العنوان حطم القيود (١)
الكاتب د.عبدالحميد البلالي
تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004
مشاهدات 13
نشر في العدد 1590
نشر في الصفحة 66
السبت 28-فبراير-2004
حطم القيود وأنطلق نحو عالم القوة.. سلسلة من الحلقات نسلط فيها الضوء على قضية من أهم القضايا في العمل الإسلامي، تسبب الجهل بها في الكثير من الإنتكاسات والكبوات والهزائم والمشكلات، والتراجع، والصراع، والتناحر.
نريد من خلالها أن نعرف معرفة دقيقة ومفصلة معنى القوة ومفاتيحها، ومعوقات الحصول عليها والقيود التي تمنعنا من اكتسابها فلا مكان في هذا العالم للضعفاء، ولا يمكن أن يصل ضعيف إلى الهدف، ولا يمكن أن يحقق الفوز ضعيف فلا خيار لنا إذا أردنا الفوز ورفع راية التوحيد خفاقة على ربوع العالم إلا أن نكون أقوياء ولا يمكن أن نكون أقوياء حتى نبذل كل أسباب القوة.. فما القوة؟
جهاز الاختيار
إن القوة التي تنبع من داخل الإنسان هي تلك التي تكمن في ذلك الجهاز الذي أودعه الله الإنسان والذي يستطيع من خلاله صناعة القرار وتحديد الوجهة ومعرفة الصواب من الخطاء والنافع من الضار ولهذا السبب أصبح الإنسان أقوى مخلوق خلقه الله تعالى، لأنه يتميز عن بقية المخلوقات بهذا الجهاز الذي تحدث عنه الرب بقوله عز وجل:﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾ (الشمس: 7-10)
هذا الإلهام هو سر هذه القوة في هذا المخلوق، ومن خلالها ينشأ الأقوياء في هذه الحياة ومن خلالها يدخل الناس الجنة أو النار بقرارهم هم دون أي تسيير من أحد، حتى يكون ذلك القرار حجة عليهم يوم القيامة..
ويتحدث رسولنا ﷺ عن هذا الجهاز وكيف يستخدمه بعض امته استخدامًا صحيحًا وآخرون يفشلون في استخدامه الاستخدام الصحيح فيقول: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي قالوا: ومن يأبى قال: من أطاعني بخل الجنة، ومن عصاني فقد أبي».
إذن فالقوة هي قوة الإختيار وصناعة القرار، والذين يدخلون الجنة لم يدخلوا بالحظ ولا بالصدفة، ولا باليانصيب، أو بالقرعة، أو بالواسطة، أو بالشهادة، أو بالمنصب، أو العائلة والقبيلة، إنما دخلوها باختيارهم فهم الذين قرروا دخولها ثم بحثوا عن أسباب هذا الدخول، فعملوا بها ثم سألوا الله تعالى الرحمة بعد أن أدوا الأسباب فأدخلهم برحمته الجنة، وكذلك الذين يدخلون النار هم الذين قرروا دخولها بأنفسهم، وأبوا أن يدخلوا الجنة بعد أن عرفوا أسباب دخلوها فلم يبذلوها، وحادوا عن طريقها فاستحقوا دخول النار
فن صناعة القرار
فالأقوياء هم وحدهم الذين يعرفون فن صناعة القرار ويعرفون معرفة دقيقة كيفية عمل جهاز الإختيار فيستخدمونه بكفاءة عالية، ويصلون إلى أهدافهم وينجحون، أما غيرهم من الضعفاء في هذه الحياة فقد تنازلوا عن حقهم في استخدام أجهزتهم للغير فكانوا تحت تأثيرهم وتوجيههم إلى الوجهة التي يريدون، حتى وإن كانت إلى النار فعاشوا ضعفاء وماتوا ضعفاء.
سيطر على حياتك
لا نعني بالقوة أبدًا قوة العضلات وإن كانت هذه مطلوبة، ولا قوة رفع الأثقال أو الملاكمة أو الحصول على أحزمة لعبات القتال «الجودو» والكونغ فو والتايكوندو وغيرها، بل تعني بالقوة الشعور بالسيطرة على الحياة أي أن تشعر بسيطرتك على حياتك، وهذا يعني ثلاثة أمور:
السيطرة على النفس عندما تجمع النفس، وتريد منك تجاوز الحدود التي رسمها الله للإنسان، وإيقاعك فيما لا ينبغي من القول والفعل، فتلزمها، وتحكم سيطرتك عليها كي لا تجنح بك إلى المعصية
﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (يوسف: 53)
والنفس هي أكبر الأعداء للإنسان بعد الشيطان، ولكن الإنسان القوي يستطيع أن يزكيها، ويربيها ويسيطر عليها حتى تتحول معه من أمارة بالسوء إلى لوامة ثم مطمئنة، ولا يتم ذلك إلا من خلال تربية ومجاهدة وصبر ومصابرة وطريق طويل ولا يتحمل عبء ذلك الطريق الطويل إلا الأقوياء
السيطرة على الغضب: الغضب من أكبر معوقات القوة وهو الفيروس الذي يقضي على الكثير من الأقوياء وإن أكثر الناس قوة أولئك المسيطرون على غضبهم، ولذلك وصفهم النبي ﷺ بالأشداء ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»
فالضعفاء هم الذين يغضبون ويصرخون ويفقدون سيطرتهم على غضبهم، فيقعون فيما يندمون عليه بعد صحوهم أشد الندم.
ماذا يحدث عند الغضب؟
يقول العلماء إن المخ يتغذى على الأكسجين وعندما يغضب الإنسان تزداد حرارة الدم، ويقل الأكسجين المتجه إلى المخ، مما يسبب الإرباك في التصرفات القولية والفعلية، وهذا يعني أن الغاضب يمر بفترة تشبه الجنون وذهاب الشي، الكثير من العقل، وسيطرة الشيطان عليه سيطرة كاملة كأنه كرة يلعب بها، ويقذفها يمينًا ويسارًا ولذلك أوصانا رسولنا ﷺ عند الغضب، ومن باب السيطرة عليه أن نقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وأن يجلس الواقف ويضطجع الجالس، وأن يتوضأ حتى يطفئ نار الشيطان.
«سنتناول الغضب بالتفصيل في حلقات أخرى».
السيطرة في القرار: ومعنى السيطرة هنا ألا تترك للآخرين أو يقرروا بدلًا منك، فيوجهوك إلى ما يريدون إلا ما كان في مرضاة الله تعالى، فيكون ذلك متلائمًا، مع القرار الذي يريده الله تعالى للإنسان لكي يسعد في هذه الحياة ويعمرها.
وقد بين رسولنا ﷺ أهمية السيطرة على القرار والتميز وعدم التبعية، وإلغاء الشخصية، والقرار تمامًا في كل الأمور، عندما قال: «لا يكن أحدكم إمعة».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل