; حول المرأة والحجاب وأشياء أخرى | مجلة المجتمع

العنوان حول المرأة والحجاب وأشياء أخرى

الكاتب يوسف موسى نصار

تاريخ النشر الثلاثاء 22-يونيو-1976

مشاهدات 11

نشر في العدد 306

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 22-يونيو-1976

في ملحقها الأسبوعي نشرت إحدى الصحف اليومية تحقيقًا صحافيًا أجرته إحدى محرراتها مع بعض فتيات جامعة الكويت المتحجبات، ولم يكن عسيرًا ملاحظة أن الحديث نشر مبتورًا غير كامل.

 ورغم ذلك فإنه بقدر ما شعر القارئ بالاحترام لمستوى الوعي الذي تتحلى به فئة كبيرة من فتيات الجيل صدم بالعنوان الاستفزازي الذي اختير ليوضع على رأس التحقيق دون أن يكون بينهما أي صلة موضوعية أو منطقية وهذا تصرف يفتقر إلى الذوق المهني وقبل ذلك إلى حسن النية.

 وشخصيًا لا أعتقد أن الإثارة الصحفية وجذب اهتمام القارئ هي الأسباب الوحيدة وراء نشر تلك الكلمات بهذا الأسلوب الذي نشرت به فمن المؤسف أن الأمر أكبر من ذلك وأكثر عمقًا وأشد خطرًا. والذي يملك وقتًا كافيًا لمتابعة أجهزة الإعلام المختلفة ومراقبة ما تنشره على الجماهير لا يعوزه جهد كبير ليدرك أن هناك خطة غاية في الدهاء والخبث تهدف إلى محاربة كل نوازع الخير في النفوس ومظاهر الأخلاق والتمسك بالقيم في المجتمع والسخرية من كل انتماء جاد ينمي في نفوسنا الإحساس بالعزة والكرامة.

تنفذ بالكلمة والصورة بالإيحاء والتوجيه بالتمثيلية التلفزيونية بالأغنية العاطفية بكل وسيلة إعلامية معروفة بعيدًا عن المواجهة المباشرة التي تثير التحدي.

ويستطيع أي مراقب للأمور أن يلمس بيده خيوطًا عنكبوتية تصل بين نقاط متفرقة وتربط بين مراكز أشخاص معينة منبثين في مختلف أجهزة الإعلام ووسائله الرسمية وغير الرسمية بالإضافة إلى جيش جرار من العاملين الذين لا يتعدى دور الواحد منهم أن يكون أداة تنفيذ عمياء بلا وعي أو إدراك ولو جوبه واحد منهم بهذه الحقيقة فإنه بسطحية مطلقة سيسخر من هذا القول لكن جهلهم هذا لا يعفيهم من المسؤولية.

ولست أدري لماذا كان شعوري لأول وهلة بأن كاتب التحقيق لم يكن سوى رجل وليس امرأة ربما لأنني لم أتصور أن تحاول امرأة أو فتاة تملك مقدارًا من الأحاسيس الرقيقة ومن الاهتمام بقضايا المرأة أن تتحدث عن قضية إنسانية واجتماعية ودينية تهم كل فتاة وامرأة بأسلوب ساخر وتحاول بجهل واضح- أن تسخر من اتجاه فكري وإيماني لدى فئة كبيرة من الفتيات المثقفات الواعيات اللائي التزمن بالزي الإسلامي ليس عن ضعف ومهانة بل عن اقتناع وإيمان وتحدين بعملهن هذا كل مظاهر الانحراف التي ألفها المجتمع واستكان إليها وفي النهاية نجحن في أن يفرضن احترامهن وتقديرهن على الآخرين.

 والفتاة التي تتحجب لا يدور في خلدها مطلقًا أن هذا هو السبيل الأسرع للزواج كما استنتجت المحررة الذكية.

 وكيف يدور بخلدها ذلك وهي ترى كل هذا الاهتزاز والاختلال في القيم والمفاهيم وتشعر بثقل الضغوط عليها لتثنيها عن عزمها فأي فتاة تقرر التحجب تخوض صراعًا نفسيًا شديدًا مع نفسها أولًا ومع أهلها وبيئتها ومجتمعها ثانيًا. وكم من تجربة خير أجهضت وكم من فتاة أجبرت على الانهزام والتراجع تحت ثقل الضغوط والفتاة التي تقرر الالتزام بما أمر الله تظل أيامًا او أشهرًا تعاني التردد تخاف من المجتمع تخاف سخرية الجيران وعبث الزميلات وتعليقات الزملاء، لأن عملها هو خروج عن الخطأ المألوف وثورة ضد الواقع المختل. 

والناس قد تعترف بوجود خطأ ما، ولكنها لا تقدم على تغييره وبل تقف أحيانًا أمام من يريد التغيير لأنها ألفت الخطأ وألفها الخطأ.

 ولست أظن أن هناك أم تكره مصلحة ابنتها ولا تود لها عريسًا «لقطة» تباهي به أترابها وبعض الأمهات لهذا يقفن بعناد وإصرار أمام رغبة بناتهن في التحجب والاحتشام ظنًا منهن أن ذلك سيبعد عن بناتهن «أولاد الحلال» وسيحول بين الأبنة والعريس المرجو فشباب هذه الأيام في اعتقاد الأمهات لا يفضلونها مؤمنة متحجبة، بل يفضلها البعض منهم سافرة مبهرجة من باب إثبات التقدم والرقي ومواكبة العصر وكأن الزوجة جزء من مظاهر العصر وتكنينه كإشارات المرور الإلكترونية ومكيف العجيب إلخ. وليس إنسانة شريكة حياة ورفيقة عمر.

 ولقد حدثتني فتاة بأن أمها تعارض تحجبها، بل وتعنفها لو لاحظت أنها ارتدت فستانًا من موديل «الماكسي» يومين متتاليين فهذا في رأيها ميلًا للحشمة من فتاتها وليس من باب تتبع الموضة وهي لا تريد لها الرجعية وهناك فتيات تحجبن من وراء ظهور أهلهن وظل الحجاب خارج المنزل حتى استسلم الأهل للأمر الواقع.

 فهل هذا الإيمان الكبير والمسلك من الإصرار في اتجاه الخير تكون دوافعـــــــــه ما تذكره المحررة ولو فرضنا ذلك فهل لها أن تبين لي سبب إسراف بعضهن في التبرج والزينة وتعرية أجزاء ومساحات من الجسد أعزوف ذلك عن الزواج أم حبًا في أعمال الخير.

 وإذا كان هناك إقبال من الشباب على الاقتران والزواج من فتيات متحجبات حتى ولو لم يكن بعضهم - الشباب – ملتزمًـــا بالدين التزاما كاملًا فهذا أمر طبيعي يدركه كل من له خبرة بالحياة ومعرفة بنفسية الرجال، بل إن للفتاة غير الملتزمة دورًا كبيرًا في تنفير الشباب منها ومن تصرفاتها وفهمها العابث للحياة فلا يجد فيها مطلبه في شريكة الحياة الوفية التي تستقر نفسه معها وحتى الشاب الذي ينظر للحياة على أنها ملهى كبير وكل من فيها تنسحب عليهم هذه الصفة ويسمح لنفسه باللهو والعبث عندما يفكر في الزواج فلن يفكر في أي واحدة من العابثات.

 فحياة اللهو والعبث والضياع شيء وحياة الاستقرار والسكون شيء آخر وفتاة العبث شيء والزوجة الوفية والتي تخلص له ويحمل مسؤوليتها ويضع يده في يدها ليكملا مشوار الحياة نحو الهدف المنشود وعبر درب الوفاء والسعادة شيء آخر مختلف تمامًا.

وأذكر أننا كنا مجموعة من الشباب جلسنا ذات ليلة نتسامر بعد عناء الدراسة وكان بيننا زميل نعرف جميعًا أنه ذو باع في اللهو والعبث طويل ولم يترك دربًا إلى الفساد ألا وسلكه وأصبح «موسوعة» فساد قائمة بذاتها.

 دفعني فضولي وحبي الدائم لمعرفة الغريب علي من الأشياء، لأن أسأله عن وجهة نظره في الزواج وسألته على ما أذكر أن هو قرر الزواج فهل يختار واحدة من أولئك اللائي عرفهن أو ارتبط بهن ذات يوم في علاقة ما.

 ففاجأني بأن فكرة الزواج من الأساس لا تراوده أصلًا لأن تجاربه الكثيرة قد أفقدته الثقة بالمرأة وإخلاصها ووفائها، ولو حدث وأن تراجع عن قراره في عدم الزواج فلن تكون سوى قروية لا تفقه في الحياة شيئًا.

ولم أوافقه على رؤيته هذه بالطبع فهو لم يعرف من النساء غير نوع واحد ولم يشعر بسمو ولا بجمال العلاقة الكريمة التي من الممكن أن تجمع بين روحين باسم الله ومما لا شك فيه أن هذا التطرف الشديد وفقدان الإحساس الراقي جاء لنتيجة طبيعية وحتمية لتطرفه السابق في العبث والارتكاس في حمأة الفجور.

وقد يكون سوء الخلق متأصلًا في بعض النفوس لكن الانفلات الخلقي بطبيعته يمحق الثقة بين النفوس محقًا تامًا والفتاة تشعر بسعادة غامرة وبمزيد من الاطمئنان إذا كان فتاها على جانب من الأخلاق وملتزم بدينه مؤديًا لواجباته اليومية فهذا يزيد من تألق روحيهما وانسجام عواطفهما وترابطهما أمام مشاكل الحياة.

 من هذا كله أستطيع أن أصل إلى أنه أمر طبيعي جدًا أن تحظى الفتاة المحتشمة بالزي الإسلامي بالحب والتقدير والاحترام وأن تفوز بمكانة رفيعة تجعل الشباب يطلبون الاقتران بها، ولا أدري ما هي مكاسب السفور التي تتحدث عنها المحررة وفي ظني أنه ليس للسفور مكاسب ملموسة سوى الازدياد المضطرد في جرائم الجنس وهتك الأعراض ولا أعتقد أن هذا يحتاج إلى «كفاح وإصرار».

وأي مكاسب أخرى حققتها المرأة في الكويت أو في غيرها فلم يكن ذلك سوى بالأخلاق والعلم والثقافة والالتزام الجاد بقضايا الحياة، وهذه العوامل هي التي تبني شخصية المرأة وتنمي مواهبها وتبرز دورها الإنساني العظيم وهذه مكاسب لا تتعارض مطلقًا مع الأخلاق والحشمة والتزام الطريق الصواب في الحياة، بل إن الدين هو الذي انتزعها من أيدي المجتمع الجاهلي وأهداها للمرأة التي لم تعرفها مطلقًا منذ فجر التاريخ.

ولا يمل بعضهن من الحديث عن حقوق المرأة وحرية المرأة وحقها في الجلوس تحت قبة البرلمان إن الفتيات الملتزمات بالزي الإسلامي المؤمنات بالله وبالرسالة العظيمة التي كلف بها الإنسان في هذه الحياة ليس هناك أكثر منهن شعورًا بهموم الإنسان وآلامه تعي الواحدة منهن كل قضايا الوطن وهمومه وجراحات بنيه وتعد نفسها مجندة في معركة عليها الاستعداد التام لأي حركة.

ولم يكن الحجاب ليقف عثرة أمام ذلك ولم يكن هذا الحجاب ليشعر بالعبودية والسجن، بل كان الحجاب يفرض على الآخرين احترامهن. 

فأي الفئتين أحق بالحياة وأجدر بالاحترام والمساواة الحقيقية وأما دخول مجلس الأمه والحقوق الانتخابية. 

هل حققت الجمعيات النسائية أبسط الأهداف التي قامت من أجلها وهل نجحت في أن تساهم في حل أي مشكلة من تلك الهموم الكبيرة التي تثقل كاهل الفتاة الكويتية الهموم الحقيقية والجذرية التي تهدد مستقبل الفتاة خاصة والأسرة عامة. 

أم أن هذه الجمعيات قد شغلت نفسها هذا بالهروب وتفجير معارك وهمية حول دخول مجلس الأمة وبحث الأمور في القرن الواحد والعشرين.

نعم على المرأة أن تتقدم، ولكن يتحتم عليها أن تضبط خطواتها مع خطوات المجتمع وعليها أن تثبت وجودها في كل خطوة تخطوها ولا تترك وراءها فراغًا وإذا نجحت في ذلك فلن تحتاج إلى أي وسيلة لتطالب بها أو تستجدي حقها لأن الجميع سيقدمون لها أوفر الاحترام. 

وقد يتساءل قارئ عن أسباب انتشار الزي الإسلامي بهذه الصورة التي تبعث على الأمل والارتياح بعد سنوات الجدب الطويلة التي مرت بنا، فقد أخذت هذه الظاهرة تتسع وتتعاظم بعد حرب حزيران التي أحدثت بنتائجها غير المتوقعة هزة نفسية عنيفة، فهزيمة حزيران قبل أن تكون عسكرية كانت هزيمة سياسية اجتماعية اقتصادية فكرية نفسية، والمواطن العربي في أي قطر كان مهزومًا في ذاته قبل أن يهزم أمام اليهود على أرضه.

 وإذا كانت ردة الفعل التي أحدثتها الحرية لدى الحكام قد انحصرت في محاولات يائسة لتبرير ما حدث ودفع الشبهات عن أنفسهم وغسل أيديهم في دماء الشهداء، فإن ردة الفعل لدى رجل الشارع العربي كانت تختلف تمامًا فما أن بدأ يعود له وعيه بعد فترة الذهول التي أعقبت الصدمة حتى بدأ يفكر وكالعادة في صمت حتى لا يضبط وهو يفكر وبدأ يشعر بالقلق من المستقبل وبعدم الأمان وفقدان الطمأنينة، وهاله أن يدرك أخيرًا مدى ضياعه الذي يعيش فيه بعد أن سقطت كل الشعارات الزائفة التي كانت تحجب الحقيقة عن عينيه.

 وفي لحظات الصدق النادرة التي يعيشها الإنسان مع نفسه اللحظات الممزوجة بدم الجرح القاني. وألم المعاناة وملوحة الدمع يقوده التفكير الصادق إلى طريق النور طريق الله وقد كان، فكانت صحوة العودة إلى الله والهجرة إليه أفواجًا أفواحًا، ومن المدهش أن أغلب العائدين المهاجرين إلى الله الباحثين عن نوره الكريم من الشباب والفتيات الذين ولدوا وتربوا وشبوا على الطوق في ظل الأوضاع الشاذة. وكنفها وأرضعوا كل زيف شعاراتها.

وكم من جرائم ارتكبت ضد الدين والقيم والإنسان والفضيلة باسم الجيل الجديد وتحت عنوان المحافظة عليه، والفتاة العربية عامة ليست كمًا مهملًا في المجتمع كما يحاول البعض أن يصورها ولا هي بالبعيدة عن هموم الوطن، والأمة، بل هي نفسها الرفيقة ومشاعرها الرهفة كانت تعيش مأساة الوطن ومحنة الإنسان الضائع على أرضه بألم صادق صامت.

لذا سرعان ما وجدت في الاتجاه إلى الله والالتزام بطريقه التعبير البليغ عن رفضها للهزيمة النفسية ورفضها الاستسلام لها ووجدت الالتزام بالقيم والأخلاق وارتداء الزي الإسلامي تمييزًا لشخصيتها وتحديدًا لهوية مجتمعها العربي المسلم الذي يتعرض للتحدي الحضاري.

 وهكذا انتشر الزي الإسلامي كعبادة تؤدى لله -عز وجل- وكعمل إنساني يحرر الفتاة من العبودية الحقيقية وكمساهمة وطنية في دعم الشخصية الوطنية وإبراز ملامحها وكرفض الشكل عوامل الانهزام  فكان هذا الاكتساح وكان هذا الأقبال من قبل المتعلمات والمثقفات الواعيات واللاتي يحمل بعضهن أعلى الدرجات العلمية  لقد أدرك الشباب بعد فترة تيه طويلة أن السبيل الوحيد لتحقيق الذات عبر تفاعل سليم مع متغيرات الحياة هو الطريق الإيماني طريق الله. 

فالتعامل مع متغيرات الحياة في داخل الدائرة الإيمانية يمنح الإنسان ثقة وقوة في مواجهة التحدي. والالتزام بطريق الله في العمل والحركة يمنح الإنسان طهارة النفس والتعفف عن الصغائر الاستندال. ويعطي لأي عمل يقوم الإنسان به قيمه واضحة، والإسلام كفكر ومنهاج كخطة عمل كقوة شحن لإدارة التحدي كمنطلق ثوري أصيل هو الطريق الوحيد المفتوح أمام أمتنا لتحقيق تطلعاتها إلـــــــى مكان أفضل تحت الشمس.

الرابط المختصر :