; تقرير مفصل عن حادثة حلب وأبعادها | مجلة المجتمع

العنوان تقرير مفصل عن حادثة حلب وأبعادها

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 03-يوليو-1979

مشاهدات 15

نشر في العدد 452

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 03-يوليو-1979

الاعتقالات شملت الأطباء والمهندسين والمدرسين والعمال والطلبة

 فتية في العشرينات انضموا إلى مواكب الشهداء.

 النظام يجعل من حربه على الإخوان تبريز العدم إحياء الجبهة الشرقية.

 كيف يخطط قادة الإخوان للعملية وهم في المعتقلات منذ ثلاثة شهور؟

 العملية مظهر من مظاهر النقمة العارمة التي عمت القطر السوري.

 نجيب ومحمد المصري اللذان تقدما المسيرة هما من رجال السلطة.

 انفجار الوضع العام بات قريبًا في سورية.

إن إعلان الحرب على الحركة الإسلامية في سورية، ممثلة بالإخوان المسلمين، لم يبدأ بعد حادث اقتحام الثكنة العسكرية في مدينة حلب، كما حاول الإعلام الموجه أن يوحي إلى عامة الجماهير والناس.

لقد بدأت الحرب الشرسة قبل أربعة أشهر، حين باشر النظام السوري بتنفيذ مخططات القوى العالمية بتصفية الحركة الإسلامية في كل مكان، حيث صارت رجال المخابرات العسكرية والمباحث السياسية تقتحم البيوت في ساعات الفجر الأولى وتعتقل رجال الحركة الإسلامية وشبابها، وتزج بهم في السجون والمعتقلات تاركة أهليهم وزوجاتهم وأبنائهم دون معيل، والإعلام في صمت مطبق لا يشير من قريب ولا بعيد إلى المذبحة الكبيرة التي ترتكبها السلطة هناك ضد العناصر المسلمة في سورية الشقيقة.

ولم تقتصر الاعتقالات على فئة معينة، بل ضمت:

المدرسين والمهندسين والأطباء وأساتذة الجامعات والعمال وطلبة المرحلة الجامعية والمرحلة الثانوية، ولم تترك صغيرًا ولا كبيرًا، في أشرس حرب يتعرض لها المسلمون في سورية، لم يتعرضوا لمثلها حتى زمن الاحتلال الفرنسي.

وإذا أردنا مزيدًا من الإيضاح فإننا نقول إن الحرب التي يشنها النظام الحالي في سورية لم تبدأ قبل أربعة أشهر فحسب، بل بدأت منذ أن تسلمت الطائفة النصيرية زمام السلطة في سورية عام 1970 حين بدأت بإبعاد المسلمين عن المناصب والوظائف الهامة في الدولة وأسندتها إلى رجال النصيرية، وصارت تحول دون انتساب العناصر المسلمة إلى الكليات العسكرية، وبدأت بمنح البعثات الدراسية إلى رجال طائفتها حارمة المسلمين من حقوقهم الطبيعية في ذلك.

ونجحت السلطة خلال هذه السنوات التسع في مساعدة أبناء الطائفة والحزب على الاستئثار بالمناصب الحساسة والوظائف القيادية، وقيادات الجيش.

ولما اطمأنت إلى نجاحها في هذا، وتمكنها من السلطة تمامًا، بادرت إلى إقصاء العناصر الإسلامية عن مجال التربية والتعليم، لتعمل على تنشئة الأطفال والفتية تنشئة علمانية ملحدة.

وأرادت السلطة أن تتوج أعمالها هذه بتصفية الحركة الإسلامية في سورية ليصبح الطريق أمامها ممهدًا فكانت الحرب الشرسة الأخيرة.

ولقد استشهد في أثناء هذه الاعتقالات عدد من الشباب المسلم قتلهم رجال السلطة برصاص الغدر والخيانة، منهم محمد دياب فاعور الشاب الذي تخرج من الثانوية الشرعية في حماة عام 1978، والشهيد محمد وليد عطار الطالب في السنة الأخيرة بكلية الهندسة بجامعة حلب، وعصام مواصلي بكلية الهندسة الزراعية، وقد استشهد هذان الشابان بعد صلاة الفجر وكتب الشهيد وليد اسمه بدمه على أرض الشارع قبل انتقال روحه إلى بارئها: «الشهيد محمد وليد عطار».

هذه الحرب الطويلة على الإسلام والمسلمين في سورية يتعامى عنها الإعلام العميل ويسلط الضوء فقط على حادثة الثكنة العسكرية وكأنها بداية للحرب.

ولم يقف النظام في هجمته الباغتة فبادر بعد حادث حلب إلى اعتقال المئات من الشباب في حلب والزج بهم في السجون وتعريضهم لأبشع أنواع العذاب، لتكون حربه الآن علنية على الإخوان المسلمين بعد أن حاول تطويقها إعلاميًا فترة طويلة لم نكن نسمع خلالها الإعلام يتحدث عنها» ولو همسًا.

لماذا الآن؟

ويتساءل المرء ولماذا إعلان هذه الحرب الشعواء على الإخوان المسلمين الآن مع أنها قديمة في سورية؟

يؤكد المراقبون للأحداث في سورية أن النظام السوري الذي زعم نفسه من دول المعارضة لاتفاقية الصلح بين النظام المصري والسادات، في حرج شديد بعد مضي فترة طويلة من إعلانه معارضته لزيارة السادات للقدس المحتلة، ودعوته -النظام السوري- لإحياء الجبهة الشرقية تمهيدًا لإعلان الحرب واستعادة الأراضي المحتلة بالقوة؟

ولماذا بدأت الأيام تكشف تضليل النظام السوري، وعدم صدقه في التصدي للعدو، وخدمته في إحياء الجبهة الشرقية، أوحت إليه القوى الكبرى بمخرج ينقذه من هذا الحرج، وهو مخرج يصيب عصفورين بحجر واحد كما يقولون:

1- ضرب الحركة الإسلامية في سورية تنفيذًا للمخططات التي كشفت النقاب عنها مؤخرًا مجلة الدعوة المصرية بنشرها للوثائق الصادرة عن المخابرات المركزية الأميركية.

 2- إيجاد المبرر للنظام السوري بعدم التصدي للعدو وعدم إحياء الجبهة الشرقية، بالتصريح أن أميركا حركت الإخوان المسلمين من الداخل لتشغل سورية عن التصدي للعدو، وأن سورية لن تستطيع أن تفتح جبهتين في وقت واحد: جبهة داخلية وجبهة خارجية، ولا بد لها أن تصفي المقاومة الداخلية حتى تتفرغ المجابهة العدو.

وهذا ما حدث فعلًا، فبعد أن نشطت المخابرات والمباحث السورية في اعتقال الإخوان المسلمين، والمكوث في بيوتهم، واعتقال كل زائر لهم، حتى تجاوز عدد المعتقلين ستة آلاف مسلم، جرى كل هذا في صمت، حتى إذا كان حادث حلب أعلنتها السلطة حربًا سافرة على كل مسلم يقول لا إله إلا الله، وأدارت الأسطوانة القديمة التي تتهم بالعمالة والتبعية وغيرها، ولقد سخر أحد المسؤولين في سورية من نسبة هذه العملية إلى الإخوان وأنهم هم الذين خططوا لها فقال:

أن ما حدث لم يحدث للمرة الأولى في سورية، فحسب تصريحات الإعلام السوري، وما جاء في بيان وزير الداخلية، فإن سورية تشهد عمليات اغتيال وأعمال عنف متعددة وكانت الحكومة تنسبها إلى دولة عربية مجاورة مرة، وإلى عملاء خارجيين مرة أخرى، وهكذا حتى كان الحادث الأخير الذي نسبه البيان إلى الإخوان المسلمين، دلالة على عزمه القيام بتصفية هذه الحركة التي تمثل المعارضة الشعبية الحقيقية في سورية، وهذا واضح في البيان الذي نص على محاربة جماعة الإخوان المسلمين وملاحقة أعضائها في كل مكان، ومحاولة تشويه صورتهم أمام الجماهير بأسلوب دعائي مسف».

وأضاف هذا المسؤول قائلًا: وأن للمرء أن يتساءل:

كيف يخطط قادة الإخوان في سورية لهذه العملية وهم وأفراد الجماعة داخل المعتقلات السورية منذ ثلاثة شهور؟

ثم إن الذي قاد العملية نقيب بعثي تربى في صفوف حزب البعث، ويعمل موجهًا سياسيًا في الحزب والجيش. فلماذا يبرئ البعث نفسه منها؟»

ولكن هذا لا ينفي أن تكون هذه العملية مظهرًا من مظاهر النقمة العارمة التي عمت أرجاء سورية كلها، جيشها وشعبها، وأن الأمر لن يقف عند حد اعتقال جماعة الإخوان المسلمين لأن الشعب السوري المسلم كله يعيش هذه حالة غليان توشك أن تنفجر لتقتلع جذور الطغاة الذين يذيقون الشعب ألوانًا من الاضطهاد والقمع، حتى باتت سورية سجنًا كبيرًا.

أما تهمة العمالة والتبعية التي تثير السخرية فعلًا كما قال أحد الإخوة هنا إذ علق بقوله: هل الذين كانوا أول من رفع السلاح ضد الاحتلال البريطاني في مصر والفرنسي في الجزائر وغيرهما من بلدان العالم الإسلامي عملاء أم الذين باعوا الجولان بثمن قبضوه هم سلفًا من دولة العدوان؟

هل من ينادي بتطبيق شرع الله يوصف بالعمالة أم من حقق رغبات الاستعمار بتحويل سورية إلى بلد علماني ملحد حين رفض أن ينص دستور الدولة على أن الإسلام دين الدولة؟

وهل الذين يجاهدون في سبيل الله يقارنون بالذين هدموا المساجد في سورية على رؤوس المصلين ودخلها جنودهم بأحذيتهم منتهكين حرماتها؟ من يخدم الاستعمار؟ الذي يدعو إلى الوحدة الإسلامية الشاملة أم دعاة إقامة الدويلات الطائفية في جبال لبنان وجبال النصيرية؟

من يصدق في دعوى تحرير فلسطين من أحتضن العمل الفدائي في عام 1948 وقاتل لليهود في فلسطين أم الذين ضربوا العمل الفدائي ومنعوه من الانطلاق في سورية عبر الجولان، وقتلوا آلاف الفدائيين في لبنان وتل الزعتر، وتحالفوا مع الكتائبيين ضد الحركة الإسلامية؟

ومن يحق عليه وصف العمالة لأميركا من تسعى الأخيرة لضربهم وتعد الخطط لتصفيتهم أم من يبقض آلاف الملايين من الدولارات كما أعلنت الصحف مؤخرًا عن موافقة الكونغرس الأميركي على تقديم معونات هائلة لسورية في الوقت الذي أوقفت أميركا هذه المعونات عن دول أخرى؟

ألا يعني هذا رضا عن النظام؟

وتزداد السخرية مرارة من افتراءات النظام السوري حيث ينسج قصصًا عن اجتماعات في ألمانيا الغربية رسمت فيها الخطط لتنفذ في سورية: ومن يقوم بتنفيذها، لقد نشرت الصحف صور فتية صغار، ثلاثة منهم لم يتجاوزوا الواحد والعشرين من أعمارهم، والباقون بين الثانية والعشرين والثامنة والعشرين، وجميعهم من أسر كريمة وهم طلبة في إحدى المرحلتين الثانوية أو الجامعية، واشتهروا في أوساط أهلهم وأصدقائهم بالتقوى والصلاح والتفوق في دراساتهم. أفيكون هؤلاء الشباب الذين تفخر بهم الأمم عملاء وخونة، وأولئك الذين يستبيحون المحرمات، وينتهكون البيوت، ويسرقون في رابعة النهار هم الشرفاء؟

ولقد نظمت السلطة بعد إعلان البيان مسيرة وضعت في مقدمتها عددًا من رجال الدين المسيحي كان بينهم رجلان يلبسان لباس علماء المسلمين، وما هذان إلا رجلان من رجال المخابرات السورية، باعا ضميريهما للشيطان وهما الشقيقان محمد المصري ونجيب المصري، ويظهران بوضوح في الصورة المنشورة مع هذا التقرير.

أما مفتي حلب محمد الحكيم الذي ردد عبارات السلطة في دمشق فهو معاصر للحكومات التي مرت على سورية في فترتها الأخيرة ولم يكن يضن بتأييد مختلف هذه الحكومات وإلباسها ثوب الشرعية في كل ما تقدم عليه.

وكذلك الحال مع وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد الذي شبه دخول الرئيس السوري إلى مسجد الأموي بفتح دمشق من المسلمين «سبحان الله!».

يبقى أن نرسم لكم -في نهاية تقريرنا- صورة عامة لما عليه الوضع الحالي في سورية، ولما ينتظر أن تتطور إليه الأحداث.

أولًا- تنتشر حالة من التذمر في صفوف القوات المسلحة السورية، بادرت السلطة إزاءها إلى تشديد الرقابة على تحركات الضباط، ولا يستبعد أن تفتعل قيادة الجيش أية معركة مع العدو الإسرائيلي لإعلان استنفار في الجيش السوري هو في حقيقته لمواجهة أي تحرك من قطعات الجيش ضد نظام الحكم القائم.

ثانيًا- تسود حالة غليان في أوساط الشعب السوري المسلم بعد مقتل عدد من الشبان المسلم برصاص الغدر والخيانة، وبعد أن وصلت الحالة العامة في البلاد إلى درجة لا تطاق.

ثالثًا- قدم كل النصيريين الذين يقيمون في حلب وحماة لنقلهم خارج هاتين المحافظتين بعد أن باتوا يخشون على أنفسهم من الاغتيال.

رابعًا- ينتظر أن توسع السلطات هجمتها على المسلمين في سورية، دون أن تقصرها على الإخوان المسلمين، بعد أن ضج المسلمون من تسلط الفئة النصيرية على البلاد.

خامسًا- اتساع هجمة السلطة سيقابله اتساع نقمة الجماهير المؤمنة التي ستفجر الوضع، ولا يستبعد تأييد بعض عناصر الجيش لها.

ونأمل أن نوفق في موافاتكم بتقارير أخرى مستقبلًا.

﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 40)

الرابط المختصر :