; حصاد عام مضى.. هل من مراجعة | مجلة المجتمع

العنوان حصاد عام مضى.. هل من مراجعة

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 28-ديسمبر-1993

مشاهدات 18

نشر في العدد 1081

نشر في الصفحة 37

الثلاثاء 28-ديسمبر-1993

العاقل من راجع خطوه، وتدبر أمره، وحاسب نفسه، والبصير من اعتبر بالحوادث، واتعظ بالأيام، وتحسب العواقب، وصدق الحديث الشريف إذ يقول: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم»، وها نحن وقد مر عام من الأعوام التي تمر، ومضت حقبة من الحقب التي تطوى، هل حاسبنا أنفسنا قبل أن تحاسبنا السنين؟ ولن يفلتنا الله، وهل وزنا أعمالنا، أم أنها لا توزن، وتذروها الرياح، ويجعلها الله هباءً منثورًا؟

إن عنصر المحاسبة أصبح اليوم قانونًا ودستورًا للمؤسسات والأفراد والأمم والسلطات على اختلاف مشاربها! إلا نحن، وقوانين المراجعات والتقديرات وحساب الموازنات صار طبيعة ونظامًا تسير عليه الشعوب غيرنا!!، يجب أن تكون لنا وقفة مع أنفسنا- أفرادًا وشعوبًا، حكامًا ومحكومين- للمراجعة والمحاسبة، والموازنة لأمور كثيرة، وممارسات متعددة منها:

  1. موازين الأمة البشرية: لماذا ينحدر الفرد في الأمة عقلًا وحسًّا وخلقًا ويصبح عبئًا عليها، بعد أن كان أداة فاعلة لرفعتها وسؤددها؟ لماذا لم نستطع تربية الكوادر المؤهلة لصياغة أمة قادرة على التحدي والمنافسة والمواكبة؟
  2. موازين الأمة المالية والاقتصادية: لماذا لم تستطع الأمة- رغم كثرة مواردها المالية والبشرية- أن تتحول إلى أمة منتجة مصدرة، وظلت سوقًا مفتوحة، وأمة مستهلكة مستغلة منهوبة عاجزة عن كفاية نفسها صناعيًّا وزراعيًّا وأمنيًّا؟
  3. موازين الأمة الحضارية: لماذا تتوه الأمة عن موازينها الحضارية رغم أن العالم كله ينهل من حضارتها؟ يقول الفيلسوف الإنجليزي «برناردشو»: «لقد كان دين محمد موضع تقدير سامٍ لما ينطوي عليه من حيوية مدهشة، وإنه الدين الوحيد الذي له ملكة الهضم لأطوار التاريخ المختلفة والحياة كلها، وأرى واجبًا أن يدعى محمد- صلى الله عليه وسلم- منقذ البشرية، وإن رجلًا كشاكلته إذا تولى زعامة العالم الحديث فسوف ينجح في حل مشكلاته».
  4. موازينها الاجتماعية والثقافية: لماذا تتحلل الأمة اجتماعيًّا، وتهمش ثقافيًّا؟ ولحساب من، وتراثها الاجتماعي مفخرة الدهر؟ يقول العلامة «شيرك» عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا في مؤتمر الحقوق سنة ۱۹۲۷م: «إن البشرية لتفخر بانتساب رجل كمحمد- صلى الله عليه وسلم- إليها، فقد استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما تكون، لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي عام».
  5. موازين الأمة الشعورية: لماذا لا يحس الفرد بالانتماء للأمة؟ ولماذا فقد شعوره بالتعاطف والتناصر والإخاء الذي كان مصدر قوته وعصب رجولته؟ لماذا أصبح لا يشعر بالزلازل والقوارع وهي تنهب جسد الأمة؟ بل لماذا ينقلب حربًا على أمته منتميًا لسواها وخاضعًا لتوجهها، متنكرًا لتاريخه المشرف، كارهًا ونابذًا لريادته العالمية والتراثية؟ يقول «غستاف لوبون»: «إن سبب انحطاط الشرق هو تركه روح الإسلام»، ويقول العلامة «مسمر»: «إن الغربي لا يصير عالمًا إلا إذا ترك دينه، بخلاف المسلم؛ فإنه لا يترك دينه إلا إذا صار جاهلًا».

إن حصاد عامنا كسابقه، بل قد يكون أشد وأسوأ على مستوى ثقافتنا أو قضايانا أو مشاكلنا الاجتماعية، أما عن مستوى ثقافتنا، فقد تخلينا عنها، بل حاربناها مع أعدائنا؛ فقد عمل أعداؤنا جاهدين أن يجعلوا الإسلام عدو العالم الأوحد بعد الشيوعية، واشتغلت الساحة العالمية بالتخويف من الإسلام، ووصفه بالإرهاب من غير تفريق، وساعد على ذلك الصهاينة وأعداء الإسلام بغض النظر عن أسانيد تلك التهمة، ووافقت هوى عند الكثيرين منا!!

أما قضايانا فأكثر مدعاة إلى الأسى والأسف، فشعب البوسنة يذبح ولا تسمع للأمة همسًا أو تحس لها ركزًا، وطاجيكستان قام الأرثوذكس بذبح ٣٠ ألفا، وتشريد أكثر من مائة ألف، وتهجير أكثر من ۲۰۰ ألف ولا مغيث أو رحيم، وقضية كشمير وما يفعله الهندوس من فظائع ليس بخاف على أحد، وفلسطين وما يجري فيها من تفريط وعمالة ولا يتحرك أحد!

ومشاكلنا الاجتماعية من إرهاب، وقتل، وخصومة، وشغل للأمة، ووأد للحريات، وضياع للجيل، ولا نكير أو إصلاح.

هذا جزء من كل من حصاد العام، والحقيقة التي يجب أن يفهمها الجميع، وأن يعيها كل فرد في الأمة أن هناك شيئًا ما يسير بشكل خاطئ في أمتنا، وإلا لما أصبحنا في مثل هذه الحالة....

فهل نراجع الخطو قبل أن نحصد الشرك، ونندم ولات ساعة مندم؟!!

الرابط المختصر :