; حكم الاستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى | مجلة المجتمع

العنوان حكم الاستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى

الكاتب الشيخ عبد العزيز بن باز

تاريخ النشر الثلاثاء 01-سبتمبر-1970

مشاهدات 43

نشر في العدد 25

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 01-سبتمبر-1970

حكم الاستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى

بقلم: فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز

كانت الجريدة قد نشرت في العدد ۱٥ منها قصيدة لإحدى القارئات، وكانت في القصيدة استغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تفضل الشيخ عبد الرحمن الدوسري فرد على القصيدة مبينًا أن ما جاء فيها شرك وقد نشرت الجريدة هذا الرد في العدد «۱۸»هذا وقد وصل الجريدة رد من السيد نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عبد العزيز بن باز وقد نشر هذا الرد في صحيفة الرياض الصادرة بتاریخ۲۹ جمادی الأولى سنة ١٣٩٠ هـ وحرصًا منا على تبيان الحق ونشر التوحيد واعترافًا منا بأن نشر تلك القصيدة كان خطأ غـير متعمد منا ومن القارئة نسأل الله أن يغفره.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد فقد نشرت صحيفة المجتمع الكويتية في عددها ١٥ الصادر في 19/4/1930هـ أبياتًا تحت عنوان في ذكرى المولد النبوي الشريف تتضمن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم والاستنصار به لإدراك الأمة ونصرها وتخليصها مما وقعت فيه من التفرق والاختلاف بإمضاء من سمت نفسها «آمنة» وهذا نص الأبيات المشار إليها:

یا رسول الله أدرك عالمًا

يشعل الحرب ويصلى من لظاها

يا رسول الله أدرك أمة

في ظلام الشك قد طال سراها

یا رسول الله أدرك أمة في متاهات الأسى ضاعت رؤاها إلى أن قالت:

يا رسول الله أدرك أمة

في ظلام الشك قد طال سراها عجل النصر كما عجلته

يوم بدر حين ناديت الإله فاستحال الذل نصرًا رائعًا

إن لله جنودًا لا تراهـا

·       العبودية لله وحده:

هكذا توجه هذه الكاتبة نداءها واستغاثتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم طالبة منه إدراك الأمة بتعجيل النصر ناسية أو جاهلة أن النصر بيد الله وحده ليس ذلك بيد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من المخلوقات كما قال الله سبحانه في كتابه المبين ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(الأنفال:10) وقال عز وجل﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(آل عمران:110) وقد علم بالنص والإجماع أن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان تلك العبادة والدعوة إليها كما قال سبحانه﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:56) وقال تعالى ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(النحل:36) وقال تعالى :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء:25) وقال عز وجل : ﴿ الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ(هود:1-2).

 فأوضح سبحانه في هذه الآيات المحكمات إنه لم يخلق الثقلين إلا ليعبد وحده لا شريك له وبين أنه أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للأمر بهذه العبادة والنهي عن ضدها وأخبر عز وجل إنه أحكم آيات كتابه وفصلها لئلا يعبد غيره سبحانه والعبادة هي توحيده وطاعته بامتثال أوامره وترك نواهيه وقد أمر الله بذلك في آيات كثيرات منها قوله سبحانه ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ(البينة:5). وقوله عز وجل﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(الإسراء:23) وقوله سبحانه ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ(الزمر:2-3) والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه من الأنبياء وغيرهم ولا ريب أن الدعاء من أهم أنواع العبادة وأجمعها فوجب إخلاصه لله وحده كما قال عز وجل - ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(غافر:14) وقال عز وجل :﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا(الجن:18) وهذا يعم جميع المخلوقات من الأنبياء وغيرهم لأن أحدًا نكرة في سياق النهي فتعم كل من سوى الله سبحانه وقال تعالى :﴿وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ(يونس:106) وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم – ومعلوم أن الله سبحانه قد عصمه من الشرك وإنما المراد من ذلك تحذير غيره ثم قال عز وجل ﴿وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (يونس :106).                                                                                                    

 فإذا كان سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام لو دعا غير الله يكون من الظالمين فكيف بغيره والظلم إذا أطلق يراد به الشرك الأكبر كما قال الله سبحانه﴿ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(البقرة:254) وقال تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(لقمان:13) فعلم بهذه الآيات وغيرها أن دعاء غير الله من الأموات والأشجار والأحجار والأصنام وغيرها شرك بالله عز وجل ينافي العبادة التي خلق الله الثقلين من أجلها وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها وهذا هو معنى لا اله الا الله - فإن

معناها لا معبود حق إلا الله فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبتها لله وحده كما قال الله سبحانه:  ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(الحج:62) وهذا هو أصل الدين وأساس الملة ولا تصح العبادات إلا بعد صحة هذا الأصل كما قال تعالى:﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الزمر:65) وقال سبحانه﴿ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(الأنعام:88).

معنى الشهادتين

ودين الإسلام مبني على أصلين عظيمين أحدهما ألا يعبد إلا الله وحده والثاني ألا يعبد إلا بشريعة نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهذا هو معنى شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدًا رسول الله فمن دعا الأموات من الأنبياء وغيرهم أو دعا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أوغير ذلك من المخلوقات أو استغاث بهم أو تقرب إليهم بالذبائح والنذور أو صلى لهم أو سجد لهم فقد اتخذهم أربابًا من دون الله وجعلهم أندادًا له سبحانه وهذا يناقض هذا الأصل وينافي معنى لا إله إلا الله كما أن من ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله لم يحقق معنى شهادة أن محمدًا رسول الله وقد قال الله عز وجل﴿وَقَدِمْنَا إلىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا (الفرقان:23) وهذه الأعمال هي أعمال من مات على الشرك بالله عز وجل وهكذا الأعمال المبتدعة التي لم يأذن بها الله فإنها تكون يوم القيامة هباءً منثوراً لكونها لم توافق شرعه المطهر - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » متفق على صحته وهذه الكاتبة قد وجهت استغاثتها ودعاءها للرسول صلى الله عليه وسلم وأعرضت عن رب العالمين الذي بيده النصر والضر والنفع وليس بيد غيره شيء من ذلك ولا شك أن هذا ظلم عظيم وشرك وخيم وقد أمر الله عز وجل بدعائه سبحانه ووعد من يدعوه بالاستجابة وتوعد من استكبرعن ذلك بدخول جهنم قال عز وجل :﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(غافر:60) أي صاغرين ذليلين وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الدعاء عبادة وعلى أن من استكبر عنه فمأواه جهنم فإذا كانت هذه حال من استكبر عن دعاء الله فكيف تكون حال من دعا غـيره وأعرض عنه وهو سبحانه القـريب المجيب المالك لكل شيء والقادر على كل شيء كما قال سبحانه﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة:186) وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن الدعاء هو العبادة وقال لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما «احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله » أخرجه الترمذي وغيره وقال صلى الله عليه وسلم « من مات وهو يدعو لله ندًا دخل النار » رواه البخاري وفي الصحيحين «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الذنب أعظم قال « أن تجعل لله ندًا وهو خلقك » والند هو النظير والمثيل فكل من دعا غير الله أو استغاث به أو نذر له أو ذبح له أو صرف له شيئًا من العبادة سوى ما تقدم فقد اتخذه ندًا لله سواء كان نبيًا أو وليًا أو ملكًا أو جنيًا أو صنمًا أو غير ذلك من المخلوفات.

الاستغاثة بالأحياء

أما سؤال الحي الحاضر ما يقدر عليه والاستغاثة به في الأمور الحسية التي يقدر عليها فليس ذلك من الشرك بل ذلك من الأمور العادية الجائزة بين المسلمين كما قال تعالى في قصة موسى ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (القصص:15) وكما قال تعالى في قصة موسى أيضًا﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(القصص:21) وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيرها من الأمور التي تعرض للناس ويحتاجون فيها إلى أن يستعين بعضهم ببعض وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الناس إنه لا يملك لأحد نفعًا ولا ضرًا  فقال تعالى في سورة الجن﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدً(الجن:20-21)وقال تعالى في سورة الأعراف﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(الأعراف:188) والآيات في هذا المعنى كثيرة وهو صلى الله عليه وسلم لا يدعو إلا ربه ولا يستغيث به وكان في يوم بدر يستغيث بالله ويستنصره على عدوه ويلح في ذلك ويقول« يا رب انجز لي ما وعدتني » حتى قال الصديق الأكبر أبو بكر رضي الله عنه حسبك يا رسول الله فإن الله منجز لك ما وعدك وأنزل الله سبحانه في ذلك قوله تعالى﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(الأنفال:9-10) فذكرهم سبحانه في هذه الآيات استغاثتهم به وأخبر أنه استجاب لهم بإمدادهم بالملائكة ثم بين سبحانه أن النصر ليس من الملائكة وإنما أمدهم بهم للتبشير بالنصر والطمأنينة وبين أن النصر من عنده فقال ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال:10)، وقال عز وجل في سورة آل عمران﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(آل عمران:123) فبين في هذه الآية أنه سبحانه هو الناصر لهم يوم بدر فعلم بذلك أن ما أعطاهم من السلاح والقوة وما أمدهم به من الملائكة كل ذلك من أسباب النصر والتبشير والطمأنينة وليس النصر منها بل هو من عند الله وحده فكيف يجوز لهذه الكاتبة أو غيرها أن توجه استغاثتها وطلبها النصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتعرض عن رب العالمين المالك لكل شيء والقادر على كل شيء.

واجب التوبة

لا شك أن هذا من أقبح الجهل بل من أعظم الشرك فالواجب على الكاتبة أن تتوب إلى الله سبحانه توبة نصوحًا وذلك بالندم على ما وقع منها والإقلاع عنه والعزم على عدم العود إليه تعظيمًا لله وإخلاصًا له وامتثالًا لأمره وحذرًا مما نهى عنه هذه هي التوبة النصوح وإذا كانت من حق المخلوقين وجب في التوبة أمر رابع وهو رد الحق إلى مستحقه أو تحلله منه  وقد أمر الله عباده بالتوبة ووعدهم قبولها كما قال تعالى - ‏‏﴿وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(النور:31) - وقال في حق النصارى ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إلى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(المائدة:74) وقال تعالى﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا  يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا  إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(الفرقان:68:70) وقال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (الشورى:25) وصح عن رسول الله صلى الله عليه إنه قال الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تجب ما كان قبلها ولعظم خطر الشرك وكونه أعظم الذنوب وخشية الاغترار بما صدر من هذه الكاتبة ولوجوب النصح لله ولعباده حررت هذه الكلمة الموجزة وأسأل الله عز وجل أن ينفع بها وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعًا وأن يمن علينا جميعًا بالفقه في الدين والثبات عليه وأن يعيننا والمسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه

نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

حَديث صَريح للشيخ محمد أبو زهرة

نشر في العدد 2

1044

الثلاثاء 24-مارس-1970

مع القراء

نشر في العدد 1

931

الثلاثاء 17-مارس-1970

مع القراء 1

نشر في العدد 2

936

الثلاثاء 24-مارس-1970