; حتى يعلم الناس | مجلة المجتمع

العنوان حتى يعلم الناس

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1978

مشاهدات 11

نشر في العدد 396

نشر في الصفحة 15

الثلاثاء 25-أبريل-1978

  • يقسم علماء السياسة الدول منذ نشأتها الأولى في التاريخ إلى عدة أقسام أو لنقل مراحل، يقولون إن الدولة عندما نشأت في بادئ الأمر كانت تعنى أول ما تعنى به هو حدودها أي أن مهمتها الأساسية كانت حراسة الحدود من تعديات الأعداء ولذلك سميت الدولة في تلك المرحلة بـ «الدولة الحارسة».

وبعد أن اطمأنت على حدودها بدأت تدخل إلى ذاتها وتفض النزاعات الداخلية بين رعاياها ولذلك نشأت كافة المؤسسات الإدارية لتعضيد هذا الدور كقاضي ولذلك سميت الدولة في تلك المرحلة بـ «الدولة القاضية». وبعد أن تأسس دور الدولة في البت والحسم في الداخل، بدأت تقدم خدمات لرعاياها بحيث لا يشعر الرعية بأن هناك سلطة رادعة وحارسة وقاضية فقط، بل إن هناك أيضًا سلطة خيرة تقدم لهم لخدمات والرفاه ولذلك سميت الدولة في تلك المرحلة ب «دولة الخدمات». ومعظم الدول في العصر الحاضر تحاول أن تضفي على نفسها هذه الصفة. أما طموح كل دولة في العصر الحاضر نضجت فيها مرحلة الخدمات، فإنها تود أن تصل إلى صفة «دولة الضمان الاجتماعي» أي دولة يضمن فيها استمرار هذه الخدمات لكل مواطن، ضمانه من أخطار الجهل والمرض والشيخوخة والفقر والعجز والظلم والاستغلال والابتزاز. كل دولة في الوقت الحاضر لم تصل حتى الآن إلى هذه المرحلة.

  • إذا كانت الدول بشتى راياتها ومسمياتها في الوقت الحاضر لاتخرج عن هذا التصنيف العام، ففي أي خانة تندرج دولتنا دولة الإسلام التي تلتزم بالإسلام كمنهج. قال ابن سعد في طبقاته وفي تعداده لأوليات عمر -رضي الله عنه- التي لم يسبقه إليها أحد في الإسلام: إن عمر أول من دون الديوان وكتب الناس على منازلهم وفرض لهم الأعطيات « ج ٣، ص ۲۰۲». كان عمر يعلم يقينًا أن الأموال التي تجمعت من خلال حركة الفتح حق للناس جميعًا، فليست لعمر ولا لآل عمر أو لفئة من الناس دون الناس كما قال عمر نفسه في كتاب إلى حذيفة عامله. أمر عمر -رضي الله عنه- باتخاذ دفاتر يكتب فيها اسم كل مولود، ذكر أو أنثى، وفرض له مائة درهم وجريبين من الطعام في كل شهر تدفع لأهله، لا فرق في كل ذلك بين أن يكونوا محتاجين إليها أو أغنياء عنها فهو إنما كان يفرض للمولود لا لأهله. ولم يكن عمر يفرق في هذا العطاء بين المواليد الشرعيين واللقطاء ويقول ابن سعد في هذا الصدد: إذا أتى باللقيط فرض له مائة درهم وفرض له رزقًا يأخذه وليه كل شهر بقدر ما يصلحه ثم ينقله من سنة إلى سنه.

وكان يوصي بهم خيرًا ويجعل رضاعتهم ونفقتهم من بيت المال، «ج ۳، ص٢١٤». وكان عمر ينطلق في كل ذلك من عقيدة أن الأموال في الدولة الإسلامية هي ملك لجميع الناس ولكن فيها حق يجب أن يصله بما يكفيه ويعف نفسه أو كما قال عمر: ودمه في وجهه أي دون أن يطلب. يقول أبو عبيد بن سلام في كتاب الأموال إن الرجل إذا أراد أن يدعو على صاحبه أيام عمر قال له: قطع الله عنك جريبك «ص ٢٤٧» لم يفرق عمر في العطاء بين البشر حتى على الأساس الديني ورواية أبو يوسف في كتابه عن الخراج لقصة عمرمع اليهودي الضرير ووضع الجزية عن ضرباته وإعطائه العطاء لدليل على ذلك «الخراج، ص ۷۲ » وبعد فهل بقيت فئة من الناس لم تلتزم دولتنا في خلافة عمر بأرزاقها؟ اللقطاء والأرقاء، والمواليد، والغلمان، والموالي وأهل ذمة الله ورسوله من اليهود والنصارى، في مجتمع كمجتمع عمر لا يسرق السارق عن جوع إنما عن اعتداء وظلم كبير. أفلا يحق لنا اليوم أن نقول بأن دولتنا أيام عمر وصلت إلى مرحلة الضمان الاجتماعي وهي مرحلة لم تزل كثير من الدول تطمح الوصول إليها؟.. 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل