; حماس .. في المشهد الفلسطيني | مجلة المجتمع

العنوان حماس .. في المشهد الفلسطيني

الكاتب عبد الرحمن فرحانة

تاريخ النشر السبت 20-ديسمبر-2003

مشاهدات 38

نشر في العدد 1581

نشر في الصفحة 22

السبت 20-ديسمبر-2003

الاحتمال الأكبر أن تصعد حماس إلى السلطة بعد رحيل رئيس السلطة الفلسطينية ولا فرصة متاحة لإدارة مفاوضات مع القيادة البديلة في عهد ما بعد عرفات. النتيجة آنفًا خلص إليها تقرير نشرته صحيفة معاريف العبرية وأعدته مجموعة من الضباط الصهاينة الكبار السابقين في الشاباك» و«الموساد» من بينهم رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية سابقًا العميد احتياط يعقوب عم يدور، وترأس الطاقم الذي أعد التقرير شموئيل بار المسؤول السابق في أجهزة الاستخبارات والباحث في معهد السياسة والإستراتيجية في المركز متعدد المجالات، في هرتسليا. والتقرير ورقة من جملة الأوراق التي ستطرح في مؤتمر معهد السياسة والاستراتيجية الذي يعقد في مدينة هرتسليا.

الاستخلاص أعلاه يتولد منه جملة من الاستنتاجات على ضفتي الصراع في مقدمتها على الضفة الصهيونية سقوط خيار شارون لا يوجد شريك فلسطيني، دعوا الجيش ينتصر بمعنى أن تصريحات موشي يعلون التي انتقد فيها سياسة الحكومة تجاه الفلسطينيين قبل أسابيع كانت بمثابة الحجر الذي ألقي في مياه المشهد السياسي الإسرائيلي الراكدة وأنتج - بما تلاه من انتقادات حادة من قبل كبار قادة الشاباك المتقاعدين - هزة خلخلت قاعدة الحكومة اليمينية لدرجة أن شارون اضطر للتلويح بخطة انسحاب من طرف واحد بدون اتفاق مع السلطة ولكن على الطريقة الشارونية، وأكثر من ذلك بدأ مغازلات مع حزب العمل لتشكيل حكومة وحدة وطنية للهروب من شركائه من غلاة اليمين شارون بدأ تحركه في هذا الاتجاه بشكل فعلي لأنه قارئ جيد للمشهد الإسرائيلي»، إذ أظهر استطلاع أجرته صحيفة معاريف يوم 5 ديسمبر أن نسبة الجمهور المؤيدة لسياسته قد هبطت إلى ٣٣%

يهود أولمرت الرجل الثاني في الليكود والحكومة الحالية بطرحه خطة مبلورة حول فكرة الانسحاب ذاتها، وهو الرجل المقرب من شارون بعد تراجعًا أو لنقل مرونة مفاجئة في البرنامج الليكودي، وهي تحمل معنى الانكسار وتصدع في قاعدة الوحدة الوطنية التي وقف على أرضيتها الصهاينة خلال الانتفاضة بدوافع أمنية وبتشخيصها فهي حالة تعب شعبي صهيوني ناتجة من وجع الاستنزاف الذي فرضته الانتفاضة وأنتج بحسب الأدبيات الصهيونية في الإعلام العبري تناقضات حادة تعبر عن فقدان المناعة لدى المجتمع الصهيوني.

الأزمة السياسية القائمة لدى الليكود والحكومة وفي جميع مناحي الحياة السياسية في الكيان الصهيوني التي خلقتها المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس وذراعها العسكري ضيق فرص الخيارات أمام الحكومة وكافة القوى السياسية الصهيونية. وقد عبر عن هذه الحالة المقولة السائدة بأن نتيجة الصراع بين إسرائيل الكبرى وفلسطين الكبرى كانت لصالح الأخيرة، بل إن المستشرق غاي بخور يكتب في «يديعوت أحرونوت يقرر بأنه في ظل الظروف الحالية الناتجة من عدم القدرة على حسم الصراع لصالح الطرف اليهودي فإن المخرج هو الهروب خلف الجدار وخطة الفصل هي الحل الأمثل. وبطبيعة الحال فهذه حالة مجسدة الذهنية ألغيت ونتيجة توحي بفشل المشروع الصهيوني عن تثبيت وجوده برغم أن الطرف الفلسطيني يخوض الحرب دون عمقه الاستراتيجي ببعديه العربي والإسلامي.

الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في احتفالات انطلاقة حماس بغزة قال بنبرة واثقة بتصريح مفاده أنه لا يحق لمن فرط في الحقوق الفلسطينية أن يطلب التفويض لإطلاق عملية التسوية، بل إن الشيخ أحمد ياسين نطقها صراحة بأنه لا تستطيع حماس تفويض السلطة ولا يمكن المجاملة عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعب الفلسطيني وهي إشارات تبدو ظاهرة لمن يقرأ المشهد الفلسطيني الحالي وفي ضوء الوقائع التي صنعتها المقاومة في الميدان وتنبئ عن معالم خريطة القوى الجديدة في المشهد الفلسطيني.

اختزالًا يمكن فهم التقرير الصهيوني المذكور والرسائل التي يتضمنها على النحو التالي: التقرير قراءة صهيونية لخريطة القوى الجديدة في المشهد الفلسطيني، واعتراف صريح بقوة حماس وحجمها وما يترتب على ذلك من مأزق للإستراتيجية السياسية الصهيونية تجاه القوة الجديدة.

يعد بمثابة ضغط على الحكومة الليكودية ونقد لسياستها الحالية القائمة على مبدأ الانتظار لما بعد عرفات ودعوة غير مباشرة للتعامل مع عرفات باعتباره أخف الضررين.

وربما من ضمن رسائل التقرير التحريض على حماس لأن الإشارة لقوة حماس إثارة لحفيظة السلطة و«فتح» ودفع لهما باتجاه خيار التسوية وبغية هدم ما تحقق من وحدة وطنية فلسطينية خلال الانتفاضة.

حماس وتيار المقاومة عمومًا لم يعد من السهل تجاوزهما، وزيارة قريع للقاهرة بغية طلب تفويض من الفصائل الفلسطينية للسلطة للانطلاق بعملية التسوية يعزز هذه الحقيقة، ومؤشر بأن السلطة لا يمكنها المضي وحدها في ظل توازن القوى الداخلي الحالي، لكن المعادلة الحالية من الصعب أن تبقى على حالها في ظل الضغوط الدولية والإقليمية على السلطة للتحرك في مواجهة المقاومة بدعوى محاربة الإرهاب وضبط ما يسمى بفوضى السلاح تحت شعار وحدانية السلطة وغيرها من الشعارات المقنعة.

على الجانب الآخر شارون في الوقت الراهن مأزوم للغاية وخروجًا من أزمته ربما يتجه لأحد الخيارين إما مغامرة على الحدود الشمالية - وقد أشار مصدر أمني صهيوني بأن المؤسسة العسكرية الصهيونية تدرس مثل هذا الخيار، وإما أن ينقل أزمته للشارع الفلسطيني من خلال إقناع الحكومة الفلسطينية الحالية ببعض الوعود مقابل انخراطها في مواجهة المقاومة.

السؤال الأبرز في الساحة الفلسطينية الآن هو: هل ستندفع السلطة باتجاه التسوية وتزيد من تسارع خطواتها وما يعنيه ذلك من مواجهة مع المقاومة؟ أم أنها ستناور لكسب الوقت كما هو حالها الآن ريثما تنضج الحالة لفرض أجندة التسوية على الشارع الفلسطيني جريًا على نسق أوسلو وسؤال أكثر تعقيدًا ما صورة المشهد الفلسطيني بعد رحيل عرفات؟

 

■ الليكود وإدارة بوش والحديث عن الدولة الفلسطينية

أحمد كرماوي

وفقًا لصحيفة النيويورك تايمز فإن حزب الليكود الصهيوني يدرس خيار الموافقة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل». وبعيدًا عن الخبر الذي نفته مصادر الليكود، فإن هناك إشارات من حكومة شارون على عزمها تضليل الرأي العام الدولي بإعلانها الموافقة على خطط جديدة لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية أو الحكومة الفلسطينية الجديدة.

وحسب ما أوردته النيويورك تايمز فإن قادة الليكود يدرسون تقديم تنازلات للجانب

الفلسطيني مسكونين بهاجس الخوف من طغيان عدد السكان الفلسطينيين على الإسرائيليين في حال حل الصراع دون إقامة دولة فلسطينية، ومطالبة الفلسطينيين بحق التصويت في أي انتخابات إسرائيلية وحسب ما أكده جهاز الإحصاء الفلسطيني، في كتاب فلسطين الإحصائي السنوي الرابع، فإن عدد الفلسطينيين في الوقت الحالي يصل إلى أكثر من تسعة ملايين وأن هذه الأعداد موزعة حسب مكان الإقامة بواقع ٤,٧ مليون نسمة في الشتات، وحوالي مليون نسمة في المناطق الفلسطينية عام ١٩٤٨، و٣,٦ مليون نسمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧م. ولا يزيد عدد الإسرائيليين داخل الخط الأخضر على ستة ملايين منهم كما قلنا حوالي مليون فلسطيني من فلسطينيي الداخل.

 ويعتقد بعض أعضاء الليكود أن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو إقامة دولة فلسطينية

تبقي إسرائيل دولة لليهود فقط وتزامنت هذه التسريبات مع عودة الخطاب الأمريكي من جديد للحديث عن السلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني على الرغم من التجاهل والانحياز الفاضح من جانب إدارة بوش المطرف الصهيوني، وهو ما يثير كثيرًا من الشكوك حول رغبة الإدارة الأمريكية في إحلال السلام في المنطقة.

 وكانت إدارة بوش هي أول من تحدث من الإدارات الأمريكية عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكن هذه الإدارة فعلت كل شيء لوأد فكرة إقامة هذه الدولة من خلال دعمها اللامحدود الأعمى لحكومة شارون تارة بدعوة الفلسطينيين إلى تشكيل قيادة فلسطينية جديدة، وتارة بدعوة القيادة الفلسطينية الحالية إلى محاربة الفصائل الفلسطينية التي تتبنى خط المقاومة وإزالة الاحتلال بالقوة.

الرئيس بوش عاد مؤخرًا ليؤكد دعوته الفلسطينيين إلى إزاحة الرئيس عرفات واستبداله كيف وما الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون لتحقيق هذا الهدف الإدارة الأمريكية لم تحدد جوابًا ولا أسلوبًا لتحقيق ذلك، وهو ما يؤكد عدم مصداقية أو جدية إدارة بوش في تغيير القيادة الفلسطينية التي تنازلت عن كل شيء، وما زالت تتبرع بالمجان من خلال اتصالات ومفاوضات سرية رسمية وشبه رسمية وآخرها وثيقة جنيف المشؤومة. وكان بوش حذر حكومة شارون من اتخاذ إجراءات تعرقل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، معتبرًا أن هذه الدولة ستخدم الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.

إشارات أمريكية

ولأسباب مختلفة، فقد استجابت الحكومة الصهيونية التي يقودها حزب الليكود للإشارات الأمريكية والضغوط الدولية، وأعلنت عزمها تبني خطط عملية في القريب العاجل للانسحاب من مناطق في الضفة الغربية، من خلال تفكيك عدد من البؤر الاستيطانية.

من الواضح أن هذا الإعلان يتناقض مع النهج الصهيوني العام، ولا يمكن اعتباره تعبيرًا حقيقيًا عن رغبة شارون في الانسحاب، بل هو متناقض مع السياق العام لسياسات الحكومة الصهيونية، ولكن ربما هناك اعتبارات معينة تدفع حكومة شارون بتراجع تكتيكي عن سياستها المعهودة 

 - محاولة دعم إدارة الرئيس بوش في حملته الانتخابية والذي يريد أن يبدي للوبي اليهودي الأمريكي حرصه على نزع فتيل الصراع من خلال تحريك ما يسمى بعملية السلام. 

- استجابة للضغوط الدولية التي أظهرت رد فعل قويًا ضد بناء جدار الفصل العنصري في

أراضي الضفة الغربية والذي تمثل أخيرًا في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة إحالة موضوع الجدار إلى محكمة العدل الدولية، وهو قرار فريد من نوعه وأوجد رد فعل عنيفًا من جانب حكومة شارون تطلب منها أن تبدأ حملة علاقات عامة دولية لشرح الأسباب التي اضطرتها لبناء الجدار وقد صور البعض قرار الجمعية العامة الأخير على أنه انتصار كاسح للحق الفلسطيني، علمًا بأنها المرة الأولى التي يكون فيها التصويت على قرار لدعم القضية الفلسطينية بهذه النتيجة فحوالي تسعين دولة وافقت بينما امتنعت أكثر من سبعين دولة وعارضه أربع عشرة واللافت هو هذا العدد الكبير من الممتنعين عن التصويت ومنهم دول الاتحاد الأوروبي التي سبق أن أدانت بناء جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية.

تراجع شعبية شارون

تراجع شعبية شارون بشكل كبير داخل المجتمع الصهيوني فقد أظهر استطلاع للرأي أن ٤٧ من الإسرائيليين فقط يثقون في شارون مقابل ٥٠ قالوا إنهم لا يثقون فيه. وتعني هذه الأرقام في الاستطلاع الذي أجرته صحيفة يديعوت أحرونوت أن شعبية شارون بلغت أدنى مستوى لها منذ توليه رئاسة الحكومة في مارس ۲۰۰۱م وكان ٥٩ من الإسرائيليين يعتبرون شارون جديرًا بالثقة. في مطلع أغسطس الماضي مقابل ٤٠، بحسب استطلاع نشرته يديعوت أحرونوت أيضًا. وقد أظهر الاستطلاع الأخير أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون إخلاء معظم المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي المحتلة حتى بدون التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وأجاب ٦٢ من الإسرائيليين بنعم على السؤال هل ينبغي أن تخلي إسرائيل معظم المستوطنات في إطار اتفاق سلام مع الفلسطينيين.. ورد ۳۷ بالنفي وقد أيد ٥٥ اقتراح نائب رئيس الوزراء ووزير التجارة والصناعة إيهود أولمرت بالانسحاب من طرف واحد من معظم الأراضي الفلسطينية، في حين عارض ٤٠ مثل هذا الإجراء.

 إذًا فإعلان الانسحاب من بعض البؤر الاستيطانية التي أقيمت في الفترة الأخيرة والتي اعتبرتها حكومة شارون غير شرعية، يستجيب لرغبة الشارع الإسرائيلي وفق ما ذكرنا، لكنه ذر للرماد في عيون المجتمع الدولي الذي يعتبر الاستيطان اليهودي كله في الضفة الغربية وقطاع غزة عملًا غير مشروع وتظل دعوة إقامة دولة فلسطينية دعوة ناقصة وغير قابلة للتطبيق مادامت مقرونة باشتراطات تغيير القيادة الفلسطينية، وما دامت ستقوم على أرضية وثيقة جنيف التي فرطت في حق الفلسطينيين في القدس العربية، وفي عودة ملايين اللاجئين إلى أراضيهم.

الرابط المختصر :