; تنظيم الإحسان ضرورة إسلامية ملحة | مجلة المجتمع

العنوان تنظيم الإحسان ضرورة إسلامية ملحة

الكاتب عطية محمد سعيد

تاريخ النشر الثلاثاء 16-سبتمبر-1980

مشاهدات 16

نشر في العدد 497

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 16-سبتمبر-1980

● نداء حار إلى الذين يسارعون في الخيرات.‎‏ 

● الأوقاف الإسلامية أعظم المؤسسات لعمل الخير عبر التاريخ الإنساني

لاتزال طائفة من المسلمين تتسابق إلى أعمال البر والصدقات وتنفق في السراء والضراء. وهم كثيرون -والحمد لله- في كل مكان من الوطن الإسلامي، وخاصة في البلاد التي وسع الله لها في رزقها في أقطار البترول؛ فقد عرفت كثيرًا من المحسنين المتصدقين في كل من الكويت وقطر والسعودية ودولة الإمارات وعمان. ومالم أعرف أضعاف أضعاف ما عرفت.

أما الذين ينفقون في صمت ابتغاء مرضاة الله ولا يريدون من أحد جزاء ولا شكورًا فهم كثيرون في كل مكان، لا يكاد يعرفهم أحد غير الله، الذي يتعاملون معه في صدق وإخلاص، وهو حسبهم ونعم الوكيل.

وأبرز صفات هذه الأمة في ماضيها وحاضرها في صفة الإنفاق في السراء والضراء، فإذا تخلت عن هذه الصفة هلكت.

وجوه الإحسان

للإحسان ثلاثة وجوه هي:

‎١‏- الإحسان الفردي.

‎٢‏- الإحسان الجماعي.

‎٣‏- الوقف الخيري.

‎١‏- الإحسان الفردي

‏الأغلبية العظمى من أهل الخير ينفقون إنفاقًا فرديًّا حسب ما تمليه عليهم معرفتهم بوجوه الإنفاق وإحساسهم بحاجة الفقير، ورغبتهم في بناء المساجد ودور العبادة.

‏يجد الواحد منهم متعة كبرى وهو يتفقد ذوي الحاجات أو ‏يستقبلهم في مكتبه أو متجره ليوزع عليهم بنفسه زكاة أمواله وصدقاته.

‏ويترقب ذوو الحاجات مواسم الزكاة والصدقات لزيارة المحسنين لأخذ ما يجودون به من مال فيحبسون من أجل ذلك الساعات الطوال أمام المكاتب والمتاجر ينتظرون في لهفة فراغ المحسن من أعماله أو قدومه وخروجه من منزله وعمله ليطرحوا عليه حوائجهم.

‏وعلى هذا الصنف من أنواع الإحسان نورد ملاحظاتنا الآتية:

‎١‏- أنه من الصعب معرفة المحتاجين إلى مساعدة فعلًا من الذين يتخذونها تجارة يجيدون فيها الأساليب المؤثرة والدموع أحيانًا للتأثير على فاعل الخير.

‎٢‏- إنه يعرض أصحاب الحاجة إلى ذل السؤال والانتظار مما يجعل الكثيرين يأنفون عنه رغم حاجتهم الماسة إلى المساعدة.

‎٣‏- إنه يشغل أصحاب الأعمال عن أعمالهم مما يجعلهم يتهربون أحيانا عن مقابلة ذوي الحاجات.

‎٤‏- إنه ينزع الحياء والتعفف من الفقراء ويدفعهم إلى تملق وتنميق الألفاظ لاستدرار عطف المحسنين.

5-‏ أن بعض المتسولين يتخذها مهنة يطوف بها على المحسنين من مكان إلى مكان، ومن بلد الى بلد، ليجمع أكبر حصيلة من المال المخصص.

‏الإحسان الجماعي

‏الإحسان الجماعي نوع من التعاون في البر والتقوى، وهو تطبيق لقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة: 2). ‏ويتحقق بتعاون شخصين أو أكثر في عمل من أعمال البر يقصدون به وجه الله تبارك وتعالى. وكلما ارتفع عدد المحسنين المتعاونين كثر العطاء وعمت الفائدة وصلح حال الأمة.

‏وتوجد بالكويت ثلاث جمعيات خيرية تقوم بجمع الزكاة والتبرعات، وتوزعها على الفقراء وذوي الحاجات، وهذه الجمعيات هي:

- لجنة الزكاة بمسجد العثمان بالنقرة.

- ‏لجنة الزكاة بمسجد العلبان بضاحية كيفان.

- ‏لجنة الزكاة والخيرات بجمعية الإصلاح الاجتماعي.

وتقوم هذه الجمعيات بأعمال جليلة جدًّا نلخصها في الآتي:

‎١‏- تنظيم جمع الزكاة وصرفها في مواضعها الشرعية.

٢- تقديم معاشات شهرية كاملة لمئات الأسر الفقيرة.

‎٣‏- تقديم مساعدات لذوي الدخل المحدود بما يغطي العجز في ميزانية الأسرة.

‎٤‏- تقديم مساعدات للحالات الطارئة.

‎٥‏- المساعدة في قضاء الديون والالتزامات المالية.

‎٦‏- المساهمة في تسهيل الزواج.

‎٧‏- مساعدة أبناء السبيل والعابرين والطلاب المنقطعين.

‎٨‏- المساهمة في المشاريع الخيرية الإسلامية.

‏ويشرف على هذه اللجان نخبة من خيرة الرجال خلقًا ودينًا. وتعمل كل لجنة منها وفق ما تمليه قواعد الشرع، متحرية الدقة ‎في‏ المعلومات، والصدق في البيانات، والحاجة الفعلية لكل حالة، وتقديم من هو أحوج إلى المساعدة على غيره.

‏وتحتفظ كل لجنة بكشوفات دقيقة وملفات لكل حالة، وتتبادل فيما بينها هذه الكشوفات.

‏ولا يفوتني هنا أن أشيد ببعض العلماء العاملين الذين ساهموا مساهمة فعالة في هذا المشروع منذ أن كان فكرة حتى صار واقعًا ملموسًا، فأذكر منهم فضيلة الشيخ حسن أيوب الذي كان إمامًا لمسجد العثمان، والشيخ طايس الجميلي الذي كان إمامًا لمسجد العليان، فقد أخذ كل منهما يبشر بهذا العمل ويدعو له حتى تحقق بتوفيق الله وفضله، فجزاهما الله خير الجزاء.

‏وهذه اللجان ناشئة ومحدودة الموارد حتى الآن، مما اضطرها إلى حصر نشاطها حاليًا في نطاق محدود داخل دولة الكويت، إلا في حالات خاصة وضروريات إسلامية ملحة تقتضي غير ذلك.

‎٣‏- الوقف الإسلامي

إن أعظم أعمال البر وأعمها نفعًا وأكثرها بركة في التاريخ الإنساني هو نظام الوقف الإسلامي الذي ظل يضطلع بمهمة تنظيم أعمال البر والإحسان، ويرعاها منذ فجر الإسلام إلى اليوم في كثير من المجالات التي لم تدع بابًا من أبواب الخير إلا طرقته، والأصل في نظام الوقف الإسلامي هو ما رواه أصحاب السنن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ‏يا رسول الله، ‏إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها»، فتصدق بها عمر «وشرط» أنها لا تباع، ‏ولا توهب، ولا تورث.. في ‏ الفقراء ومن القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل والضيف. لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول. (متفق عليه).

وجاء أبو طلحة رضي الله عنه إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن أحب مالي عندي بئر ماء، وإني قرأت قول الله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (ﺁل عمران: 92) فهي في سبيل الله.

بمثل هذه الروح كان المسلمون يتنازلون عن أحب أموالهم وينفقونها في سبيل الله عن طيب خاطر، راضية بها نفوسهم، قريرة بها أعينهم.

ومع الفتوحات وتدفق الأموال كثرت الأوقاف وكثرت معها مجالات البذل والعطاء التي عم خيرها جميع بلاد الإسلام.

وكانت معظم المرافق العامة يوقف عليها أهل الخير أملاكًا دائمة الريع من الأراضي والعقار تظل مصدرًا ناميًا ثابتًا.

‏وهذه قائمة ببعض الأبواب التي كان المسلمون حتى عهد قريب يوقفون عليها أموالهم.

‏وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على سعة أفق أصحاب الوقف ومعرفتهم بمصالح الأمة، ورغبتهم في إيصال الخير إلى كلبيت من بيوت المسلمين ما استطاعوا. وهذه أبواب الوقف عندهم:

١-‏ بناء المساجد ودور العبادة، وتأمين معاشات الأئمة والوعاظ والمؤذنين والحراس.

٢- الصرف‏ على الفقراء والمساكين.

‎٣-‏ رباط العلم؛ وهو تأمين سكن طلاب العلم وإعاشتهم وكسوتهم، وتوفير الكتب والمراجع لهم، ودفع معاشات المعلمين والعمال الذين يقومون بمهام التدريس والخدمة.

٤- بناء‏ المدارس.

5- بناء المستشفيات لعلاج المرضى.

٦- إعالة‏ الأيتام والأرامل.

٧‏- بناء دور للضيافة.

٨- بناء‏ القناطر والجسور.

٩‏- حفر الآبار ومد القنوات لتوفير مياه الشرب.

١٠‏- تيسير الزواج بإعانة الذين لا يستطيعون دفع نفقاته.

تنظيم الإحسان

عرف أعداء الإسلام من المستعمرين، ومن انتابهم من الحكام الذين لا خلاق لهم، أن الوقف سلاح خطير يهدد بقاءهم، ويمد أمة الإسلام بسيل متجدد دائم من الثروات يمكنها من النهوض ويمهد لها أسباب القوة. 

فشنوا عليه حربًا شعواء أعاقت تقدمه وشلت حركته وجعلته أشبه بالجثة الهامدة المحنطة.

العالم الإسلامي أغنى بقاع المعمورة، وشُعوبُه أفقر شعوب الأرض. 

يشكل العالم الإسلامي قطاعًا اقتصاديًا هامًا إذ يمتلك أعظم الثروات النفطية في العالم، كما يمتلك كثيرًا من الثروات الزراعية والحيوانية والمعدنية والسمكية. 

ومع هذا الثراء الواسع يعيش ٨٠٪ من أهله في فقر مدقع وحاجة ماسة إلى أبسط ضروريات الحياة. 

وتنتشر في محيطه الأمراض والأوبئة، ويَسيطر عليه الجهل والتخلف.

وحيثما اتجهت ببصرك في بلاد الإسلام واجهك البؤس والشقاء. 

ففي أفريقيا يعاني المسلمون من ويلات الحرب الأهلية في تشاد وإريتريا وأوغادين ويوغندا، ويعاني نصف مليون لاجئ منهم الشدة والمرض وهم في معسكراتهم بالسودان. 

وتنتشر المجاعة والقحط في الصومال ومالي وغينيا والنيجر بسبب الجفاف، وفي بلدان العالم العربي يعاني المسلمون من ويلات الحرب في لبنان وفلسطين المحتلة وسوريا، مما نتج عنه تشرد عشرات الآلاف الذين يحتاجون إلى المأوى والمأكل والمشرب.

كما يحتاج الأطفال الذين شردتهم الحرب وأفقدتهم آباءهم وأمهاتهم إلى الملاجيء والمحاضن التي ترعاهم وتحفظهم. 

وفي أفغانستان يحتاج المجاهدون إلى الكثير من العتاد والسلاح، كما تحتاج أسرهم إلى الغذاء والكساء. 

وفي بنغلاديش وإندونيسيا تتنصر الأسر وتلبس الصليب مقابل لقمة الخبز وكيس الأرز.

وهنا وهناك في كل أرجاء العالم الإسلامي نجد الدموع والآلام والبطون الخاوية والأكتاف العارية.

مما يجعلنا نتساءل.

أين المسلمون؟

أين المحسنون؟

أين الذين ينفقون في السراء والضراء؟

الحاجة الماسَّة إلى الإنفاق المنظم:

نحن في حاجة إلى بذل منظم وإحسان مدروس مخطط له بإتقان، كما أننا محتاجون إلى تقديم الأهم على المهم من أوجه الصرف المختلفة.

فالإحسان الفردي لا يجدي نفعًا، والجمعيات الخيرية المحلية تحتاج إلى الدعم حتى تمد يدها إلى إخوانها خارج الحدود، والموقف الإسلامي تقيده النظم الإدارية والروتين الحكومي، والمخرج الوحيد هو أن يعرف أصحاب الأموال أنها أمانة في أيديهم، وأنهم ما لم ينفقوها في سبيل الله ويرعوا حق الله فيها، فسوف تُنزع من أيديهم إلى أيدي غيرهم بفعل الموت، أو تسلط عليهم النظم الجائرة فتسلبهم إياها عنوة كما تم ذلك في بلاد كثيرة وأجزاء متفرقة من العالم الإسلامي، ولابد من التخطيط والتنظيم الدقيق لمسائل الإنفاق المالي، فبناء مسجد واحد في الكويت يكلف مائة ألف دينار، بينما يكفي هذا المبلغ لإعاشة عشرة آلاف نفس لمدة سنة كاملة في بنغلاديش وإندونيسيا.

إنني أضع هذه الكلمة أمانة في أعناق أهل الخير من المسلمين الصالحين، وهم بحمد الله كثيرون، وحسبهم رضوان الله وجنته التي عرضها السماوات والأرض. وسلام الله عليهم أينما كانوا وحيثما وجدوا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الرابط المختصر :