العنوان حتى تكون الأسرة من أهم أولوياتك. اكتشف الأوقات الست
الكاتب تيسير الزايد
تاريخ النشر السبت 19-يوليو-2008
مشاهدات 13
نشر في العدد 1811
نشر في الصفحة 56
السبت 19-يوليو-2008
تفسخ بناء الأسرة. ضعف الشعور بالمسؤولية الفردية. فرض ضرائب مرتفعة وسيطرة الحكومة وتدخلها. البحث عن المسرات باعتبارها الهدف الوحيد من الحياة وذلك بأعنف وأحط أسلوب. انهيار العقيدة الدينية.
هذه الأسباب الخمسة التي وضعها «إدوارد جيبون» في دراسته التاريخية لسقوط الحضارة الرومانية، أسباب وإن كنا نقرؤها بنصف عين مفتوحة خوفًا من أن نمر بما يشبهها، إلا أننا لابد وأن نقف عندها، ونحاول كآباء بما قدر لنا أن نحصل عليه من ثقافة ووسائل تكنولوجية أن نتصدى لبعض المؤثرات التي يمكن أن تؤدي بنا إلى الأسباب الخمسة السابقة.
ضعف تربوي: الأسرة، تلك النواة المهمة في تكوين المجتمعات اختلفت اختلافًا كبيرًا عما كانت عليه في العشرين أو الثلاثين سنة السابقة، فالدعم الذي كان يقدمه لها المجتمع في شأن تربية الأبناء سلبه منها الآن، إلا من بعض أنشطة يحاول أن يقوم بها بعض المخلصين، فسابقًا كان الأب وحده من يذهب إلى العمل والأطفال يتمتعون برعاية كاملة من الأم، طاولة الغداء والعشاء أمر لابد وأن يجتمع حوله الجميع، ولم تكن هناك أجهزة إعلام تؤثر بشكل سلبي كبير على عقول الأطفال، لم تكن هناك ألعاب إلكترونية ولا برامج كمبيوترية تعلمهم العنف والتفسخ الأخلاقي، كانت الأسرة الممتدة حصن أمان للصغار، وهم ينشؤون في كنف الجد والجدة، وكان الجيران تكملة للنظام الأسري، كان المدرس يحظى باحترام خاص، وكانت المشكلات المدرسية قليلة وينحصر أغلبها في نطاق المشاغبة!
أما اليوم فلم يعد الوالدان المربيان الوحيدان لأبنائهم، فقد شاركتهما وسائل الإعلام بكل أنواعها، كما أن هناك أشخاصًا آخرين يوكلهم الوالدان لمراقبة أبنائهما – سواء من الخدم أو الحضانات –؛ وذلك بسبب قضائهما أوقاتًا طويلة خارج المنزل، أصبح الفرد في الأسرة يقضي أغلب يومه أمام التلفاز، والذي بدون أن تشعر يبث بسمومه في الجسم بالتدريج؛ حتى يعتاد الجسم على تلك السموم، التي تهوي به إلى النهاية غير السعيدة فجأة، كالدخان الذي يستنشقه من يجلس بجانب الفحم المشتعل بدون وجود تهوية فهو لا يشعر بمدى فتك هذا الدخان به، ومن ثم يكون الاختناق وفقدان الوعي مفاجأة له دون أن يستطيع ردهما. فقد المدرس مكانته لدى طلبته وتزايدت المشكلات المدرسية، وتنوعت بشكل مخيف، انفصلت الأسرة الصغيرة عن الأسرة الأم وفقد بذلك الأطفال مصدرًا من مصادر التربية الاجتماعية والدينية.
التحدي الذي تعيشه الأسرة الآن كبير، ولكن هذا لا يعني أن نستسلم ونرضى بالواقع، كونه واقعًا ولكن علينا أن نبدأ من النقطة التي وصلنا إليها، فإما أن نعيد ملامح الماضي لأسرنا، وإما أن نتعامل مع المستجدات بحكمة، فلكل مشكلة حل، ولكل قصة بداية، ولنتذكر أيضا أن التحدي يولد الإبداع والابتكار.
التحدي الذي تواجهه الأسرة حاليا كبير.. ويجب أن نتعب ونبذل الأسباب للوصول إلى أهدافنا.
أهم أولوياتي
من أهم وسائل تصحيح المسار والتغيير أن نعرف أولوياتنا بالشكل الصحيح، ونرتبها ونحافظ على هذا الترتيب في كل القرارات الخاصة بنا، فعندما تعلم بأن الأسرة من أهم أولوياتك لن تمضي أيامًا تتناول طعام الغداء والعشاء مع الأصدقاء، وعندما تعلم بأن الأسرة من أهم أولوياتك لن تقضي ساعات أمام التلفاز تاركا الصغار دون مراقبة أو رعاية، أو أن تتحدث معهم، وستحرص على اللقاءات المدرسية والأسرية، وعندما تجعل الأسرة من أهم أولوياتك لن تقوم بعمل يجلب العار لها، أو يجعل أبناءك يخجلون من تصرفاتك!
- عندما تعلمين بأن الأسرة من أهم أولوياتك ستختارين العمل الذي يتناسب مع وضعك الأسري، وعندما تعلمين بأن الأسرة من أهم أولوياتك ستتعلمين كل ما يدخل السعادة والفائدة لأسرتك، ولن تهدري وقتك في زيارات لن تضيف لحياتك الأسرية شيئًا.
لا يكفي أن تقول إن أسرتي مهمة، ولكن لابد أن تتعب وتبذل الأسباب لكي تحقق هذا الهدف، وتعد العدة لذلك، وتأكد أن أسرتك لن تنجح، ولن تكون فخورًا بأبنائك إذا لم تكن تلك الأسرة على رأس أولوياتك، وهذا لا يعني أن تتخلى عن أصدقائك ووظيفتك، بل كل ما تحتاجه هو بعض الوقت لترتب فيه حياتك وتعرف أولوياتك.
وتأكد أنك عندما تجعل أسرتك من أهم أولوياتك فإن أسرتك ستجعلك من أهم أولوياتها، عندما يتقدم بك العمر ويحل محلك آخرون في العمل، ويتفرق من حولك الأصدقاء.
اعتبار الأسرة من أهم أولوياتك يبدأ حتى قبل أن تقدم على الزواج، فحسن اختيار الزوجة، والتفكير الصحيح في تأسيس المنزل يقيك الكثير من المشكلات في حياتك الأسرية لاحقا.
الأبوة الرائعة
بما أن الأبوة شيء رائع، ولقد أقدمت عليه بنفسك، فلماذا تدفع المال لمن يقوم بدور الأبوة عنك؟!!
عندما تقدم على اختيار الخدم أو المؤسسات، التي تهتم بالطفولة لرعاية أبنائك، فأنت إن منحتهم الثقة هل أنت واثق من كفاءتهم في تربية أبنائك؟ وهل لديهم المعرفة أو المهارات المطلوبة للقيام بهذه المهمة؟
وإن كانت لديهم الكفاءة، فهل لديهم الشخصية أو السلوك المستقيم أو الإخلاص ليقوموا بهذه المهمة عنك؟ دورك الآن أصبح مهمًّا أكثر من أي وقت مضى، فلم يعد يستطيع أحد أن يربي أبناءك غيرك، فهم بحاجة إلى دعمك ورعايتك وخبرتك وحزمك وقيادتك.
النظام أولًا
سؤال: بماذا تشعرك الغرفة غير المرتبة التي تعم الفوضى كل أركانها؟
جواب: بالتأكيد تشعرك بالإزعاج.
والعكس صحيح عندما تدخل إلى غرفة ذات رائحة جميلة، وإضاءة مناسبة، وترتيب منمق، فستشعر بالراحة والهدوء.
النظام أمر أساس لأي وضع، فهو يسهل المهمة، ويجعلها واضحة لك وللآخرين ويدخل الراحة والسعادة إلى حياتك.
النظام في الأسرة يعني أن تكون الأسرة من أهم أولوياتك، وأن تخصص وقتًا لكل شيء:
1 - وقت أسبوعي للأسرة: تمارس معها أي نشاط جماعي سواء لعبة أو نزهة أو مجرد لقاء عائلي، وهذا الوقت الذي خصصته للأسرة لن يوثر فيهم الآن فقط، بل سيمتد إلى سنوات وسنوات قادمة، حتى وإن تزوج الأبناء سيظل هذا الوقت المؤثر الأساس في علاقاتهم مع بعضهم بعضًا.
يمكن استغلال هذا الوقت للتخطيط للقاء الأسبوعي أو للتحدث عن إنجازات الأبناء وأحلامهم المستقبلية، وكما أن هذا اللقاء سيكون مهما في مسيرة الأبناء فهو أيضًا سيشعرك بالراحة والإيجابية، فأنت لك دور في حياة هؤلاء الصغار.
هذا الاجتماع البسيط أو النزهة القصيرة سيوصل رسالة للأبناء مفادها: «أنتم من أهم أولوياتي»، وسيلون ذكرياتهم بألوان مشرقة، وسيكون بمثابة حزام الأمان لأسرتك، وبما أن شهر رمضان على الأبواب فالوقت الذي يعقب الإفطار يمكن تحويله إلى وقت أسري ممتع يتذكره الأبناء لسنوات طويلة.
2- وقت للتخطيط: عندما تكون الأسرة من أهم أولوياتك ستدرك أن وقت الأسرة يستحق التخطيط له، والتخطيط أمر يمكن أن يشارك الجميع فيه بما يرونه مناسبا لهم، ويحبون أن يقضوا وقتهم فيه.
التخطيط الزمني «الوقت المحدد لمزاولة نشاط ما، والتخطيط المكاني «المكان الذي ستقضي فيه هذا النشاط»، أصبح ضرورة في هذا العالم كثير الانشغال، فمجرد وضع الأفكار على الورق، وتحديد وقت معين لها يجعلك تلتزم بها ويشعر الجميع بأهمية الأسرة.
3 - وقت للتدريس: التدريس هنا ليس فقط المواد المدرسية، فنحن نستطيع أن نقدم الدعم المدرسي للأبناء بسهولة، ولكن التدريس هنا يدخل ضمنه تدريس الأبناء مفاهيم الحياة والأخلاق والمبادئ، وهو ما يحتاج إلى الإبداع والابتكار.
استغلال المواقف المختلفة، والمشاهد المختلفة لتعليم الأبناء بعض السلوكيات، أمر مهم لنا ولهم، فإن لم نقم نحن بذلك فسيقوم المجتمع ووسائل الإعلام بهذه المهمة، وسندفع نحن والأبناء الثمن.
4 - وقت لحل المشكلات: المشكلات هنا لا تعني المشكلات الفردية لكل فرد من أفراد الأسرة، بل المشكلات التي من الممكن أن تمر بالأسرة، وتعصف بأركانها.
المصارحة مهمة مع الأبناء والجلوس معهم، ومحاولة توضيح الصورة لهم أمر مهم أيضًا، فالكثير من الأسر تمر بمشكلات مثل ترك الأب لوظيفته أو انتقالهم للعيش في مكان آخر، أو مرض أحد الوالدين، أو بعض المشكلات العائلية، فوقت حل المشكلات فرصة ليشارك الجميع في الحل، وتفهم الجميع له يجعلهم أكثر التزامًا به، وأكثر سعادة عندما ينزاح شبح المشكلة.
دمج الأبناء في حل المشكلات لا يعني التنغيص عليهم، ولكن ليعلموا أن الحياة ليست فقط مسرات، بل هي خليط من السعادة والتحدي لبعض المشاق، و«إن مع العسر يسرًا».
5 - وقت للمرح: المرح شيء مهم في حياة الأسرة، وهو رباط يربط بين أفرادها، وهو أيضا وقت يشعر الأبناء بالحب، وفيه يتصرف الجميع بشكل تلقائي وطبيعي، كما أنه يجعل الأبناء يربطون ما بين كلمة أسرة وكلمة سعادة، فكما أن الأسرة هي مكان للتخطيط، وحل المشكلات، هي أيضا مكان للمرح والسعادة.
6 - وقت خاص جدا: هو ذلك الوقت الذي تكون فيه منشغلًا بشخص واحد، سواء الزوجة، أو الأبناء، وتتنازل فيه عن مصالحك الشخصية واحتياجاتك، وتعطي الطرف الآخر فرصة للتعبير عن اهتماماته وأهدافه، بل يعتبر هذا الوقت فرصة لخدمة هذا الشخص الواحد.
الوقت الخاص الذي تقضيه مع زوجتك في نزهة، أو جلسة، مهم جدًّا لحياة الأسرة، فالأزواج في حاجة للنظر معًا لحياة أسرتهم، والتخطيط لها، والتغيير من نمط الحياة معًا فيصبح التلاحم أكبر، والاحترام أعمق.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21).
فعندما تكون المودة والرحمة بين الزوجين، بالتأكيد ستلقي بظلالها على كل الأسرة.
ويذكر «ستيفن كوفي» في كتابه: «العادات السبع للأسر الأكثر فعالية»: «إن أعظم شيء تقدمه لأطفالك هو أن تحب زوجك، فقوة الرباط تخلق شعورًا بالأمن في الأسرة كلها؛ لأن أهم علاقة في الأسرة، هي العلاقة بين الزوجين، ونوعية هذه العلاقة، هي التي تحكم نوعية الحياة الأسرية».
أما الأوقات الخاصة مع الأبناء، فهي تتضمن الزيارات الخاصة، والأوقات الخاصة في اللعب، والحديث والدراسة، فمثل هذه الأوقات تعمق العلاقات العاطفية والاجتماعية، وتزيد شعور الحب والاحترام، كما أنها تعتبر الحصن الواقي للأبناء، فهم يعرفون أن هناك من لديه الوقت والمقدرة ليقدم لهم المساعدة عندما يحتاجونها.
الأوقات الخاصة مع الأبناء تحولهم إلى أصدقاء والصداقة تريح الأبناء وتجعلهم أكثر انفتاحًا وقربًا، والوقت الذي ستمضيه معهم سيكون أمتع.
عندما تنوي عمل تغيير في حياتك للأفضل، لا تسوف الأمور، بل توكل على الله، وأبدأ من اللحظة التي نويت فيها التغيير، وتسلح بالعزيمة، والمثابرة.
([1]) كاتبة كويتية
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلأهل السُّنة بين حجمهم التاريخي وواقعهم المعاصر.. التحديات والواجبات
نشر في العدد 2101
787
الثلاثاء 01-نوفمبر-2016