العنوان جريمة الغرب الكبرى ضد مسلمي "البوسنة والهرسك".. الدور البريطاني
الكاتب فهد العوضي
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1993
مشاهدات 10
نشر في العدد 1053
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 15-يونيو-1993
الحق أقول لك: «إن السبب في دمار "البوسنة" هي السياسة البريطانية قبل أن تكون وحشية الصرب» هذا ما صرَّح به أحد مسؤولي مركز العمل من أجل البوسنة "بلندن" للمجتمع عندما سألته عن الدور البريطاني في قضية "البوسنة"، والتركيز على "بريطانيا" دون غيرها من دول "أوروبا"، "فرنسا" - مثلًا- لا يختلف موقفها عن الموقف البريطاني وإن كان دورها ضعيفًا بسبب هزيمة الاشتراكيين وهبوط شعبية "ميتران" يأتي من منطلق الجهود الواضحة التي بذلها سياسيون على مستوى رفيع للعمل على منع التدخل العسكري في منطقة "يوغسلافيا" السابقة، وغني عن القول أن "لبريطانيا" على مدى التاريخ رصيدًا غير قليل من السياسات الازدواجية والدبلوماسيات المتحايلة التي تجد لكل سؤال جواب ولكل موقف حجة منطقية تصغى إليها أسئلة البعض ولا تنطلي على البعض الآخر، ومن هنا فبريطانيا ترى أن التدخل العسكري ضرب من التهور والطيش، لا تريد أن نتدخل عسكريًا مدفوعين بالعاطفة والاحباط «وزير الخارجية دوجلاس هيرد» وقد بعثت الخارجية البريطانية إلى مراسل المجتمع في "لندن" تقريرًا مطولًا تدافع فيه عن موقفها جاء فيه «أن البعض يعتقد أن التدخل العسكري سهل جدًا وسريع كذلك في تحقيق السلام ولكنه لا يعرف أن الأمر أخطر من ذلك لأنه يتطلب قوة عسكرية هائلة قد تؤدي الى مجازر؛ فالنتيجة النهائية من التدخل ستكون زيادة في عدد الضحايا وزيادة في مأسي الأحياء، ويضيف التقرير إن الحرب في "البوسنة" ليست بين دولتين حتى تتدخل ولكنها بين أبناء شعب واحد وهنا تكمن المعضلة لقد اقترح البعض القيام بضربات جوية وهذا أيضًا صعب لصعوبة تحديد المواقع والأهداف كما أن مثل هذا العمل سيؤدي إلى دمار وخراب» ويختتم التقرير كما أن التدخل العسكري من شأنه إيقاف قوافل الغذاء التي يحتاجها مسلمي "البوسنة" خاصة وفصل الشتاء «وتساقط الثلوج» على وشك الدخول وقد أثارت تصريحات رئيسة الوزراء السابقة «مارجريت تاتشر» الخاصة بوجوب التدخل العسكري وتسليح مسلمي "البوسنة" ضجة إعلامية سياسية كبيرة أدت بوزير الدفاع «مالكوم اتفوند» يهودي من أصل إسكتلندي إلى القول: «هذا عبث وهراء عاطفي» والتزعم البريطاني للتيار رفض التدخل لم يقتصر على المستوى الأوروبي فحسب وإنما امتد ليطال "الولايات المتحدة" أيضًا «أوبل كلينتون» بالتحديد فعندما راودت الرئيس الأمريكي فكرة إيقاف الاعتداءات الوحشية على مسلمي "البوسنة" وذلك بقوة السلاح والضربات الجوية ترى على الأثر وزير الخارجية البريطاني «دوجلاس هرد» إلى واشنطن حاملًا معه رسالة تحذيرية من مغبة الأقدام على مثل هذا العمل أو مجرد التفكير فيه فأعلنت "واشنطن" أنها لن تتخذ أي إجراء عسكري إلا بالاتفاق مع الحلفاء الأوروبيين الذين قرروا منذ الآونة الأولى عدم التدخل.
الضغط على المجتمع الدولي:
ولم يقف الدور البريطاني عند ذلك وإنما امتد كذلك ليشمل الضغط على المجتمع الدولي ومطالبته بتطبيق حظر عسكري على مسلمي "البوسنة" تحديدًا لأن الواقع يقول أن الصرب والكروات لديهم ما يكفي من الأسلحة خصوصًا وأن روسيا استطاعت خرق الحظر بصورة علنية وزودت الصرب بكميات كبيرة من الأسلحة، لدرجة أن الصرب نفسها باعت بعضها للفئات المتقاتلة في الصومال، بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المتطوعين الروس جاؤوا للقتال في صف المعتدي على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي وتظل بهذا الصدد ذات العقلية البريطانية الظالمة في الدبلوماسية التحليلية فقد أجاب مسؤول في الخارجية البريطانية حول سؤال أحد الصحافيين عن إمكانية رفع الحظر العسكري عن مسلمي "البوسنة" أو تزويدهم بالسلاح قائلًا أن ذلك سيعزز من قناعة الأطراف المتقاتلة بأن المشكلة لن تحل بغير الطريق العسكري وأضاف لو رفعنا الحظر العسكري عن مسلمي "البوسنة" فسوف تقوم بعض الدول بتسليح الصرب، وهذا من شأنه إطالة أمد الحرب الأهلية.
الدور البريطاني في مجلس الأمن:
في الوقت الذي كان الصرب يبيدون فيه مسلمي "البوسنة" كان رئيس الوزراء البريطاني يرأس مؤتمر عقد في "لندن" بالتعاون مع الدول الأوروبية «التي يرأس ميجور دورتها الحالية» والأمم المتحدة «بطرس غالي» في محاولة فاشلة من الجميع لتوقيع معاهدة سلام بين الأطراف المتنازعة وكان الهدف من عقد المؤتمر في "لندن" بالذات هو إيهام الرأي العام بأن "بريطانيا" تبذل قصارى جهدها لإيقاف الحرب الأهلية بين "الصرب، البوسنة، الكروات" وذلك بعد الرفض الشعبي التي لاقته بتزعمها عملية الضغط على بقية الدول الأعضاء بمجلس الأمن لاستصدار قرار رقم ٧٨٧ القاضي بالحظر العسكري على جميع مناطق "يوغوسلافيا" السابقة «٩١/٩/٢٥» مع العلم بأن دولًا مثل "روسيا" استطاعت خرق الحظر وتزويد الصرب بمال قيمته ٣٦٠ مليون دولار من الأسلحة في الوقت الذي كان مجلس الأمن يطلب فيه من قراره الذي استصدره في «١٥ مايو ١٩٩٢» عدم تدخل أي قوة أجنبية من الخارج لمساعدة "البوسنة" «قرار رقم ٧٥٢ لتحقيق السلام» إن مؤتمر "لندن" لم يُعقد في الحقيقة لفض النزاع وإنما كان على بدايته تمهيدًا غير مباشر لقرارات صدرت لاحقًا عن مجلس الأمن لضمان:
- حظر السلاح على "البوسنة" «غض الطرف عن التسليح الروسي للصرب».
- تعزيز سياسة المفاوضات على حسب استمرارية المجازر.
- منع التدخل العسكري «تطمين الصرب على مصائرهم وقد وصلت خلفية هذا القرار إلى الحد الذي جعل "جون ميجور" نفسه يهدد المجتمع الدولي باستخدام حق الفيتو في حالة استصدار قرار خلافه».
موقف الأحزاب البريطانية حزب المحافظين:
يرى حزب المحافظين «وهو الحزب الحاكم» عدم جدوى ممارسة أي ضغط على الاعتداءات الصربية ومن هنا فلا يرى "جون ميجور" تحديدًا ومن ورائه بيتر ليلى وزير التأمينات الاجتماعية وأبان "لانج" وزير "إسكتلندا" مثلًا زيادة القوات البريطانية في "البوسنة" فوق ما هو موجود حاليا «٢،٦٠٠».
حزب العمال:
لا يختلف كثيرًا في جوهره عن موقف الحزب الحاكم.
حزب الأحرار:
يمثل رئيس حزب الأحرار «بادي شدوان» التيار الرافض للسياسة البريطانية من قضية البوسنة فقد ظهر عدة مرات في التلفزيون ليتحدث عن ضرورة كسر شوكة الصرب، وإيقافهم حدهم، بل واعتبار أي خطة سلام توضع قبل تحقيق هذا العمل مجرد تضييع وقت.
موقف بريطانيا من لاجئي "البوسنة":
وينعكس موقف الحكومة البريطانية من قضية "البوسنة"، على لاجئي "البوسنة" أنفسهم، فطبقًا لما جاء في مقال الأستاذ "فهمي هويدي" فإن الحكومة عارضت مبدأ استقبال اللاجئين البوسنيين، واحتجت في ذلك بدعوى أن «الجماعة الأوروبية يجب ألا تشارك الصرب في عملية التطهير العرقي» ويؤكد المقال على أن الثابت أن "بريطانيا" كان لها دورها الريادي في التضييق على اللاجئين حيث اشترطت على كل لاجئ أن يحصل على تأشيرة «فيزا» من قنصليتها في العاصمة الكرواتية «زغرب» «الأهرام ٩٣/٥/٢٥» من ناحية أخرى حصل المجتمع على تقرير يبين فيه مدير مركز العمل من أجل "البوسنة" السيد "مرساد سهيوفله"، سياسية الحكومة البريطانية من لاجئي "البوسنة"، ويفرق في ذلك بين سياسة الحكومة ومشاعر الشعب البريطاني ذاته.
جاء في التقرير: تحقق الحكومة البريطانية لكل لاجئ بوسني كل ما يحتاجه من دخل أسبوعي ومسكن غير أن المشكلة التي يواجهها كل بوسني في بريطانيا تتلخص في أن الحياة هنا تختلف تماما عن عادات وتقاليد "البوسنة" يستوي في ذلك الطعام والحياة الاجتماعية العامة بالإضافة إلى اللغة والعقلية نفسها، ويضيف التقرير وعلى الرغم من الحفاوة التي استقبل فيها الشعب البريطاني لاجئي "البوسنة" إلا أن كل بوسني ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي يعود فيه إلى وطنه، ثم يسترسل التقرير في وصف معاناة لاجئ "البوسنة" ومعظمهم من النساء والأطفال حيث الأزواج والآباء إما يقاتلون أو شهداء أو في مخيمات نائية، ويطالب التقرير على لسان مدير المركز الحكومة البريطانية بضرورة السماح لهؤلاء الأزواج والآباء في المخيمات في الدخول إلى البلد والاتصال بزوجاتهم وأولادهم ولما الشمل عمومًا، ويتحدث التقرير عن معاناة الشباب البوسنوي في لندن حيث إنهم يؤدون استكمال الدراسة والالتحاق بالجامعة ولكنهم لا يستطيعون لأسباب مادية، وقد صرح «السيد سهيوفله» «للمجتمع» بأنه أرسل رسالتين بهذا الصدد إلى السفارة السعودية والكويتية في بريطانيا طلبًا للإعانة المادية حيث يتواجد حوالي 40 طالب بوسنوي يحتاجون إلى الدراسة، ويختتم التقرير بنقل مشاعر لاجئي "البوسنة" المستاءة من سياسة الحكومة البريطانية الرافضة لتسليح المسلمين في "البوسنة" أو رفع الحظر العسكري عنهم على الأقل.
موقف الجالية الإسلامية من السياسة البريطانية:
أقامت الجالية الإسلامية في بريطانيا مظاهرة كبيرة احتشد فيها حوالي ٦٠٠٠ مسلم للتنديد بسياسة «جون ميجر» ومطالبة الحكومة رفع الحظر العسكري المفروض على مسلمي "البوسنة" «المجتمع العدد 1052» وعلى مستوى الضغط السياسي تم مؤخرًا توزيع منشور على شكل رسالة إلي نائب يوقعها كل مسلم ويوجهها إلى نائب منطقته وقد جاء في الرسالة:
السيد النائب:
أنا المسلم الموقع أدناه اكتب إليك للتعبير عن غضبي من سياسة الحكومة البريطانية تجاه مسلمي "البوسنة" وما يغضبني أكثر أن الحكومة البريطانية لا تكتفي بمجرد عمل لا شيء، وإنما تحاول الضغط على الدول الاخرى كأمريكا مثلًا لمنعها من عمل أي شيء إيجابي لإيقاف الحرب الأهلية وبما أنني مواطن في منطقتكم فإنني أستنكر هذه السياسة التي أراها موجهه ضد المسلمين وأرجو منك عمل كل ما تستطيع للضغط ومطالبة وزير الخارجية ورئيس الوزراء تغيير هذه السياسة وتشجيع سياسة أخرى تقتضي رفع الحظر العسكري عن "البوسنة" إنني كمسلم لا أقبل سياسة هذه الحكومة المشجعة للترويع الصربي مع القتل الجماعي والاغتصاب الجماعي الذي يشمل حتى الأطفال ممن هم دون الرابعة وتحطيم سيادة واستقلالية الدولة».
الصحافة البريطانية:
توجه الإعلام البريطاني عمومًا يوافق سياسة الحكومة البريطانية تجاه قضية البوسنة ودليل ذلك أنه في أعقاب القرار أو الخطة المشتركة التي توصلت إليها كلًا من "الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا وإسبانيا" في «22/ 5 /93» نسى الإعلام تمامًا أو كاد أن يتناسى مسلمي "البوسنة" فما عدت ترى كما كنت في السابق تغطيات لأهم الحوادث والأخبار في "يوغسلافيا" -السابقة- على أن الحال في الصحافة يختلف إلى حد ما فيظل أن هناك من الصحافيين البريطانيين من يندد بسياسة «ميجور» من هؤلاء مثلًا المحرر السياسي لجريدة "لصنداي تايمز" «مايكل جونز» الذي كتب يقول: أن عنصرية الغرب هي وراء إحجامه عن مساعدة مسلمي "البوسنة" فالمجازر لا زالت مستمرة والغرب يتفرج لأن الموتى مسلمين ولأن أسماءهم غير أوروبية! «٣٠/٥/٩٣»، وبالنسبة لسياسة وزير الداخلية السابق "كنث كلارك" تجاه لاجئي "البوسنة" حيث وضع قيودًا بمتطلباتهم تأشيرة دخول انتقدت "الإندبندنت" هذا المسلك وقالت أنه من العار على بريطانيا استضافة لاجئًا بوسنويًا واحدًا على تأشيرة مختصة أمام كل خمسين لاجئ تستضيفهم "ألمانيا" «٨/٣/٩٣».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
لقاءات «المجتمع».. مع الأخ بشیر مصطفى عثمان حَول أوضاع الإسلام والمسلمين في يوغسلافيا
نشر في العدد 273
15
الثلاثاء 04-نوفمبر-1975