العنوان حديث الهجرة
الكاتب الأستاذ أحمد عبد القادر محمد
تاريخ النشر الثلاثاء 09-مارس-1971
مشاهدات 43
نشر في العدد 50
نشر في الصفحة 8
الثلاثاء 09-مارس-1971
للأستاذ أحمد عبد القادر
وكيل المعهد الديني
- هذه الرسالة التي غيرت وجه التاريخ أين نحن منها...؟
- أما آن لسلاحنا المنطلق إلى صدورنا أن يتجه لصدور أعدائنا؟!
- أما آن لنا أن نفكر جدّيًا في مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة؟
- أما آن لنا أن نقيس الأمور بمقياس الحق والمنطق، أما أن لنا أن نخلص في أعمالنا ونصدق في أقوالنا، أما أن لبعض كُتابنا المتهجمين على الدين أن يكفوا عما يقولون ويكتبون؟
يحتفل العالم الإسلامي كل عام بذكرى هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنها لمناسبة طيبة لنا لنعيد إلى الأذهان تاريخ تلك الأيام التي سبقت هجرة الرسول الأكرم.. تلك الأيام التي كان العالم يعيش في جاهلية جهلاء، وكانت بلاد العرب في خضم هذا البحر المتلاطم من الوثنية وعبادة الأصنام وتفكك المجتمع وتفشي العادات السيئة كقتل الأولاد وتسلط القوي على الضعيف، والفوضى في السلوك والعبادة وإذا نظرنا إلى العالم الخارجي حول شبه الجزيرة العربية لوجدنا دولتي الفرس والروم في خصام وشقاق وتفكك، لهذا كانت الإنسانية تتطلع إلى من ينقذها من هوتها السحيقة، ومن يقوّم اعوجاجها ويعيدها إلى طريق الحق والصواب.
وفي هذا الظلام الدامس وهذا الليل الحالك أشرقت تباشير عهد طيب وبزغت شمس يوم جديد وكانت بعثة ورسالة سيدنا محمد الربانية إلى الناس أجمعين، هذه الرسالة التي غيرت وجه التاريخ، وبدلت نظم المجتمع وقصرت العبادة على إله واحد لا شريك له، ونظمت سبل الحياة من معاملات اجتماعية ونظم اقتصادية وسياسية.
وهكذا أراد الله للإنسانية أن تستيقظ من غفوة الغفلة وأن تبني مستقبلها على أساس من الحق واليقين، ولكن هل تقبل كل الناس هذا التحول من طريق الخطأ إلى طريق الحق والصواب بدون مقاومة ومعاندة، التاريخ يقول لا، فقد عارض البعض وتمسك بعقائد الآباء والأجداد على زيفها عنادًا واستكبارًا وهذا ما كلف صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه البذل والعطاء والتضحية بالمال والنفس والأولاد، فقد تحمل المصطفى صلى الله عليه وسلم ألوان العذاب في سبيل الدعوة إلى الله فقد رموه بالجنون تارة وبالشعر تارة أخرى، وكان هو وأصحابه في الغزوات والدفاع عن دين الله عنوانًا للفخر والاعتزاز بالحق صلى الله عليه وسلم، ورضي عن أصحابه وأتباعه والسائرين على سنته إلى يوم الدين.
ولما اشتد بالمسلمين الكرب وعظمت عليهم البلية، أمرهم صلى الله عليه وسلم بالهجرة من إيذاء قريش وغيرها ولكن قريشًا أبى عليها شيطانها إلا أن تزداد أذى لمحمد حتى بلغ بهم الكيد أن ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، فيطفئوا نور الله، ويقضوا على دعوة قضى الله لها القيام والانتشار، في أدنى الأرض وأقصاها.
وفشلت المؤامرة
دبروا وأحكموا التدبير، وانتهى رأيهم على أن يقتلوه صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن يقوم بالقتل جماعة من فتيانهم الأشداء من جميع القبائل، فينقضوا فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد المطلب على الثأر له، فأطلعه الله تعالى على ما بيّتوا له، وأمره بالهجرة في الليلة التي حددها المشركون لقتله، فدبر الرسول صلى الله عليه وسلم أمر خروجه، وبصحبته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأعانه الله على من ائتمروا به، فغشى على أبصارهم فلم يروه، واتخذ رسول الله ّصلّى الله عليه وسلم وصاحبه الطريق الذي رسم حتى بلغا غار ثور فأقاما فيه أيامًا، جدت قريش في طلبه والبحث عنه ولكن الله أبى ألا أن يتم نوره،﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(سورة التوبة: 40)
ثم اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله إلى المدينة تحفّه عناية الرحمن، حتى إذا وصل إليها استقبله أهلها مؤمنين بدعوته، ناصرين لدين الله، وبهذا تمت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وانتشر على أعقابها نور الإسلام.
وبعد فإننا نتذكر تلك الأيام ونعيش معها لا لمجرد الذكرى والتاريخ وإنما لنستمد منها القوة المعنوية ونستعين بماضينا المجيد على حاضرنا المؤلم، فقد بلغ السيل الزبى، وبلغت القلوب الحناجر مما نحن فيه اليوم من الذل والهوان الذي لحق بنا، وذلك لبعدنا عن ديننا الإسلامي الحنيف الذي جاء لإصلاح حال الدنيا وللعمل للآخرة.
إن الإسلام دين ودولة لأن مبادئ الإسلام جاءت لعمران الدنيا وللفوز بالآخرة يقول الله تعالى: ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (سورة البقرة: 201) ويقول سبحانه ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ﴾ (سورة القصص: 77) وإلى جانب العبادات عالج الإسلام جانب المعاملات بين الناس من اجتماعية ومالية ودولية وقد كان صلى الله عليه وسلم إمامًا وخطيبًا في المسجد وقائدًا في الغزوات والمعارك، وهكذا كان خلفاؤه من بعده.
أين الإسلام من حياتنا؟
أيها الإخوة إنكم تعلمون مبلغ التقدم والحضارة التي وصل إليها العرب وغيرهم من الأمم التي دخلت في الإسلام، أما الآن وبعد أن تركنا العمل بمبادئ الإسلام وقصرنا الدين على بعض العبادات فقط وأصبحنا لا نرى الإسلام إلا في المساجد، أما في المعاملات في البيع والشراء في الأخذ والعطاء في تربية الأولاد في معاملة الأهل والأقارب في تثقيف الناشئة عدة المستقبل فقد جانبنا مبادئ الدين في هذا كله ولهذا فقدنا الثقة بأنفسنا وبمجتمعنا وصدق الله العظيم حيث قال ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ﴾ (سورة الحشر: 19).
إن ديننا دين عقل وفهم وهو قائم على المنطق والإقناع، ولكن للأسف إن مسلمي اليوم لم يعنوا بدراسة وتفهم مبادئه وقوانينه فلجئوا إلى الأنظمة والقوانين التي وضعها المستعمر فجروا على أنفسهم الويل والثبور، ففي النظام المالي مثلًا استطاع المستعمر أن يستغلنا أبشع استغلال وينهب خيراتنا، ففي بنوكه وشركات تأمينه العالمية استقطب أموالنا واستفاد من أرباحها وسيولتها النقدية، ومن المؤسف حقًا أن من يتربعون اليوم على عرش المادة والنظم المصرفية والتأمينية هم أعداؤنا اليهود الذين استطاعوا أن يسخروا المادة والاقتصاد الدولي لخدمة مصالحهم وأغراضهم الخبيثة فحتى متى سنبقى نحن مكتوفي الأيدي وباستطاعة المشرع الإسلامي أن ينشئ نظامًا مصرفيًا ماليًا غير ربوي.
أما آن لنا أن نفكر جديًا في مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة؟
أما آن لنا أن نقيس الأمور بمقياس الحق والمنطق؟ أما آن لنا أن نخلص في أعمالنا ونصدق في أقوالنا؟ أما آن لبعض كتابنا المتجرئين والمتهجمين على الدين أن يكفوا عما يقولون ويكتبون.
سلاحنا موجه لصدورنا
أما آن لسلاحنا المنطلق على صدورنا وصدور إخواننا أن يتجه إلى صدور أعدائنا، أما آن لنا أن نترجم أقوالنا التي ضاقت بها موجات الأثير وصفحات الصحف إلى أعمال ملموسة، أما آن لنا أن نكف عن استيراد المبادئ الهدامة والعادات السيئة والتقليد الأعمى.
إذا بقينا على حالتنا هذه فعلينا ألا ننتظر العودة والنصر من الله، مصداقًا لقوله تعالي﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُم﴾ (سورة محمد: 7)
ولقوله ﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ﴾ (سورة الحج: 38)
ولقول ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾ (سورة الحج: 40)
إن إحياء ذکری هجرته صلى الله عليه وسلم تكون بالأفعال دون الأقوال، تكون بالتضحية والجهاد بالنفس والمال والعودة إلى رحاب الدين من جديد.
وختامًا نتوجه إلى الله تعالى بقلوبنا، وبصدق نياتنا، أن يجعل عامنا الجديد سعيد الطالع، وأن يتفيأ المسلمون في ظل وحدة تجمع بين قلوبهم، وتقوي عرى روابطهم، فيستعيدوا في حاضرهم مجدهم الغابر وعزهم ويستردوا كرامتهم السليبة ويرفعوا في عزة راية القرآن فوق المسجد الأقصى من جديد، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله.