; ثقافة وفنون.. عدد (1050) | مجلة المجتمع

العنوان ثقافة وفنون.. عدد (1050)

الكاتب مبارك عبد الله

تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1993

مشاهدات 3

نشر في العدد 1050

نشر في الصفحة 48

الثلاثاء 18-مايو-1993

الشاعر الإسلامي الكبير

محمد التهامي

في حواره مع «المجتمع»

رسالة الأدب الإسلامي هي تصحيح النظرة الشاملة للحياة من خلال الذوق السليم

الأدب الإسلامي ليس قيدًا إلا على النفوس التي لم يعرف أصحابها طعم الإيمان

حصولي على جائزة الدولة التقديرية في الشعر كان ردًا لكيد دعاة التغريب والتخريب

الحركة الإبداعية للأديب لا توجد إلا في ظل التوحيد الخالص

حاوره في القاهرة: محمود خليل

الشاعر الإسلامي الكبير محمد التهامي رجل يختار المهمة الصعبة، ويؤثر دائمًا أن يكون في الصف الأول، ذلك الصف الذي يقوم على حراسة اللغة وحماية التراث، ويذود عن انتمائه لدينه وأرضه وأمته في عصر تداخلت فيه الرؤى واختلطت الأوراق إلى حد بعيد.

 دخل التهامي إلى الشعر العربي والإسلامي من باب التميز والخصوصية فهو لا يكتب الشعر بقدر ما تتملكه الشاعرية.. وهو واحد من الصادقين الذين قالوا: «لا» للخروج على النص الحضاري لهذه الأمة لغة وشرعًا.

 انقادت إليه مؤخرًا جائزة الدولة التقديرية في الآداب في وقت أعلن فيه خصوم الحل الإسلامي عداءهم لكل ما يمت إلى الإسلام بسبب....، ضيفنا «۷۳ عامًا» قدم للأدب الإسلامي عطاءه المتميز منذ بواكير عمره، فقد حصل عام ۱۹۳۷ على جائزة على مستوى القطر المصري مكافأة له على قصيدة كتبها في ذكرى المولد النبوي الشريف، وكان حينذاك طالبًا بمدرسة طنطا الثانوية، ويومها اكتشف أنه واحد من الجنود الذين فرض عليهم الرباط.. فقبل التبعة معبأ بدينه الذي يخالط الأمشاج، ولغته التي يهدر بها صوته الجهير معلنًا أن الأدب الإسلامي حلم طالما كنا في انتظاره وفتح طالما كنا نترقب مجيئه.. وعنوانه في رحلة الشعر الإسلامي الفوار..

 إن قال داعي الحق من يتقدم..

فأنا الحقيقة كلها.. أنا مسلم

لذا فإن لهذه المحاورة مذاق خاص..

المجتمع: الشاعر محمد التهامي رجل مسلم بالتكوين والفطرة.. يبدع الشعر الإسلامي عن وعي فني في الشكل والمضمون، فما هي الضوابط التي ألزم نفسه بها في هذه الرحلة الطويلة دون أن يتضارب الالتزام بهذه الروح الإبداعية المشرقة؟

التهامي: في مجال اقتران كلمة الإسلام بالأدب والإبداع الفني، يجب أن نتحسب كثيرًا، لأن الموضوع ليس سهلًا، فالإسلام أولاً: له قواعد وله أصول وله منهج وله تربية وله أخلاق.

 ثانيًا: الإنسان المسلم إذا أبدع فنًا، فالشرط الأساسي في إبداعه الفني أن يكون صادقًا معبرًا عن حقيقة إحساسه، ودخيلة نفسه، فإذا كانت هذه النفس التي تبدع شعرًا أو أدبًا مؤمنة صادقة الإيمان، فالأمر الذي لا شك فيه أن إبداعها سيكون إسلاميًا لا يخرج على أصول الإسلام ولا قواعده ولا نواميسه، ولا فهمه للحياة كما رسمها الله عز وجل في كتابه الكريم.

حتى ولو عدونا هذه الدائرة.. فإن ما لا يخالف الأدب الإسلامي من الإبداع الفني، يمكن أن تلحقه بالأدب الإسلامي ضمن رسالته الإنسانية العالمية..

ولكن يجب أن يكون هناك خط فاصل بين هذا وذاك.. بمعنى أن هناك النور والظل وشبه الظل، فهذا النوع الذي أشرت إليه أنفًا ليس أدبًا إسلاميًا خالصًا لأن مبدعه ليس مسلمًا، ولكنه أدب لا يعارض المنهج الإسلامي فنتعيره في شبه الظل بالنسبة للأدب الإسلامي.. أما الأدب الذي يخرج عن تقاليد الإسلام وتعاليمه وروحه وفهمه للحياة أيًا كان قائله سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، فهو أدب منقوص لأنه لم يستكمل الرسالة العليا للأدب وكافة النشاط الإنساني ألا وهي الرسالة الشاملة التي تتسم بالربانية في كل شيء.. إذن النفس المؤمنة مجال إبداعها الكون كله.

رسالة الأدب الإسلامي

المجتمع: إذن.. ما هي الرسالة التي تغياها الشاعر الكبير محمد التهامي والتي يحدد لنا من خلالها أهداف الأدب الإسلامي وغايته؟

التهامي: الأدب في مجمله رسالة الروح وهو الذي يتولى صياغة الجانب الروحي للإنسان، أي إنه الجناح الروحي المقابل للجناح المادي لأي حضارة، وأنا أعتقد أن رسالة الأدب الإسلامي هي: تصحيح النظرة الإسلامية للحياة من خلال ذوق سليم يقود الروح الإنسانية بمنهاج الإسلام ويدفعها إلى الأمام.

فإنا طالما عشنا سنينًا

ونحن بغير ما نرضى مطي

نقيم حضارة الغرباء عنا

وكل وقودها دمنا الزكي

لنا ماء بساحتنا كثير

وما لفؤادنا الظمآن ري

المجتمع: في ظل هذا الدور المدرك لرسالة الفن والأدب دون عزلة عن الحياة والواقع.. ماذا يمثل مفهوم الأدب الإسلامي لديكم؟

التهامي: الأدب الإسلامي كما قلنا هو الإبداع الفني الصادق النابع من النفس المؤمنة الصادقة في تعبيرها ويكون معانقًا لروح الإسلام.

المجتمع: مسيرتكم الشعرية الطويلة. واسمحوا لنا- شابتها النبرة القومية في فترة ما، فما هو تفسيركم لهذه الانعطافة في ضوء هذا المفهوم الذي أشرتم إليه؟

التهامي: أنا اعتقد- والله أعلم- أن كل حرف كتبته كان في سبيل الله والإسلام بدءًا من ديواني الذي نشرته وأنا طالب بالثانوي عام ۱۹۳۸ تحت عنوان «الباكورة وانتهاء بديواني الأخير دماء العروبة على جدران الكويت... فخلال هذه الرحلة الطويلة أعلنت وأعلن بكل وضوح وصراحة.. أنا مسلم، وهذا هو عنوان أحب دواويني إلى قلبي.

 إن قال داعي الحق من يتقدم        فأنا الحقيقة كلها أنا مسلم

ومعلمي في العالمين محمد            صلى عليه الأنبياء وسلموا

وتخيروه لهم إمامًا صادقًا               لما اصطفاه لنا الإله الأعظم

وجرت شرائعهم يكمل بعضها         بعضًا وتدرج للكمال وتعظم

حتى تبلج فجرها فإذا به                  خير الأنام بدينه يتقدم

 فطووا رسالات لهم وتزاحموا           خلف النبي وبايعوه وأسلموا

فالكلمة البيضاء كل دعائنا                والله يهدي من يشاء ويرحم

وأنا بحكم تكويني النفسي والوجداني لا أملك إلا أن أكون مسلمًا.. حتى ديواني أشواق عربية، الذي يظنه بعض المفتونين بالقومية العربية بمعناها الضيق ونعرتها الجاهلية.. شعرًا عروبيًا..

أعلنت فيه بكل حدة كفري بهذه الطواغيت وتحطيمي لتلك الأوثان والأصنام التي تعبد في وطني من دون الله.. ففي قصيدة في المعركة قلت:

لا تحسبن صراخك المحموم يعدو مسمعي

أو تحسبن مهازل الأذناب قد جازت علي

لا تحسبن ضخامة الأصنام تخدع مقلتي

أو تحسبن الناب والأظفار تثنى ساعدي

فلقد لويت ذراعك الجبار- يا جبار- لي

وملأت من دمك الأثيم وقد تدفق راحتي

 وأعبه عبًا ولن ألقى مدى الأيام ري

حتى أراك وقد مضيت ولا رجعت عن المضي

وأنا لا أخفيك سرًا حين أقول لك إن المؤامرة الدنيئة في غزو العراق للكويت جعلتني أكفر بالقومية العربية إذا كانت بهذا المفهوم الجاهلي الأجلف.

القومية العربية في حقيقتها لسان عربي يقع في دائرة الإسلام ثم تنداح هذه الدائرة في دوائر متداخلة لا تتقاطع ولا تتضارب أبدًا.. تصبغ الإنسان بصبغة الدين والبيان، وتحدد له أطر طاقاته الفكرية والإبداعية وترسم صلته بالحياة فالقومية التي تناولتها هي لسان عربي مبين وليست أبدًا هذه النعرة الجاهلية المنتنة.

أشعارنا تشرفها المساجد

المجتمع: ولكن.. تحديد الرسالة السابقة ورسم المسار المسؤول مضمونًا وشكلًا.. ألا يناقض الحرية الإبداعية للأديب؟

التهامي: أولاً: الإبداع وعي.. وإذا ضاع الوعي فهو إلى الهذيان أقرب.

ثانيًا: يحضرني هنا تفسير الأديب الإسلامي الكبير د. نجيب الكيلاني لمثل هذا التساؤل.. حيث يقرر- جزاه الله خيرًا- أن الالتزام في الأدب الإسلامي بمعناه الواسع... إنما هو الطاعة، وهي قناعة إيمانية وفرح في قلب المؤمن وسلوك مطابق لعقيدته وكل ما يتعلق بها وينطلق عنها من ممارسات في مختلف جنبات الحياة بدءًا بالنية وانتهاء بالحساب أمام الله تعالى.

وأيضًا.. الحرية الحقيقية المتكاملة.. إنما لا تكمن إلا في التوحيد الخالص وكل ما عدا ذلك فهو مجزوء ومشوه وناقص إلى حد بعيد.

 وأنا لم أشعر يومًا- أبدًا- أن هناك قيدًا علي حال الإبداع اللهم إلا ما أخشاه عند العرض على الله تعالى.. لدرجة أنني- وهذه طرفة- كونت في بداية الخمسينات مع المرحوم الشاعر عبد الله شمس الدين والمرحوم الشاعر محمود جبر وآخرين كوننا مجموعة وسميناها «الشعراء المحمديون» وكنا نصدح بالشعر الإسلامي في كل المنتديات.. فجاءتنا فكرة أن نقول هذا الشعر في المسجد..

 فأعلنا عن إقامة ندوة للشعر الإسلامي بعد صلاة العصر في ذلك الوقت بمسجد الإمام الحسين بالقاهرة ولكن لغرابة الأمر فقد رفضت إدارة المساجد فكتبنا طلبًا لمدير المساجد وهو شیخ مهيب فكتب على الطلب «لا» وكان الشيخ الباقوري رحمه الله وزيرًا للأوقاف آنذاك.. وكان صديقًا لي، فأخذت الطلب وذهبت إليه.. فكتب عليه «تقام» وقال لي.. أقيموا هذه الندوة على بركة الله، وسوف أحضرها أنا ومدير المساجد الذي رفضها ثم قال.. كيف نمنع شعرًا إسلاميًا رصينًا، كان ذات يوم من أسلحة الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يقال في مسجده الشريف..

 وفعلاً أقيمت الندوة الشعرية الإسلامية بمسجد الإمام الحسين وكانت من أروع وأنجح الأمسيات الشعرية التي حضرتها في حياتي... فالشعر الإسلامي- كما قلت ما دام يصدر عن نفس مؤمنة فلا يقف في وجهها شيء أبدًا ولا يحد تجربتها أي قيد.. ونتاجها ما هو إلا تعبير عن طبيعتها.. فالشمس لا تملك إلا أن تشرق والزهرة لا تملك إلا أن تنثر العطر.. لأنه كامن في طبيعتها .. إنما يصح أن يكون ذلك قيدًا على النفوس غير المؤمنة.

المجتمع: هل تذكر القصيدة الأولى التي تعتبرها شهادة ميلادكم كشاعر إسلامي؟

التهامي: نعم، أذكر وأنا بالصف الثاني الثانوي بمدرسة طنطا الثانوية سنة ١٩٣٧.. وكنا في ذكرى المولد النبوي الشريف ألقيت قصيدة أذكر منها..

دهر يمر وكم في طيه عبر             

لو كان في الناس من بالدهر يعتبره

من يذكر النور لما كان مطلعه       

أرض الحجاز وقد وافى بها القمر

وجاء جبريل يهدي للورى نبأ        

فزلزل الكون لما جاء الخبر

قم يا محمد إن الله يبعثكم       

فامح الضلال وجاهد معشرًا كفروا

 سر بالخليقة نحو النور مغتبطًا    

سلاحك الحق والآيات والسور

وإن هموا عارضوا فاحشد لحربهموا

جحافل الحق إن الحق منتصر

إلى أن قلت..

أفعله السحر؟! لا فالله برأه

لما رموه كذابًا أنهم سحروا

يومها اكتشفت أني على طريق الشعر الإسلامي..

المجتمع: هل جربتم الكتابة في أغراض أخرى كالكتابة للمسرح أو الإذاعة، أو الكتابة للطفل..؟

التهامي: أنا لم أكتب للمسرح وإن كنت توفرت على الشعر العموي إلا أنني قد كتبت عشرات التمثيليات الإذاعية المشبعة بروح الإسلام وأيضًا كتبت عددًا من أناشيد الأطفال وكتبت في الأطفال أقرب شعري إلى نفسي.

أذكر من ذلك قصيدة كتبتها منذ خمسين عامًا تقريبًا لولدي أقول له فيها..

أنا قادم لك يا بني وحق طهرك لا تنم

 لا تحرمن أباك من فمك الشهي إذا ابتسم

حلواك تلك أضمها في لهفة بيدي ضم

أسعى إليك وكل خافقة بجنبي تضطرم

 فلعلني ألقى صباحك يملؤ الدنيا نغم

ولكن أراد الله أن أتوفر على اللون الذي عشت أكتبه وكل ميسر لما خلق له.

المجتمع: ولكن ألم يكن حصولكم على جائزة الدولة التقديرية في «الآداب» مفاجأة لدعاة التغريب والحداثة؟

التهامي: نعم كانت أكبر مفاجأة لدعاة التغريب والتخريب حيث كانوا يزعمون أنهم قد طاردوا الأدب الأصيل والعراقة والأصول الإسلامية.. فجاءت هذه الجائزة لتصحح شيئًا من الميزان المائل.

خصومات وأحقاد

المجتمع: وبماذا تعللون هذه الخصومة الأدبية فيما يتعلق بالنقد والدراسات حول أشعاركم؟

التهامي: نعم عندك كل الحق في أن هناك خصومة في النقد والدراسات حول كل ما هو إسلامي تقريبًا، فلقد ظلم أحمد محرم، وباكثير وغيرهم، ولكن هذا لا يمنع من بعض الفصول النقدية التي تناولت أعمالي قام بها عدد من النقاد الكبار أمثال د. شوقي ضيف ود. شكري عياد إلى جانب رسالة ماجستير بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر.. ولكن أنا لا أنظر- والله- لنفسي كشخص، ولكن لا يجب أبدًا أن يظلم ما هو إسلامي، في بلده وأنا أنتهز هذه الفرصة لأقول إن مسيرة الأدب المباركة سوف تصحح كثيرًا من الموازين المضطربة.. وسوف تضع الذين عاشوا عالة على الغرب في كل شيء حتى في الكلمة- سوف يضعهم الأدب الإسلامي في أماكنهم التي يستحقونها.

 المجتمع: وآخر أشعاركم.. في هذا الخضم المضطرب الذي تتلاطم أمواجه من

حولنا؟

التهامي: كتبت في «الزلزال» التي ضرب مصر في ١٢ أكتوبر من العام الماضي.. قصيدة طويلة.. يقول مطلعها.

الأرض حتى الأرض وهي صخور

تشتاق يوما ثورة فتثور

حتى إذا ثارت فنحن خرافة

والعيش وهم والحياة غرور

 وحين نشرت الصحف أن القائد العسكري في البوسنة الجريحة الذبيحة أرسل إلى المؤتمر الإسلامي طالبًا مددًا من جيوش وأسلحة.. قلت له..

فضحتنا حين ضاقت حولك السبل

فصحت بالأهل تدعوهم وتبتهل

 يا صاح أهلك قد فاتوا مضاربهم

وشردوا في سواد الليل وارتحلوا

فاتوا قلاعهم الشماء خاوية

وفي مهاوى بطون الأرض قد نزلوا

 إن جئت تنشدهم يوما لمكرمة

فليس في نجدة من دارهم أمل

قد يسمعون وقد تدمي قلوبهموا

وقد تفيض بجاري دمعهم مقل

حتى إذا وثبت في صدرهم همم

يعوقهم أنهم في دارهم وحلوا

فليس معتصم في الدار ينجدكم

فلم يعد في مدى أوطانهم رجل

المجتمع: أخيرًا.. ماذا عن اتهام الأدب الإسلامي بالمنبرية والوعظ والخطابة؟

التهامي: هذا كلام من ظاهر القول... فليس يقوله من أوتى نصيبًا من التذوق الحسن وإن كانت المنبرية والوعظ والخطابة ليست تهمًا حتى نتبرأ منها.. فالقرآن الكريم وهو قمة القمم في بيانه ولغته، قد يسره الله للذكر والوعظ فيه يهز الأحجار، لكنها التهم الجوفاء وليت من يتهموننا بذلك يقرأون ما نكتب.. إنما هي ثرثرة يتربصون بنا من خلالها ريب المنون.. لكن للأسف الشديد.. لا يرمينا بذلك إلا من تمرسوا بغير الأدب وبغير الإسلام ليحاربوا فينا الأدب والإسلام معًا.

المجتمع: جزاكم الله خيرًا.

التهامي: وجزاكم والمسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

«الدعوة» تستأنف مسيرتها

بعد ١٢ عامًا من التوقف الإجباري عادت مجلة الدعوة إلى الصدور من جديد. وقد كتب افتتاحيتها الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام.

كما تضمنت مقالة المرحوم التلمساني «لماذا اقتحم رجال الداخلية مقر الدعوة» التي كانت السبب المباشر لإغلاق المجلة عام ۱۹۸۱ ونحن إذ نهنئ المسلمين باستئناف الدعوة لمسيرتها المباركة.

ندعو الله أن يوفق القائمين عليها لمتابعة النهج الذي أرساه مؤسس الدعوة الإمام الشهيد عليه رحمة الله.

ترسل الاشتراكات برسالة مسجلة على العنوان التالي:

P.O.Box: 3093.

 Islamabad, Pakistan

Tel: 217386-Fax: 217317/858486

مشاهير الشعراء

البحتري

«٢٠٤- ٢٨٤ هـ»

حياته: هو أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري ولد بقرية «منبج» إلى الشمال الشرقي من حلب سنة ٢٠٤ للهجرة أي في العصر العباسي.

تربى في عشيرته العربية فتغذى من فصاحتها ثم اختلف إلى حلقات العلماء في المساجد يأخذ عنهم اللغة والنحو وشيئًا من الفقه والتفسير وعلم الكلام.

 استيقظت موهبة الشعر مبكرة لديه وشجعه أبو تمام وتعهد شاعريته وفتح له أبواب بلاط الخليفة الواثق.

 وأصبح البحتري في عهد الخليفة المتوكل شاعره الكبير ولكنه لم يترك في نفس الوقت وجيهًا ولا واليًا ولا صاحب خراج إلا مدحه وجمع من وراء ذلك الكثير من المال. وعاش إلى آخر حكم الخليفة المعتمد. ثم رجع إلى قريته ومات فيها سنة ٢٨٤ للهجرة.

أدبه: تنوعت موضوعات البحتري التي نظم فيها قصائده وإن كان المديح هو الغالب عليها، وقد برع في وصف الطبيعة وملامح الحضارة التي عايشها من خلال مدائحه، وربما أفرد لها مقطوعات بأكملها يقول في مدح المتوكل ويصف موكبه في عيد الفطر:

فانعم بيوم الفطر عيدًا

إنه يوم آخر من الزمان مشهر

أظهرت عز الملك فيه بجحفل

 لجب يحاط الدين فيه وينصر

لم يكن البحتري صاحب تعمق في معاني الشعر مثل أبي تمام لذلك وصفه بعض النقاد قائلين إن البحتري أعرابي الشعر مطبوع على مذهب الأوائل وما فارق عمود الشعر.

وإذا كان البحتري قد اهتم بالبديع كما يفعل أستاذه تمام فلم يكن يلجأ إلى هذا اللون بل كان يلجأ إلى البسيط والسهل المستساغ مثل الطباق والجناس في وضوح وبعد عن الغريب.

لقد قارن البحتري بينه وبين أبي تمام فقال: جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه، وكأنه يريد أن يقول إن هذا الفن البديعي المعقد له سقطات كثيرة، وهذا ما حدث بعد ذلك عند الشعراء الذين لم تكن لهم موهبة الشاعرين.

ماهر السعيد

 السعودية- أبقيق

إصدارات

الإنارة لطلبة العمارة

ابتغاء لمرضاة الله عز وجل واستجابة لحاجة أبنائي الطلبة في كلية العمارة التخطيط بجامعة الملك سعود ولرغبتي الخالصة في المساهمة في تشجيع نشر العلوم الهندسية باللغة العربية واقتداء بالسلف من العلماء المسلمين الذين أكدوا مكانة اللغة العربية كلفة للعلم ومكنوا لها مركزًا قياديًا للعلوم والفنون حتى استوعبت كل ما أمكنهم الحصول عليه في عصور سبقتهم فحافظوا عليها من الاندثار وأضافوا عليها وأصلوها حتى استحدثوا من العلوم والفنون ما لم يكن له وجود من قبل.

وتأكيدًا لضرورة استعمال اللغة العربية في التعليم الجامعي في كل حقوله فترتبط الجامعة بالمجتمع ويتحد التفكير والتعبير فتتكون الملكات الفنية وتتأصل العلوم ويتولد لدى المجتمع العربي المقدرة على الابتكار والتجديد من أجل ذلك كله كان هذا الكتاب المتواضع «الإنارة لطلبة العمارة» الذي حاولت أن أسكب في صفحاته خبرة سنوات طويلة أضعها أمام أبنائي الطلبة لنفعهم إن شاء الله. هذا وقد توخيت تقديم المعلومات العلمية والفنية ليكون مرجعًا لطالب العمارة ومهندسي الإنارة. وذلك بأسلوب علمي مبسط متفاديًا التعقيدات الرياضية وفق منهج منطقي واضح تيسيراً للفهم وتعميمًا للفائدة متجنبًا الإسهاب الممل حيث حاولت التدرج من المبادئ النظرية إلى التطبيقات العملية مستخدمًا الأشكال التوضيحية والجداول العملية والمخططات المناسبة والأمثلة المحولة لتوصيل المعلومات للقارئ، في أبسط صورها.

 بهذه الكلمات الطيبات بدأ الأستاذ الدكتور محمد عبد الفتاح عبيد مقدمة كتابه الذي سوف يسد فراغًا في المكتبة الهندسية وإن كنا نناشد الأستاذ الفاضل والمربي القدير د. عبيد للكتابة في تخصصه الأساسي وهو الهندسة النووية وعلومها فنحن أحوج ما نكون إلى أمثاله للكتابة في تلك المجالات التي تعتبر فرض عين على المسلمين في الوقت الحاضر وهو القادر على ذلك بإذن الله تعالى ولا نعذره في ذلك.

والكتاب آنف الذكر يتكون من تسعة فصول يمكن إجمالها فيما يلي:

1- مفهوم الإنارة والعمارة والارتياح البصري.

2- مصطلحات وتعاريف.

3- التحكم في الضوء.

4- الألوان وتفاعلها مع الأضواء.

 5- كمية الإنارة ونوعيتها.

6- الإنارة الطبيعية في المباني.

7- تصميم الإنارة الطبيعية في المباني.

8- المصابيح الكهربائية.

9- الإضاءة الاصطناعية وطرق تصميمها.

والكتاب من منشورات جامعة الملك سعود- كلية العمارة والتخطيط، وفي الختام نسأل الله رب العرش العظيم أن يتقبل من المسلمين جميع أعمالهم ويجعلها خالصة لوجهه تعالى إنه العظيم على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

م. عوض أحمد عوض الزهراني

 الرياض- معهد بحوث الطاقة الذرية

مُنتجات عقل مُغرض

هل شك النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان يتنزل عليه من قرآن؟!

وهل أمر الله نبيه بأن يسأل أهل الكتاب ليستوثق منهم ويزيل ذلك الشك؟!

 

هذان السؤالان الخطيران تطرحهما مقالة كتبها باحث غير مسلم، هدفها الظاهر اثبات الشرف العظيم لأسلافه، وباطنها الخفي التشكيك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولاريب أن القضية عظيمة الخطر عندنا نحن المسلمين، ولا ينبغي أن تمر دون مناقشة وتمحيص ولسوف نرى أن كل ما زعمه ذلك الكاتب إن هو الا منتجات عقل مغرض.

 

لقد حاول الرجل أن يستغل قول الله تعالى: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (يونس :٩٤) وانتهى إلى أن النبي كان يشك في التنزيل وأن الله أمره بأن يسأل أهل الكتاب ليستوثق من أنه الحق الذي لا مراء فيه وذلك شرف عظيم لهم.

 

ومن المؤسف حقا أن يستجيز إنسان لنفسه الاقتراب من كتاب الله دون أن يتوفر لديه التدريب العلمي الضروري الذي يؤهله لذلك ومن ثم يكتب وينشر أخطاء فادحة وليس بوسعنا أن نفسر ذلك إلا برده إلى الرغبة القديمة الموروثة الدفينة في النيل من الإسلام العظيم ومن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وليس هذا من العلم في شيء وهو لا يرتبط بالأمانة العلمية بأية وشائج.

 

من ذا الذي كان يشك في التوحيد؟ إن من البدهيات المنهجية الأساسية لدى مفسري القرآن الكريم أن الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الآيات ويكون المراد بالأمر أو النهي هم : العباد أو المسلمون أو فئات منهم أو من غيرهم (۱) وفيما يلي أمثلة توضح هذه البدهية.

 

أ - قال تعالى : (لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولً) (الإسراء : ۲۳).

ب - وقال جل ثناؤه : (وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين. ولا تدع مع الله مالا ينفعك ولا يضرك) (يونس : ١٠٥ - ١٠٦)

ج - وقال سبحانه : (فلاتك في مرية مما يعبد هؤلاء ) (هود : ۱۰۹).

 

ولو أننا أغفلنا هذه البدهية العلمية وسرنا على طريقة صاحبنا ذاك وفهمنا أن النبي نفسه هو المراد من هذه الآيات وكثير غيرها لوقعنا في أشنع المتناقضات أما إذا احترمناها فإننا سندرك أن الخطاب للنبي ولكن المراد أولئك الذين جعلوا مع الله إلها آخر من المشركين وأولئك الذين كانوا في مرية بشأن الأوثان والأصنام.

 

والآية رقم ٩٤ من سورة يونس هي من هذا النوع الذي يخاطب النبي ويكون المراد غيره، فما كان النبي يشك فيما كان يتنزل عليه وما كان يحتمل أن يفعل، وحاشاه ذلك، وهو الذي رفض الوثنية قبل البعثة، والذي جاهد وصبر وصابر في سبيل التوحيد بعدها.

 

أما الذين شكوا فيما كان يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن فهم المشركون المعاندون وكثير جدا من اليهود والنصارى وهذه الحقيقة نفسها تصدق على أقوام الرسل والأنبياء السابقين أعني أن الشكاك كانوا هم الذين كذبوا الرسل، لا الرسل أنفسهم وهذه بدهية عقلية، والقرآن الكريم يوضحها في عدد كبير من الآيات البينات:

 

أ - قال تعالى في المكذبين الموسى عليه السلام ... وإنهم لفي شك منه مريب) (هود : (۱۱۰)

 

ب - وسجل القرآن أن قوم صالح عليه السلام هم الذين قالوا : .... وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ) (هود : (٦٢)

 

ج - وقال جل شأنه في المشركين العرب : بل هم في شك يلعبون) (الدخان : ٤٤) ولقد كانوا ينكرون التوحيد قائلين : ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا الإ اختلاق) و (اجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشي عجاب) (ص: (5.7).

والنصارى كما نعلم يؤمنون بالتثليث واليهود يقولون بالتجسيم وعنصرية الإله!

 

وفي الآيات التالية للآية رقم ٩٤ من سورة يونس نفسها بيان صريح بحقيقة الذين كانوا يشكون في التنزيل فهي تصفهم بأنهم : ( الذين كذبوا بآيات الله وأنهم الذين حقت عليهم كلمة ربك) ثم تعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان بإذن الله وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) و (ما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون وبعد ذلك يجيء البيان القاطع بأن الناس هم الذين كانوا في شك : (قال يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين) (يونس : ١٠٤) والناس المشار إليهم في الآية كانوا خليطا من العرب المشركين والنصارى واليهود. وبهذا يثبت يقينا أن الزعم بأن النبي هو الذي كان يشك إنما هو بهتا من يقلب للحقيقة رأسا على عقب (۱) ومثل هذا البهتان لا ينتجه إلا عقل مستسلم للأحقاد الموروثة ضد رسول الإسلام العظيم عليه الصلاة والسلام.

 

الذين يقرأون الكتاب ... من هم؟

 

هذا هو السؤال الثاني : هل الذين يقرأون الكتاب هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى؟

 

- إن القرآن الكريم يشير إلى اليهود والنصارى بعبارة أهل الكتاب وقد وردت فيه أربعا وعشرين مرة ووردت عبارة : (أهل الإنجيل مرة واحدة وعبارة : الذين يقرأون الكتاب مرة واحدة ولا يوجد مانع من إطلاق هذه العبارة الأخيرة على أهل الكتاب لأنها عبارة مجملة تحتمل أكثر من معنى لكن القرائن تؤكد أنها استخدمت في هذه الآية لتدل على غيرهم وفيما يلي بيان ذلك.

 

يقول القرطبي إن الذين يقرأون الكتاب في هذه الآية هم المسلمون الذين كانوا يهودا من أمثال عبد الله بن سلام ، العالم الجليل . (۱) لأنهم تخلصوا من الشك بعد أن درسوا وقارنوا وأمنوا بنبوة محمد فهؤلاء هم الذين يرجى منهم أن يقولوا كلمة الحق في القرآن أما أهل الكتاب الذين ظلوا على دينهم فقد كانوا يكذبون النبي ولا معنى لأن يسألوا في شأن القرآن فإن جوابهم معروف سلفا وقد أعلنوه مرارا وتكرارا ولو سألهم أحد لأجابوا بأن القرآن ليس منزلا وقد سألهم المشركون العرب فقالوا لهم إن دينكم الوثني خير من دين محمد.

 

وبعبارة أخرى كان أهل الكتاب يشكون في التنزيل وأمن بعضهم وتخلص من الشك وبقى بعضم حائراشاكا أو معاندا رافضا فهل ينصح القرآن شاكا بأن يسأل شاكا آخر؟! تلك واحدة من الشناعات التي تقودنا إليها منتجات ذلك العقل المغرض.

 

إن الفئة الجديرة بأن تشهد الحق وأن تسأل وأن يرجع اليها المتشككون هي التي يصفها القرآن الكريم بقوله .... (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) (آل عمران: (١١٤) فهم كانوا من أهل الكتاب ثم فارقوا دينهم وآمنوا بالإسلام ولم يعودوا أهل الكتاب بل (من أهل الكتاب) الذين شكلوا أمة تتصف بكل صفات المسلمين المؤمنين وبذلك تفارق أهل الكتاب المعاندين والمتشككين وقد وصفهم القرآن الكريم بأنهم (لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) (آل عمران (۱۹۹) فهؤلاء إذن هم (الذين يقرأون الكتاب) والذين يمكن أن يرجع اليهم المتشككون في القرآن ليستوثقوا أنه تنزيل من عزيز حميد وأنه حق لاريب فيه وأنه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 

وقد يضاف اليهم ايضا القراء أو المثقفون العرب من ذوي الأحلام الكبيرة والعقول الراجحة، فهؤلاء هم أهل الذكر أو أهل الاختصاص الذين يرجع اليهم كل من غم عليه الأمر أو شك أو ارتاب أو جهل، وهم الذين كانوا يقرأون الكتاب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

والإسلام يشرع وجوب العدالة في الشهود في البيع والشراء، فلا يمكن أن ينصح بالاستشهاد بالكذابين المحاربين المتشككين في اخطر مسائل العقيدة الدينية) الذين يقول جل شأنه فيهم:

 

أ (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب، ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء..) (البقرة: (١٠٥).

 

ب (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا، حسدا من عند أنفسهم، من بعد ما تبين لهم الحق..) (البقرة: (۱۰۹)

 

ج (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم) (البقرة : ٦٩) د - يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل

 

د (وتكتمون الحق وأنتم تعلمون؟) (آل عمران : (۷۱) هـ : (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه..) (النساء : (٤٦) .

 

و (ومن الذين هادوا سماعون للكذب.. ) (المائدة : (٤١)

 

ز - (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره، لعلهم يرجعون ) (آل عمران : (۷۲)

 

فهل ينصح القرآن الناس بأن يسألوا هؤلاء في شأن القرآن؟!

 

أيجوز أن ينصح الله تعالى تعالي نبيه بالرجوع إلى هؤلاء المكذبين المعاندين المضللين المتأمرين؟

 

ذلك لا يجوز بحال إلا في عقل أعماه التعصب وطمس عليه الهوى.

 

اليهود ومنهجهم في بذر الشكوك. وعلى نقيض ما ادعاه صاحبنا كان اليهود بالذات يعملون ما وسعهم لبذر الشك في عقول المسلمين وقلوبهم ولم يكونوا مرجعا للتوثق والخلاص من الشك وكانت لهم مناهجهم التخريبية التي سجلها القرآن الكريم فيما آوردنا من آياته البينات.

 

وكان لهم بالإضافة إلى ذلك منهج آخر هو : توجيه الأسئلة الى النبي صلى الله عليه وسلم أو تلقينها للمشركين ليوجهوها إليه عليه الصلاة والسلام وكانوا يعتقدون أن النبي سوف يعجز عن الجواب وبذلك يشككون الناس في نبوته وقال تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها . قل علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) (الأعراف : (۱۸۷)

 قال القرطبي : كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت نبيا فأخبرنا عن الساعة متى تقوم (۱) وروى البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله قال : بينا أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكى على عسيب إذ مر اليهود، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح.. فسألوه عن الروح.. فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا (۲).

 

وقد بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى اليهود تسألهم إن كان محمد صادقا أم لا، فلقنوهم المنهج التشكيكي نفسه وقالوا : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا رأيكم فيه : سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول. ماكان أمرهم؟ (هم أهل الكهف) فإنه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طواف ، قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه ؟ هو ذو القرنين وسلوه عن الروح ما هي؟ ونحن نعلم أن الله تعالى أوحى إلى نبيه الكريم بجوابي السؤالين الأول والثاني أما الروح فهي من أمور الغيب.. فقال جل شأنه لنبيه قل الروح من أمر ربي).

 ومرة أخرى نتساءل : هل يجوز في عقل عاقل أن يستشهد بهؤلاء على أن القرآن تنزيل من عند الله؟ هل المشككون في القرآن هم الذين يؤمر الناس بسؤالهم عنه لإزالة شكوكهم فيه؟!!!

  •  تلك شناعة أخرى لاتمر إلا في عقل مغرض.
  •  منهج إسلامي في البحث والتفكير.

والآية الكريمة المذكورة تعلمنا منهجا إسلاميا في البحث والتفكير نحن في أمس الحاجة إليه فكل إنسان يشك في شيء يجب أن يسأل أهل الذكر، حتى أمور العقيدة، لا ينبغي أن يسكت المسلم عنها إذا ساوره الشك فيها ويتحتم أن يسأل ويبحث : لأن المسلم مكلف أن يستيقن من عقيدته وشريعته وألا يعتمد على التقليد دون تثبت ويقين. (۲)

 

وفي القرآن الكريم تستخدم الأساليب الشرطية للتعبير عن القواعد والشرائع والحقائق الدينية، وقد يكون الشرط مجرد احتمال وقد يكون واقعا وقد يكون مستحيلا خذ مثلا قوله تعالى : (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) (الزخرف : (۸۱) فهل يعقل أن يتحقق الشرط في هذه الآية الكريم؟! إنه شرط مستحيل وتبعا لذلك يكون جوابه مستحيلا ايضا والآية رقم ٩٤ من سورة يونس تخاطب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره وقد قدمنا الأدلة على ذلك غير أننا لو افترضنا جدلا أنه عليه السلام هو المراد فإنها لا يمكن أن تفهم فهما يتسق مع آيات القرآن الأخرى إلا على أساس أن الشرط فيها مستحيل التحقيق ومن ثم جوابه كذلك.

 

صفوة القول إذن إن الشكاك الحقيقيين فيما كان يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن کانوا هم اليهود والنصارى والمشركين العرب وإن الذين كانوا يقرأون الكتاب قبل بعثة النبي والذين نصح القرآن المتشككين بسؤالهم كانوا يهودا اسلموا وآمنوا وعربا من الحكماء . القراء، المثقفين، وإن أهل الكتاب الذين ظلوا على دينهم لم يكونوا أهلا للثقة والشهادة بل كانوا كذبة مدلسين معاندين متآمرين.

 

هذه هي حقائق القرآن واضحة بينة ناصعة، وأما ما زعمه ذلك الكاتب فهو ترجمة لهذه الحقائق من خلال عقل مغرض.

 

هوامش :

 

(1) القرطبي : الجامع جـ ٤ ص ۳۲۲۱ طبعة دار الشعب)

(۲) راجع : غرائب التنزيل ص ۱۸۰

(۳) الجامع : جـ ٤ ص ۳۲۲۱ طبعة دار الشعب

(٤) الجامع، جـ ٤ ص ٢٧٧١

(٥) نفسه ك جـ ٥ ص ۳۹۳۹

(6) سيرة ابن هشام : ج ۱ ص ۳۰۰ - ۳۰۱

(۷) في ظلال القرآن ج ۳ ص ۱۸۲۰

 

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 9

55

الثلاثاء 12-مايو-1970

نشر في العدد 11

37

الثلاثاء 26-مايو-1970