الثلاثاء 25-مايو-1971
حريق الغلاء
الذي يلتهم الدخول ويهدد ميسوري الحال
مطلوب تدخل الدولة لحماية الأُسر المتوسطة والفقيرة
* البترول المتفجر من أرضها، والأسواق المفتوحة فيها لكل واردات الدول، والحرية الممنوحة للاستيراد من أي مكان في العالم، والتسويق في أي بلد.
* وعراقتها في التجارة منذ القدم، وقيامها بدور المورد لدول الخليج العربي، بل إنها وبطريقة غير مباشرة؛ تمون بلادًا اشتراكية محكومة بقيود الاستيراد.
* وأسواق الكويت الآن في حركة نشطة للاستعداد بمطالب التصييف في الخارج، وحلول مواعيد سفر البعثات التعليمية من مدرسين ومدرسات، الذين تزدحم بهم الأسواق، وتعج بهم مكاتب شركات الطيران.
الغلاء وشكايات المواطنين
لكن موجة الغلاء التي اجتاحت العالم كله تجاوزت في حدودها ومعقولها الحالة التجارية هنا، حتى وصلت أسماع نواب الأمة فأثاروها في المجلس، وإن كان المرور السريع بها، قد أودى بالمشكلة إلى ملفات الحفظ بين ذمات مضبطة المجلس.
- لكن الصحافة التي تعكس بمرآتها الشفافة أحوال المجتمع كان لها جولة في التقاط الصور ووضعها أمام أعين من بيدهم الأمر.
فإن العامل أو المستخدم الذي يتقاضى 45 دينارًا ماذا يفعل ليحفظ أود حياته وحياة أولاده، والذي يزيد عنه إلى 60 دينارًا، ولندع من هم دون هذا في الدخل والذين تعطيهم وزارة الشئون 25 دينارًا؟
كم كان بودي أن يبحث المجلس المشكلة بشيء من التقدير لطائفة من أبناء الأمة حتى ولو سكنوا العشيش.
الزيادة الخيالية
وفي تجولنا بين الأسواق المختلفة كان لا بد من تركيزنا على سوق بعض الضروريات، وليست كلها، فإن «المكيفات» أصبحت الآن من ضرورات الحياة في هذا الجو الحار، فآثرنا السير تجاه المطعومات التي تتأثر بأسعارها جميع المستويات وإن كانت الطبقات الصغرى أشد تأثرًا.
من 200 فلس إلى 380 فلسًا.
ورغم ارتفاع الأسعار كلها إلا أن الزيادة المفاجئة في شهرين على ثلاث مراحل لأسعار الزبدة الأمريكاني من 200 فلس إلى 380 فلسًا كانت مستغربة جدًا، حتى أسعار الجبن البلغاري والهنغاري.
كيف يكون سعر كيلو الطحين 110 فلسات؟
وكان مما لفت النظر أن يكون سعر كيلو الطحين وهو من أخص ضرورات الحياة 110 فلسات في حين أن بلادًا أخرى عربية تستورده مثلنا لا يزيد سعره هناك عن 30 فلسًا.
الاحتكار وتحكم كبار التجار
وكان لنا لقاء مع السيد سعد الشريف، مدير سوق الجمعية التعاونية بالصليبخات
- لقد أدرك الجمهور زيادة في أسعار السلع عمومًا، فهل يمكن معرفة نسبة الزيادة وأسبابها؟
فأجاب:
وصلت نسبة الزيادة في بعض الأصناف إلى 10% وفي بعضها الآخر تجاوز إلى أكثر من 50%.
وأسباب الزيادة ترجع إلى:
أولًا: الزيادة العالمية في أسعار الشحن نتيجة إغلاق قناة السويس.
ثانيًا: زيادة أسعار النفط ومحاولة تغطيتها من جانب الشركات.
ثالثًا: تحكم بعض التجار الذين يقومون باستيراد السلع.
* وهنا دخل مدير الجمعية السيد صالح عبد الوهاب؛ الذي اشترك في الحديث قائلًا:
وإذا كانت الأسعار تزيد بطبيعة الحال نتيجة لزيادة أسعار النفط؛ إلا أن تأثيرها يزداد على المنتجات الصناعية ويقل على المنتجات الزراعية.
قلت للسيد مدير السوق:
كيف وصل سعر كيلو الزبدة الأمريكاني إلى 380 فلسًا بدلًا من 200 فلس؟
وابتسم قائلًا: الزيادة العالمية، وتحكم التجار.
قلت له: كيف تصل الزيادة بهذه الصورة في مدى شهرين؟
قال: أرى أن يوجه السؤال إلى الذين يستوردون هذا الصنف، فنحن كنا نشتري الكرتون بمبلغ 4 دنانير و750 فلسًا وأصبحنا نشتريه بمبلغ 7 دنانير و750 فلسًا.
قلت له:
ما الذي يمنع الجمعية من استيراد مثل هذه السلع؟
قال: الاستيراد يحتاج إلى:
1- رأس مال يمكن من تحقيق الضمان والدفع.
2- ألا تكون شركات التصدير الأجنبية أعطت امتيازًا أو توكيلًا لأحد.
ولا زالت جمعيتنا في أول الطريق وإمكانياتها محدودة.
قلت له:
هل يمكن تعليل هذه الزيادة المحلية السريعة بزيادة الدولة لرواتب الموظفين؟
قال: أعتقد أن الجمعيات التعاونية عمومًا لا يمكن أن تزيد أسعارها بناء على زيادة الرواتب، لأن ذلك يخالف مبادئ إنشائها، ثم إن زيادة الرواتب مع بقاء الأسعار يزيد القوة الشرائية ويحرك رأس المال تحريكًا إيجابيًا، بحيث ينتهي الأمر مع زيادة العمالة والتشغيل إلى زيادة الربح أيضًا.
لكنه استطرد قائلًا:
يمكن لبعض المحتكرين أو المستوردين للسلع الضرورية أن يستغلوا هذه الظروف ويزيدوا من الأسعار حيث يفتقدون المنافسة، وإن كنت أرى أن هذا يتنافى مع المبادئ الأخلاقية.
عبد الرحمن العتيقي يعلل الزيادة في الأسعار
وقد أدلى السيد عبد الرحمن العتيقي وزير المالية والنفط بتصريح قال فيه:
- إن زيادة أسعار السلع الاستهلاكية في الكويت مرتبطة إلى حد كبير بما حققته الحكومة ونفذته شركات النفط من ارتفاع في أسعار النفط.
واستطرد قائلًا:
- ذلك أن البلد المصدر للمنتوجات الصناعية والاستهلاكية تحاول تعويض جانب من التزاماته الجديدة بعد زيادة أسعار النفط.
والحل الذي يراه السيد العتيقي هو:
أنه لن يحد من زيادة أسعار السلع الاستهلاكية في الكويت إلا منافسة الشركات المصدرة من الشرق والغرب، إذ إن الكويت سوق مفتوح لجميع المنتجات العالمية ويهم المستوردين فيها الحصول على أقل الأسعار.
والعدساني يقول:
وقال السيد خالد العدساني وزير التجارة والصناعة:
إن السوق عندنا حرة، وتدخُّل الدولة في الأسعار يخلق سوقًا سوداء كما حدث في بعض البلدان، ويرى أن المنافسة هي السبيل الوحيد لتعليل نسبة الزيادة.
وفي نفس الوقت شكل السيد العدساني لجنة لدراسة أسعار الأدوية والحد من زيادتها، ويدور البحث حول استيرادها بواسطة الدولة وتوزيعها للمواطنين عن طريق الجمعيات التعاونية.
مع أحد أساتذة الاقتصاد
وتوجهت إلى أحد أساتذة الاقتصاد بالجامعة حيث عرضت عليه المشكلة فقال:
إن الكويت؛ وهي تأخذ بنظام الاقتصاد الحر، لا يجب ان تترك السوق لتحكم رؤوس الأموال الكبيرة والمحتكرة، وخاصة في السلع الضرورية التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا في حياة ذوي الدخول البسيطة، ومن ثم تستطيع الدولة أن تدخل على الأقل منافسة بالاستيراد والتوزيع في المواد الضرورية مثل الطحين والأغذية، إلخ.
قلت له: قد بذلت محاولات للحد من أثر الغلاء وذلك بزيادة رواتب الموظفين.
قال: ما لم يحدث ما أشرت إليه فستعطي الدولة باليمين ما يأخذه التجار بالشمال ويظل المواطن على ما هو عليه.
قلت له: إن عيوب المؤسسات التجارية التي تديرها الدولة أي دولة في العالم لا تخفى على أحد،
قال: قد تظهر العيوب بشكل واضح في المؤسسات الصناعية لكنها قد تقل بصورة كبيرة في المؤسسات التجارية.
الإسلام وحربه للغلاء.
* وفي نهاية الجولة؛ رحت إلى تراث الإسلام العظيم الذي خلَّفه لنا محمد- صلى الله عليه وسلم- أبحث عن علاج وضعه، في مثل هذه الظروف التي تجتاح الأمة، فوجدته يعلنها حربًا يخوضها بكل ثقة واطمئنان من أجل حياة الإنسان.
أولًا «حرَّم الاحتكار»
«لا يحتكر إلا خاطئ»
«من احتكر الطعام أربعين يومًا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله»
ثانيًا: «حرَّم تلقي الركبان»
وهي أن يبادر بعض التجار المقيمين لملاقاة التجار القادمين وشراء سلعتهم قبل معرفتهم لأحوال السوق، والتحريم لسببين:
1- إضرار بصاحب السلعة الجالب حيث يكون فيها التحايل والبخس.
2- يحكم في أسعار السوق وفرضها على المشترين استغلالًا لحاجتهم.
ثالثًا: «حرَّم الربا»
لأن الفائدة التي تحصل من المستوردين وضمانات التأمين يُلقى عبؤها في النهاية على المستهلكين.
رابعًا: «حرَّم المزايدة بقصد غلاء الأسعار»
وهذا ما أسماه الرسول- صلى الله عليه وسلم- النجش، فقال: «ولا تناجشوا»
خامسًا: «حرَّم التفليسة تهربًا من أصحاب الحق»
إذ يحاول بعض التجار أكل أثمان تجارتهم التي اشتروها، فيحاولوا إعلان التفليسة تهربًا من الدفع، مما يؤدي بخسارة الموردين، وبالتالي غلاء الأسعار؛ وفي ذلك يقول الرسول عليه السلام «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: ومنهم رجل باع حرًا فأكل ثمنه»، أي أكل البضائع التي بيعت له.
- والمشكلة ما زالت قائمة، وتتسع دائرتها لتشمل كل حاجيات الناس، وتغري المستغلين بالتمادي في أطماعهم وجشعهم الذي لا يقف عند حد.
وما زالت الآمال تتعلق بأعضاء مجلس الأمة أن يعيدوا النظرة الدارسة الفاحصة، ويولوا المشكلة بعضًا من حقها وأهميتها، حتى يوفوا بالوعود التي قطعوها لناخبيهم في ساحات المجاملة وعند صناديق الاقتراع.
أبو هالة
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
برقية جمعية الإصلاح الاجتماعي إلى مؤتمر وزراء التربية العرب في ليبيا
نشر في العدد 3
112
الثلاثاء 31-مارس-1970