العنوان توضيح الأفكار لوقف المسار
الكاتب مساعد العميري
تاريخ النشر الثلاثاء 24-مارس-1981
مشاهدات 17
نشر في العدد 521
نشر في الصفحة 31
الثلاثاء 24-مارس-1981
• إن من خلال عيشي في جو الانتخابات وجلوسي مع كثير من الفئات والتجمعات تبين لي أن المخدوعين بأفكار الشرق والغرب من هذه الأمة كثير، فكلما هبت الرياح الشرقية لقحت عقول بعض الشباب فبدأوا بالهذيان الفكري العقيم نتيجة لفساد أصل التلقيح. وكذلك إذا هبت الرياح الغربية تراها باردة ببرودة أهلها.
فترى الشباب في هذه الرياح لا أرض لهم ولا ممسك، تراهم يتطايرون مع الرياح أين أتت وكيفما ذهبت فنتج عن ذلك أمور أهمها الحكم قبل المعرفة. وأصلها المعرفة قبل الحكم وعدم الإنصاف وأصلها الإنصاف.
• المعرفة قبل الحكم:-
شهد رجل عند عمر بن الخطاب في قضية فقال عمر: ائتني بمن يعرفك. فأتاه برجل أثنى عليه خيرًا. فقال له عمر إنك جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه إذن؟ قال: لا. قال فعاملته بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورع الرجل؟ قال: لا. قال عمر أظنك رأيته قائمًا في المسجد يهمهم بالقرآن، يخفض ظهرًا ويرفعه أخرى؟ قال نعم. قال: فاذهب فلست تعرفه. نستخلص من هذا الموقف أنه ينبغي عدم التسرع في الحكم على الأشخاص قبل معرفتهم ومعرفة مبادئهم وأفكارهم وأهدافهم التي يسيرون لتحقيقها.
• الإنصاف
قال الطفيل بن عمرو الدوسي: قدمت مكة، فما إن رآني سادة قريش حتى أقبلوا عليّ فرحبوا بي أكرم ترحيب. ثم اجتمع إليّ سادتهم وكبراؤهم وقالوا يا طفيل، إنك قد قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قد أفسد أمرنا ومزّق شملنا، قال الطفيل: فوالله ما زالوا بي يقصون عليّ من غرائب أخباره ويخوفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله حتى أجمعت أمري على ألا اقترب منه وألا أكلمه أو أسمع منه شيئًا.
قال: ولما غدوت المسجد حشوت في أذني قطنًا خوفًا من أن يلامس سمعي شيء من قول محمد. لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته وقلت في نفسي: ثكلتك أمك يا طفيل، إنك لرجل لبيب شاعر، وما يخفى عليك الحسن من القبيح، فما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته وإن كان قبيحًا تركته. قال: فقلت يا محمد، إن قومك قد قالوا لي عنك كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني من أمرك حتى سددت أذني بقطن لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني شيئًا منه فوجدته حسنًا. فاعرض عليّ أمرك. فعرض عليّ أمره وقرأ لي سورة الإخلاص والفلق، فوالله ما سمعت قولًا أحسن من قوله ولا رأيت أمرًا أعدل من أمره. عند ذلك بسطت يدي له وشهدت ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ودخلت الإسلام.
نستلُّ من هذه القصة أن كثيرًا من الشباب لهم عقول واعية، ولا يخفى عليها الحسن ولا القبيح، فيجب عليهم في ذلك الإنصاف وعدم التلقي من جهة واحدة والتسرع بالحكم على الآخرين، فإن وقتنا هذا كثر فيه أمثال أبي جهل وأبي لهب وسادة قريش الطغاة، وبدأوا يصرفون الشباب عن الحق ويبعدونهم عن الإنصاف.
ونذكركم بفعلة الإمام علي رضي الله عنه لصاحبه لما أخطأ الحكم قال له: ويحك، اعرف الحق تعرف أهله.
• لإيقاف مسار هذه الشعلة الحمراء النيرة المضيئة المرتفعة التي تفتن الناظر بمنظرها الأحمر الجميل وبها حتفه ومصرعه أن النبي صلى الله عليه وسلم، بيّن للناس خطر هذه النار الحمراء المضيئة فقال: إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقصد فيها. فجعل ينزعهن ويغلبهن فيقتحمن فيها. فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم مقتحمون فيها.
قال الإمام النووي: ومقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم، شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة، وحرصهم على الوقوع في ذلك مع متعة إياهم، بتساقط الفراش في الدنيا لضعف تميزه، وكلاهما حريص على هلاك نفسه، ساع في ذلك بجهله. ا هـ.
فهذا الحديث هو واقع المسلمين في هذه البلد غرهم الباطل بأسلوبه وحلاوة لسانه، فهم متبعوه ومنغمسون في ناره. فابتعادهم عن هذه النار هو إنصافهم ومعرفتهم للحق وأهله حتى يتبين لهم سبل المؤمنين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل