العنوان حماية العقيدة في ظل التشريعات الكويتية (١من٢)
الكاتب المستشار سالم البهنساوي
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
مشاهدات 8
نشر في العدد 1282
نشر في الصفحة 50
الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
• الإسلام ليس مغرمًا بقتل النفس ولا قطع الأيدي ولا جلد الناس ولكن من أصر على الاعتداء يجب أن تكون عقوبته مماثلة لجريمته حتى لا يطمع أحد من ضعف العقوبات.
• مسؤولية العقيدة الإسلامية في الكويت أصبحت في عنق كل من مجلس الأمة واللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
لا يجادل مسلم في أن أساس العقيدة الإسلامية هو القرآن الكريم والسنة النبوية، ولا ينازع مسلم في أن من مقتضى الإيمان بالله تعالى أن يؤمن المسلم بأن الحكم والتشريع لله تعالى، فكما أن الله هو الخالق فإنه صاحب الأمر والحكم والتشريع قال الله تعالى عن نفسه: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ (الأعراف: ٥٤).
إن الدخول في الإسلام يبدأ بشهادة ألّا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذه الشهادة قد بدأت بنفي ما عدا الله، يلي ذلك إثبات الألوهية لله تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ (الكهف: ٢٦) وقال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه﴾ (يوسف: ٤٠).
بعد هذه المقدمة يأتي الموضوع وهو حماية عقيدة الإسلام في ظل القوانين والتشريعات ويثار السؤال عن مدى كفاية التشريعات الكويتية لحماية العقيدة الإسلامية. وفي البداية نؤكد أن الدستور الكويتي في ظل التفسير الصحيح له يستطيع حماية العقيدة الإسلامية، أما القوانين فهي غير قادرة على ذلك. وللتدليل على هذا نبدأ أولًا بعجز القوانين، ثم نبين مدى قدرة الدستور على حماية العقيدة، ومن ثم يلزم أن تعدل القوانين بما يحقق أحكام هذا الدستور، ويحافظ على مقومات المجتمع والأمة كما وردت في الباب الثاني من الدستور الكويتي.
عجز القوانين:
إن القوانين التي تحمي العقيدة والشريعة هي قانون الجزاء رقم ١٦/١٩٦٠م. وقانون المطبوعات والنشر رقم ٢/ ١٩٦١م. والعجز فيهما يتمثل في الآتي:
١- أن مصدر القانون الجنائي يناقض الشريعة الإسلامية، وقانون الجزاء الكويتي قد ورد في مذكرته التفسيرية أنه مشتق من القانون البحريني الذي اشتق من القانون المصري، وهذا بدوره قد أخذ من القانون الفرنسي.
والخلاصة: أن القانون الوضعي الفرنسي هو مصدر قانون الجزاء. والقانون الوضعي الذي هو مصدر قانون الجزاء يصادم الشريعة الإسلامية في أمور أهمها:
أولًا: يبيح الزنى، فالعقوبة على الزنى لا وجود لها إلا في حالات معدودة هي:
۱ - عدم رضا الرجل بزنى زوجته فقانون الجزاء في المادة (۱۹۷) ينص على أنه يجوز للزوج المجني عليه في جريمة الزنى أن يمنع إقامة الدعوى الجزائية على الزوج الزاني رجلًا كان أو امرأة وعلى شريكه في الزنى. وله أن يوقف الإجراءات في أي حالة كانت عليها. وله أن يوقف تنفيذ الحكم النهائي.
۲ - عدم رضا الفتاة بالزني مما يعد اغتصابًا.
٣- صغر سن الفتاة المجني عليها، إن المادة رقم (۱۸۸) تنص على أن يعاقب بالحبس من واقع أنثى بغير إكراه أو تهديد أو حيلة، وكانت تبلغ الخامسة عشرة ولا تبلغ الحادية والعشرين.
ثانياً: اختار القانون الكويتي عقوبات لا تتماثل مع الجرائم وذلك بعدم أخذه بالعقوبات الإسلاميةفي الحدود مما ترتب عليه زيادة الجرائم والمشكلات ومنها خطف الفتيات والأطفال، بل والكبار، وكذا السرقات المسلحة.
ثالثًا: ضآلة الحد الأدنى والحد الأقصى للعقوبة مما أعطى حصانة للمخالفين، فالقانون يخير القاضي أن يحكم بالحبس أو الغرامة، والحد الأدنى للغرامة في المادة (٦٤) من قانون الجزاء عشر روبيات أي ما يعادل ثلاثة أرباع الدينار والحد الأقصى في قانون المطبوعات كما في المادة (۲۸) هو ألف روبية.
رابعًا: عدم حمايته للمقومات الأخلاقية للمجتمع فالدستور الكويتي ينص على حماية هذه المقومات ولكن كل من قانون الجزاء وقانون المطبوعات والنشر قد أخذا بالنهج الأوروبي في التجريم والعقاب، وهو منهج فاسد يبيح الفواحش مما جعل القانون عاجزًا عن حماية مقومات المجتمع، فعلى سبيل المثال:
1- لا توجد عقوبة للفتاة التي تستضيف أجنبيًا في غرفتها بمنزل والدها، ولا يجد الأب في القانون الحالي ما يحمي شرفه وأسرته.
٢- لا توجد عقوبة على تحسين المعاصي والفواحش، وأن الفلسفة الوضعية التي يستند إليها هذا القانون تزعم أن الزنى ليس مجرَّمًا لذاته، بل المجرَّم هو الاغتصاب أو عدم رضا الزوج.
٣- لا توجد عقوبة على الإخلال بالآداب العامة في الشريعة الإسلامية لأن المحظور في القانون هو نشر ما من شأنه أن يخدش الآداب العامة وترك القانون تحديد هذه الآداب للعرف والعادة.
خامسًا: ثبت عجز القانون عن حماية الأنبياء من التعرض لهم بالنقد، فقانون المطبوعات يحظر المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء، ولكنه في
المادة (۲۸) أجاز التخيير بين الحبس الذي لا يجاوز ستة أشهر أو الغرامة، والحد الأدنى للغرامة في القانون هو عشر روبيات أي سبعمائة وخمسون فلسًا، وقد جرى القضاء على الحكم بالغرامة التي لا تردع أحدًا.
الحماية في الدستور:
إنه من سخافة الرأي والانحراف في الفهم أن يزعم المعتدون على شريعة الإسلام وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يمارسون الحرية التي كفلها لهم الدستور الكويتي، وحسنًا أن أمير البلاد- حفظه الله ورعاه- قد صحح هذا الفهم الخاطئ في كلمته في افتتاح مجلس الأمة عام ١٩٩٦م فقال:
«إن الديمقراطية التي عاشتها الكويت على طول تاريخها والتي نعيشها كسب كبير، إن حفظناه نقيًا من الفكر الدخيل والأهواء العارضة حفظ علينا وحدتنا وسبيلنا في التقدم فالديمقراطية أخذ بنظام الشورى التي تعتمد على ضمانات الحرية في حوار المشكلات لبلوغ الرأي الأقوم الذي تراه الأغلبية، ولم يقل أحد قط إن ضمانات حرية الحوار، تعني العدوان على قيمنا الأخلاقية وأعرافنا الكويتية، لم يقل أحد إن نيل الآخرين بالأذى والسب والتطاول عليهم والغض من كرامتهم هو غاية الديمقراطية».
وهكذا رد سمو الأمير الأمور إلى نصابها وحسم الخلاف حول مفهوم الحرية، فالدستور الكويتي وضع قيودًا على الحريات، وذلك لحماية مقومات المجتمع وكرامة أفراده.
فالمادة السابعة من الدستور التي نصت على أن العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع لا يمكن أن تنفصل عن المادة (٣٥) التي تنص على أن حرية الاعتقاد مطلقة على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو الآداب.
فالحرية المنصوص عليها في المادة السابعة ليست مطلقة بغير ضوابط ولا حدود، ولهذا نصت المادة (٣٦) من ذات الدستور على أن «لكل إنسان حرية التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وذلك وفقًا للشروط والأوضاع التي بينها القانون». ولقد صدر قانون الجزاء وقانون المطبوعات والنشر وحظرا نشر أي رأي يتضمن تصغيرًا لدين أو لمذهب ديني.
كما حظر القانون كل ما يمس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الصحابة وكذلك حظر القانون نشر ما يخدش الآداب العامة أو يمس كرامة الأشخاص.
إن الحرية التي كفلها الدستور والقانون لا تعني أبدًا المساس بالدين أو الآداب العامة، أو المساس بالقيم والعادات أو النيل من الأشخاص أو الهيئات.
إنه من العبث بالقول والقوانين ادعاء أن من ضمانات الحرية المساس بالدين أو الأنبياء أو القيم الأخلاقية أو المساس بالأشخاص. إنه كما ذكرت من قبل، فإن مواد التجريم والعقاب الوارد في قانون الجزاء وقانون المطبوعات والنشر غير كافية لحماية العقيدة وأحكامها. وحماية الأنبياء والرسل، وحماية مقومات المجتمع ومنها الأخلاق والزواج والأسرة.
الخلاف حول المادة الثانية:
لقد نصت المادة الثانية من الدستور الكويتي على أن دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وقد ثار الخلاف قديمًا وحديثًا حول مدى دستورية القوانين التي تصدر معارضة لأحكام الشريعة الإسلامية.
فيوجد رأي يرى أن هذا النص لا يمنع مجلس الأمة من إصدار قوانين تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، مثل قانون الجزاء الكويتي الذي سایر قوانين أخرى عربية في عدم الأخذ بالحدود، كما ساير الفكر الأوروبي في عدم تجريمه للزنى إلا إذا كانت خيانة من الزوجة لزوجها الذي لا يرضى بذلك، أو كان بدون رضا الفتاة غير المتزوجة، أو كان مع فتاة صغيرة السن.
وأرى أن هذا الرأي قد جانبه الصواب فكلمة رئيسي في اللغة العربية تعني الأول والمتغلب، صحيح أن النص يسمح بوجود مصادر أخرى، لم يضع الفقه الإسلامي لها أحكامًا مفصلة مثل قوانين المرور، وقوانين الصحة والتعليم، ومثل تنظيم تداول الأوراق التجارية وإصدارها، وكذلك تنظيم الدفاتر المحاسبية.
ولكن هذا النص لا يسمح بوجود مصادر أخرى معارضة ومناهضة للشريعة الإسلامية، وهذا ما اختارته محكمة النقض المصرية في ظل الدستور المصري السابق، والذي كان ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.
إنه حسمًا لهذا الجدل، أصدر سمو أمير البلاد- حفظه الله ورعاه- المرسوم الأميري رقم (۱۳۹ / ۱۹۹۱م) بإنشاء اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ولم يكتفِ سموه بذلك بل جعل هذه اللجنة تحت رعايته، كما أنه يحثها في جميع المناسبات على المضي بصبر وأناة في النهوض بالمهمة المنوطة بها، والتي وصفها بأنها مهمة تشريعية وتربوية معًا.
إنه في ظل هذا التفسير لنصوص الدستور الكويتي وهو ما أكدته توجيهات سمو أمير البلاد، وفي ظل المرسوم الأميري (١٣٩/١٩٩١م) سالف الذكر لا يجوز إصدار أي قانون يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، ويجب على مجلس الأمة أن يعمل على تعديل القوانين الحالية لمنع تعارضها مع الشريعة الإسلامية، وهذا ما تضمنته المذكرة الدستورية لنص المادة الثانية حيث أوضحت أن هذه المادة تُحمّل المشرع الكويتي أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية.
فإذا كانت المذكرة الدستورية للدستور الكويتي قد صرحت بأن المادة الثانية من هذا الدستور تحمل مجلس الأمة أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية وكان المرسوم الأميري (١٣٩/١٩٩١م) قد أنشأ اللجنة الاستشارية العليا لتدارك ما فات على مجلس الأمة في الماضي، وذلك بمراجعة ما صدر من القوانين واقتراح تعديلها لتساير أحكام الشريعة الإسلامية، ولا تتعارض معها، فإن مسؤولية حماية العقيدة الإسلامية أصبحت أمانة في عنق كل من مجلس الأمة واللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
[1] كاتب ومفكر إسلامي ومستشار بالهيئة العامة لشؤون القصر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
برقية جمعية الإصلاح الاجتماعي إلى مؤتمر وزراء التربية العرب في ليبيا
نشر في العدد 3
113
الثلاثاء 31-مارس-1970