العنوان حدث في هذا الشهر- واقع العهود اليهودية في ظلال غزوة بني قينقاع
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
مشاهدات 11
نشر في العدد 412
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
- المسلمون.. والطباع اليهودية في الغدر والخسة والخيانة.. بين مواثيق الماضي والهدنة الحاضرة
نقض العهد والإخلاف بالوعد وخيانة المعاهد والكيد والمخاتلة والخداع ومراوغة الثعالب، كل ذلك من صفات اليهود اللازمة، وطبائعهم النفسية الأصلية التي لا يتمكنون منها فكاكًا مدى الدهر، وأمتنا التي نكبت بأبناء خيبر وأتباع قريظة وقينقاع وأحفاد بني النضير، أحرى بها أن تتفهم أولًا وأخيرًا مواقف اليهود المخزية، واليهود هم هم، لم تغير من طبائعهم حضارة، ولم تبدل من أحقادهم حياة، بل إنهم يزدادون حقدًا على البشرية يومًا بعد يوم، بل إن حقدهم الآن لينصب حممًا حارقة على المسلمين الذين قهروهم يوم أن قامت حضارة أجدادنا الإسلامية فوق أرض الجزيرة العربية بقيادة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
ونحن الذين نعترك مع اليهود، يحسن بنا أن نقف على طبائعهم من خلال تعاملنا التاريخي معهم، ولعله ليس لأمتنا فكاك من رجسهم وأحقادهم وغدرهم وخيانتهم للعهود والمواثيق إلا التعامل معهم بطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففي سيرته العطرة ما يقفنا على حقيقة هؤلاء، ويعطينا الدرس والعبرة في التعامل معهم، فهم أقطع للميثاق، وأخون للعهد، وأخفر للذمة، وأتلف للوعد.. لا يضبطهم ضابط، ولا تستقيم لهم حال، وإنما الكيد والمراوغة في السر والعلن، وهذا ما شاهدناه ونشاهده في حياتهم وسلوكهم وتعاملهم حتى الآن، فأي سلام نبغي مع اليهود، وأية معاهدات تنشدها مع من نزل القرآن بلعنهم، وأي وعد نرتقبه معهم وقد قطعوا كل ميثاق مع كل نبي أرسل إليهم؟! بل إنهم رموا بعرض الحائط كل معاهدة عاهدوا رسول الإسلام عليها.
على أن الأمثلة التاريخية على ما نقول كثيرة، وبين أيدينا هذا الشهر مناسبة إجلاء يهود بني قينقاع عن المدينة بعد أن نقضوا مواثيقهم ومعاهدتهم مع المسلمين في شهر شوال من العام الثاني للهجرة.
خطوط اللؤم والخسة والخيانة متمثلة ببني قينقاع:
كيف خان بنو قينقاع؟ ولماذا؟ وما هي الظروف التي خانوا فيها؟ وماذا توجب على المسلمين من فعل عندما قلب يهود قينقاع ظهر المجن؟
هنا يجب أن يتذكر الإنسان قوله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ﴾ (البقرة: 120) ليعرف تماما أن اليهود الذين نتحدث عنهم لا أمان لهم أبدا حتى يلج الجمل في سم الخياط، وهذا يعني أن كل معاهدة تعقد مع اليهود إنما هي منقوضة سلفًا، وإنما هم يعاهدون إذا كان العهد في صالحهم، وعندما تحين أول فرصة لقذف المعاهدة فوق كفي الريح فإن مواثيقهم كلها تذهب هباء منثورًا، وهذا حالهم في كل عصر ومصر.
وأما الظرف التي خان فيه يهود قينقاع، فهو ظرف بدأت تتسع فيه هيبة المسلمين في الجزيرة العربية بعد أن ضربوا ضربة النصر في موقعة بدر الكبرى، وحطموا رأس الكفر القرشي المتغطرس. إن هذا النصر المفاجئ الذي أدهش اليهود حيث إنهم لم يكونوا ليتوقعوه، حرك الأحقاد الدفينة في نفوسهم على المسلمين. واليهود والذين كانوا يلعبون بقبائل الجزيرة العربية -وبالأخص سكان المدينة من الأوس والخزرج- ويحركونهم كما يحرك لاعب الشطرنج أحجاره، كرهوا الآن أن يجدوا قوة ضاربة متينة متماسكة؛ لأنها خطر على وجودهم كما ظنوا، ولا سيما أنهم عرفوا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كل ما يغيظهم من وحدة الصف، والبأس والشدة على الأعداء، والإخلاص في نشر الدعوة والذود عنها، كل هذا وفر لهم إظهار أحقادهم على المسلمين والدعوة الوليدة الصامدة.
أما المسلمون، فعلى الرغم من انتصارهم الساحق على مشركي قريش في بدر، فإنهم لم تحدثهم أنفسهم بنقض عهود اليهود، ولا فكروا في طردهم من الجزيرة العربية، وعلى العكس فقد توقعوا أن يكونوا لهم عونًا في حرب الوثنية، وتدعيم عقيدة التوحيد؛ بيد أن الهيود كانوا عند أسوأ الظن.. لقد غاظهم وفتت أكبادهم أن يجتهد المسلمون في بناء دولتهم، لذلك بدأوا من شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبأس أصحابه؛ ففي فرحة المسلمين بانتصارهم، لم يستح اليهود أن يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسم: لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس. وفي هذا القول بيان واضح لاعتمال الحقد في نفوس اليهود على الدعوة الشابة، فعلى الرغم من الغيظ الذي أصابهم بعد انتصار المسلمين، فإنهم لم يتمكنوا من ضبط أعصابهم علمًا بأن المسلمين لم يفعلوا أي شيء يتصل بإيذاء اليهود بسبب من الأسباب، إلا أن الحقد والضغينة والحسد هو الذي قادهم إلى حتفهم.
أما السبب المباشر الذي قاد يهود بني قينقاع إلى الخروج من مجاورة المسلمين وطردهم شر طردة من المدينة هو ما رواه ابن هشام، حيث كشفوا عن نذالتهم وخستهم ولؤمهم وطبيعة العدوان المركبة في نفوسهم.
أما رواية ابن هشام عن ذلك: فهي أن امرأة من العرب قدمت بجلب -أي ما يباع في السوق- لها فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها، فعقده على ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديًّا، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على يهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع، فكان هؤلاء أول يهود ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن اليهود أقوياء على الضعيف، لقد خاصموا امرأة مسلمة في سوقهم وكشفوا لها سوأتها عمدًا وإصرارًا ونكاية، لم يجدوا ما يفرغ حقدهم ولؤمهم وذلتهم إلا في هذا الحادث المستقبح، أما أمام القوة والصدق ووحدة الصف، فإنهم يجبنون ويخورون خوفًا وهلعًا، وما اشتداد شوكة اليهود في هذا العصر إلا بسبب ضعف المسلمين وتفككهم وتركهم الإسلام الذي جعل منهم أمة كانت هي أقوى أمة وأكبر دولة، ولو كان أمر أمتنا في هذا العصر كأمر أسلافنا المسلمين لما برزت لليهود شوكة، ولاستراح العالم من شرورهم وآثامهم.
العمل الذي توجب على المسلمين فعله إزاء خيانة بني قينقاع:
لم يقف رسول الله مكتوف الأيدي إزاء هذه الخيانة، وإنما حاصرهم مدة من الزمن، فقد لجئوا إلى حصونهم يتحصنون بها بعدما أثموا ونقضوا عهدهم مع المسلمين بفعلتهم تلك، ودام حصار رسول الله لهم خمسة عشر يومًا حتى نزلوا صاغرين على حكمه، فقد قام إليه رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فلم يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرر ثانية، فأعرض عنه الرسول، فأدخل ابن أبي يده في جيب درع النبي عليه السلام، فقال له: «أرسلني»، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللًا، ثم قال له: «ويحك أرسلني»، قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي؛ أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة؟ إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم لك»، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها، فخرجوا إلى أذرعات الشام، وهلك أكثرهم فيها.
أما كان خيرًا لليهود أن يؤدوا حقوق الجوار، ويحافظوا على قيم العهود، ويبقوا في المدينة آمنين موفورين، لقد تعجلوا الشر فباعوا به، والواقعة هذه تدل على مدى ما ركب في اليهود من طبيعة الغدر والخياية، فهم أبدًا لا تروق لهم الحياة مع من يجاورهم أو يخالطهم، وتأبى نفوسهم وأحقادهم إلا أن تبيت الشر وتحيك الغدر، واليهود دائمًا على أتم الاستعداد لأن يخلقوا جميع الأسباب ويبتدعوا كافة الوسائل لذلك، وهذا ينطبق على تعامل اليهود مع محاوريهم في كل العصور.
علاقتنا باليهود اليوم في ظلال غزوة بني قينقاع:
إن الذي ألهب مشاعر اليهود كلهم وأثار الحقد الدفين في نفوسهم، إنما هو ما وجدوه من وحدة صف المسلمين وانتصارهم على المشركين يوم بدر، وهذا أمر لم يكونوا يتوقعونه بحال، فضاقت صدورهم بما احتوته من الغيظ والأحقاد، ولم يجدوا إلا أن ينفسوا عنها بمثل هذا الذي أقدموا عليه، فاليهود إذًا لا يطيب لهم عيش مع وحدة الصف الإسلامي، ولا يهدأ لهمبال إذا كانت العقيدة المتمكنة من النفوس هي الرابط بين أفراد المسلمين. ويهود اليوم هم أعتى وأشد وأنكى من يهود قينقاع وغيرهم؛ لما حققوه من سيطرة على العالم، إلا أن رابط العقيدة الإسلامية هو السيف الذي يعرفون أن رءوسهم لا تتطاير إلا به، ومن أجل هذا تراهم يكرسون العدة في جميع أنحاء العالم لتشويه الإسلام وطمس حقائقه، وتزوير مفاهيمه، فهم يعرفون تمامًا أن أمتنا لا تقوم لها قائمة إلا بهذا الدين، وسوف يظلون حربًا عليه بين أبنائه وبين أجيال الأمم الأخرى، والمؤسف أن اليهود اليوم تمكنوا من الاستعانة بأوتاد تحمل الأسماء الإسلامية لإبعاد المسلمين الحقيقيين عن المعترك المصيري، بل إن المخلص لدينه هذا اليوم ليس له إلا السجن أو الموت، كما حصل في كثير من البلاد التي تدعي الإسلام، وإذا وجد في هذا العصر بعض من ينادي بالصلح مع اليهود المتمثلين بدولة إسرائيل، فإن أولئك -ولا شك- سيأخذون بزمام هذه الأمة التي اؤتمنوا عليها إلى هوان وذلة ما عرفتها الأمة من ذي قبل، فأية معاهدة ينتظرها هؤلاء من اليهود؟! وأي سلام ينشدونه مع التلموديين الذين يعتقدون أن مخادعة الشعوب ومخاتلتها والكذب عليها أمور هي من الحلال المشروع؟!
إنه أحرى بمن ينشد السلم والعهد على السلام من اليهود في هذا العصر أن يراجع سيرتهم مع الدولة الإسلامية من أول يوم نشأت فيه، وأحرى به أن يراجع خياناتهم الدائمة وكيدهم المتواصل الذي لا ينتهي إلا بمسح هذا الدين عن ظهر الأرض، لقد حكى لنا القرآن الكريم كثيرًا من مواقف اليهود ونقضهم للعهود حتى مع أبنائهم، وليعلم أصحاب السلام أن كل عهد يعقد هذا اليوم إنما هو عهد كاذب، وضلال واضح، وخداع ومخاتلة فيها الكيد والخسة والمذلة.
إن لنا من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما ينير لنا الطريق في التعامل مع من هم شذاذ الآفاق أن الرسول عليه السلام أعد عدة الحرب فورًا لتأديب الخائنين من بني قينقاع.. لم يساوم، ولم يفاوض، ولم يناشد السلام والحفاظ على العهد والهدنة وما شابه ذلك من المصطلحات التي نسمعها هذا اليوم كثيرًا؛ وإنما أعد عدته وجيوشه وساروا إلى أداء الواجب الذي يفرضه عليهم هذا الدين، وكان النصر حليفهم بتأييد إلهي.. أعطوا فيه الدرس الكافي لليهود، وكتاب الله قائدهم ومنهجهم.
وليس لأمتنا اليوم إذا أرادت أن تتخلص من هذه الشرذمة الحاقدة القابعة في فلسطين الإسلامية، إلا أن تتمسك بهذا الدين، وتستوحي منه ما يمليه عليها لتطبيقه في كل شأن ومجال، وعندها نتمكن من إعداد العدة التي تؤهلنا لإعادة الحق إلى نصابه، والله أكبر ولله الحمد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلعوامل النصر والتمكين في سيرة سيد المرسلين ﷺ (1) فقه التعامل مع السنن الإلهية والأخذ بالأسباب ودورهما في تحقيق النصر الإلهي
نشر في العدد 2183
32
الجمعة 01-سبتمبر-2023
الصحابة الكرام لا يُحبهم إلا مؤمن ولا يُبغضهم إلا منافق أو جاهل
نشر في العدد 2173
29
الثلاثاء 01-نوفمبر-2022