العنوان جريمة مزدوجة للأمم المتحدة في البوسنة والهرسك
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993
مشاهدات 14
نشر في العدد 1047
نشر في الصفحة 27
الثلاثاء 27-أبريل-1993
- الأمم المتحدة تحولت من شاهد زور إلى مشارك فعلي في الجريمة ضد مسلمي البوسنة
جريمة جديدة لكنها مزدوجة أضافتها الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن إلى ملفها الأسود ضد مسلمي البوسنة والهرسك.
أما الشق الأول من هذه الجريمة فيتمثل في إعلان مجلس الأمن عن تأجيل تنفيذ القرار النهائي الخاص بتشديد العقوبات ضد مجرمي الصرب إلى ما بعد السادس والعشرين من أبريل الجاري، وذلك لإنقاذ رأس الرئيس الروسي بوريس يلتسين حليف الغرب في روسيا في الاستفتاء المقرر إجراؤه في روسيا في ذلك الوقت والذي سيتقرر مصيره من خلاله.
وقد سجل مجلس الأمن بقراره هذا على الملأ العالمي بأن فرض أي عقوبات إضافية على الصرب في الوقت الراهن قد يهز مكانة يلتسين لدى الروس الذين يدعمون مجرمي الصرب علنًا وبقوة لأنهم يشاركونهم العرق السلافي والمذهب الأرثوذكسي.
وقد أكد مجلس الأمن بقراره هذا سقوطه وسقوط مصداقيته ومصداقية القائمين عليه، وأقر أنه يكيل الأمور بمكيالين، وأن المسلمين لا وزن لهم ولا اعتبار أمام الغرب ومصالحه وحلفائه، وذلك من خلال جانبين:
الأول: أن مجلس الأمن قد أقر من خلال هذا الموقف بالمساعدات الروسية القائمة لمجرمي الصرب والدعم الروسي اللامحدود لعصابات الصرب التي سبق مجلس الأمن أن أدانها وأدان جرائمها مع المجتمع الدولي عشرات المرات.
الثاني: هو أن الدساتير والمواثيق والقوانين واللوائح التي قامت على أسسها الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية ما هي إلا هراء محض، بعدما رمتها الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن خلف ظهرها وربطت مصير دولة كاملة وشعب كامل تحت الإبادة منذ ما يزيد عن عام بمصير رجل واحد هو بوريس يلتسين لا لشيء إلا لكونه يمثل الأهداف الغربية في الاتحاد السوفيتي السابق ومن ثم في وسط آسيا، وهذا إقرار لمبدأ من مبادئ النظام الغربي الذي ليس له مبادئ، موجزه أن مصير أي زعيم يخدم الغرب ومصالحه أهم بكثير من مصير أمة كاملة يمكن أن تخالف الغرب في دينه أو حضارته، هذا باختصار هو الشق الأول من الجريمة.
أما الشق الثاني من جريمة الأمم المتحدة المزدوجة فقد صاغه مجلس الأمن قبل أن يجف المداد الذي صيغ به الشق الأول، وقد تمثل الشق الثاني من هذه الجريمة بقرار مجلس الأمن الذي يقضي بتحويل مدينة سريبرنيتسا البوسنية المسلمة الواقعة في شرق البوسنة والتي قاومت الحصار والدمار الصربي طوال أكثر من عام تحويلها إلى مدينة آمنة، وهو قرار حمل في ظاهره الرحمة، إلا أن قوات الأمم المتحدة فسرته في اليوم التالي بمعنى الرضوخ التام لمطالب الصرب المجرمين والمحاصرين للمدينة وعلى رأسها تجريد المسلمين الذين ظلوا يدافعون عن المدينة طوال عام كامل وفي ظروف الحصار الصعبة من السلاح خلال اثنتين وسبعين ساعة.
وبدأت قوات الأمم المتحدة بالفعل في تنفيذ المهمة التي أمر بها الصرب والتي عجزوا عن القيام بها بأنفسهم طوال عام كامل، حيث ظلت بطولات المسلمين المدافعين عن المدينة المحاصرة تبث الرعب في قلوب الصرب رغم أن أسلحة القوات المسلمة المدافعة عن المدينة كانت كلها أسلحة قديمة خفيفة ومعظمها من مخلفات الحرب العالمية الثانية.
يؤكد هذا مكالمة لاسلكية دارت بين القائد العسكري لحرب البوسنة الجنرال أتكو ملاديتش والقائد الميداني للقوات الصربية المحاصرة لمدينة سريبرنيتا التقطتها أجهزة تصنت تابعة للقوات المسلمة وبثتها إذاعة سراييفو وتناقلتها وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي، ظهر من خلالها مدى الرعب المسيطر على الصرب المحاصرين للمدينة، وكيف أن قواتهم في بعض المواقع تقف على بعد ثلاثمائة متر فقط من القوات المسلمة إلا أن الرعب والخوف الذي يملأ قلوبهم من القوات المسلمة يمنعهم من الصدام المباشر معها رغم تأكدهم بأنهم يحاربون قوات منهكة ومحاصرة وليس لديها خطوط إمداد ولا تملك من السلاح والذخيرة إلا بعض مخلفات الحرب العالمية الثانية.
فالذي عجز الصرب عن تحقيقه طوال أكثر من عام في سريبريننا حققته لهم قوات الأمم المتحدة خلال اثنتين وسبعين ساعة وهي المهلة التي حددها الصرب لتجريد سكان المدينة المسلمين من السلاح حتى يتمكنوا من دخول المدينة دون خوف، والبدء في تمزيق أوصال ستين ألف مسلم هم بقايا السكان المحاصرين في المدينة.
ولا ندري ماذا سيفعل مائة وثمانون رجلًا من قوات الأمم المتحدة في سريبرينتسا حينما يبدأ الصرب مجزرتهم ضد سكان المدينة المسلمين بعد تجريدهم من السلاح، فإذا كان آلاف آخرون من قوات الأمم المتحدة يتواجدون في العاصمة سيراييفو ومدن البوسنة الأخرى ولا يقومون بأي شيء سوى الإشراف على جرائم الصرب ضد المسلمين فلا نعتقد أن دورهم في سريبرينتسا سوف يزيد عن ذلك وأقصى ما يمكن أن يقوموا به هو المشاهدة والشجب والإدانة.
لقد أصبحت الأمم المتحدة شريكًا كاملًا في جريمة الإبادة القائمة الآن ضد مسلمي البوسنة بعدما كان يعتقد البعض أنها كانت فقط شاهد زور من قبل، وقد أعطت بقراراتها وموافقها المتخاذلة غطاء رسميًّا ومبررًا قويًّا للصرب حتى يواصلوا جرائمهم ضد مسلمي البوسنة، دون اعتبار لقرارات مجلس الأمن أو احتجاجات المجتمع الدولي.
إن الأولى بالأمم المتحدة أن ترفع يديها الآن من البوسنة وأن تعطي مسلمي البوسنة حق الحصول على السلاح للدفاع عن أنفسهم وتقرير مصيرهم، بعدما أصبحت أسلحة الأمم المتحدة الموجودة في البوسنة تحت أيدي الروس تستخدم بواسطة الصرب في إبادة المسلمين.
أما شركاء الأمم المتحدة في الجريمة سواء كانوا من دول شرقية أو غربية أو إسلامية فإنهم سوف يجنون في النهاية جزاء عملهم أو صمتهم؛ فدماء مسلمي البوسنة وجراحهم وآلامهم واستغاثاتهم وصراع نسائهم وعويل أطفالهم لن تذهب هباء؛ لأن هذا يخالف سنن الكون وسنن خالق الكون جلت قدرته ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل