; حفظ القرآن الكريم في موريتانيا | مجلة المجتمع

العنوان حفظ القرآن الكريم في موريتانيا

الكاتب جمال الحسن

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أغسطس-1971

مشاهدات 57

نشر في العدد 73

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 17-أغسطس-1971

حفظ القرآن الكريم في موريتانيا

٨٠ ٪ من أهل موريتانيا يحفظون القرآن

إعداد المهندس: جمال الحسن

 

مشروع معهد إسلامي في غرب إفريقيا

زار الكويت منذ أيام رجل من رجال الإسلام، الذين يزخر بهم تاریخ أمتنا، فهذه الأمة تنجب دومًا قيادات فريدة عجيبة، عَقُمَت أية أمة من الأمم أن تنجب مثلهم.

زائرنا هو الحاج محمود باه مفتش اللغة العربية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ورئيس الهيئة الفلاحية لتعليم اللغة العربية لمحاربة الجهل ومحو الأمية، وهو قبل هذا وذاك حافظ للقرآن، قادر على كتابته كله بالرسم العثماني دون النظر إلى المصحف الشريف، وموضوع حفظ القرآن الكريم وكتابته بالرسم العثماني موضوع شيق تتمیز به موريتانيا عن غيرها من عالم الإسلام، وسنتحدث عنه في حينه.

زيارة الكويت والبلاد العربية:

يقوم الأستاذ الحاج محمود باه بزيارة الدول العربية؛ من أجل تمويل مشروع مهم في منطقة غرب إفريقيا، له فوائد عديدة في ميدان الدين الإسلامي الحنيف، وفى ميدان الثقافة العربية، وفي ميدان العلاقات بين الدول الإسلامية في غرب إفريقيا، وبين الدول الإسلامية في مختلف أنحاء الأرض، وقد سبق له أن زار الكويت في عام ١٩٦٧؛ نتيجة لدعوة وجهها إليه الأستاذ عبد الله العقيل مدير الشئون الإسلامية في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، كما أنه زار الجمهورية العربية المتحدة بدعوة من مكتب السكرتير العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

وتأتي الزيارة هذه المرة من أجل متابعة أمر تمويل المشروع المذكور، وقد قدم الأستاذ الفاضل طلبًا يشتمل على تزکیات عديدة من كلٍّ من وزير التربية والتعليم الموريتاني، ومن وزير الخارجية الموريتاني، ومن شيخ الأزهر الدكتور محمد الفحام، ومن السكرتير العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في ج.ع .م ومن سفير ج.ع.م في نواكشوط، ومن سفیر ج.ع.م في الكاميرون، ومن رئيس المجمع العلمي العراقي.

تجاوب وزارة الأوقاف الكويتية:

لقد كان تجاوب وزارة الأوقاف كريمًا ومشكورًا؛ فقد سهلت السبيل من أجل جمع التبرعات والمساعدات من عامة المسلمين بالكويت ومن الشركات المختلفة، وذلك عن طريق وزارة الشئون الاجتماعية بواسطة وصولات خاصة في هذا الأمر، كما أن الطلب الرسمي للمساعدة من الحكومة رهن البحث في اللجنة الدائمة للمعونات الإسلامية الخارجية في وزارة الأوقاف بالكويت.

المشروع:

المشروع هو بناء معهد غرب إفريقيا؛ لنشر اللغة العربية والدين الإسلامي الحنيف، وهذا المعهد يمكنه أن يكون مركزًا يجمع أبناء غرب إفريقيا؛ ليتمموا فيه دراساتهم الأولية، ومـن الأفضل أن يكون موقع هذا المعهد في الجمهورية الإسلامية الموريتانية؛ حيث المسلمون فيها ١٠٠ ٪ وهم يشكلون همزة وصل بين الدول الإسلامية عامة ودول المسلمين في غرب إفريقيا، ثم إن مباشرة أعمال هذا المعهد في موريتانيا أسهل من أي مكان آخر في غرب إفريقيا.

فوائد المشروع:

إن هذا المعهد سيكون قبل كل شيء عقبةً كئودًا في وجه دعاة الصهيونية، والنفوذ التبشيرية المتوغلين في أعماق غرب إفريقيا؛ فسيقوم المعهد بوضع برامج علمية وعملية نافعة، وستكون بأيدي أبناء القارة الإفريقية المثقفين ثقافة غربية فعالة، ذلك أنه فيما بين عام ١٩٦٥ وعام ۱۹۷۰ تخرج في البلدان العربية بشهادات الليسانس العربية من أبناء غرب إفريقيا حوالي « ۱٥۰۰» متخرجٍ، وجميعهم درسوا في البلاد العربية؛ نتيجة للجهود الصادقة التي بذلها الأستاذ الفاضل الحاج محمود باه، وقد بين تفصيلها في تقرير منفصل سماه «التقرير ٣٥» نرجو أن نستطيع نشره مستقبلًا.

إن هؤلاء الخريجين جميعهم سيكونون تحت تصرف هذا المعهد؛ من أجل علو كلمة هذا الدين الإسلامي الحنيف، والآن لم يتبقَّ سوى تنظيمهم وتوجيههم، وهذا المعهد يكفل هذا الأمر بكل نجاح -بإذن الله- فهم جميعًا لم يكملوا دراساتهم من أجل الاستمرار في رسالتهم الدينية المباركة، وفي ذلك ضمان كاف للوقوف في وجه الصهيونية والصليبية في تلك البقاع، ومعلومٌ خطرُ هاتين الحركتين الهدامتين، ومعلوم ما يحاولان أن يصلا إليه، ومن فوائد هذا المشروع أنه سيحل مشاكل الحركة الثقافية المندفعة اندفاعًا مباركًا في غرب إفريقيا؛ فإن الآلاف من أبناء تلك المنطقة يرغبون في الانتقال إلى العالم العربي، وهم لا يزالون في مرحلة التعليم الأولى، وفي ذلك مشاكل ومصاعب كثيرة، أما إذا أُنشئ هذا المعهد؛ فإنه لن يصل إلى البلدان العربية إلا من كان في مستوى الكليات، وسينظم المعهد تنظيمًا دقيقًا أمر البعثات من غرب إفريقيا إلى البلاد العربية، والواقع أن الحاج محمود باه -باعتباره رائد الحركات التعليمية في تلك المنطقة-يستطيع التخطيط السليم لهذا الأمر، ويشعر المرء أن اقتراحه هذا عين الصواب.

وبذلك، فإنه يقول بكل وضوح: إلى جانب هذه الفوائد التي ذُكرت، فإننا جميعًا -أعني من يقومون بهذه المجهودات- سواء من طلاب غرب إفريقيا الذين يخوضون معارك التعليم في هذه السنين والأعوام العديدة، أو من المسئولين في الشرق العربي الذين يبذلون النفيس من الأموال الطائلة للإنفاق عليهم، ويبذلون النفس في مقاساة تعليمهم وتدريسهم، إننا جميعًا لن ننجح ما لم نقم بجمع هذه المجهودات حول هذا المشروع؛ لنعمل جنبًا إلى جنب بتخطيط وبجهود متحدة، إن لم نجمع هذه القوى على مثل هذا المعهد؛ فسنظل طاقات متفرقة بلا فائدة وشهادات كثيرة، بلا منفعة .

تكاليف المشروع:

إن تكاليف المشروع هي ستون ألف جنيهٍ للبناء، وأربعون ألفَ جنيهٍ للأدوات الإدارية والمدرسية، ومائة ألف جنيهٍ کتأسیس لميزانية المعهد؛ حيث يضمن الاستمرار فيه، ذلكم هو المشروع والمولى -تبارك وتعالى- هو الذي يرعى، وفيه نأمل النجاح والتأييد.

بناء ٧٢ مدرسةً في ظل الحكم الاستعماري بأموال الزكاة:

يقول الحاج محمود باه: - في عام ١٩٤١حين رجعت من رحلة حج وعلم من مكة إلى غرب إفريقيا؛ عزمت على إنشاء المدارس، إلا أن الحكومة التي كانت سائدة في البلاد حكومة استعمارية فرنسية، ومن أعدى أعداء الدين الإسلامي واللغة العربية.

فقد كانت الحكومة ترتب من أجل إنهاء اللغة العربية، واستبدالها باللغة الفرنسية، فاللجوء إلى الحكومة لتعين على هذا الأمر ضرب من المحال، وفكرت في هذا الموضوع حتى هداني الله إلى الفكرة التالية؛ فقد قصدت قومًا من أهل البادية في موريتانيا من أصحاب الثروات الكبيرة من البقر والماعز، وشرحت لهم فكرتي من أجل تعليم أولادهم، وبينت لهم أن الحياة بدون تعليم لا فرق بينها وبين حياة البهائم التي في أيديهم، وبعد الشرح الكافي اقتنع الجميع بالفكرة، وقد تم ذلك الأمر بتوفيق من الله -تبارك وتعالى- ثم شرحت لهم أمر تمويل المدارس، فقلت لهم: إن الله قد فرض عليكم زكاة الأموال، وهذه الزكاة لها ثماني مصارف في الإسلام، ولكن أعظمها ما كان في سبيل الله، وسبل الله متنوعة؛ وأعظمها وأفضلها العلم؛ فطلبت منهم أن يزكوا بأموالهم في مطلع كل عام هجري في المحرم؛ فبادروا جميعًا، وكانوا حوالي خمس وستين قبيلةً، وكان البعض منهم يملك ثلاثة آلاف بقرةٍ، ومنهم من يملك ألفًا أو ألفين، فكان الواحد من هؤلاء يخرج سنويًّا حوالي «۱۲۰» مسنة من البقر، و « ۱۲۰» تبيعًا؛ ومنهم أكثر من ذلك، ومنهم أقل؛ وبذلك كانت القبيلة الواحدة تخرج سنويًّا «۳۰۰۰» رأس بقر ما بين مسنة وتبيع، والمسنة هي أنثى من البقر لها ٢٤ شهرًا، والتبيع ذكر من البقر له ٢٤ شهرًا أيضًا، إلا أن المسنة تخرج عن كل ٤٠ بقرة، والتبيع يخرج عن كل ۳۰ بقرة، وكنت أطلب من كل قبيلة أن تقسِّم الزكاة إلى ثلاثة أقسام: قسمين للصرف على المدارس، وقسم واحد يصرف على فقراء القبيلة ومساكينها، وكنت آمر كل قبيلة أن تبيع ما يخص المدارس بالفرنكات الإفريقية، وآمرهم أن يشتروا طعام المدرسة ما يكفي سنة كاملة؛ فالمدارس كلها كانت من النوع الداخلي، كما كان يخصص لخدام المدرسة ما يكفيهم سنة كاملة، وكذلك رواتب المعلمين؛ فكانت هذه الميزانية ترتب سنويًّا في المحرم، وما يتبقى من المال كان يُحفظ ليُنفق على المدارس التي لا نستطيع أن نجد من يموّلها.

ولا زال هذا الأمر مستمرًّا إلى يومنا هذا في بعض تلك المدارس.

وبعد الاستقلال، فإن بعض الحكومات قد تبنت بعض هذه المدارس؛ وأخذت تصرف عليها عندما وجدت فائدتها، والبعض الآخر لا نزال تصرف عليه من أموال الزكاة ومن هذه المدارس خرجت أول بعثة من غرب إفريقيا إلى الأزهر، وقد بلغ عدد هذه المدارس «۷۲» مدرسةً، موزعة في كل من السنغال، وموريتانيا، ومالي، وليبيريا والكاميرون، والكونغو کينشاسا، والكونغو برازافيل.

هذه هي المدارس التي نشرف عليها، والتي أنشأتها الهيئة الفلاحية لتعليم اللغة العربية بغرب إفريقيا، وهي التي من أجلها نريد إنشاء المعهد في موريتانيا؛ إعدادًا للطلاب للالتحاق بالجامعات في البلاد العربية.

طريقة حفظ القرآن الكريم:

أشرنا سابقًا إلى أننا سنعود للحديث عن الأسلوب الذي يتبعه أهل موريتانيا في تحفيظ أولادهم القرآن الكريم، ذلك الأسلوب الذي نجح نجاحًا كبيرًا جعل أهل موريتانيا مشهورين في أمر حفظهم للقرآن؛ حتى وصلت نسبة الحافظين في موريتانيا إلى ۸۰ % من أهل البلاد.

تمييز الأطفال:

يؤخذ الأطفال في عمر ٧ سنوات، ويدخلون معاهد خاصة للمحافظة على القرآن الكريم، وذلك لإخراج الحفاظ؛ وخلال سنتين أو ثلاث من بقاء الطفل في المعهد.. تُجرى عليه تجارب خاصة لاختبار عقله، وهل يصلح لحفظ القرآن الكريم أم لا؟ فيبدأ تعليمهم بالهجاء والكتابة والشكل، فإذا أتم الأمر بنجاح خلال ستة أشهر؛ فإنه يعتبر بذلك من الطراز الأول.

تبتدئ المرحلة الأخرى بتعليمه جزء «عمَّ» إلى سورة الأعلى «سبح اسم ربك».. وتستمر هذه المرحلة سنة كاملة، فإذا أتمَّ حفظ المطلوب منه بنجاح؛ فإن في هذا دليلًا كافيًا على أن هذا الطفل يستطيع أن يحفظ القرآن كله خلال مدة أربع سنين.

إعداد الطلاب:

يؤخذ الأطفال الناجحون، والذين تبينت إمكاناتهم في الحفظ، يؤخذون من أهلهم ليقيموا في المعهد لمدة سنة ونصف إقامة تامة؛ فأكلهم وشربهم ونومهم في المعهد؛ وذلك من أجل أن يتعلموا الانفراد عن الأبوين في هذا السن الصغير، واستعدادًا للسنوات القادمة، فتربية الطفل في هذه المرحلة ضرورة لازمة؛ حتى تتعود نفسه العمل الكبير الذي يقبل عليه.

وخلال هذه الفترة.. يكرر الطالب نصف جزء «عمَّ» ولا يحفظ أي شيء آخر، وقد يكرر القراءة مئات المرات.

الحفظ الكامل:

بعد أن تم إعداد الطلاب، ومارسوا الحياة في المعهد منعزلين عن بيوتهم مدة عام ونصف.. يبدءون الدراسة لحفظ القرآن الكريم خلال أربعة أعوام؛ يحفظون في العام الأول من جزء «عمَّ» إلى سورة يس، وفي العام الثاني من سورة يس إلى سورة مريم، وفي العام الثالث من سورة مريم إلى سورة الأعراف، وفي العام الرابع من سورة الأعراف إلى نهاية سورة البقرة.

وقد يستطيع بعض الطلاب حفظ القرآن كاملًا خلال عامين فقط، إلا أن ذلك لا يسمح لهم؛ حيث الأمر المهم هو ثبوت الحفظ، وليس الحفظ فقط.

الرابط المختصر :