العنوان «المجتمع» تنشر تفاصيل تقرير صهيوني يدعو لمحاربة الإسلاميين
الكاتب هشام العوضي
تاريخ النشر الثلاثاء 22-أغسطس-1995
مشاهدات 40
نشر في العدد 1163
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 22-أغسطس-1995
بالتعاون مع اللجنة اليهودية - الأمريكية أصدرت مؤسسة الشئون اليهودية The Institute of Jewish Affair، ومقرها بريطانيا تقريرها السنوي لهذا العام بعنوان «الضد سامية - التقرير العالمي۱۹۹۰» «Antisemitism World Report 1995» كمحاولة لرصد جميع أنشطة الهيئات والمنظمات والحركات المناهضة لليهود في العالم، وعلى الرغم من ضخامة التقرير الواقع في أكثر من ۲۸۰ صفحة، فإن المجتمع، قد حصلت على نسخة منه تحاول أن تستعرض أهم ما ورد فيه.
يلاحظ القارئ الواعي لمثل هذه التقارير، وكأنها مدعومة بالأرقام والحقائق، النبرة الدعائية الواضحة أو ما يسمى بالـPropaganda في أسلوب العرض والتوصيف، وكيف أن المعلومات التي تتزين بالزي الموضوعي والعلمي يمكن أن «تسيس» من أجل خدمة واقع الصراع الراهن، فاليهود على مدى تاريخهم السياسي يعتمدون على رصيدهم في لفت انتباه العالم إلى قضاياهم من منطلق أنهم «ضحايا» للنظم الديكتاتورية الحاكمة كالرومان قديمًا أو هتلر حديثًا، أو الأفكار والأيديولوجيات المختلفة النازية والإسلام، وفي هذا السباق تُهوِّل الحقائق، ويبالغ فيها، إن لم نقل تختلق اختلاقًا، كما يحارب من لا يؤمن بها فتشوه سمعته، ويضيق عيشه، بل قد يتعرض للمحاكمة من أجل عدم إيمانه بحدوث الهولوكوست مثلا، إضافة إلى ذلك وفي غمرة الانشغال بتوثيق الماضي الغابر وتوظيف أحداثه بهدف استدرار العطف واستنزاف الدعم الدولي، في غمرة كل ذلك يشغل اليهود العالم عن قضايا أكثر إلحاحًا في العصر الحالي، ومن ضحايا النظم وقوانين أكثر من ضحاياهم في الماضي كضحايا الصومال وكشمير البوسنة، إضافة إلى فلسطين على أيدي اليهود أنفسهم.
يتناول التقرير وضعية اليهود في معظم دول العالم ومنها الدول العربية كمصر والجزائر، والعراق، والأردن، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وسوريا، وتونس، ومنطقة الخليج، إضافة إلى الدول الإسلامية الأخرى كإيران، وتركيا، وماليزيا، ويخصص التقرير فصلًا مستقلًا لكل بلد عربي وأجنبي يستهله بخريطة توضيحية لموقع البلد الجغرافي من العالم وتعداد سكانه الإجمالي، بالإضافة إلى تعداد تقريبي لسكان الجالية اليهودية في الدولة، ويقسم التقرير الفصل بعد ذلك إلى عدة محاور هي:
١- خلفية عامة عن البلد.
٢- مختصر عن تاريخ الجالية اليهودية.
٣- الأحزاب والمنظمات والحركات
المناهضة لليهود.
٤- الحياة الثقافية.
٥- الإعلام والمطبوعات.
6- تقييم عام
ونظرًا لحجم المعلومات المتعلقة بكل دولة، وتعذر ذكر كل معلومة بالتفصيل، فإننا نحاول في هذا المقال اقتطاف أهم ما جاء في التقرير –بحسب تقديرنا– فيما يتعلق بهذه المحاور.
الخلفية العامة
يتناول هذا المحور أهم الأوضاع الراهنة في هذا البلد من حالة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وأهم العوامل المؤثرة فيه، فالبنسبة للجزائر «تعداد اليهود ۱۰۰» يتناول التقرير أوضاعه السياسية، وأهم القوى الفاعلة فيه إضافة إلى أخر تطوراته حتى سنة ١٩٩٤، أما الأردن فإن الحديث ينصب فيها على أداء القوى الإسلامية في البرلمان وعلى رأسها جبهة العمل الإسلامي، إضافة إلى دور الأردن في عملية السلام مع «إسرائيل» وبالنسبة العملية السلام فإن الحديث يتكرر بشكل أو بأخر في كل من حالتي لبنان وسوريا.
تاريخ الجالية اليهودية
يزعم التقرير في سياق حديثه عن تاريخ اليهود في مصر بأن «أوضاع الجالية تدهورت في القاهرة سرعان ما دخلت مصر تحت السيطرة العثمانية في ١٥١٧م»، كما تدهورت العلاقة المصرية مع الجالية فيما بعد على أثر حروب ١٩٤٨م، ١٩٥٦، و ١٩٦٧، أما في ليبيا فقد تعرض اليهود للاضطهاد منذ القرن الخامس عشر، ومرورًا بعنصرية الاستعمار الإيطالي وقوانينه المحلية في ١٩٣٦م، وبوصول القذافي إلى الحكم في ١٩٧١م، أما فيما يتعلق بالمغرب، فقد مر تاريخ الجالية بحالات من المد والجزر مع السلطة، غير أن العلاقات المغربية –اليهودية– أخذت في التحسن مؤخرًا، وذلك بعد أن توّجها الملك الحسن بقراره تعيين اليهودي أندريه أزولاي مستشارًا له في الشئون الاقتصادية، أما في منطقة الخليج ففيما عدا البحرين «تعداد اليهود ۲۰» فقد تطور تاريخ المنطقة بشكل عدائي للوجود اليهودي، حيث يلقى كتاب بروتوكولات حكماء صهيون رواجًا جيدًا فيها، غير أن التقرير «يشعر» بارتياح نسبي لتحسن صورة «إسرائيل» في الخليج على إثر حرب الخليج، وتعرض اليهود لاعتداء مماثل من صدام «فالخليجيين يعتقدون أن الوجود الإسرائيلي بات عامل استقرار في المنطقة».
المنظمات والحركات المناهضة لليهود
يعتبر التقرير كافة المنظمات والحركات المناهضة للوجود «الإسرائيلي» هي ضمنًا مناهضة لليهود كعنصر «سامي»، كما يخلط بين الحركات الرافضة للنشاط اليهودي كحركة صهيونية استعمارية توسعية، وبين اليهود كدين، واليهود كأهل كتاب، وهذا التلبيس مقصودًا لذاته حتى «يسيس» الموضوع، ويمثل مادة دسمة لصفحات التقرير، وكي يصفي «إعلاميًا» في نفس الوقت هذه الحركات التي تتعرض للوجود الإسرائيلي، من أساسه يتضح ذلك جليًا في الفصل المتعلق ببريطانيا، إذ يعتبر التقرير «حزب التحرير الإسلامي» أخطر هذه الحركات الناشطة في لندن، والداعية للتنديد بالممارسات «الإسرائيلية» المتعسفة ضد المواطنين الفلسطينيين فقد ثارت الجالية اليهودية في لندن على إثر نشر الحزب للحديث النبوي الشهير «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود….»، في صيف ١٩٩٤م. وتوزيعه على غير المسلمين في الشوارع وأروقة الجامعات، ومع أن بعض القيادات الإسلامية قد اعتبرت هذا التصرف غير حكيم في توقيته أو ظروفه إلا أنها لم تعتقد أن اليهود كانوا سيستغلونه إلى هذه الدرجة، التي أدت في بعض الجامعات البريطانية إلى غلق الجمعيات الإسلامية فيها و«مصادرة» أنشطة الحزب منها تمامًا، إضافة إلى حزب التحرير، وقد شن التقرير حملة شعواء على المنظمات الفلسطينية «هي في حد ذاتها حملة ضد سامية!» العاملة في لندن التي «يشتبه» ارتباطها التمويلي بحركة «حماس» في الأراضي المحتلة، كما شملت الحملة معظم المنظمات الناشطة تقريبًا في لندن وغيرها من المدن البريطانية.
أما في مصر فقد اعتبر التقرير جماعة «الإخوان المسلمون» من أكبر الحركات المناهضة للوجود «الإسرائيلي»، ودلل على ذلك من خلال رصد الخطابات وتصريحات رموز الحركة من أمثال مرشدها العام محمد حامد أبو النصر.
أما في تركيا فقد اعتبر التقرير حزب الرفاه الإسلامي بقيادة نجم الدين أربكان، أحد أهم الأحزاب العاملة «التي لها أنشطة ضد سامية عديدة». كما أوضح التقرير أن قيادة الحزب –بخطابها العدواني لليهود–تشكل حجر عثرة على طريق العلاقات التركية– الإسرائيلية، هذا ويتابع التقرير في بقية فصوله «الدعائية» عملية رصد وجرد وإحصاء لجميع المنظمات الناشطة في القضية الفلسطينية في العالم الإسلامي بهدف «تصفية» وجودها إعلاميًا واحدة تلو الأخرى، وربما في المستقبل تجميد نشاطها قانونيًا.
الحياة الثقافية
ويشمل الحياة الفنية كذلك من سينما وتليفزيون، حيث ندد التقرير بمنع الرقابة في الدول الإسلامية عرض الفيلم الأمريكي «قائمة تشيندلر» «Schindler's List» لمخرجه اليهودي المعروف «ستيفن سبيلبيرج» الذي يؤرخ بصورة دعائية لفترة الهولوكست النازية «عن الفيلم بالتفصيل انظر «المجتمع» عدد ١٠٩٦» ويتكرر قرار المنع في التقرير بشكل تلقائي عند الحديث عن الحياة الثقافية في كل دولة، وكأن القضية صارت تقييم الدولة إعلاميًا من خلال رفضها أو قبولها عرض الأفلام الصهيونية، وفي حالة الرفض فإنها توضع في قائمة «الضد سامية» الثقافية.
الإعلام والمطبوعات
يحاول التقرير في الحالة المصرية القيام بعملية مسح شامل وتوثيق لجميع المطبوعات والأنشطة الإعلامية المناهضة للوجود الصهيوني في المنطقة، وهو عمل سهل ومجد في آن واحد: سهل لأن نخب مصر الواعية للمخطط «الإسرائيلي» في مواجهة ثقافية مستمرة مع اليهود، وبالتالي تكون عملية حصر النتاج الفكري عملية سهلة نسبيًا، ومجد لأن سياسته الانتقائية والتحريفية في بعض الأحيان تفيده «إعلاميًا» لكسب المزيد من التعاطف على المستوى الدولي والتغطية في نفس الوقت على الممارسات «الإسرائيلية» الظالمة في حق الشعب الفلسطيني المقهور، فالتقرير يشير في سياق عرضه إلى مقتطفات متنوعة من مقالات نشرت في بعض الصحف المصرية كالأهرام والجمهورية والشعب والوفد، كأمثلة واضحة للضد سامية، كما يشير التقرير إلى الكتب الرائجة في القاهرة ككتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» وكتاب «اليهودي العالمي» «The International Jew»، وكتاب الصهيونية العالمية «World Zionism»، كما يرصد التقرير كتابات لبعض الأساتذة المصريين مثل الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي من جامعة القاهرة، ومحمد إدريس من جامعة طنطا، وراشد الشامي وأحمد التهامي وغيرهم… ويتبع التقرير نفس المنهج تقريبًا بالنسبة لمطبوعات منطقة الخليج فيشير إلى كتاب محمد قاسم من جامعة قطر، والذي «يفند فيه المزاعم اليهودية الواردة في الكتب المقدسة».
تقييم عام
بالنسبة لجميع الدول العربية تقريبًا يُحذر التقرير في ختام جولته من أثر الحركات الإسلامية «المتطرفة» في كل من مصر والأردن والجزائر وإيران ودول الخليج، ويعتبر ذلك أكبر خطر يهدد الأمن «الإسرائيلي» واحتمال نجاح عملية «السلام» السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة، فالتقرير يشكل الحلقة المفقودة في مسلسل استعداء الغرب على الإسلاميين وكأنه «الغول» الذي يهدد استقرار المنطقة بما فيها، وعلى رأسها «إسرائيل» بطبيعة الحال، الأمر الآخر وهو مصطلح السامية والضد سامية الذي يتكرر طوال صفحات التقرير، كي يشير إلى معنى واحد فقط تتحدد من خلاله مواقف الجميع من مؤيد أو معارض من مسالم ومعتدل أو متطرف وإرهابي، وهذا المعنى هو العنصر اليهودي فقط، وهنا يكون اليهود قد تجاوزوا استعمال مسمى دينهم صراحة بسبب «الفوبيا» التاريخية التي يحملها التراث والخبرة الأوروبية إلى مسمى آخر أقل وضوحًا، ولكنه أكثر تلبيسًا لأنه يحتكر مصطلح العنصر «السامي» لصالحه ويخرج بل يطرد كل من ينتمي إلى هذا العنصر من غير اليهود وعلى رأسهم العرب «بحسب التقرير أكثر خلق الله عداء للسامية!!». ومن ثم صارت السامية تعني تلقائيًا في الذهنية الغربية اليهود، وأصبح كل من يعادي الوجود «الإسرائيلي» ساميًا، وذلك على عكس اليهودي الذي يعادي» بالإعتقال أو الإبعاد أو القتل» المسلم العربي، حيث تعجز قواميس المصطلحات السياسية عن توصيف حالته.