العنوان حضارة الخطأ.. تهدد الجيل الصاعد بالانهيار
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 21-سبتمبر-1971
مشاهدات 24
نشر في العدد 78
نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 21-سبتمبر-1971
حضارة الخطأ.. تهدد الجيل الصاعد بالانهيار (1)
صحافة بيروت، والمكتبات التي توزع الكتب الخلاعية هنا، والتليفزيون والسينما، هؤلاء جميعا مشغولون بفرض التعاسة الاجتماعية والخلقية على المجتمع الكويتي شعارهم الكريه: لنسقط متحدين!
· وإلى الذين يتلقون توجيههم -في خضوع واستسلام -من الغرب ومن لبنان.
· إلى الذين يريدون أن يبدأوا مرحلة الضياع والتعاسة والبؤس النفسي من حيث
انتهى الآخرون.
· إلى الذين يزعمون أنهم يقومون بعملية «تحضير» المجتمع الكويتي فإذا هم
في الحقيقة يدفعونه دفعًا إلى أحط مراحـل التخلف السلوكي والخلقي والنفسي.
إلى هؤلاء جميعًا نقدم هذه الصرخات الملتاعة التي لم تنشر في مجلة «لواء الإسلام» -مثلًا -وإنما نشرت في صحيفة لبنانية «!!» هي ملحق الأنوار الأسبوعي الصادر في 8-29 -۱۹۷۱، لعلهم حين يرون مصائر المنتحرين ألا يجربوا هم بأنفسهم عملية الانتحار الاجتماعي.
ـ إنسان القرن العشرين هو إنسان الألم والقلق والرفض والهستيريا والجنون والانحراف؛ لأنه نتيجة حضارة تقنية معقدة، يحاول عبثًا أن يحيط بمستحدثات العصر وتطوراته السريعة العجيبة، إن قطار الحضارة يجري بسرعة جنونية فيقف الإنسان مشدوهًا محاولًا تقصي الحقيقة وتحليل الأمور فلا يستطيع، تيارات متناقضة تتصارع مع وجوده الذهني والنفسي، مولدة في داخلـه الفراغ والحيرة والشعـور بالضعف والضياع، ومن الطبيعي أن يتكيف الإنسان مع المجتمع والعصر، ولكن تكيف إنسان القرن العشرين لم يعد مرتبطًا ببيئته وبلدته ومجتمعه فحسب بل بالمجتمعات العالمية.
من هنا كان عليه أن يقوم بعملية تكيف شاملة وأن يفجر ذاته لتنفتح على الكون ولتنصهر في بوتقة عالمية معقدة، إن أحداث العالم ومبتكرات العلم والتيارات الفكرية والسياسية تنصب بعنف في الكائن البشري وكأنها تتحداه وتحاول سحقه أو قتله، ومع ذلك فإن عليه أن يلحق بالقطار دون وجل أو تردد.
تكاثر الأمراض النفسية
يستطيع الإنسان أن ينعزل، أن يهرب من هذا الضغط الحضاري الرهيب، ليعيد إلى ذاته الطمأنينة والهدوء والسعادة التي انتحرت في داخله، ولكنه يخسر مقابل ذلك دينامية وجوده ورسالة الفعل والتحدي، الهيبيون في أمريكا وأمثالهم في أوروبا وأنحاء العالم يجسدون فكرة الفرار والاستسلام والانهيار النفسي.
قد نحكم عليهم بالانحراف والأمراض النفسية والهذيان، ولكنهم داخليًا يشعرون بالرضا والسعادة والاكتفاء الذاتي.
الاستسلام وسيلة دفاع ترد بها «الأنا» المضطربة القلقة على الضغوط الخارجية الثقيلة.
ومن المعلوم أن نسبة الأمراض النفسية والعصبية تزداد بكثرة في المجتمعات الحديثة، وقد تفوق في السنوات المقبلة نسبة الأمراض الجسدية.
وتدل الدراسات اليوم على أن كثيرًا من الأمراض الجسدية تعود إلى أسباب نفسية، مثل آلام المعدة والرأس والشلل واضطرابات الجهاز الهضمي والعصبي والطب «النفسجسدي» الذي ظهر في السنوات الأخيرة انصب على معالجة حـالات من هذا النوع، والشيء الذي يتبرم به الناس في سائر المجتمعات المتقدمة هو الأرق والقلق وتوتر الأعصاب.
ويتناول كثيرون منهم وبصورة شبه مستمرة المنومات والمهدئات العصبية، إن ۹۰ بالمئة من الأمريكيين يتناولون يوميًا مهدئًا عصبيًا مثل مركبات الميبروبمات.
وقد ضربت أسوج رقمًا قياسيًا في استهلاك الأدوية المنومة بالنسبة لعدد سكانها، ففي عام ١٩٥٤ مثلًا استهلك الأسوجيون أكثر من ۲۰ مليون غرام من المنومات مثل حبوب الغاردينال.
وتدل الأبحاث على أن المنومات «مركبات البريتورات» تحدث تدريجيًا تسممًا في الجسم وعادة فيزيولوجية ليس من السهل الإقلاع عنها كما هي الحال مثلًا في المخدرات، وقد حاولت بعض الفتيات في أسوج الانتحار بواسطة الأدوية المذكورة.
وعندما يكون العيار مرتفعًا يحدث ما يسمى بالغيبوبة والسبات إلى جانب اضطرابات فيزيولوجية أخرى، وهنا يجب التمييز بين المنومات والمهدئات العصبية التي ليس لهــا مضاعفات خطيرة تذكر وخاصة تلك التي تتكون من الميبروبمات.
وقد نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا هامًا عن نسبة الانتحار في العالم أشار إلى أن الانتحار يحتل المرتبة الثالثة بين أسباب الوفاة، والذين يقدمون على الانتحار تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والرابعة والأربعين.
خطر المخدرات
إن المخدرات تهدد اليوم آلاف الشباب في المجتمعات المتقدمة وحتى في البلدان النامية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن خطر المخدرات يتفاقم يومًا بعد يوم في الولايات المتحدة وليس من المستغرب أن يقع ضحية المخدرات آلاف من المراهقين والمراهقات في المدارس والجامعات، وهنا نتساءل عن أسباب هذا الإدمان الخطير، فيبدو للوهلة الأولى أن الناحية الجنسية لا تلعب دورًا يذكر في هذا الانحراف ذلك أن الفتاة أو الشاب يتعرف كل منهما إلى أسرار الجنس في سن مبكرة.
ولكن هذا الإشباع كما يظهر لا يحقق السعادة المنشـودة والاستقرار الداخلي، إن الشباب يحاول أن يحطم مأساته عن طريق الحب والجنس ولكن المأساة تعود من جديد وتصرخ بعنف في داخله وكأن لا شيء كان، الشباب الأمريكي يفتش الآن عن شيء ضائع، السعادة والشعور بالطمأنينة والسلام الداخلي، هو يرفض حضارة مجتمعه الرهيبة التي تضغط عليه بثقلها وكأنها تتحداه وتحاول سحقه، من هنا كان الاستسلام والرفض السلبي الذي يهدف إلى تحطيم الأنظمة والقيم القائمة في المجتمـع واستبدالها بقيم جديدة أكثر مرونة وقدرة على تحقيق السعادة، الهيبيون في أمريكا يجسدون هذه الفكرة ويدافعون عنها، وما إدمان الشباب على المخدرات إلا محاولة لتحقيق الغيبوبة والهروب من المأساة.
وقد أثار هذا الانحراف اهتمام بعض المسئولين في أمريكا ومنهم الرئيس نيكسون الذي خصص ١٥٥ مليون دولار للسيطرة على المشكلة.
وإذا نحن سلطنا الأضواء على مشكلة المخدرات في لبنان فإننا نجد أن المدمنين علـى المخدرات والذين سبق لهم وعولجوا في المستشفى تتراوح أعمارهم بين 18 وما فوق موزعين كما يلي:
السنة رجال نساء المجموع
1965 382 4 386
1966 359 6 365
1967 367 4 371
1968 276 2 278
1969 203 5 208
ومن الملاحظ أن النساء أقل عرضة للمخدرات من الرجال وذلك لأن الظروف والتقاليد الاجتماعية لا تسمح للمرأة بقدر كبير من الحرية والاختلاط.
ولا شك في أن العدوى الجماعية التي تنتشر بين الأصدقاء لها أثرها الكبير في إشاعة المخدرات وتسهيل الإدمان عليها.
والجدول التالي يعطي فكرة عامة عن تعاطي المخدرات في لبنان على اختلاف أنواعها.
الهيرويين 38 بالمئة
الأفيون 12 بالمئة
الحشيشة 6 بالمئة
الكحول 4 بالمئة
دوافع الإدمان على المخدرات
ويظهر أن نسبة الإدمان على الهيرويين والكحول مرتفعة بصورة عامة وهذا ما يدعو إلى القلق لأن الهيرويين يعتبر من أقوى المخدرات وأكثرها ضررًا على الصحة والشخصية.
إن النسب المذكورة تلقي بعض الأضواء على المشكلة في لبنان، ولكنها لا تكفي من الناحية الإحصائية العامة باعتبار أن هناك عددًا من الأشخاص يدمنون على المخدرات بصورة سرية بالإضافة إلى تناول الحبوب المنومة والحبوب المنشطة التي تولد كما قلنا عادة فيزيولوجية ليس من السهل الإقلاع عنها، إن دوافع الإدمان على المخدرات عديدة ويبدو أن المحور الأساسي مرتبط بموضوع القلق، ويقول بعض الأطباء النفسانيين إن كثيرًا من الناس معرضون للإدمان على المخدرات والكحول باعتبار أن القلق اليوم يغزو الناس في المجتمعات الحديثة على مختلف المستويات.
فالإنسان المعاصر يعيش كما يقال على أعصابه وتدل تصرفاته اليومية على أنه مصاب بالعصاب والاضطرابات النفسية والانحرافات، إنه يبدو وكأنه في حالة جنون أو هستيريا، وما الصرعات الحديثة إلا دليل على هذا الانحراف والضياع والقلـق الداخلي التي تنفجر وتتحطم في الخارج والمجتمع، ليس باستطاعة إنسان القـرن العشرين أن يتحمل وطأة الألم النفسي والتمزق الداخلي الذي يذوب ويتحطم عبر المخدرات.
وقد كشفت الدراسات عن أن المدمنين على المخدرات يعانون من الشعور بالذنب ومن عقدة النقص وخاصة من الناحية الجنسية «العجز الجنسي»، بالإضافة إلى تضعضع «الأنا» خلال السنوات الماضية.
وهذا التضعضع ناجم عن ضعف الأهل الذين لم يصلحوا ليكونوا قدوة أو مثلًا أعلى بالنسبة لأولادهم، وعلى هذا الأساس تمثل المخدرات بالنسبة للمدمن ذلك الشخص الذي هو في أمس الحاجة إليه، وقد تكون تعبيرًا عن عقدة الرجوع إلى حنان الأم المفقود أو إلى الحبيب الضائع، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإدمان على المخدرات عند الفنانين يشير إلى أن الفنان بحاجة إلى صور وإحساسات جديدة تسلخه عن واقعه الأليم وتحمله إلى عوالم نورانية ينصب فيها ماء الحياة الدافق والإلهام المبدع وهذا ما يشير إلى أن الفنان يعاني من أزمات نفسية يعيشها في الواقع ولا يستطيع الهروب منها إلا عن طريق المخدرات والكحول.
إن الفنان إنسان خلاق ولكن القلق الذي يسيطر عليه في حياته الواقعية يشل إمكاناته ويعطلها، إذن عليه أن يغيب عن هذا الواقع الأليم ليسبح في عالم جديد خال من القلق والألم والنقص، وهنا نقول إن الفنان المدمن هو إنسان مصاب بالعصاب بلا شك، أي بالاضطرابات النفسية التي لا يستطيع أن يتخطاها إلا باللجوء إلى المخدرات أو الكحول، أما الأشخاص الآخرون الذين يقعون فريسة المخدرات فإن حالتهم تستوجب المعالجة، وإلا يخسر المجتمع بانهيارهم أعضاء وعناصر بإمكانها أن تكون فاعلة بناءة.
الانحرافات الجنسية
ومن جهة أخرى أثبت «ديوفي» في إحدى دراساته أن ۸۰ % من أسباب الإجرام في الولايات المتحدة تعود إلى انحرافات جنسية، إن دراسة الانحرافات الجنسية لم تبدأ إلا في أواخر القرن التاسع عشر، وهذا الموضوع ما فتئ يشغل حتى اليوم بال الكثيرين من الناس ومنهم رجالات الدين وعلماء النفس والتربية والأطباء نظرًا للصرعات وموجات الجنون الجنسي والهستيريا التي تغزو المجتمعات، وإذا كانت هذه الانحرافات تعتبر خطيرة فذلك لأنها تتخطى حدود الغريزة الطبيعية وتتناقض مع المعايير الاجتماعية والأخلاقية ولأنها تهدد بالتالي كيان الفرد وتضعضع شخصيته وتحرفه عن السلوك السوي.
إن فقدان التربية الجنسية ظاهرة لاحقة نابعة من صميم ثقافتنا بالذات، فنحن ما زلنا ننظر إلى القضايا العاطفية والجنسية بعين الحذر والاشمئزاز، وهذا الحذر قائم في البيت والمجتمع بحيث إن البحث في هذه الأمور لا يلقى آذانًا صاغية ويجب أن يكافح في حينه وإن الصراع بين الأجيال الذي بدأ يذر قرنه في المجتمعات النامية يعبر عن الهوة القائمة بين الجيل القديم المتزمت المحافظ وبين الجيل الطالع المتمرد.
ولكن هذه النزعة إلى التحرر لم تحقق هدفها باعتبار أن الطوق لم يتحطم بعد وإن ضغط الذات العليا المجسدة في السلطة المفروضة من جانب الأهل والأنظمة والتقاليد القائمة في المجتمع لا تزال قوية فاعلة.
إن الحرب التي تخوضها الدول النامية هي حرب ضد التخلف والأفكار الجامدة والجهل والفقر والمرض.
البحث عن مثل أعلى
إن حالات الخوف والخجل واضطراب الكلام ناجمة مثلًا عن فساد الظروف العائلية والتربوية والأخلاقية التي تزيد شدة الإحباط والحرمان.
ما أحوجنا إلى مرشدين نفسانيين وأطباء أخصائيين يؤدون رسالة التوجيه والتنوير أمام الأجيال الطالعة التي لا يمكنها تخطي الحواجز وبناء المجتمع إلا عندما تتحرر من عقدة الجنس والهواجس المرضية المحيطة بها، وهناك موضوع تصعيد الغرائز والطاقات الذي يتجسد في إشراك الشباب في النشاطات الاجتماعية والمسؤوليات الوطنية بشكل تتصاعد فيه القـوى الغريزية إلى مستوى الإبداع والعطاء، وويل لأمة لا تسمع نداء الشباب وصراخ الأجيال الطالعة، فالشباب زخم البطولات ورمز التخطي المستمر وباني الحضارات والمجتمعات.
والدول النامية مدعوة بصورة خاصة إلى استثمار هذه الطاقات لتحقيق نهضة وطنية شاملة تنفجر من قلبها الحياة العنيدة والإرادة الهادرة التي تتحدى الألم والضعف والاستسلام.
(1) «ملحق الأنوار اللبنانية» 29/8/1971
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

برقية جمعية الإصلاح الاجتماعي إلى مؤتمر وزراء التربية العرب في ليبيا
نشر في العدد 3
105
الثلاثاء 31-مارس-1970
