العنوان قوة الغرب... وفرقة المسلمين
الكاتب ابتهال قدور
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
مشاهدات 12
نشر في العدد 1028
نشر في الصفحة 51
الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
•الفرنسيون الرافضون لمعاهدة ماستريخت يقولون:
إن فشل النظام الفرنسي في حل مشاكله الاقتصادية وخوفه من تفوق المارك الألماني وفشله في إزاحة العوائق الكثيرة التي تقف أمام الإصلاحات في مختلف جوانب المجتمع: العمالة، الأمن الاجتماعي، الجامعة، التقسيم الإداري.. إلخ.. كل هذه العوامل دفعت النظام للهروب والانضمام تحت وحدة أوروبية.
وفي هذا الهجوم الذي لا يخلو من صحة أكبر دليل على أن الوحدة عمومًا بإمكانها أن تكون أفضل علاج لمشاكل مستعصية، ذلك إن أحسن بناء أسسها البناء السليم، ووضحت أهدافها وأتقن رسم السبل الموصلة إلى تحقيق تلك الأهداف.
فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية بما تحمل من إرث الأحقاد المحمومة الموجهة نحو الولايات المتحدة تتمنى منذ زمن طويل ولربما كان تحديدًا منذ الحرب العالمية الثانية أن تقف في وجه هذه القوة المسيطرة وتقول: لا.. لكنها على الرغم من تفوقها الصناعي لم تملك الرصيد الفعلي لقول كلمة "لا" إلا بعد أن انضمت إلى الكتلة الأوروبية وأصبحت بذلك تملك جوانب القوة التي استمدتها من إحدى عشرة دولة هي أعضاء مجموعة الاثني عشر.
في حالات معينة يكون بإمكان الوحدة أن توزع الأخطاء التي كانت مركزة في طرف واحد لتبدو ضعيفة الظهور، وبإمكانك في ذات الوقت أن تمد كل طرف ينضم تحت لوائها بكل عوامل القوة الموجودة في كل الأطراف الأخرى.
بالأمس كانت التسهيلات الأمريكية أمام أوروبا أمر يخضع لاتفاقيات مشتركة لأنها كانت تعلم بأنها المهيمنة وأنه لم يكن بإمكان أحد أن يعترض إن هي أقرت وضعًا من الأوضاع، أما اليوم وقد استشعرت الخطر الزاحف إذ بها تسارع بإصدار قرار فرض رسوم جمركية على بعض المواد من الواردات الفرنسية والألمانية والإيطالية، وهذا أول اعتراف لها بأن أوروبا المتحدة أصبحت في وضع الندية بالنسبة لها.
أمام هذا التصرف وقف (جاك ديلور) الرئيس الفرنسي للهيئة التنفيذية لدول السوق المشتركة وحقق حلمه وحلم أجداده وهو يقول: "إن على أوروبا أن تقول لا للولايات المتحدة إذا كانت تريد أن تتعامل على أساس الند للند"، وحين تقال لا واضحة صريحة أمام قوة عظمى يعني هذا أنها لابد أن تملك رصيدًا ورصيد كلمة "لا" الفرنسية كان من بين ما كانت الوحدة الأوروبية!! وأكدت فرنسا في مواجهة ما اعتبرته أول رصاصة أمريكية في الحرب التجارية أن المواجهة ستكون برد قوي ومضاد من جانب المجموعة. فسرعان ما أعلن فرانزا أندرسین، كبير مفاوضي المجموعة أن المقاطعة الأمريكية للصادرات الأوروبية ستجبر أوروبا للرد عليها بالمثل خلال ساعات قليلة، كما أنها ستفرض هي الأخرى قيودًا مماثلة على السلع الأمريكية ستعادل بخسائرها خسائر المجموعة الناتجة عن القرار الأمريكي.
حرب اقتصادية كانت تدور رحاها بين قوتين عظميين هما الولايات المتحدة واليابان تنضم الكتلة الأوروبية – التي من المتوقع أن تفتح باب الانضمام أمام أي دولة أوروبية أخرى مع بدايات١٩٩٣ - أقول تنضم الكتلة الأوروبية لتصبح بدورها طرفًا في هذه الحرب وقد أثارت بانضمامها مخاوف كل من القوتين الأخريين.
فاليابان تقول: نحن واثقون من انتصارنا الاقتصادي الساحق في القرن ۲۱ ولكننا نخشى من أن تصبح أوروبا قوة مهيمنة، أما قلق أمريكا فقد عبرت عنه عمليًا بمختلف الطرق: آخرها كان الإفراج عن مليار دولار لدعم المزارعين الأمريكيين رغم تعهدها بإلغاء المساعدة للمزارعين في الولايات المتحدة مقابل موافقة دول المجموعة الأوروبية على إجراء تعديل يتسم بالمرونة لسياسة السوق الزراعية.. هذا إضافة إلى الإعلان عن إنشاء سوق الشمال الأمريكية الذي يضم كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية، والمكسيك، وكندا، وبهذا يمثل إنشاء هذه السوق من الناحية السكانية، والمنتجات الخام نفس ثقل السوق الأوروبية الموحدة.. أمام كل هذا أين هو الحضور الإسلامي؟ أين هي الدول العربية؟؟
وما هي الاحتياطات التي تتخذها لمواجهة سوق يتفق أطرافها «برغم الخلافات» على جعل العالم الثالث هو الضحية لأطماعهم اللامحدودة. آخر ما توصل إليه خبراء اقتصاديون في دراسة اعدوها في مركز البحوث بالفرق التجارية بجدة، أن للعمل المشترك دورًا رئيسيًا في مواجهة التحدي الذي ستواجهه البلاد العربية في المرحلة القادمة؟!
أما كيف الوصول إلى توفيق عمل مشترك بين أطراف تغزوها النزاعات الداخلية والخارجية فهذا ما يبدو أن مجال بحثه بجدية لا يزال بعيدًا.
وأما البحث عن روح التحدي إن كانت موجودة أصلًا، وإن كانت موجودة فهل تمتلك رصيدًا لهذا التحدي؟ هذا أيضًا يبدو أنه ليس قيد البحث بعد.. أمام هذه المتغيرات أعظم القوى تتخذ احتياطاتها ونحن على ضعفنا لا نحرك ساكنًا مع أن الدراسات تدل على أن معدلات التبادل التجاري بين دول أوروبا ستتزايد على حساب تجارة هذه الدول مع البلدان العربية.
ولا نزال نحلم بسوق إسلامية مشتركة ونحن نرقب كل القوى العظمى تزيد من عظمتها بتكتلها بينما نحن نزداد تفتتًا وشتاتًا يومًا بعد يوم ونظل نحلم بأن نصبح يومًا ما طرفًا في حرب ترفع من شأننا وتعبر عن نديتنا، لا حربًا تبقينا ضحية لحروب الآخرين . هؤلاء الآخرون الذين أدركوا هدفهم وهو تحقيق مصالحهم القومية، وحماية مستقبل بلادهم، وتهيئة الأنسب للأجيال القادمة بينما لا نزال نتخبط بلا هدف يبدو أنه ليس أمامنا إلا أن نوجه دعوة إلى متابعة أحداث الوحدة الأوروبية ودعوة إلى الإحساس بألم يعتصر القلوب، وأسى يملأ الأنفس، لعل هذا يزيح عنا شبح الاستمرار في الانحطاط الحضاري ويعطينا الأمل في أننا لا زلنا نملك أدنى مقومات النهوض ويفتح أمامنا آفاق الاستجابة لتحديات هذا العصر على اختلافها.
«تويبني» يرى بأنه من أجل ظهور حضارة معينة لا بد من حدوث عارض غير عادي.. هذا العارض يظهر في صورة تحدٍّ يخلقه الوسط الطبيعي أو البشري مما يلزم المجتمع على مواجهته ... فهل هناك ردة فعل تجيب على كل هذه الأحداث العارضة؟!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل