسلام ومخوفين منه في نفس
الوقت. إن مثل هذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على أن النعرة الصليبية ما زالت
متغلغلة في أحفاد الفرنجة، ولولا ذلك ما دفعوا بالأمس القريب بأساطيلهم تجاه شواطئ
لبنان من أجل حماية المسيحيين، وكأن المسيحيين وحدهم يعانون في لبنان. إن هذه
الضجة على الحجاب في فرنسا تتوافق مع ادعاء ممثل الفاتيكان في الأمم المتحدة منذ
أيام قلائل بأن المسلمين عنصريون، وأنهم يجبرون غير المسلم في بلادهم على
العمل بشرعة الإسلام؛ ليبين بما لا يدع مجالًا للشك أن الفرنسيين والإيطاليين وكل
ذوي الأصول اللاتينية لم يتخلصوا بعد من صليبيتهم، وأنهم يقدمون القضايا
الشخصية والفكرية والثقافية في مواجهتهم للمسلمين على القضايا الاقتصادية التي
يعيرها الأنجلوسكسون المرتبة الأول. فهذا منيستيو لوفيفر الذي يمثل الجناح المتطرف
من الكنيسة الكاثوليكية يحذر الفرنسيين في مؤتمر صحفي من مغبة تحول فرنسا إلى مدن
كمكناس والرباط ويقول: «وعندئذ سيحتجز المسلمون بناتكم وسيقتلون نفوسكم لأن
الإسلام ينص في تعاليمه على قتل المسيحي لبلوغ الجنة».
إن مثل
هذه التعبئة المغرضة ضد الإسلام هي التي جعلت السلطات الفرنسية المنافقة تسمح
مثلًا لأطفال اليهود بأن يتغيبوا عن دروسهم في المدارس الفرنسية أيام السبت،
وتعفيهم من الواجبات في هذا اليوم دون أن تثير حول ذلك ضجة مثل هذه الضجة التي
تثيرها ضد المتحجبات المسلمات، وأن مثل هذه التعبئة المغرضة هي التي جعلت بعض
الجمعيات ترفع قضية الحجاب على المجلس الأعلى للدولة في فرنسا ليبت فيه وكأنها
بذلك تريد أن تلوي ذراع من سمح بارتداء الحجاب ومن كان كلامه مطابقًا لتصرفه في
رفعه لشعار الحريات الشخصية.
ونخلص من هذا كله إلى أن قضية
الإسلام هي قضية المسلمين جميعًا وقضية علمائهم وأقلامهم، والتي لابد أن تتجرد
لتوضيح الحقائق وكشف الغشاوات ليس أمام الرأي العام في البلاد الإسلامية؛ بل أمام
الرأي العام في بلاد العالم كلها، بعد أن صار هذا العالم كأنه قرية صغيرة، ما يحدث
في جانب منها سرعان ما يعلم به جميع سكان القرية. إن ثورة الإعلام وأجهزة الاتصال
الحديثة لم تترك أمامنا مبررًا للتقاعس في الرد على المغرضين.
فهل ترانا نقوم بواجبنا بما يمليه
علينا ديننا وإيماننا؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالعادات الاجتماعية بالدول العربية وتأثيرها على زواج الشباب
نشر في العدد 2180
141
الخميس 01-يونيو-2023

«الحلقـــة الإسلاميــة».. 32 عامـــاً من خدمــة المسلميـن في اليابـان
نشر في العدد 2138
25
الأحد 01-ديسمبر-2019

