; حمل مبادئ الرسول- بإخلاص وجد- هو المطلوب | مجلة المجتمع

العنوان حمل مبادئ الرسول- بإخلاص وجد- هو المطلوب

الكاتب محمد النايف

تاريخ النشر الثلاثاء 02-أبريل-1974

مشاهدات 20

نشر في العدد 194

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 02-أبريل-1974

حمل مبادئ الرسول- بإخلاص وجد- هو المطلوب

يكتبه: محمد النايف.

ذكرى المولد:

ربيع الشهور يعود إلينا في ربيع السنة ليشدنا  إلى ربيع الذكريات، يوم جاء ربيع الأول قبل أربعة عشر قرنًا يحمل البشرة العظيمة بولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم:

وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا… أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنُ مُحَمَّدِ

في مثل هذا الشهر، بل في كل لحظة من حياتنا نذكر نداء السماء، النداء الذي هز الأرض، وأنار لياليها المظلمة، وأعاد البشرية  إلى عبادة الله الواحد القهار، النداء الذي تجلَّى في قوله تع إلى ﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ (المدثر: 2) فقام صلَّى الله عليه وسلم وما قعد بعدها أبدًا.

ما أجمل الذكريات الهادفة! إنها عمر ثان للإنسان؛ ففيها عِبَر وعِظَات، وتجديد للعهد على مواصلة الطريق رغم قلة السالكين وتعدُّد السبل، ووعثاء السفر،  وصدق الله العظيم:

﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (ق: 37).

ولد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في عام الفيل يومَ حاوَل الصليبي الحاقد إبرهة الأشرم أن يهدم بيت الله الحرام، فلقد رافق ولادته -صلى الله عليه وسلم- تآمر صليبي أثيم ما فتئ يهددنا صباح مساء، وكرامة لله في حفظ بيته لأمر يريده.

وُلد صلى الله عليه وسلم يتيمًا- وهو القول الراجح - فلم ير أباه، وهذا من فضل الله عليه ليكون قدوة لكل يتيم في يتمه، وُلد كأي طفل فلم تثبت أكثر الروايات التي أضفت على مولده المعجزات والخوارق، اللهم إلا ما رأته أمه كان نورًا خرج منها أضاءت له بصرى من أرض الشام، وشق الصدر عندما كان في الطائف عند حليمة السعدية.

ولا يضير أبا القاسم أن المعجزات توالت بعد شرف النبوة، وتُوِّجت بمعجزة القرآن الكريم الخالدة، وحياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - منذ ولادته حتى انتقاله للرفيق الأعلى، مثل أعلى للمسلمين ومنار للمهتدين؛ لقد سار في حياته من نصر  إلى نصر، وتبعه الصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعون في خير القرون حافظوا جميعًا على سلامة العقيدة، وحملوا الدعوة بعزمات لا تقهر؛ فاستجابت لهم القلوب قبل العقول، وشهد لهم ألد أعدائهم

وما فتىءَ الزمانُ يدور حتى           مضى بالمجدِ قومٌ آخرونا.

﴿۞ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ (مريم: ٥٩)

طال الأمد، وقست القلوب، وتداخلت معتقدات الفرس والرومان، وفلسفة اليونان مع الإسلام- نعني في الاجتهاد الفكري لفهم الإسلام- ومن هنا بدأ خط الانحراف.

هش المسلمون لكل جديد، ومضت فيهم سنة التقليد، وهكذا شأن الأمم الضعيفة.

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم».

قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال: «فمن»؟ وعندما رأى المسلمون النصارى يحتفلون بعيد ميلاد المسيح ابتدعوا «عيد ميلاد رسول الله»

وصاروا في مثل هذا اليوم يُعَطِّلون الدوائر والمؤسسات الحكومية ويقيمون الاحتفالات في المساجد والبيوت وفيها تُتْلى قصة المولد، وهي قصة مكذوبة لا أصل لها ويتبارى الخُطباء، وينشد المغنون، ثم يستوي الناس وقوفًا، يتمايلون يمنة ويسرة، وأعينهم مُعَلَّقة بالورود الجميلة وقطع الحلوى الشهية، وبعد أن يتوصلوا  إلى ولادة آمنة، توزع الحلوى المباركة التي يظنون أنها تنفع للمرضى.

وتمتد الاحتفالات أكثر من شهر، وهو موسم لباعة الحلويات والورود، وقرَّاء القرآن وفِرَق الإنشاد، ويتسابق المترفون لجلب أحسن فرق الإنشاد.

أمَّا ما يُقال في المولد فأقلها الإسراف في مختلف البِدع والأشعار اللاغية اللاهية، والإعراض عن ذكر الله ومنها الاستغاثة برسول الله والتوسل به عند الله، والادعاء بأنه يعلم الغيب.

وكثير ممن يقيم الموالد أناس عصاة لا يؤدُّون حقوق الله عليهم، ونساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت تراهم لا يشهدون الجمعة والجماعة ويحضرون يوم المولد للمسجد لا يزكون أموالهم، ويبذرون أموالًا طائلة في مثل هذا اليوم، هذه بدع دخيلة في ديننا، دخيلة لأن رسول الله وهو أعلم الخلق وأكثرهم عبادة لم يحتفل بعيد ميلاده ولا أوصى بذلك إنما قال:

«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسَّكوا بها وعُضُّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل محدثة بِدعة وكل بِدعة ضلالة».

والناس يعتبرون عيد المولد عبادة ولا تجوز البدعة في العبادات وإن كانت تجوز في بعض العادات.

وفي صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»

والصحابة رضوان الله عليهم في عهد عمر بن الخطاب اعتبروا الهجرة هي مبدأ التاريخ، ولم يقبلوا أن يكون ميلاد رسول الله هو المبدأ والحكمة ظاهرة في ذلك، فالمسلمون أمة متميزة عن غيرها من أمم الأرض، ويرفضون تقليد الضالين من النصارى.

وإذا كان الاحتفال بدون منكرات غير جائز فكيف بما يرافق الموالد من اختلاط بين النساء والرجال وطلب المَدَد من رسول الله وأشياء تصل أحيانا  إلى الشرك الأكبر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكَّد أنه عبد الله ورسوله، وحذَّر من غلو اليهود والنصارى.

«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله».

«إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».

وإذا كان ناس من الناس لا يذكرون الرسول -صلى الله عليه وسلم -.إلا في ربيع الأول فنحن والحمد لله نذكره في كل عمل من أعمالنا، نذكره في كل صلاة نصليها، نذكره أثناء الأذان والجمعة والأدعية والأذكار، ونحبه أكثر من أنفسنا، ونرجو شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون.

ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا بطاعته واتباع هديه.

يقول تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الحجرات: 1)

والذي عليه المفسرون: لا تقدموا بين يدي الله ورسوله بقول ولا فعل، ولا تقضوا أمرًا دون الله ورسوله من شرائع دينكم؛ فيجب أن لا نُقَدِّم على كلام الله ورسوله كلامًا من عندنا، وأن لا نحتكم  إلى غير شريعة الله، وأن نحذر الهوى والغلو والتنطع في دين الله.

ويقول تعالى:

﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: ۲۱)

وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يجب أن نقتدي بها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.

كل نأخذ كلامه وندع إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاحب التجربة الرائدة، الذي عصمه الله من كل هوى، وهو -صلى الله عليه وسلم- أسوة لنا في جهاده وبذله في علمه وعمله وحسن أخلاقه، أسوة لنا في إقدامه ودأبه، في زُهده بالدنيا وإيثاره ما عند الله.

ونحن -المسلمين- اليوم غَدَت بلادُنا نهبًا بأيدي الأعادي، واحتكمنا إلى غير شريعة الله سبحانه وتعالى، وأصبح العاملون إلى الله غرباء في أقوامهم، غرباء بين أهليهم، كل شيء في أجوائنا أصبح سقيما وينذر بالخطر، الربا هو الأصل في المعاملة عند الكثير، الظلم والإفساد في الأرض لا نستطيع دفعهما، الخمر تفشى بين شبابنا، التقليد في كل شيء هو لغة العصر، أهل باريس وواشنطن وموسكو هم الذين يتحكمون بطعامنا وشرابنا ولباسنا، ليس لنا من الأمر شيء.

هذه مناکر لا تليق بمكانة الإسلام وهيبته.

وبالأمس القريب في مثل هذه الأجواء صدع -صلى الله عليه وسلم- بدعوته، وجمع حوله نفرًا من الناس، طهَّر بهم الأرض من رجس المشركين، وأقام حكم الله

وما كان ذلك إلا بصفات أصيلة توفَّرت في ذلك الجيل، ومن سنن الله ﴿ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ﴾ (الرعد: 11).

فتجربة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معروفة وواضحة المعالم، ومعلوم أن الإصلاح ممكن بعد الإفساد.

فتعالوا يا إخوة الدرب نتخلَّص من القيود التي تشدنا  إلى الأرض، ومن شهوات المال والولد والزوج التي وضعتنا في سجن مظلم هو من صنع أيدينا، تعالوا نُظهر اعتقادنا كل بدعة وخرافة، ونفهم عقيدتنا كما فهمها الرعيل الأول قبل أن تتعدد المصادر، ثم نتوجه  إلى الله بقلوب خالية من الضغينة، نسأله إخلاص النية وصدق العزيمة، والتجرد الأمثل.

ما أحوجنا في هذه الأيام التي أدلهم ظلامها، وعظمت المصيبة، وافترق العاملون أن نحسن الالتجاء  إلى الله.

وهذا الذي يرضاه الله ورسوله، أن تعود دولة الإسلام، وأن نطيع الله ورسوله، وهو خير من الرقص والغناء.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ (محمد: ۷)

الرابط المختصر :